وسط عاصفة صحية.. لاكروا: تونس مفلسة اقتصاديا وبلا قيادة سياسية
أجرى رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس، زيارة إلى تونس، 3 يونيو/حزيران 2021، رفقة وفد حكومي، لدعم الاصلاحات في "هذا البلد الصديق"، الذي يعاني أزمات عدة، فاقم حدتها تفشي فيروس كورونا.
وسلطت صحيفة لاكروا الفرنسية، الضوء على زيارة كاستكس، لحضور الدورة الثالثة لمجلس التعاون الأعلى.
ورفض كاستيكس "الخوض في تفاصيل" تعزيز الشراكة الأمنية مع تونس، لكنه قال إن "الأمر يتعلق أيضا بمسألة إعادة قبول الأفراد المتطرفين والمدانين، وضبط تدفق المهاجرين، والأمن في منشآت المطارات والموانئ والتعاون بين أجهزتنا".
كما تعهد خلال لقاء اقتصادي، بـ"دعم الإصلاحات المقررة من قبل السلطات التونسية، التي تهدف إلى تنمية قدراتها في الاستقطاب وتحسين مناخ الاستثمارات".
أزمات متلاحقة
تمر البلاد بأزمة حكم خطيرة، كما تفاوض تونس، التي تقول الصحيفة الفرنسية إنها ماليا على حافة الهاوية، من أجل قرض مع صندوق النقد الدولي للمرة الثالثة في غضون عشر سنوات.
يقول الهاشمي علية وهو خبير اقتصادي يرأس مركز أبحاث تيما ومؤلف كتاب "النموذج التونسي: إعادة بناء الاقتصاد لإنقاذ الديمقراطية" إن "تونس مفلسة ولا يمكن استبعاد مخاطر التخلف عن السداد".
في غضون عشر سنوات، تضاعف الدين الخارجي للبلاد ليصل إلى 104.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020.
يتعين على تونس دفع 4.3 مليارات يورو هذا العام لاستيفاء المواعيد النهائية. وأدى وباء كورونا إلى إفلاس البلاد: انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8.8 بالمئة في 2020.
لكنه لا يزال مزدهرا، فقد تلقى 5.5 بالمئة فقط من السكان الجرعة الأولى من اللقاح، في نهاية مايو/أيار (تلقى 2.6 بالمئة جرعتين).
في 31 مايو/أيار، أبلغ وزير الصحة فوزي مهدي البرلمان بخطر بلوغ الموجة الرابعة ذروتها في أغسطس/آب، حسب إذاعة موزاييك إف إم، في وقت لا يزال البلد في خضم الموسم السياحي.
ويقدر الهاشمي علية أنه إذا منح صندوق النقد الدولي قرضا - قيد التفاوض حاليا - فسيكون على الأكثر من 1.6 إلى 2.5 مليار يورو بسبب انخفاض قدرة تونس الاستيعابية.
ويذكر هنا أن آخر قرض بقيمة 2.2 مليار يورو تم تجميده في منتصف الطريق.
حكومة ضعيفة
في مواجهة حالة الطوارئ شرع رئيس الوزراء هشام المشيشي في جولة دولية، حيث كان في شهر مايو/أيار في كل من ليبيا وقطر، وسيتوجه قريبا إلى سويسرا وبعدها إيطاليا.
تعهدت قطر بتقديم 1.6 مليار يورو وليبيا بتقديم 800 ألف يورو، في شكل ودائع تأمينية لدى البنك المركزي بشكل أساسي.
يقول علية: "لكن في الوقت الحالي، لم يتم إضفاء الطابع الرسمي على أي شيء". يتساءل بقوله "من لديه الاستعداد لدعم حكومة ضعيفة؟".
ويضيف "فهمت الولايات المتحدة ذلك جيدا: لقد منحت تبرعا بقيمة 400 مليون يورو لمنع القارب التونسي من الغرق، ولا شك أن صندوق النقد الدولي سيفعل الشيء نفسه، في إطار مكافحة كورونا".
بالنسبة للخبير الاقتصادي الهاشمي علية فإن “المشكلة سياسية في المقام الأول، فالبلد بدون قيادة".
وصلت المشكلة الهيكلية لتقاسم السلطة - المرتبطة بغموض دستور 2014 ، والحرص على الحذر من أي خطر نحو الانجراف الاستبدادي - إلى ذروته مع المعركة الوحشية التي خاضها الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.
لدرجة أن الوزراء أقيلوا في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط - بما في ذلك الذين كانوا يحملون حقائب العدل والداخلية والصناعة والزراعة، ووزير أملاك الدولة، إلخ، فيما لم يتم استبدالهم.
ويعمل الفريق المتبقي في هذه الحقائب الوزارية، بدءا من هشام المشيشي الذي يشغل منصب وزير للداخلية بالنيابة.
عاصفة اقتصادية وصحية
يقول حكيم بن حمودة، الذي كان وزيرا للاقتصاد لمدة عام بين 2014 و2015 إن “هذا التغيير في الحكومة ، في خضم عاصفة اقتصادية وصحية، كان يهدف بشكل خاص إلى عزل بعض الوزراء المقربين من الرئيس لضمان دعم البرلمان".
منذ ذلك الحين، عارض الرئيس أداء اليمين لوزراء معينين رسميا، لأن لدى بعضهم شبهات فساد.
والواضح أنه وفقا لجميع المراقبين التونسيين والدوليين، فإن الفساد والاقتصاد النقدي الذي ازدهر في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، لم يزدهر منذ عشر سنوات.
يقول الخبير الاقتصادي عبد الجليل بدوي قلقا "نحن نكابد بشدة لإيجاد موارد خارجية دون مهاجمة علل البلاد، في ظل عدم محاربة التهرب الضريبي والمزايا الضريبية التي تعزز اقتصاد الريع، وعدم محاربة الاقتصاد الموازي الذي يحتكر جزءا من الثروة دون المساهمة في حياة البلد".
في هذا السياق من المشاكل المالية وأزمة الحكم، انعقد المجلس الأعلى للتعاون الفرنسي التونسي الثالث بحضور رئيس حكومة فرنسا وعدد من وزرائه.
تقدم الحكومة في المحصلة ثلاث آلات لإنتاج الأكسجين للمستشفيات التونسية. يتركز في تونس ما يقرب من 1500 شركة فرنسية، يعمل بها 150 ألف شخص.
هناك شركات تعاقد تعمل في تونس و تشحن منتوجها نحو فرنسا، مما يجعل من باريس العميل الأول للدولة المغاربية.
من ناحية أخرى، فإن فرنسا هي المورد الثاني تحديدا بعد إيطاليا، وربما الثالث قريبا: بمعدل تقدم المنتجات الصينية، ستصعد بكين قريبا إلى المركز الأول.
أكد فرانسيس جايلز الخبير الاقتصادي في مختبر الأفكار الإسبانية بمركز برشلونة للشؤون الدولية أن "الواردات التونسية من تركيا والصين زادت بنسبة 40 و50 بالمئة على التوالي بين عامي 2010 و 2019، بالتوازي مع انخفاض بنسبة 28 بالمئة في الواردات من فرنسا".
وقال الهاشمي علية إن "هذا الاجتماع إستراتيجي بالنسبة لفرنسا التي تحتاج إلى الحفاظ على مكانتها في تونس، وليس من المؤكد أن الأمر لا يقل أهمية بالنسبة للقادة التونسيين، الأكثر عروبة والمتحمسين في البداية للتوجه إلى تركيا وآسيا والدول العربية ".