"مسيحيون صهاينة".. تيار ديني أميركي يدعم إسرائيل ويؤثر في البيت الأبيض

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

"رؤساء أميركا المتصهينون يعتقدون أنهم يساعدون الله بإقامة دولة يهودية بفلسطين للتعجيل بنهاية الزمان".. عندما قال هذه الجملة المفكر اللبناني الدكتور محمد السماك، تشير إلى ارتباط صناع القرار الأميركي بتيار الصهيونية المسيحية المنتشر شعبيا في البلاد. 

خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على الشعب الفلسطيني، الذي بدأ في مطلع مايو/أيار 2021 بمحاولات اقتحام حي الشيخ جراح وتهجير سكانه لصالح المستوطنين الصهاينة، ثم القصف الغاشم لقطاع غزة المحاصر، كانت هناك جهود دولية لوقف العدوان ومنع إراقة مزيد من دماء المدنيين.

لكن الولايات المتحدة رفضت خلال أسبوع واحد 3 محاولات لإصدار بيان مشترك في مجلس الأمن يحث إسرائيل على إيقاف هجماتها.

ازداد الأمر عندما دعت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وبقية الفصائل الفلسطينية إلى الوقف الفوري للهجمات الصاروخية ضد جيش الاحتلال.

أثار الأمر التساؤل القديم المتجدد عن سر الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل، حتى أن رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين، يشددون على سياستهم الرامية لحفظ أمن تل أبيب قبل كل شيء. 

ومن الإجابات الواردة على هذا السؤال، وجود تيار "المسيحيون الصهاينة" المنتشر على صعيد واسع بين الشعب الأميركي، ويمتد تأثيره إلى مؤسسات الحكم مثل البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، بالإضافة إلى حكام الولايات. 

فما هو هذا التيار؟ وما هي عقيدته تجاه إسرائيل؟ ومن أبرز وجوهه؟ 

النشأة والمعتقد

حركة الصهيونية المسيحية، والتي تعرف اصطلاحا بـ"Christian Zionism"، هي معتقد سائد بين المسيحيين تحديدا المنتمين إلى الكنيسة البروتستانتية التي يعود تأسيسها إلى القرن الـ16 الميلادي على يد مارتن لوثر، وترتكز في الأساس على أن عودة اليهود إلى الأرض المقدسة، وتأسيس دولة إسرائيل، يتم وفقا للنبوءة التوراتية.

لذلك فإن فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين آمن بها البروتستانت قبل اليهود أنفسهم، وهي أبرز مشترك يجمع بين الطرفين. 

حركة المسيحية الصهيونية نشأت وبرزت كشبه تجمع وتنظيم في إنجلترا خلال القرن الـ17، حينما ارتبطت بالسياسة، وفعلت تصور قيام دولة يهودية حسبما زعمت نبوءة الكتاب المقدس.

ومع بدء الهجرات الواسعة للبروتستانت وأفراد هذه الحركة إلى الولايات المتحدة أخذت أبعادا سياسية واضحة وثابتة وصارت أكثر انتشارا ورسوخا. 

في بدايات القرن العشرين أخذت الحركة تتوسع بقوة في الأوساط الأميركية المختلفة بفضل جهود لاهوتيين بروتستانت مثل دوايت مودي، الذي أسس معهد "مودي للدراسات الكتابية في شيكاغو"، وسكوفيلد ويليام بلاكستون. 

لكن 1979 كان عاما استثنائيا للصهاينة المسيحيين في الولايات المتحدة، عندما أنشأ القس "جيري فالويل" منظمة الأغلبية الأخلاقية، التي تضم لجان سياسة لمسيحيين ذوي توجهات محافظة من أهدافها العمل على التعبئة والدعاية لانتخاب المرشحين المحافظين. 

بلغ عدد أعضاء المنظمة 6 ملايين ما جعلها كتلة انتخابية ضخمة عزي إليها فضل نجاح رونالد ريغان في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 1980. 

بعدها استطاع "فالويل" قائد الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة أن يفرض مبادئه على صناع القرار.

 ومما جاء في أحد المبادئ الأربعة التأسيسية التأكيد على "دعم إسرائيل والشعب اليهودي في كل مكان". 

وفي عام 1980 صرح "فالويل" بأن "الله بارك أميركا لأنها باركت اليهود، وإذا أرادت هذه الأمة أن ترى حقولها محافظة على بهائها، وإنجازاتها العلمية محافظة على ريادتها، وحريتها محمية، فعليها أن تبقى واقفة إلى جانب إسرائيل".

 

تأثيرات عميقة

يتخطى كل ذلك، تأثير اليهود المقيمين في الولايات المتحدة لصالح إسرائيل، فنسبة اليهود في البلاد أقل من 3 بالمئة، لكن نسبتهم في مجلس الشيوخ تصل إلى 10 بالمئة بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية.

 لذلك، فإن الصوت اليهودي ليس أهم عامل أو مؤثر في الانتخابات مقارنة بتيار الصهيونية المسيحية الذي يصل إلى الملايين.

وذكرت على سبيل المثال ولاية "مينيسوتا" التي يمثلها يهودي دائما في مجلس الشيوخ منذ عام 1978، رغم أن عدد اليهود بها لا يتجاوز 1 بالمئة، لكن بها عددا كبيرا من المسيحيين الصهاينة. 

وهو ما جعل السفير السابق لإسرائيل في واشنطن "رون ديرمر" يقول إن "المسيحيين الإنجيليين يشكلون العمود الفقري لدعم إسرائيل في الولايات المتحدة، في حين أن اليهود أقل بكثير من حيث العدد ويضمون بعض أشد منتقدي الدولة اليهودية".

وطالب السفير الإسرائيلي السابق أن "تعطي إسرائيل الأولوية للدعم الحاسم والقاطع، للمسيحيين الإنجيليين والذي يتفوق على تأييد اليهود الأميركيين".

وقال ديرمر "على الناس أن يفهموا أن العمود الفقري لدعم إسرائيل في الولايات المتحدة هم المسيحيون الإنجيليون، هذا صحيح بسبب ارتفاع أعدادهم، وأيضا بسبب دعمهم العاطفي والقاطع لها".

 

سر الانتشار

الذي يفسر الانتشار الضخم للصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة، وسر تأثيرها على صناع القرار الأميركي، دونا عن أوروبا وغيرها من الدول، ما قاله الدكتور محمد السماك، الأمين العام للجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار، وعضو مجلس إدارة مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، في كتابه "الصهيونية المسيحية".

أورد السماك أن "المجتمع الأميركي أكثر تدينا من أوروبا، فبحسب العديد من الإحصائيات يذهب 14 بالمئة من سكان أوروبا المسيحيين إلى الكنائس مرة في الأسبوع".

أما في الولايات المتحدة، فعدد الذين يذهبون إلى الكنائس يقدر بـ 47 بالمئة، وكذلك يتأثر الإنسان الأميركي بالنظريات الدينية وما ورد في الكتاب المقدس، وفق قوله. 

وأضاف: "المنضوين تحت لواء حركة الصهيونية المسيحية ليسوا أشخاصا عاديين، ففيها أفراد ينتمون إلى المؤسسة السياسية، ومنهم أعضاء في الكونغرس".

بل إن الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، كان أحدهم، حتى أنه وصل لمرحلة أن يقول وهو رئيس أكبر دولة في العالم (أتمنى أن أضغط على الزر النووي حتى تقع معركة هرمجدون، وأعجل بذلك بالعودة الثانية للمسيح)".

وذكر أن عقيدة هذه الحركة تدعم إسرائيل وتحرص عليها أكثر من اليهود أنفسهم، ووصل الأمر إلى محاولات متعددة من قبل أفراد ينتمون إلى المسيحية الصهيونية لحرق وهدم المسجد الأقصى.

وهو ما حدث تاريخيا في الواقعة الشهيرة عندما تم حرق الأقصى عام 1969، فالذي قام بالفعلة هو مسيحي صهيوني من أستراليا، يدعى (دينيس مايكل)".

وأورد: "لذلك فإن العقدة الأساسية التي تدور حولها كل نظريات المسيحية الصهيونية، هي العودة الثانية للمسيح، أما مصير الإنسانية والبشر، فكل هذا لا قيمة له، طالما أنه يمهد لهذه العودة". 

 

لأجل إسرائيل 

عضد هذا الطرح الباحث السياسي المقيم في واشنطن، محمد المنشاوي، الذي تحدث في مقال بتاريخ 15 مايو/ أيار 2021، عن ذلك التيار ومدى تأثيره داخل الولايات المتحدة الأميركية.

تحدث المنشاوي عن وجود استطلاعات تؤكد أن عدد المسيحيين الصهاينة الذين هم أساس الكنيسة البروتستانتية، في الولايات المتحدة يتجاوز 50 مليون أميركي.

وهم أيضا يقيمون أكبر التحالفات المقدسة وأكثرها خصوصية مع اليهود وتل أبيب، حيث يرفعون شعارهم الدائم "صلوا من أجل إسرائيل"، وفق قوله.

وقال: "تحظى إسرائيل بدعم غير محدود من التيار الإنجيلي بأميركا (المسيحيون الصهاينة) تجلى خلال أعمال العنف التي اندلعت عقب اقتحام جنود الاحتلال للحرم المقدسي وعزم الحكومة الإسرائيلية ترحيل سكان حي الشيخ جراح من منازلهم". 

وأضاف: "يجمع أغلب فئات المسيحيين الصهاينة، على الدعم غير المحدود وغير المشروط لإسرائيل، في وقت لا يكترث فيه هذا التيار بحقوق الفلسطينيين المنطقية والمشروعة".

وذكر "تكرر شعار -صلوا من أجل إسرائيل- في مختلف الإذاعات المحلية الكنسية المحافظة، إضافة لظهوره على شاشات المحطات التلفزيونية المسيحية والمحافظة مثل شبكة البث المسيحي، وغيرها". 

واستطرد: "تعتبر مؤسسة -مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل- التي تأسست عام 1981 ويزيد عدد أعضائها على 10 ملايين شخص، المؤسسة الأكبر بين مؤسسات إنجيلية أميركية عديدة يجمعها هدف الدفاع عن تل أبيب وتقديم الدعم لها في كل الصور الممكنة".

وأورد: "تركز عمل المؤسسة على مواجهة أي انتقادات لإسرائيل سواء في وسائل الإعلام أو حرم الجامعات أو بين أعضاء مجلسي النواب والشيوخ".