رجل إيران.. هل يواجه ماهر الأسد صراعا خفيا لتقليص نفوذه في سوريا؟
بدأت صورة "ماهر" شقيق رأس النظام السوري بشار الأسد تهتز، في مشهد غير مألوف، يعكس مدى تسارع الخطوات لإزاحته عن الواجهة وتقليص نفوذه العسكري والاقتصادي في سوريا، ويؤكد على ضراوة المعركة بين أقطاب الدائرة الضيقة الحاكمة.
وأكدت شبكة "صوت العاصمة"، في 6 مايو/أيار 2021، أن الحواجز العسكرية التابعة لمليشيا "الفرقة الرابعة" بدأت إزالة صور قائدها ماهر الأسد، من مناطق العاصمة دمشق وريفها واستبدالها بأخرى لرأس النظام.
وبينت الشبكة أن عمليات إزالة الصور تزامنت مع قرارات عممت على كافة عناصر "الفرقة الرابعة" في ريف دمشق، تقضي باستبدال لباس عناصرها بزي الشرطة العسكرية التي تتولى مهمة ملاحقة المطلوبين للخدمة الإلزامية.
تحجيم ماهر الأسد
كما وجهت استخبارات الأسد إنذارات لأصحاب السيارات التي تحمل صور ماهر الأسد، بإزالتها واستبدالها بأخرى لبشار تحت طائلة الملاحقة الأمنية.
ولم يطلب إزالة صور ماهر عندما ترشح شقيقه بشار لانتخابات الرئاسة عام 2014؛ حيث كانت البلاد في حالة ثورة شعبية، وفي وقت ترتكب فيه مليشيا "الفرقة الرابعة" المجازر بحق السوريين وتنفذ عمليات اعتقال عشوائية وتهجير قسري للأهالي بهدف إخماد الثورة.
لكن معطيات كثيرة تغيرت وصراعات في بيت الأسد طفت على السطح، وأبرزها خوض أسماء زوجة بشار صراعا خفيا مع ماهر، أكده رئيس الوزراء السوري المنشق، رياض حجاب، في مايو/أيار 2020.
وكتب "حجاب" في سلسلة من التغريدات، أنه "بالإضافة إلى الخلاف القائم بين أسماء الأخرس ورامي مخلوف، هناك صراع آخر في الكواليس بين أسماء وبين ماهر وزوجته منال جدعان"، مبينا أن "الخلاف القائم يعكس تفكك الدائرة الضيقة المحيطة ببشار الأسد".
بالإضافة إلى الخلاف القائم بين #أسماء_الأخرس ورامي مخلوف؛ هنالك صراع آخر في الكواليس بين أسماء وبين #ماهر_الأسد وزوجته منال جدعان، كما يدور في الخفاء صراع بين رجال الأعمال المحسوبين على آل الأسد، وآل مخلوف، وآل #شاليش، ما يفسر إجراءات الاعتقال والحجر ومنع السفر. pic.twitter.com/XaCEsg9GIH
— د.رياض حجاب (@MediaPmoffice) May 20, 2020
محاولات تحجيم ماهر الأسد وتقليم أظافره وإن كانت هذه المرة عبر بوابة الانتخابات الرئاسية المزعومة والمقررة بـ 26 مايو/أيار 2021، فسرها أيمن الدسوقي، الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، على أنها محاولة من النظام "لامتصاص نقمة السكان تجاه الفرقة الرابعة، سيما في مراكز المدن الكبرى".
وأوضح الدسوقي في تصريح لـ "الاستقلال" أن اسم فرقة ماهر "ارتبط بتجارة الخردة والترفيق والتعفيش وتجاوز القانون"، منوها إلى أن "استخدام الفرقة لزي الشرطة العسكرية هو للإيحاء بأن لا جهة عسكرية فوق القانون".
وتتحكم مليشيا "الفرقة الرابعة" بتأمين الحماية الأمنية من السرقة أو الاعتداء لشاحنات البضائع والمواد الغذائية التي تتنقل بين محافظات مناطق نفوذ النظام، لقاء تلقي المليشيا مبالغ مالية ضخمة ويسمى ذلك محلياً "الترفيق".
كما تجني "الفرقة الرابعة" ملايين الدولارات من عمليات "التعفيش"، وهو مصطلح محلي يرمز إلى سرقة ونهب أثاث وأدوات المنازل والمحلات من المدن والبلدات السورية أثناء العمليات العسكرية وبعد فرض السيطرة على تلك المناطق، حيث يتم إفراغ البيوت من محتواها وبيعها في أسواق مخصصة بأسعار بخسة.
لكن توجيه ضربة جديدة لماهر الأسد في هذا التوقيت، لا يمكن فصله عن التحركات السابقة لتشويه صورته وإن كان إعلاميا، لا سيما حينما فتحت صحيفة "براڤدا" الروسية النار على من وصفتهم بـ "عشيرة الأسد" وركزت على ماهر في تقريرها الصادر بتاريخ في 14 أبريل/نيسان 2020.
وكشفت الصحيفة في تقريرها آنذاك أن ماهرا مرتبط بقضايا فساد ويهيمن على 15 بالمئة من اقتصاد سوريا، مشيرة إلى أنه حصل على مليار دولار لمشاركته في الالتفاف على العقوبات الدولية ضد الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، ضمن برنامج تصدير الأغذية والدخان.
وأضافت الصحيفة أن اقتصاد ماهر يعتمد على شخصيات تبتز الشركات العاملة في البناء وتأخذ منها حصصا، واصفة إياه بأنه "ليس فقط مجرما اقتصاديا وإنما يداه ملوثتان بالدم"، وضالع بجريمة قتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري عام 2005، حسب "البراڤدا".
وفي هذا السياق رأى الخبير الاقتصادي ورئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي، أن "رحلة محاربة أجنحة بشار الأسد بدأت منذ المقالة الاستثنائية لصحيفة براڤدا".
واستدرك بالقول في تصريح لـ "الاستقلال": "بدا واضحا أن الدور بعد رامي مخلوف سيأتي على ماهر الأسد، وبلا شك بأن الضوء الأخضر قادم من موسكو".
وأشار القاضي إلى أن "الواجهة هي أسماء الأسد، لكن عمليا تريد الشركات الروسية الدخول بسلاسة جدا بدون أي مشاكل إلى عمق الاقتصاد السوري بعد التدخل العسكري الواسع والاستيلاء على معظم القطاعات الاقتصادية، وعلى الأقل صوريا بالنسبة للنفط كونه ما يزال تحت سيطرة النفوذ الأميركي".
واعتبر رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أن ما يجري لماهر الأسد، هو "مسار طبيعي سيسهل عملية دخول الشركات الروسية بشكل ضخم إلى مفاصل الاقتصاد السوري وسيزيل أثره من الحياة العامة السورية، وخاصة أن روسيا ترى في ماهر واجهة وأداة إيرانية في ضبط المشهد السوري".
أردف: "بالتالي روسيا لن ترتاح في سوريا إلا بعد إزاحة طهران من المشهد الاقتصادي السوري عن طريق ماهر الأسد المعروف بولائه لها"، مبديا اعتقاده بأن "بشار وزوجته هما المسؤولان عن إزالة هذين الجناحين".
حملة متعددة الأطراف
ومنذ مطلع عام 2019 بدأت حملة مفاجئة تحت اسم "مكافحة الفساد"، لإعادة هيكلة القطاع الاقتصادي السوري بما يضمن إعادة تموضعه بيد بشار الأسد بشكل رئيس، وبدا واضحا أن أسماء باتت مكلفة بالحملة.
وبشكل غير متوقع طالت الحملة رامي مخلوف ابن خال بشار وأحد أغنى أغنياء سوريا والذي جرى الحجز على ممتلكاته وأرصدته المالية في مايو/أيار 2020 ليظهر لاحقا صراع بين أسماء وماهر من جهة أخرى، الأمر الذي حصره مراقبون حينها في زاوية الخلاف على تقاسم تركة مخلوف الهائلة.
وبحسب منظمة "مع العدالة"، فإن الفرقة الرابعة تولت عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011 الدور الرئيس في عمليات قمع السوريين، نتيجة عدة اعتبارات.
أهمها وفق المنظمة، أن الفرقة الرابعة هي وريثة "سرايا الدفاع" التي ارتكبت مجازر في ثمانينيات القرن الماضي ضد أبناء الشعب السوري وخصوصا في مدينة حماة 1982.
كما أن أغلب عناصر الفرقة الرابعة هم من الطائفة العلوية التي ينحدر منها بشار وماهر الأسد.
وتعد "الفرقة الرابعة" امتدادا لـ "سرايا الدفاع" التي أسسها رفعت الأسد شقيق حافظ، حيث أدمجت تلك السرايا في الفرقة بعد نفي رفعت عام 1984 خارج سوريا.
ليصل أعداد أفراد الفرقة لاحقا إلى 15 ألف عنصر مهمتهم حماية العاصمة دمشق، قبل أن تنخرط في قمع الثورة السورية بشكل "وحشي".
وأمام سير تطورات المعارك بدأت فرقة ماهر الأسد بتجنيد فصائل شيعية عراقية ضمن صفوفها، كمليشيا "لواء الإمام الحسين الشيعي"، لتصبح ضمن المعسكر الإيراني ويحسب ماهر على إيران لا على روسيا.
وأكد القيادي في المعارضة السورية العميد الركن فاتح حسون، في تصريح لـ "الاستقلال"، أن "ماهر الأسد هو حليف إيران الأول".
وأضاف أن "نشاط طهران التوسعي في سوريا وزيادة نفوذها ودعمها لماهر الأسد والضباط المحسوبين عليه أزعج روسيا؛ كون الفرقة الرابعة مسيطرة على أهم مفاصل ومناطق الدولة".
وهو الأمر الذي يعيق قدرة روسيا على فرض أولوياتها، وهو ما جعل روسيا تتخذ بعض القرارات العسكرية والأمنية لتضييق الحلقة على ماهر وحلفائه.
ويذهب العميد حسون إلى أن "مصير ماهر الأسد بات محسوما عند الروس ولن يكون له أي دور في مستقبل سوريا بنظرهم، ولهذا تمت عزلته عبر تضييق الخناق عليه وعلى المحسوبين عليه".
وحول طبيعة هيكلية الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، بين العميد الركن خلال حديثه أنها "تعتبر من أكثر الفرق العسكرية تجهيزا كما تعتبر هيكلية هذه الفرقة من أكثر الفرق طائفية".
وأشار إلى أن "اختيار عناصرها يتم على هذا الأساس، مما جعل انتماءها وولاءها لإيران مطلقا، وهذا ما جعل طهران تفكر في إعادة تصديره للواجهة من جديد كبديل لبشار وهو ما تتصدى له روسيا".
ويتفق أيمن الدسوقي، الباحث في مركز عمران مع حسون على أن التدخل العسكري الروسي منذ سبتمبر/أيلول 2015 "أعاد تعريف دور الفرقة الرابعة وانتشارها".
ففي حين خفف التدخل الروسي الضغط العسكري على الفرقة الرابعة، إلا أنه شكل قيودا على تموضعها الجغرافي ودورها الاقتصادي.
وضرب الدسوقي في تصريح لـ "الاستقلال" أمثلة على ضغط الروس على ميليشيا "الفرقة الرابعة"، ومنها "تحجم دور المكتب الأمني للفرقة في ميناء طرطوس بعد تشغيله من قبل شركة روسية يديرها شخص مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وكذلك "اضطرار الفرقة إلى التقليل من حواجزها العسكرية المنتشرة على طريق دمشق_ اللاذقية استجابة لتوجيهات صدرت في يونيو/حزيران من عام 2020، كما أخلت الفرقة نقاطها المنتشرة في محيط مدينة الباب في فبراير/شباط 2021 لصالح قوات من اللواء 16 المدعوم روسيا".
ويبقى الحديث عن وجود رغبة روسية بسحب "الفرقة الرابعة" من نفوذ إيران مطروحا على الساحة العسكرية السورية، وخاصة أن لدى موسكو نية للهيمنة على المؤسسات العسكرية الرسمية وإعادة هيكلتها وتنظيف هذه المؤسسات من أذرع طهران المتغلغلة فيها، وفق الكثير من التقارير الصحفية.
لهذا ذهب الباحث في مركز عمران إلى أن الروس يعملون على مسارين في هذا الاتجاه، "الأول احتواء نفوذ الفرقة الرابعة وضبط انتشارها الجغرافي، والثاني يتصل بالاستثمار بهياكل عسكرية موجودة أو مستحدثة، لضمان نفوذهم في المؤسسة العسكرية ومثال ذلك اللواء 16 والفرقة 25 - مهام خاصة بقيادة سهيل الحسن".
وكانت روسيا أحدثت الفرقة "25 - مهام خاصة" ضمن تشكيلات قوات الأسد، بعدما اعتمدت تسميتها في أواخر أغسطس/آب 2019 بدلا عن "قوات النمر" التي يقودها العميد سهيل الحسن رجل روسيا الأول في سوريا وسلمته قيادة الفرقة الجديدة.
ولاحقا برزت خلافات واشتباكات على النفوذ في بعض مناطق الساحل السوري بين قوات ماهر الأسد وسهيل الحسن، الأمر الذي أدرج تحت صراع الأجنحة الإيرانية والروسية في البلاد.