قراصنة الذهب الأسود.. وثائقي يروي قصة مافيا النفط في فنزويلا
سلطت صحيفة إسبانية الضوء على الفيلم الوثائقي "سماء ملبدة بالغيوم" للمخرج الإسباني ألفارو بولبيرو الذي ظهر لأول مرة بنجاح كبير ودولي في أهم مهرجان بالعالم في مجاله، مهرجان "كوبنهاغن الدولي للأفلام الوثائقية" (بالدنمارك)، ويحكي قصة "الأرض المحرمة" ومافيا النفط في فنزويلا.
وأوردت "لاراثون" أن هذه "الأرض المحرمة" تحرسها أكثر البوارج فتكا للبحرية البوليفارية وتتبعها السفن الأميركية عن كثب، ولكن، كما لو كانت إناء يكاد يفيض بترولا، توليها "مافيات" النفط اهتماما فائقا، حيث نجحت في تأمين حياة مزدهرة بفضلها، وكأنهم قراصنة الذهب الأسود في منتصف عصر المعلومات.
ونقلت الصحيفة أن مخرج الفيلم الوثائقي صرح لها أنه "مهووس بهذه الرواية" التي تتحدث عن بلد كسره اكتشاف العديد من رواسب النفط وعن التدخل "الأميركي" الذي تسبب في أضرار أكثر مما تم إصلاحه.
كما أن الفيلم الوثائقي مليء بالصور التي يصعب إزالتها من الذاكرة عن "تلك الدولة الفاشلة التي يتحدث عنها كل العالم ولا يهتم بها إلا القليل".
مثير للاهتمام
وأوردت الصحيفة للمخرج قوله: "لقد أردت أن يتطرق الفيلم إلى قضايا مثل الهوية الوطنية، لكن بالطبع دون الكليشيهات النموذجية المستخدمة عادة".
وأضاف "أردت الحديث عن الانهيار الرمزي والمادي لدولة قومية أميركية؛ حيث إنه في ظل غياب حكومة واضحة أو مستقبل واضح، يتم إنشاء مناطق استثناء في الحدود الجغرافية، ويعيش الناس بعيدا عن النشيد الوطني والعلم".
ويواصل بولبيرو متحدثا عن نشأة الفيلم: "ذهبت إلى الحدود بين كولومبيا و فنزويلا عام 2015، وهناك وجدت سلسلة من الهويات والخصوصيات التي كانت قد بدأت في الظهور في ذلك الوقت، خاصة بسبب الهجرة الفنزويلية التي جاءت على طول الساحل، اعتبارا من 2016، وبسبب واقع فنزويلا، وبصفتي إسبانيا، رأيت الهجرة بنفسي".
وأوضح أن "الواقع الفنزويلي الكلاسيكي كان قبل التشافيزية (هوغو تشافيز) قريبا جدا مني، لكن الواقع الحديث مختلف جدا، لقد رأيت السلاسل الأولى للهجرة الجماعية التي كانت موجودة قبل الوباء، لذلك بدأت في التحقيق، فأجريت رحلات أقرب إلى الحدود، وكانت نقطة الاتصال الأولى التي وجدتها هي نقطة لتهريب البنزين".
وأضاف بولبيرو: "منذ اللحظة التي زرعنا فيها الكاميرا، بدأنا نرى كيف يتم تهريب البنزين وكيف أصبح هؤلاء الأشخاص قراصنة شبه مرتزقة، هذا هو المكان الذي يصبح فيه هذا العمل مثيرا للاهتمام بالنسبة لي، لأنه لا يمتثل لكليشيهات".
واستدرك قائلا: "لكن هناك أيضا عامل سياسي يختفي وراءه، مع عامل اقتصادي مثير جدا للاهتمام: فهم يأخذون بوعي آخر قطرات الثروات الفنزويلية خارج البلاد".
وأوضحت الصحيفة أنه "في هذه المعركة الاقتصادية يلعب العامل الجيوستراتيجي دورا مهما، لأنه رغم وجود كميات هائلة من النفط الخام، إلا أن فنزويلا لا تمتلك المذيبات والمواد الكيميائية اللازمة لصنع النفط، ويعود هذا الأمر تحديدا إلى العقوبات الاقتصادية الأميركية وقراراتها السياسية التي تجبر البلاد على الانحياز لروسيا أو إيران بحثا عن المواد الخام".
وأوردت أن المخرج الإسباني أشار إلى أنه "عندما وصل إلى الحدود بين البرازيل وكولومبيا، توقع شيئا مشابها للحياة في كوكوتا الكولومبية، ذات الحدود المزدحمة".
وانتظر أن يلتقط مشاهد صحفية يمكن أن توضع على غلاف مجلة نيويورك تايمز الأميركية.. لكنه لم يجد شيئا من هذا القبيل، وعلى وجه الخصوص تمر الحياة على الحدود بين البرازيل وكولومبيا عبر خيمتين للأمم المتحدة "لا يتم فيهما فعل أي شيء".
وواصل بولبيرو قائلا: "في أشهر التصوير، بين نوفمبر/تشرين الثاني 2018 وفبراير/شباط 2020، رأينا كيف تحول ذلك الهدوء إلى توتر فوضوي، مع كل الأحداث السياسية التي كانت تجري، والتخفيض الوحشي للعملة".
تناقضات صادمة
وأشارت الصحيفة إلى أن فيلم "سماء ملبدة بالغيوم"، مليء بـ"الصور المذهلة وغير الواقعية لتلك الكاتدرائيات الحديثة التي تحولت إلى مصافي فنزويلية ضخمة، كما سرد مقاطع تتخللها قصص صامتة تتحدث عن الفئة الفنزويلية التي تم التخلي عنها، وبقي مصيرها بين أيدي الحظ والقرصنة".
ولتجسيد هذا الواقع، نقل المخرج مشهد سيارة متداعية تجوب البلاد وتسمح لترددات الراديو بالتحدث نيابة عن شخصياته، بخطب حماسية ومضحكة للرئيس نيكولاس مادورو أو اللغط المعتاد للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وتهديداته التي لم تتجسد على أرض الواقع.
وعلق المخرج قائلا: "ما يهمني في كل هذه القصة هو الشخص الذي يعيش في ذلك الضجيج، في ذلك الهامش وبين هذين الخطابين اللذين ينفرانه، من جانب آخر، فإن الصحافة، رغم هذه الحقائق المأساوية، سواء التي تغطي فنزويلا في الداخل أو الخارج؛ تتحدث عن واقع البلاد بطريقة منحازة للغاية، وسيئة جدا".
ويواصل قائلا: "من بين التناقضات الصادمة، يمكن الإشارة إلى النية الأخلاقية لشعب لا يريد أن يخون وطنه، كما هو متهم بذلك، لكنه لا يريد أيضا تجويع نفسه والوصول إلى الماء أو الطعام الذي يحتاجه".
ويتجلى هذا الواقع بشكل واضح -حسب بولبيرو- على جانبي الحدود، حيث لا يكاد يوجد أي عمل والأسواق الشعبية التي بدلا من اللحوم أصبحت مليئة بالغضاريف والعظام.
وأضافت الصحيفة أن مخرج "سماء ملبدة بالغيوم" يرى أن "حقيقة تلك المنطقة المنهوبة والفقيرة لدرجة أنها تتجاوز من هو في السلطة، ترجمت إلى تعقيدات أثناء التصوير في فنزويلا أو البرازيل أو كولومبيا".
وختم بولبيرو تصريحاته بالقول: "يضاف إلى هذه التعقيدات عواقب الحصار الاقتصادي الذي نما ليصبح أحد أكبر تدفقات الهجرة في العالم، وكان علينا أن نوضح باستمرار للجيش أننا أردنا أن ننقل شيئا بسيطا ومجردا أكثر مما كانوا على استعداد لفهمه".