رسالة قاسية.. كيف وجه الفيلسوف الألماني هابرماس صفعة لابن زايد؟

12

طباعة

مشاركة

"صفعة قوية" وجهها الفليسوف الألماني يورغن هابرماس لولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد، بعد رفضه جائزة "الشيخ زايد للكتاب" للعام 2021.

وكان الموقع الرسمي للجائزة قد أعلن أن اللجنة المشرفة منحت الفيلسوف وعالم الاجتماع البارز هابرماس لقب شخصية العام الثقافية ومنحته الجائزة المالية المخصصة وقدرها نحو مليون درهم (272 ألف دولار) تقديرا لمسيرته المهنية التي تمتد لأكثر من 5 عقود.

غير أن صحيفة "شبيغل" الألمانية أعلنت عبر موقعها الالكتروني في 2 مايو/أيار أن هابرماس اعتذر عن قبول "جائزة الشيخ زايد"، بعد أن وافق عليها، مضيفة نقلا عنه أن قراره السابق بقبولها "كان أمرا خاطئا، والفيلسوف يظل مخلصا لقيم فكره التنويري".

وأوضحت أن "قرار الاعتذار عن قبول الجائزة يأتي جراء مخاوف لدى هابرماس بشأن ملف حقوق الإنسان في الإمارات وعموم منطقة الخليج".

ويعد هابرماس المولود في 18 يونيو/حزيران 1929، من أبرز علماء الاجتماع وأشهر الفلاسفة والمنظرين الذين أسسوا للفكر الغربي الحديث وتناولوا نظرية المعرفة وقدموا تحليلات عن الرأسمالية المتقدمة، وأثروا في العالم من خلال كتبه التي زادت عن 50 كتابا في الفلسفة والنظرية الاجتماعية وترجمت لعدة لغات.

موقف أخلاقي

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الكاتب والصحفي اليمني، فهد سلطان: إن "المفكر هابرماس، عندما رفض جائزة دولة الإمارات سيئة السمعة والصيت، فهو يقدم درسا للدولة الخليجية أولا بأن الأموال والجوائز غالية الثمن لا يمكن أن تغسل القبح والجرائم والانتهاكات بحق الأفراد والشعوب".

واعتبر أن "هذا الموقف يعد أخلاقيا في لحظات خفت صوت الأخلاق والقيم لصالح ألاعيب السياسة، حيث تتماهى الدول والحكومات مع الإمارات وتغض الطرف عن كل القبائح والانتهاكات ويأتي مفكر وفيلسوف ليكشف ذلك كله".

وشدد سلطان على أن "موقف هابرماس أخلاقي قيمي يعيد الأمل بأن هناك بقية من الناس لا يُشترون بالمال ولا يغسلون جرائم دول الطغيان والاستبداد من التي ولّعت في دماء الشعوب المقهورة."

من جانبه، قال رئيس منظمة سام للحقوق والحريات (مقرها جنيف)، الناشط الحقوقي توفيق الحميدي: "باعتقادي أن رفض هابرماس للجائزة أتت من منطلق انتصاره لقيم المثقف والفيلسوف، وكان الأمر سيصبح مستغربا لو قبل مثل هذه الجائزة، وسيعد خيانة للقيم التي آمن بها ونظّر لها، خاصة المتعلقة بالديمقراطية التداولية والقيم العليا..".

وأشار في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "هذه الجوائز تخصصها الدول القمعية والاستبدادية من أجل غسل سمعتها وتحسين صورتها لدى الخارج، عبر تقديمها لفلاسفة وشخصيات اعتبارية، بحيث يصبحون أشبه بسفراء غير مباشرين لها، وبالتالي تضاف إلى سجلهم الأكاديمي وسيرتهم الشخصية كنوع من تعزيز العلاقات العامة."

واستدرك الحميدي قائلا: "لكن الجميل أن هابرماس انتصر هذه المرة للقيم الإنسانية والفلسفية، وانتصر لنفسه من خلال رفض هذه الجائزة، ورفض أن يكون سفيرا غير مباشر لدولة تقمع الحريات وتعتقل المعارضين السياسيين وتعيث في الأرض فسادا، وبالتالي قدم رسالة معاكسة تؤكد وقوفه في صف الضحايا، والمعتقلين السياسيين، وحرية الرأي".

وتابع: "بالإضافة إلى ذلك قدم هابرماس رسالة قاسية لكثير من المثقفين الذين سقطوا في إغراءات مثل هذه الجوائز، سواء كانوا علماء دين أو سياسيين أو مفكرين، وبعضهم بل الكثير منهم يعيش اليوم في الإمارات ويجمل صورتها ويقدم لها المبررات، خاصة في مثل هذه الظروف التي أصبحت عنوانا بارزا لكثير من انتهاكاتها في عدة دول، بينها ليبيا، واليمن".

انتهاكات جسيمة 

وكان الفيلسوف الألماني قد امتنع عن قبول الجائزة وذلك لـ"السمعة السيئة التي لحقت بالإمارات، جراء انتهاكاتها الحقوقية وارتكابها جرائم ضد المعارضين والمدنيين".

وفي مارس/آذار 2020، أصدرت منظمة "العفو الدولية" تقريرا قالت فيه إن "السلطات الإماراتية تمارس انتهاكات حقوقية، حيث تواصل المعارضة السياسية وتحتجز سجناء بسبب هذه المعارضة".

وأضافت أن "العشرات من الإماراتيين استمروا في قضاء أحكام بالسجن في إطار قضية (الإمارات-94)، وهي محاكمة جماعية لـ 94 متهماً انتهت في 2013 وأدين فيها 69 شخصاً، وظل عدد من المعتقلين قابعين في السجن بعد إكمال فترة عقوبتهم بدون أي مسوّغ قانوني".

وأوضحت المنظمة أن أكثر من 24 سجين رأي ما يزالون محتجزين في الإمارات، مضيفة أن الإمارات استمرت في تقييد حرية التعبير واتخاذ إجراءات لإسكات أصوات المواطنين والمقيمين الذين يعبرون عن آراء انتقادية بشأن فيروس كورونا، وغيره من القضايا الاجتماعية والسياسية 

وفي يناير/كانون الثاني 2021، أصدرت منظمة حقوق الإنسان الأممية، تقريرا قالت فيه إن "الإمارات تشن هجوما مستمرا منذ 2011 على حرية التعبير وتكوين الجمعيات".

فيما وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومركز الخليج لحقوق الإنسان، بشكل متكرر، وقوع "انتهاكات على أيدي قوات أمن الدولة ضد المعارضين والنشطاء الذين تحدثوا عن قضايا حقوق الإنسان".

وأوضحت المنظمة الدولية أن "أبشع الانتهاكات كانت الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، حيث اعتقلت الإمارات وحاكمت مئات المحامين، والقضاة، والمدرسين، والناشطين، وأغلقت جمعيات المجتمع المدني الرئيسية ومكاتب المنظمات الأجنبية التي تروج للحقوق الديمقراطية، ما أدى فعليا إلى سحق أي مساحة للمعارضة."

ولفتت إلى أن "قادة الدولة الحليفة الأساسية للإمارات، بما فيها الولايات المتحدة ودول أوروبية، يواصلون تنمية مبيعات الأسلحة المربحة والعلاقات التجارية التي لا تعوقها انتهاكات الإمارات لحقوق الإنسان الجسيمة والمتفشية".

ودعت المنظمة، "هؤلاء القادة لإنهاء صمتهم الواضح عن المعاملة القاسية التي تمارسها الدولة تجاه منصور والآخرين المسجونين في الإمارات لمجرد ممارسة حقهم في حرية التعبير".

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد اتهمت في بيان، الحكومة الإماراتية بانتهاك حقوق الإنسان على أراضيها وفي الأراضي اليمنية خلال سنوات الحرب الماضية، وذلك ضمن مشاركتها في عمليات التحالف العسكري بقيادة السعودية تحت مزاعم استعادة الشرعية اليمنية وانهاء انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران.

وقال التقرير السنوي للخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في العالم للعام 2020: إن "قوات الأمن المدعومة من الإمارات في اليمن مارست التعذيب والاعتداء الجنسي وسوء المعاملة ضد المعتقلين، ورفضت الحكومة المزاعم القائلة بأن أفراد قواتها الأمنية العاملين في اليمن قد ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان".