فيلم وثائقي مجهول يحاول تشويه ريجيني وتبرئة السيسي.. من وراءه؟

12

طباعة

مشاركة

اتهمت صحيفة إيطالية المشرفين على فيلم وثائقي "مجهول"، نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي يتناول قضية مقتل الطالب جوليو ريجيني في القاهرة عام 2016، بـ"حبك مؤامرة" تهدف إلى تشويه سمعة الباحث عبر إشراك شخصيات إيطالية في فبركة محتواه "بشكل غير إرادي إلى حد ما".

وقالت "إيل بوست" إن مقطع فيديو مدته أقل من ساعة، نشر في 28 أبريل/نيسان 2021 على موقع يوتيوب، تم تقديمه على أنه "الفيلم الوثائقي الأول" الذي يحقق في وفاة الباحث الإيطالي من جامعة كامبريدج، جوليو ريجيني، الذي قتل في القاهرة بعد تعرضه للتعذيب في يناير/كانون الثاني 2016. 

واعتبرت الصحيفة أن الفيلم الذي يحمل عنوان "ريجيني القصة الغامضة" محاولة لتشويه سمعة الطالب وتبرئة النظام المصري من أي مسؤولية عن وفاته، وذلك ببثه ادعاءات ومزاعم دعائية وأيضا نظريات مؤامرة تم دحض معظمها سابقا.

وتابعت بالقول إنه "رغم أنه وعد في إعلان الترويج له على إحدى الصفحات بموقع فيسبوك، بالكشف عن "تفاصيل تنشر لأول مرة"، إلا أنه لم يحتو على أية معلومات جديدة أو بارزة".

تشويه سمعة

ولفتت "إيل بوست" إلى أن الفيلم يتم تداوله بشكل كبير في هذه الفترة لتزامنه مع انعقاد الجلسة الأولى لمحاكمة غيابية بروما لأربعة ضباط تابعين للأجهزة الأمنية المصرية بتهمة قتل ريجيني ولتضمنه شهادات بعض الشخصيات الإيطالية، بينهم وزير الاتصالات السابق ماوريتسيو غاسباري ووزيرة الدفاع السابقة إليزابيتا ترينتا".

وأشارت إلى أن "الفيلم لا يظهر أي معلومات عن الشركة المنتجة أو المخرج وأيضا الجهة التي قامت بنشره".

ويذكر أن القناة التي قامت ببث الفيلم على "يوتيوب"، أنشئت في 22 أبريل/نيسان وقامت بنشر ما مجموعه 4 مقاطع فيديو: مقطعين ترويجيين للفيلم، أحدهما بترجمة إيطالية والآخر بالإنجليزية، ومقطعين من الفيلم نفسه تم نشرهما قبل يومين.

وكان ريجيني قد اختفى في 25 يناير/كانون الثاني 2016 أثناء وجوده بالقاهرة لإعداد أطروحة دكتوراه عن النقابات العمالية في البلاد، وفي 3 فبراير/شباط 2016 عثر على جثته ملقاة على الطريق و بها آثار تعذيب.

في البداية، زعمت السلطات المصرية أن ريجيني قتل على يد عصابة لصوص، بالمقابل، أكد مكتب المدعي العام في روما، تعرضه للتعذيب والقتل على أيدي قوات الأمن المصرية. 

وكان الادعاء العام الإيطالي قد أدان غيابيا 4 ضباط مصريين باختطاف وقتل الطالب، كما أدت القضية إلى صدام دبلوماسي خطير بين مصر وإيطاليا، التي سحبت لعدة سنوات سفيرها من القاهرة.

وبينت الصحيفة أن الفيلم أنجز بإخراج وتصوير شبه احترافي، بأسلوب فيلم وثائقي "الجريمة الحقيقية"، واستخدم ممثلين لتمثيل بعض المشاهد، إلا أنه احتوى على العديد من الأخطاء في كتابة الأسماء والترجمة المكتوبة، كما تمت ترجمة عديد العبارات والجمل بشكل سيء.

وأردفت بالقول إن "محتوى الفيلم يتطابق مع رواية السلطات المصرية بشأن قضية ريجيني، كما تم تخصيص جزء كبير منه لتشويه سمعة الطالب الإيطالي بالادعاء أن بحثه عن النقابات المستقلة للباعة الجائلين المصريين كان له غاية خفية".

تناقضات عديدة

ولفتت "إيل بوست" إلى أن "الادعاءات التي بثها الفيلم وقعت في العديد من التناقضات، ففي حين ادعى الصحفي الإيطالي فولفيو غريمالدي، أن ريجيني كان مقربا من أجهزة المخابرات الأميركية والغربية، ألمح بعد ذلك إلى أن الطالب، من خلال مشرفته في كامبريدج، مها عبد الرحمن، كان مقربا من جماعة الإخوان المسلمين". 

وهي الجماعة التي انبثق عنها حزب "الحرية والعدالة" الذي فاز بالانتخابات في مصر عام 2012، قبل أن يطيح بها انقلاب عسكري قاده الديكتاتور عبد الفتاح السيسي، وفق قول الصحيفة.

لذلك، أثيرت شكوك عديدة في جزء كبير من الفيديو حول أنشطة ريجيني البحثية لمزاعم خطورتها على استقرار النظام. وقد بث الفيلم لقاء مع محمد عبد الله، وهو نقابي كان له دور إعلامي قوي للغاية فور وفاة ريجيني والذي أبلغ السلطات المصرية بشأن نشاط الباحث.

وأوضح النقابي المصري أن ريجيني كان مثيرا للشبهات بطرحه أسئلة حول ذكرى الثورة وبتقديمه أموالا للباعة الجائلين، ولإثبات هذه المزاعم، تم عرض مقطع فيديو قام النقابي عبد الله بتسجيله سرا خلال مقابلة مع ريجيني يتحدث فيه الباحث الإيطالي عن أموال وتمويلات أجنبية.

وعلقت الصحيفة بالقول: إن "مقطع الفيديو المذكور يثبت العكس تماما، عبد الله يطلب المال من ريجيني لكنه يرفض، قائلا إنه أكاديمي ولا يملك أموالا تحت تصرفه بخلاف المنحة الدراسية".

واستغربت الصحيفة قائلة: إن "محاولة تصوير ريجيني على أن شخص خطير على النظام تلاها بث لقاء مع شخص يدعى وسام إسماعيل، قدم كمحامي، يوضح أن قوات الأمن المصرية لم تعتبر ريجيني شخصا خطيرا، مما يعني أنه لم يكن هناك أي داع لقتله".

وأضافت الصحيفة أنه "سرعان ما استبعد احتمال أن تكون قوات الأمن المصرية قد قتلت ريجيني، وقال أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، بصفة مساعد شرطة بوزارة الداخلية المصرية، إن قوات الأمن لم تكن غبية لهذا الحد لقتل ريجيني وإلقاء جثته غير بعيد عن أحد مراكزها، ويعتبر التبرير كافيا".

كما تم تكذيب الشهادات التي جمعها مكتب المدعي العام في روما والتي أكدت رؤية ريجيني في ثكنتين تابعتين لقوات الأمن المصرية ليلة اختفائه.

يزعم الفيلم أيضا فضح تحركات ريجيني "الغريبة" مساء اختفائه، دون أن يتبين أنه كان يطيل الطريق قليلا لركوب مترو الأنفاق ويتهم السلطات القضائية الإيطالية بعدم التعاون مع السلطات المصرية (هذا اتهام متبادل بين الجانبين، ولكن وفقا لغالبية المراقبين، العكس هو الصحيح: السلطات المصرية عرقلت التحقيق).

كما يثير الشكوك حول المدعي العام في روما، الذي يجري التحقيقات، من خلال أقوال وزير الاتصالات السابق غاسباري، الذي ادعى أن دور الادعاء الإيطالي "ليس محل تقدير" لأن "القضاء الإيطالي بدوره على غرار القاهرة وكامبريدج، للأسف، لديه الكثير لتوضيحه".

عملية احتيال

وخصص الفيلم المجهول مساحة كبيرة للحديث عن نظرية مؤامرة أخرى تدعي أن عملية قتل ريجيني نفذها عميل مخابرات خارجي (بشكل أساسي جماعة الإخوان المسلمين)، بهدف التسبب في توتر للعلاقات بين روما والقاهرة وهي نظرية روج لها النظام المصري سابقا، تقول "إيل بوست". 

كما يتهم الفيديو إيطاليا بـ"التصرف بتوتر شديد وبطريقة غير مسؤولة على الجانب الدبلوماسي".

وألمحت الصحيفة إلى أن دور الإيطاليين الذين تمت مقابلتهم كان أساسيا لإضفاء مصداقية على الفيلم، أبرزهما الصحفي السابق بشبكة "راي" الإيطالية، فولفيو غريمالدي، المتعاون مع مواقع تروج لنظريات غير مؤكدة، على غرار أن ريجيني كان مقربا من المخابرات الأجنبية. 

وأيضا الجنرال السابق بالقوات الجوية، ليوناردو تريكاريكو، والذي ادعى أنه  "قرأ في مكان ما" أن وجود ريجيني في مصر كان في إطار "عملية  ممولة من مؤسسة لها علاقة بجماعة الإخوان المسلمين".

وأوردت الصحيفة أن "الإيطاليين الآخرين الذين تمت مقابلتهم هم غاسباري الذي، بالإضافة إلى تشويه سمعة مكتب المدعي العام في روما، يكرر الروابط المزعومة بين ريجيني وجامعة كامبريدج والإخوان المسلمين، ووزيرة الدفاع السابقة، إليزابيتا ترينتا، التي لم تذكر ريجيني إلا بشكل عابر وتحدثت بشكل عام عن العلاقات بين البلدين".

وأكدت الصحيفة أنه بعد تداول الفيلم الذي أثار ردود فعل سلبية من وسائل الإعلام، نأى جميع الإيطاليين المشاركين تقريبا بأنفسهم عن محتواه.

من جانبها، صرحت إليزابيتا ترينتا لصحيفة "لاريبوبليكا" إنها كانت "ضحية عملية احتيال"، وذلك بعد أن أعلمها الطاقم الذي اتصل بها لإجراء المقابلة بأنه يعمل لصالح شبكة العربية، وأن موضوع الفيلم الوثائقي لا يتعلق بريجيني بل بالعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين إيطاليا ومصر، ووصفت الفيلم الوثائقي بأنه "هراء مخز".

بدوره، قال تريكاريكو أيضا إن صحفيا اتصل به ادعى أنه يعمل في قناتي الجزيرة والعربية، مضيفا أن تصريحاته "تم توظيفها لخدمة محتوى الفيلم الذي لا أوافق عليه"، في حين، كرر غاسباري أن التحقيقات يجب أن تجرى حول جامعة كامبريدج مضيفا أنه "لم ينطق بأي كلمة تشوه سمعة ريجيني".