جنائز إعدامات "كرداسة".. كيف دحضت أكاذيب مسلسلات النظام المصري؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في يوم حزين، اخترقت الجنائز مدينة كرداسة بمحافظة الجيزة المصرية، وخرج الأهالي عن بكرة أبيهم يودعون الضحايا الذين أعدموا من قبل نظام عبد الفتاح السيسي، وسط أجواء لم تخل من دعوات وهتافات مناهضة للنظام.

خلال سنوات حكم السيسي منذ 2013، سالت دماء كثيرة، ومن كثرتها تعجز عن حل الألغاز التي يبعثها النظام ليخفي الحقيقة الكاملة، حيث تكنس الجريمة بمسلسلات ورسائل إعلامية، بلهجة "ناعمة ومضللة" في آن واحد، من أجل حسم معركة استمالة "الظهير الشعبي"، وتبرير الوقائع الدموية، لا سيما في شهر رمضان المعظم.

لكن أصوات الجماهير، وطبيعة جنائز المغدورين من ضحايا السلطة، هي التي تفرض الواقع الحقيقي، وأن رواية الشعب هي الأبقى والأعمق أثرا، لأن قصص هؤلاء لن تذهب هدرا، أمام الآلة الدرامية الأمنية، التي لا تقل في شراستها عن الأسلحة والمدرعات، يؤكد متابعون.

جنائز فاصلة 

يوما 26 و28 أبريل/نيسان 2021، أعدم نظام السيسي 17 معتقلا في القضية المعروفة إعلاميا بـ"أحداث كرداسة" التي تعود أحداثها إلى صيف 2013، عقب فض قوات الأمن اعتصامين، ما أسقط مئات القتلى، أغلبهم من أنصار الرئيس الراحل، محمد مرسي.

وفي 1 مايو/أيار 2021، وتحت عنوان "موعدنا يوم الجنائز" نشر خالد سعد، نجل أحد ضحايا "إعدامات كرداسة"، مقطعا لجنازة والده، وعلق عليه قائلا: "كرداسة تخرج عن بكرة أبيها لتشييع عالم العقيدة والتوحيد العالم الرباني، الشيخ علي السيد القناوي".

وكذلك نشر الإعلامي محمد جمال، مقطعا آخر لجنازة الشيخ مصطفى القرفش، الحاشدة، وهو الذي أعدم أيضا في قضية كرداسة، وكتب: "بالله عليكم.. هل هذا إرهابي حتى يجتمع كل الناس في بلده ليلا في جنازته بهذه الكثرة!".

كما تداول أهالي كرداسة، سيرة الشيخ الثمانيني عبد الرحيم جبريل، وهو من الذين نفذ النظام بحقهم حكم الإعدام، إذ كان أحد معلمي القرآن الكريم البارزين في القرية. 

جبريل، حفظ القرآن صغيرا، وشارك في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 ضمن الفيلق الذي عبر "خط بارليف"، كما روى نجله عبد الله، في حسابه بموقع "فيسبوك".

وطبعا، تلك الرواية لن يجدها المواطن في سياق مسلسل "الاختيار 2"، حيث اختلط الواقع المؤلم بالدراما الرمضانية الأمنية، التي حاولت "تغييب" المصريين عن الأحداث.

ورغم أن الإعدامات أتت مباغتة وصادمة لخصوصية الشهر الفضيل، لكنها دحضت بالجنائز المهيبة، رواية مسلسل"الاختيار" الذي يتناول أحداث فض ميداني رابعة العدوية والنهضة، وفق رواية واحدة، تعضد دور الشرطة والأجهزة الأمنية في سحق الإسلاميين إبان الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا، مرسي. 

الإعلامي المصري أسامة جاويش، كتب عبر صفحته بـ"فيسبوك" في 2 مايو/أيار 2021، قائلا: "نظام السيسي من بين أكثر الأنظمة عالميا في تنفيذ عقوبة الإعدام خلال السنوات الأخيرة، لكن هذه المرة كانت مختلفة تماما".

وتابع: "النظام العسكري لم يحترم حرمة شهر رمضان الكريم، ولم يراع كبر سن أحد المعتقلين في هذه القضية، ولم يلتفت كثيرا لمناشدات منظمات حقوقية دولية ومصرية بإعادة النظر في عقوبة الإعدام التي يتخذ منها النظام ذريعة للتخلص من معارضيه بحجة أحكام القضاء". 

وأوضح جاويش أن "القتل بالدراما التلفزيونية، هو أحدث الطرق التي اتبعها نظام السيسي للقضاء على معارضيه، وهذه المرة عبر بوابة مسلسل (الاختيار 2) الذي يحكي أحداثا حقيقية عاشتها مصر بعد انقلاب السيسي على أول تجربة ديمقراطية". 

 

وفي 28 أبريل/نيسان 2021، نددت "مجموعة العمل الوطني المصري"، التي تضم عددا من الشخصيات المعارضة في الداخل والخارج، بأشد عبارات الشجب والاستهجان، إقدام سلطات الانقلاب العسكري، على تنفيذ الإعدام التعسفي بحق مواطنين أبرياء في "قضية كرداسة".

وشددت على ضرورة قيام مجلس الأمن بـ"اتخاذ موقف إيجابي بشأن ملف حقوق الإنسان، وأحكام الإعدام، خاصة بعد إدانة 31 دولة لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر"، مطالبة الدول التي قالت إنها ما زالت داعمة لنظام السيسي بـ"تغليب لغة المبادئ والقيم على لغة المصالح، حفظا للأرواح، ووقفا لسفك المزيد من الدماء".

نظام دموي

الباحث السياسي محمد ماهر، وصف إعدامات كرداسة بـ"جريمة متكاملة الأركان"، بداية من المحاكمات الجائرة غير النزيهة والشفافة التي خرجت على إثرها الأحكام، مرورا بمراحل التنفيذ والتمهيد الإعلامي بالمسلسلات مثل (الاختيار) وبرامج "التوك شو" تجاه المحكومين، وذلك لـ"صد أي تعاطف شعبي نحو الضحايا". 

وقال ماهر لـ"لاستقلال" إن "الإستراتيجية التي اتبعها النظام مع ضحايا كرداسة، هي المتبعة منذ الانقلاب العسكري، فالسيسي سعى إلى توريط الشعب وأجهزة الدولة في الدماء منذ اللحظة الأولى، فعندما أراد فض رابعة، ألقى خطاب التفويض (26 يوليو/تموز 2013)، وحشد المواطنين للمطالبة بفض الميادين، وتسبب ذلك في قتل آلاف المواطنين السلميين".

وأشار إلى أن "النظام يستخدم حاليا المسلسلات في تزييف الوعي، والتمهيد للإعدامات والتصفيات والقتل خارج نطاق القانون، وتلك جريمة أكبر من كل الجرائم، حيث أدت إلى انشقاق مجتمعي، وخلق حالة ثأرية وغضبا في النفوس لن يزول بسهولة، وسيحتاج إلى سنوات من الترميم وإعادة الهيكلة النفسية للمجتمع المصري". 

واعتبر ماهر أن "المسلسلات التي يسعى النظام من خلالها إلى إعادة كتابة التاريخ، وتوجيه الرأي العام، قد يكون لها أثر في اللحظة الآنية فقط، أو لسنوات قليلة، لكن الحقيقة تنتصر في النهاية، وتظهر المفاسد والجرائم المفزعة كما حدث خلال العهد الناصري في الخمسينيات والستينيات".

وشدد على أن "حجم الجنائز في إعدامات كرداسة وغيرها من المجازر تؤكد على هذه الرؤية، ويعلم الجميع أن هؤلاء الضحايا ومنهم دعاة وعلماء قرآن، إنما قتلوا غدرا وغيلة على يد النظام، وأن حادثة كرداسة ما هي إلا مسلسل كمسلسل الاختيار، ينازعه في الواقع المأساوي بشكل عام".

من جانبه، قال الحقوقي المصري، مصطفى عز الدين فؤاد: إن "رواية الشعب هي الباقية والأكثر ثقة، ومخطئ من يظن أن التاريخ يكتبه المنتصر في عصر السماوات المفتوحة والسوشيال ميديا، والتطور الإعلامي والتقني الرهيب".

وأكد في حديث لـ"الاستقلال" أنه "لا يمكن لمسلسل مثل (الاختيار) بجزئيه الأول والثاني، و(القاهرة كابول) أن يسعف رواية نظام أمام الأحداث المفصلية والمذابح المروعة التي ارتكبت خلال 8 سنوات".

وأشار فؤاد إلى أن "واقعة إعدامات كرداسة لها خصوصية عن بقية قضايا الإعدامات الظالمة المبنية على خلفيات سياسية، فجميعهم وصمة عار في جبين النظام الدموي، لكن كرداسة وقعت في شهر رمضان المعظم الذي يبجله الشعب، ويستصعب أن تراق الدماء فيه بهذه الطريقة دون مراعاة لحرمته".

وتابع: "أما الأمر الثاني أنها ضمت شيخا تجاوز الـ80 من عمره وهو عبد الرحيم جبريل، الذي أعدم دون شفقة أو رحمة". 

ولفت الحقوقي إلى أن "جميع هؤلاء الضحايا ليسوا غرباء بل هم من أوساط شعبية، وجميع أهل كرداسة على علم بهم وبأسرهم، ومنهم من ينتمي إلى عائلات كبيرة، لذلك فرواية النظام مردودة وغير مقبولة، ولم يتم استساغتها، وخرج الأهالي يودعون أقاربهم وجيرانهم، رغم القصص الملفقة والمسلسلات المصنوعة في مطابخ المخابرات". 

وختم فؤاد حديثه بالقول: إن "التاريخ يعيد نفسه، كانت هناك انقلابات أشد قسوة من انقلاب السيسي، كما حدث في الأرجنتين والبرازيل وتركيا وتشيلي، خلال فترة لم يكن فيها الإعلام وتداول المعلومة بالشكل الحالي، ومع ذلك وثقت تلك الجرائم وتمت محاكمة جنرالات الانقلاب وتخليد الضحايا، كما رويت الحقيقة كاملة وعرفت الأجيال اللاحقة من المجرم ومن الضحية".