فخ "سيداو".. ماذا تنتظر الأسر السودانية من الاتفاقية "المخالفة للإسلام"؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

حتى وقت قريب، كان السودان ثابتا على موقفه باعتباره الدولة العربية التي لم توقع على اتفاقية "سيداو" للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والتي يتم اعتبارها "مخالفة للشريعة الإسلامية وللقيم المحافظة" في كثير من بنودها.

لكن السودان تحت قيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، و"قوى الحرية والتغيير" ذات التوجه اليساري، يستعد للتنازل عن موقفه والانخراط في الاتفاقية.

ففي 28 أبريل/نيسان 2021، أجاز مجلس الوزراء السوداني الاتفاقية بتحفظ مبدئي على بعض بنودها، ولكنه مررها أمام أعين الجميع، وسط اعتراضات جمة من فئات وطوائف مجتمعية.

إملاءات خارجية 

الحكومة السودانية بإقرارها اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" المعروفة بـ"سيداو"، وضعت المجتمع في خندق ما بين جدليات القبول والرفض، وسط اتساع حملات مضادة شديدة الحدة، من قبل سياسيين ودعاة. 

وبحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا"، صادق مجلس الوزراء السوداني في اجتماعه، برئاسة حمدوك، على بروتوكول حقوق المرأة في إفريقيا، الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، كما أجاز اتفاقية "سيداو" مع التحفظ على المواد  (2)، (16)، (29/1).

الأمر الذي خلف تساؤلا لدى الكثير عن مسارعة الحكومة الانتقالية بالموافقة على اتفاقيات ومعاهدات من المفترض أن يفصل فيها الشعب عبر برلمان منتخب.

وفي تعليق على القرار الحكومي، قال القيادي في حزب المؤتمر الشعبي أبوبكر عبد الرزاق: "التوقيع على اتفاقية سيداو، جزء من إملاءات دولية في تقديري الشخصي وتحليلي واستنباطي، وهي اتفاقية تخالف الشريعة الإسلامية في الكثير من الأحكام القطعية، وتتحدث عن مساواة غير التي يتحدث عنها القرآن الكريم".

واعتبر أن "هذا التوقيع يأتي في إطار الانبطاح وسياسة التغريب والتبعية"، مشددا على أن "الاتفاقية فيها مواد تدعو لتقنيين الدعارة وتتيح العلاقات المفتوحة وتصادم أحكام الدين"، وفق ما نقلت عنه قناة "العالم" الإيرانية.

واتفاقية "سيداو"، هي وثيقة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، وتصفها بأنها معاهدة دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. 

وتتألف الاتفاقية من مقدمة و30 مادة، وبعد اعتماد الجمعية العامة للاتفاقية، تم التوقيع عليها في احتفال عقد في يوليو/تموز 1980 بالعاصمة الدنماركية كوبنهاغن من جانب 64 بلدا، ثم دخلت حيز التنفيذ بعد أن صدقت المعاهدة رسميا في 3 سبتمبر/أيلول 1981 ووقعت عليها نحو 189 دولة. 

ووقعت جميع الدول العربية، على "سيداو"، فيما كان السودان حالة الاستثناء الوحيدة، قبل أن ينخرط فيها على يد نظام حمدوك.

أما مصر فهي أول دولة عربية وقعت على "سيداو" عام 1981، وفلسطين كانت الأخيرة عام 2009، وما بينهما من الموقعين، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، لبنان، الأردن، السعودية، العراق، الكويت، اليمن، جزر القمر، موريتانيا، الإمارات، جيبوتي، البحرين، سوريا، سلطنة عمان، وقطر.

بنود مفخخة 

رغم  مصادقة مجلس الوزراء السوداني على الاتفاقية، لكنه تحفظ على 3 مواد أساسية، على رأسها المادة "2" التي تحظر التمييز في الدساتير والتشريعات الوطنية، وقد تحفظت عليها كذلك من قبل العراق، الجزائر، ليبيا، مصر، البحرين، وسوريا. 

ثم المادة "16" التي تهدف إلى المساواة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، والمادة "29/1"، وتتعلق بإمكانية التحكيم بين الدول فيما يتعلق ببنود الاتفاقية، وقد تحفظت عليها أيضا أغلب الدول العربية.

ويذكر أن نظام الرئيس السابق عمر البشير، تحفظ لسنوات طويلة على الانجرار نحو التوقيع على "سيداو"، ففي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قال القيادي بحزب المؤتمر الوطني (الحاكم آنذاك) إبراهيم الغندور: "لا لسيداو.. إنها أكثر وثيقة في العالم تضرب ثقافتنا الإسلامية والسودانية". 

وشدد الغندور على أن "الاتفاقية تمثل حزمة من المخالفات الشرعية، وتشمل إلغاء الولاية على المرأة، وأن يحمل الأبناء اسم الأم كما يحملون اسم الأب، ومنع تعدد الزوجات، من باب التساوي بين الرجل والمرأة، وإلغاء العدة للمرأة بعد الطلاق أو وفاة الزوج، والحق في الممارسة الجنسية كمهنة أو كعلاقة خارج إطار العلاقة الزوجية". 

يذكر أن المادة "15" من المواد التي أحدثت جدلا واسعا، ولاقت اعتراضات من علماء الدين والدعاة، إذ تنص على أن "جميع الدول الأطراف في الاتفاقية يجب أن يلتزموا بمساواة المرأة مع الرجل بما في ذلك أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل، تمنح المرأة الحصول على نفس حقوق الرجل فيما يتعلق بالقانون الخاص بالتحركات الشخصية.

كما تنص المادة المذكورة على حرية المرأة في اختيار محل إقامتها ومكان سكنها، وأن تقيم في أي بلد ترغب به، مع حرية التنقل والسفر دون إذن أب أو أخ أو زوج.

وعلى مدار عام ونصف، ومنذ بداية ولايتها، سعت حكومة حمدوك إلى تمرير الاتفاقية، لكنها لاقت مناهضة واسعة في البداية، لاسيما أن‏ طيفا من العلماء جابهوا الحكومة في مرادها، على رأسهم عضو مجمع الفقه الإسلامي الشيخ عبد الحي يوسف‏، الذي كان من أوائل المبادرين لانتقاد رئيس الوزراء بسبب "سيداو".

وغرد يوسف‏ في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قائلا "ما ورد في الأخبار من نية الحكومة الانتقالية التوقيع على بعض الاتفاقيات الدولية المناقضة لأصل الشريعة الإسلامية كاتفاقية سيداو باطل شرعيا ودستوريا وقانونيا وأخلاقيا".

وخلال تلك الفترة، شهد مقر وزارة العدل بالخرطوم وقفة احتجاجية، في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، لمئات النساء اللائي رفعن لافتات: "لالسيدوا.. الحرية لا تعني الفوضى، والخرطوم ليست باريس".

ونظمت الوقفة مبادرة "سودانيات ضد سيداو" (أهلية)، ورفعت للوزارة، مذكرة مطالب مناهضة "للتوقيع على اتفاقية سيداو، وإلغاء قوانين الشريعة المتعلقة بالأحوال الشخصية وأحكام الأسرة"، معتبرين أنها "تجاوز لهوية وثقافة البلد ودين الغالبية العظمى من السودانيين".

وتضمنت المذكرة خطابا شديد اللهجة لحكومة حمدوك، عندما ذكرت أن "برامج وترتيبات المرحلة الانتقالية التي عرفها السودان في تجاربه السابقة لا تتجاوز تحقيق السلام وتوفير معاش الناس وإجراء انتخابات حرة نزيهة، فمن الذي فوض الحكومة الحالية لتقحم نفسها في مهام الحكومات المنتخبة وهي ليست كذلك".

هدم المجتمع

"الأسرة السودانية هي الحصن الأخير الباقي في هذه الدولة، فإذا هدمت تستباح السودان من كل حدب وصوب"، هكذا رأى الداعية السوداني، عرفان المطاوع، خطورة اتفاقية "سيداو" على المجتمع. 

وقال المطاوع لـ"الاستقلال": إن "سيداو تعد شرطا أساسيا للحكومات والأنظمة التي تريد الانخراط تحت مظلة الاستغراب، وقوى الاستعمار القديمة، بحيث تتحلل من القيم المحافظة والإسلامية، فهي تستهدف بالأساس الدين، تحت مظلة حقوق المرأة، وكأن الإسلام بشريعته الكاملة لم يحفظ تلك الحقوق على أكمل وجه". 

وأردف: "يجب أن ندرك ما وراء الأكمة، خاصة أن حكومة حمدوك التي لا تمثل شرائح السودان وقيمه، تمرر في هذه المرحلة الانتقالية كل الاتفاقيات والمعاهدات التي يريد الغرب فرضها على الخرطوم، دون العودة للشعب ولا ممثليه المنتخبين". 

وتساءل المطاوع: "كثير من الدول العربية والإسلامية وقعوا على سيداو، فهل أنصف ذلك المرأة في بلادهم، وهل تحققت النهضة والتقدم في تلك الدول؟ أم كان هناك المزيد من التفكك الأسري والانحلال الأخلاقي؟ وأجاب "بالطبع الشطر الأخير من تساؤلي هو الأكيد، لاسيما مع ارتفاع معدلات الطلاق والجريمة الأسرية في السنوات الأخيرة". 

وذكر أنه "إحقاقا للحق رغم مساوئ نظام حكم البشير، لكنه رفض الانصياع إلى مثل تلك الاتفاقيات التي تهدم أساس البلاد رغم الضغوط التي تعرض لها، حتى أن أوروبا عرقلت انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية، بسبب رفضه التوقيع على سيداو تحديدا، ومع ذلك تمسك بموقفه".

وختم المطاوع حديثه بالقول: "أما الآن فيظن القائمون على حكم السودان أنهم بتخليهم عن ثوابت ومبادئ الدين الإسلامي، سينالون الحظوة ويبلغون النهضة، ولو كان خيرا لحدث لمن على شاكلتهم، ولكنهم لم يكسبوا دنيا ولا آخرة".