لوموند: إلغاء زيارة وفد فرنسي إلى الجزائر تعقد العلاقات بين البلدين
رأت صحيفة لوموند الفرنسية أن إلغاء زيارة رئيس الوزراء الفرنسي جون كاستكس إلى الجزائر، يوضح الشكوك التي ما زالت تسمم العلاقات الثنائية.
وتقول الصحيفة إن العبارة المناسبة للتعبير عن الوضع بين البلدين هي "حقل من الألغام"، مضيفة أنه من الصعب إيجاد صيغة أخرى لوصف حالة العلاقة الفرنسية الجزائرية.
وألغيت الزيارة التي كان من المقرر أن يجريها رئيس الوزراء الفرنسي إلى الجزائر في 11 أبريل/نيسان 2021، بصحبة اثنين من كبار المسؤولين الحكوميين (جان إيف لودريان وبرونو لومار).
ما جرى هو خيبة أمل دبلوماسية لجهود المصالحة التي يعمل عليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون، اللذين لديهما علاقة شخصية طيبة.
هذه هي المشكلة على وجه التحديد، أن التنازل الذي صاغه الرئيسان لا يكفي لحل سوء التفاهم الفرنسي- الجزائري الأكثر تعقيدا من أي وقت مضى، تقول الصحيفة.
تعطل العلاقات الثنائية
من الواضح أن الحجة الصحية لتفشي فيروس كورونا التي استخدمتها باريس لتبرير عقبة الجدول الزمني هذه تحكي جزءا فقط من القصة.
والسبب الحقيقي بحسب مصادر دبلوماسية فرنسية هو استياء الجزائر من "شكل" الوفد الفرنسي الذي لم يلب توقعات البلد المضيف.
كانت لدى الحكومة الجزائرية طموحات كبيرة لهذه الزيارة الفرنسية، بحثا عن الشرعية الدولية في فترة حرجة تميزت بتحد مزدوج - الحراك (الحركة الاحتجاجية) في الداخل والنشاط الدبلوماسي المغربي في الخارج.
اللجنة الحكومية الدولية رفيعة المستوى (CIHN) هي منتدى تم تأسيسه بعد زيارة الرئيس السابق فرانسوا هولاند إلى الجزائر العاصمة في ديسمبر/كانون الأول 2012. وكانت رحلة كاستكس جزءا من منتدى الحوار الأعلى على المستوى السياسي بين البلدين.
خلال الدورة السابقة للجزائر العاصمة عام 2016، رافق ما لا يقل عن عشرة وزراء رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك، إيمانويل فالس.
لكن هذه المرة اختلف الأمر، وجرى تضييق نطاق الوفد ليشمل فقط وزيرين إلى جانب رئيس الوزراء كاستكس.
وأكد مصدر دبلوماسي للصحيفة أن الجزائر العاصمة لم تثمن هذا الشكل "المنحط"، لذلك تقرر تأجيل الاجتماع إلى أيام قادمة تكون أفضل من هذه الحالية.
وقال مصدر فرنسي، على ارتباط بالزيارة، إن ما حدث قد لا يكون "أزمة" فرنسية جزائرية جديدة وإنما "مجرد مهلة مؤجلة".
لكن ترى الصحيفة أنه مع كورونا أو بدونها، فإن إحجام باريس عن حشد تشكيلتها الوزارية لهذا الحدث هو انعكاس لعلاقة ثنائية فاشلة، حيث تتفوق النزاعات المسببة للصداع على الاتفاقات التي توفر الرضا.
درب من العقبات
قبل أيام قليلة من حادثة الزيارة الفاشلة لكاستكس، أعاد الرئيس الجزائري تأكيد "ثقته في نزاهة" ماكرون في ملف مصالحة الذاكرة المرتبطة بالاستعمار.
شارك الرجلان بشكل كبير في هذا العمل على مصالحة الذاكرة، الأمر الذي أدى من الجانب الفرنسي، إلى نشر تقرير المؤرخ بنجامين ستورا في يناير/كانون الثاني 2021.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا سلسلة من “الأعمال الرمزية” من أجل “التوفيق بين الذكريات” ورسم التطبيع في علاقة تظل معقدة وعاطفية.
وكان ماكرون قد اعترف “باسم فرنسا” بأن المحامي والزعيم الوطني علي بومنجل “تعرض للتعذيب والاغتيال” من قبل الجيش الفرنسي، وقرر تسهيل الوصول إلى الأرشيف السري الخاصة بالحرب الجزائرية.
وتطالب الجزائر بإعادة الأرشيف المرتبط بالاستعمار وكشف مصير الجزائريين الذين اختفوا خلال الحرب والذين يقدر عددهم بنحو 2200، إلى جانب دفع تعويضات لضحايا التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.
لكن تعقيد المعادلة السياسية والدبلوماسية في باريس كما في الجزائر - في الوقت الحالي - هو المتفوق على هذه الاعتبارات الشخصية.
أدت الاضطرابات الداخلية في الجزائر، بما في ذلك ظهور الحراك، إلى تعطيل العلاقة التي كانت قائمة حتى الآن على المصالح الحكومية الدولية.
وجد إيمانويل ماكرون نفسه عالقا بين "شارع" موجه ضد النظام و"نظام" مستعد لفعل أي شيء من أجل البقاء.
قام رئيس الدولة الفرنسي، الذي يشتبه في "تدخله" من كلا الطرفين، بإضفاء الطابع الرسمي في خريف 2020، بعد الكثير من المماطلة، "في نفس الوقت" على العلاقات الفرنسية الجزائرية وقد ادعى أنه يريد "مساعدة" تبون الذي امتدح "شجاعته" ولكن في إطار "فترة انتقالية".
تصف الصحيفة ذلك بأنه عبارة عن درب من العقبات تحده الهاوية، حيث إن "مساعدة" عبد المجيد تبون هذا الرئيس المتنازع على شرعيته في الشارع، من وجهة نظر الحراك أمر استفزازي.
انعدام الثقة
خلال المسيرة الاحتجاجية يوم 9 أبريل/نيسان، رددت الجزائر مرة أخرى شعارات مناهضة للفرنسيين من قبيل "عادت فرنسا، قفوا أيها الشباب".
في علاقة بالنظام، فإن كلمة "انتقال" هي كلمة بذيئة لا تطاق من شأنها أن تخفي المخططات الغامضة للقوة الاستعمارية السابقة.
منذ توليه مهامه كسفير فرنسي في الجزائر العاصمة في صيف 2020، كان فرانسوا غويات يتعرض للتهميش بشكل منتظم من قبل أقسام معينة من النظام - تلك المقربة من الجيش - الذين يتذكرون أنه كان سفيراً في طرابلس عشية تمرد 2011 ضد معمر القذافي.
كما يتهمونه بالعمل على "ربعنة" (إشارة إلى "الربيع العربي") الجزائر. يضاف إلى هذه المشكلة الجزائرية جغرافيا سياسية إقليمية جديدة تزيد من تعقيد المعادلة.
فالمغرب، شقيق الجزائر، مضى في تصعيد غير مسبوق، لتأييد "مغربية" الصحراء الغربية على الساحة الدولية، خلافا لقرارات مجلس الأمن الدولي التي دعت إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير، ليبقى الأمر في طي النسيان.
أدى اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب في ديسمبر/كانون الأول 2020، بسيادة الرباط على الصحراء الغربية - مقابل التطبيع الدبلوماسي بين المغرب وإسرائيل - إلى زيادة الضغط على الجزائر، وهو دعم تاريخي للقضية الصحراوية.
في هذا السياق الإقليمي المتوتر بشكل متزايد، أعلن حزب الرئيس الفرنسي "الجمهورية إلى الأمام" في 8 أبريل/نيسان إنشاء لجنة دعم في مدينة الداخلة في الصحراء الغربية التي يقع قسمها الأكبر تحت سيطرة المغرب. وتعتبر الجزائر الداعمة لجبهة بوليساريو أن ذلك خطا أحمر.
في مقر حزب الجمهورية إلى الأمام في باريس، تم الاتفاق أن ماحدث ليس سوى "مبادرة محلية" مع "عدم وجود رسالة سياسية" ذات طبيعة وطنية.
لكن في الجزائر العاصمة، عززت هذه اللفتة بالذات، بحسب صحيفة الوطن، الشكوك حول "لعبة ضبابية للسلطات الفرنسية"، يمكن اختراقها لمجموعة النفوذ الموالية لماكرون التي تعمل بالتنسيق مع فكرة "الحنين إلى الجزائر الفرنسية".
وتخلص صحيفة لوموند بالقول: "ما زال سم الشك ساريا بين باريس والجزائر".