لماذا يرفض الحريري رؤية الرئيس عون بشأن تشكيل الحكومة اللبنانية؟

12

طباعة

مشاركة

تحدثت وكالة الأناضول التركية عن وصول لبنان إلى طريق مسدود آخر بسبب الخلاف المستمر على تشكيل الحكومة، وسط أزمات سياسية واقتصادية لا تنتهي.

وقالت الكاتبة والأكاديمية في جامعة إسطنبول، توغبا يلديز في مقال بالوكالة الرسمية، إن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، أعلن تجهيز قائمة بالمرشحين لإعادة تشكيلها، لكنه لم يستطع خلق جو من التوافق مع الرئيس ميشال عون ضمن  18 لقاء غير ناجح خلال 150 يوما. 

وبينما كان لبنان في طريقه إلى الانهيار السياسي مع عرقلة المحادثات، بعد أن وصلت إلى نقطة الانهيار الاقتصادي خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، كان التناقض بين الواقع الدستوري والأسباب التي شكلت أرضية التحالفات في البلاد تنبئ بوصول لبنان إلى طريق مسدود آخر.

وتابعت يلديز: "عند إعادة النظر في الفترات التي غابت فيها الحكومة في لبنان، يمكن ملاحظة أن العلاقة بين السبب والنتيجة التي ظهرت في الأزمات السابقة تكاد تلخص الأشهر الخمسة الماضية".

"الثلث المعطل"

 فقد كان الخلاف في توزيع الحقائب الوزارية، والصراعات الدبلوماسية حول تمثيل الطوائف واستياء الأحزاب السياسية ومحاولات فرنسا الفاشلة والتطورات الأخرى في السياسة العالمية، من الأسباب البارزة في عرقلة المحادثات.

فيما شكلت بعض التغييرات الهيكلية التي أراد الحريري تنفيذها في النظام الجديد الذي كان يحاول تأسيسه وموقفه من الوضع الراهن والتوتر الذي وصل به إلى احتكاكات شخصية مع عون، السمات المميزة للأشهر الخمسة الماضية. 

لتكشف الصورة التي ظهرت بعد أن وجه كل من رئيس الدولة ورئيس الوزراء المكلف اتهامات مختلفة ضد بعضهما البعض، عن صعوبة تحقيق التوحيد السياسي بين التحالفات في لبنان، وفقا للكاتبة.

وتعتبر يلديز أن إصرار عون على السيطرة على ثلث مجلس الوزراء (الثلث المعطل) من العوامل الرئيسة التي تسببت في ظهور الجو السلبي في البلاد منذ 22 أكتوبر/تشرين الأول.

 ويستند السياسيون، الذين تمسكوا بالمفهوم الذي ظهر في الانتخابات الرئاسية عام 2016 وبعد انتخابات 2018، إلى المادة 69 من الدستور اللبناني.

القضايا الرئيسة مثل قرارات الحرب والسلم وإعلان حالة الطوارئ والموافقة على الاتفاقيات الدولية تتطلب موافقة ثلثي البرلمان وفقا للمادة 65 من الدستور.

إلا أن صوت ثلث البرلمان كاف لإسقاط الحكومة، وفقا للفقرة (ب) من المادة 69، لتنعكس قضية الثلث المعطل في أجندة البلاد كمشكلة لا ترغب أي نخبة سياسية في لبنان بحلها.

وتلفت قائلة: وهنا يمكن ملاحظة أن الخلاف على "الثلث" بين الحريري وعون لا يقوم في أساسه على تصور طائفي. 

فبينما يريد الرئيس عون اختيار ستة من المرشحين الثمانية عشر الذين يشكلون الحكومة بغض النظر عن الطائفة التي ينتمون إليها، يقول الحريري بوجوب اقتراح مرشحين مختلفين، وأنه يجب ألا يتم تحديد أسماء بعينها وأن هذا من صلاحيات رئيس الوزراء.

ويستند موقف الحريري الصارم ضد إصرار الرئيس عون، إلى تجربته المريرة في الماضي. 

ففي عام 2011 وخلال رئاسته الأولى للوزراء، انهارت الحكومة تلقائيا بعد أن قدم 10 وزراء استقالاتهم، ليفقد سعد الحريري منصبه في رئاسة الوزراء بشكل غير متوقع أثناء اجتماعه مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في واشنطن. 

ليصبح ما عرف بـ "انقلاب حزب الله" في ذلك الوقت، مثالا هاما على تطور الأزمة التي خلقتها الديناميات الداخلية وتحولها إلى الخارج.

 والآن، يحاول سعد الحريري إغلاق النقاش حول موضوع الثلث المعطل من خلال رفضه كرسي رئاسة الوزراء المليء بالأشواك، لعدم رغبته في المرور بأزمة شرعية جديدة. 

معوقات الحريري

وترى يلديز أن تفاصيل القائمة التي أعلن عنها الحريري تحتوي على بعض التناقضات، على الرغم من أنه أرسل رسالة مفادها أنه ليس المسؤول الوحيد عن بقاء البلاد بلا حكومة.

وتشرح ذلك بالقول إن القائمة التي قدمها الحريري تثير نقاشات أخرى حول عدد الوزارات وتوزيع الحقائب الوزارية. 

ويشكل تعيين بعض المرشحين في منصبين وزاريين مختلفين النقطة اللافتة الأولى في القائمة التي قدمها الحريري إلى عون. 

فمثلا يثير تخصص المرشح الأرمني كاربيت سليخانيان لتولي منصب وزارتي الصناعة والمهجرين التساؤلات في الأذهان.

فبالنظر إلى خلفيته، فإن سليخانيان الذي أكمل تعليمه الجامعي في قسم الرياضيات والفيزياء، ليس لديه أي خبرة سوى أنه يعمل مديرا لشركة دولية. 

وتقول إن ترشيح اسم عديم الخبرة في بلد مثل لبنان يضع أسلوب الحريري ونهجه في اختيار المرشحين موضع تساؤل بطبيعة الحال.

وفي هذا السياق، يعتبر سبب اقتصار الحكومة المتوقع تشكيلها على ثمانية عشر وزيرا، معضلة أخرى يواجهها الحريري. 

وهنا من الممكن أن نرى انعكاس الصراع مع تحالف 8 مارس/آذار الذي يضم إلى جانب حزب الله قوى مسيحية أبرزها التيار الوطني الحر بقيادة الجنرال ميشال عون.

 ففي السياسة اللبنانية، يتم توزيع الوزارات على أساس التمثيل الطائفي، ويجب توزيع الحقائب الوزارية على السنة والشيعة والمسيحيين.

ومع أنه ليس هناك أي مشكلة بين الطرفين حتى الآن، فإن الزيادة في عدد الوزراء تعني أن يكون الباب مفتوحا على مصراعيه أمام أزمة جديدة.

فإذا زاد عدد الوزراء إلى 20 شخصا، فيجب حينئذ أن يتم ترشيح مسلم ومسيحي آخرين وفقا لمبدأ التوزيع المتساوي. فيما يجب أن يكون المرشح الذي يتم اختياره من بين المسلمين من الدروز، وهو ما يشكل قلب الصدع السياسي، تقول الكاتبة التركية.

وتوضح أن هناك احتمالية أن يقدم زعيم الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان مرشحا، الأمر الذي يعني أن شوكة تحالف 8 مارس/آذار بقيادة حزب الله ستصبح أقوى. 

وبما أن الحصة التي سيتم منحها لأرسلان لن ترضي الزعيم الدرزي الآخر وليد جنبلاط، فإن الحكومة ستتشكل مرة أخرى بنظام يسد طريق الحريري.

وتتابع: وبما أن إصرار زعيم حزب الله حسن نصر الله على زيادة عدد الوزراء سيزيد من ثقل الحزب، فإن الحريري يحاول منع ذلك بحصر العدد في ثمانية عشر وزيرا.

 ويهدف نصر الله إلى إثارة التساؤلات والنقاشات بطرحه لسؤال "لماذا لا يريد الحريري توسيع الحكومة؟" بينما هو يعرف إجابته بالفعل. 

صراع أيديولوجي

ومع ذلك، من المعروف أنه لطالما عارض نصر الله الحكومة التكنوقراطية. لذلك، فإن حقيقة وجود صراع على السيادة بدلا من التجربة السياسية ستؤدي إلى التشكيك في شرعية الحكومة التكنوقراطية.

وتستدرك قائلة: فيما تبرز المزاعم التي تقول بقرب بعض المرشحين من الحريري من بين القضايا التي تلفت الأنظار في القائمة. 

وبينما تعزز حقيقة أن المرشح الماروني رافائيل نصار عمل في شركة أرامكو السعودية من 2005-2018، الادعاءات بعدم شفافية القائمة، فإنها تظهر أيضا أن الحريري الذي لم يقابل ترشحه بالتفاؤل، يواجه بعض الصعوبات في كسب الثقة الوطنية.

وتتساءل الكاتبة: "ماذا سيختار اللبنانيون في مواجهة أزمة القائمة هذه؟" سؤال لا يطرحه السياسيون اللبنانيون، وربما لا يشعرون بالفضول لمعرفة إجابته أيضا. 

وتقول إن التوقع الأول للبنانيين سيكون تراجع العملة المحلية بما أن الدولار الأميركي الواحد يساوي الآن 15 ألف ليرة لبنانية بعد أن كان يساوي 1.5 ألف ليرة لبنانية في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، عندما انطلقت الاحتجاجات المناهضة للفساد.

وتضيف يلديز أن سؤال "كيف يمكن تشكيل سياسة قوية لأجل اقتصاد قوي؟" من المنظور الاجتماعي يشكل أهمية للبنانيين أكبر من سؤال "من تغطي قائمة المرشحين وكيف؟". 

فيما يأتي سؤال "ما هي الخطوات التي ستحول دون فقدان التحالفات الموجودة لقوتها " في الأولوية على الصعيد السياسي.

في النهاية، يبدو أن لبنان يقف على مفترق طرق مرة أخرى. وللخروج من الأزمة يجب مراجعة قائمة الوزارات التي ستشكل الحكومة الجديدة كخطوة أولى، تقول الكاتبة. 

وعلى الرغم من أنه يبدو بعيدا أن يتم تنفيذه على المدى القصير، إلا أن إلغاء التقسيم الثلاثي قد يكون عاملا يمهد الطريق لإعداد قوائم أكثر شفافية، بحسب ما تراه الكاتبة التركية.

ومع ذلك، فإن التغييرات في المواد الدستورية تنطوي على أسباب أكثر تعقيدا من تشكيل الحكومة، فيما لا تبدو الانتخابات المبكرة بديلا جيدا في الوقت الحالي. 

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من وجود تجربة حكومية تكنوقراطية، فإن التطورات في الأشهر الخمسة الماضية تشكل أكبر دليل على أن خبرة المرشحين غير كافية وحدها لتأسيس حكومة تكنوقراطية في لبنان.

وتختم يلديز مقالها بالقول: يبدو أن العمر القصير للحكومات السابقة كان بسبب نقص في القوة وليس الخبرة. 

ولهذا، يبدو أن النقاشات الأيدولوجية التي شكلت الأرضية السياسية للحكومة التكنوسياسية التي دافع عنها حزب الله منذ البداية والحكومة التكنوقراطية في لبنان التي تقترن فيها التجربة بالقوة، ستستمر لبعض الوقت.