كابلات الإنترنت البحرية.. كيف تهدد إسرائيل مكانة مصر العالمية؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2020، فوجئ المذيع أسامة كمال، المحسوب على نظام رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، بقرار من المجلس الأعلى للإعلام (حكومي) يمنعه من الظهور على الشاشات لمدة أسبوعين، مع تغريم قناة المحور (خاصة) التي تبث برنامجه عبر شاشتها مبلغ 100 ألف جنيه مصري (نحو 7 آلاف دولار).

القرار جاء على خلفية شكوى تقدمت بها الشركة المصرية للاتصالات (حكومية)، لتضررها من إحدى فقرات البرنامج التي يكشف فيها كمال عن "أضرار بليغة ستلحق بمكانة مصر، كنقطة عبور مركزية إستراتيجية لكابلات الإنترنت البحرية الدولية لصالح إسرائيل".

المركز الثاني

تأتي مصر كأحد أهم مراكز مرور الكابلات البحرية الخاصة بنقل الإنترنت، حيث يمر من نطاقها قرابة 24 كابلا، وفقا لخريطة الكابلات البحرية العالمية، وهو ما يجعلها في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة من حيث عدد الكابلات، بما يمثل 17 بالمئة من جميع الكابلات البحرية حول العالم.

تلك المكانة الإستراتيجية الرفيعة، التي تدر على مصر عائدا ماديا ضخما أصبحت في خطر حقيقي، بسبب مشروع "بلو رامان" الذي يهدف إلى إنشاء كابل بحري بين إيطاليا والهند، يمر عبر إسرائيل والأردن والسعودية وسلطنة عمان، بعيدا عن المياه الإقليمية المصرية.

التطبيع الخليجي مع تل أبيب، وأخطاء البيروقراطية المصرية وسوء الخدمة وارتفاع الأسعار، كلها عوامل رئيسة هددت مركزية مصر في الكابلات البحرية، التي تعد من أهم ثروات الدولة وقوتها في المنطقة. 

إسرائيل تسعى بقوة إلى تحجيم دور مصر فيما يخص كونها مركزا للاتصالات والكابلات البحرية في المنطقة، وفق التقرير الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية 16 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

التقرير قال إن "المشروع (بلو رامان) فيه تهديد لمصر كواسطة عقد للاتصالات في العالم، ومركزا رئيسا لمرور الكابلات البحرية، وسيربط المشروع بين الأعداء التاريخيين، ويفتح ممرا جديدا لحركة الإنترنت".

ويتم ذلك حسب تخطيط شركة غوغل لإنشاء كابل بحري بين إيطاليا والهند، بطريقة تمثل ضربة لمصر كمركز تمر عبره اتصالات الإنترنت، وهو ما أزعج القاهرة بشدة خاصة وأن موقعها المتميز الرابط بين أوروبا وآسيا، جعلها نقطة اتصال مثالية في شبكة الإنترنت العالمية، وكانت بمنأى عن المنافسة حتى دخلت إسرائيل وانخرطت في مشروع "بلورامان".

طوال السنوات الماضية استفادت الشركة المصرية للاتصالات من الميزة الجغرافية لمصر، واكتسبت حصصا إضافية في الكابلات البحرية، وشرعت في بناء كابلات جديدة من الصفر.

كما أصبحت شريكا في العديد من الكابلات التي تمر عبر البلاد، وتمتلك عددا قليلا من الكابلات الأخرى، وتعمل جميع الكابلات البحرية تقريبا من آسيا إلى أوروبا ، ومن البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط عبر مصر.

وحسب وسائل إعلام عربية، فإن المشروع لا ينفك عن التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج، ففي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، جاءت زيارة نتنياهو للسعودية (التي نفتها المملكة) لتحدث صدمة جديدة في الشرق الأوسط، وتثير تساؤلات حول المدى الذي سيصل إليه تطبيع الرياض مع تل أبيب.

وفق مراقبين، فإن إسرائيل تمهد لتحالف واسع يشمل اليونان والهند والإمارات، وعلى رأسهم السعودية التي فتحت الباب بالتعاون مع تل أبيب أمام خط جديد للكابلات البحرية.

خسائر مصر

بلو رامان الذي يمثل البديل لمصر، هو كابل إنترنت بحري طوله 5000 ميل، وتكلفته 400 مليون دولار، وينقسم إلى قسمين، الأول هو (رامان) نسبة لاسم فيزيائي هندي حاصل على جائزة نوبل، وينطلق من مقاطعة مومباي الهندية، مرورا بالمحيط الهادي وسلطنة عمان وصولا إلى السعودية. 

أما الثاني فيسمى (بلو) يبدأ من مدينة جنوا الإيطالية، مرورا بالبحر المتوسط وإسرائيل، ويلتقي النصفان في مدينة العقبة الأردنية القريبة من الحدود السعودية، وهو ما يعد تهديدا لمصر.

في 18 أبريل/ نيسان 2020، نشر موقع (دويتشه فيله) الألماني، تقريرا عن خسائر مصر الناجمة عن ذلك المشروع، قائلا: "مصر ستخسر استثمارات المشروع، إضافة إلى رسوم العبور الممول من غوغل تليكوم إيطاليا والاتصالات العمانية، وستصبح إسرائيل مركزا مهما على شبكة غوغل للألياف البصرية".

خلال مؤتمر البورصة الأول للطروحات العامة الأولية، الذي عقد قبل سنوات، وتحديدا في مايو/ أيار 2014، أعلن عاطف حلمي وزير الاتصالات (آنذاك) أن "مصر ثاني أكبر دولة في العالم في عدد الكابلات البحرية، التي تمر بها والتي تصل إلى 17 كابلا".

مضيفا: "من بينها كابل سي مي وي 4، كابل سي مي وي 3، كابل فلاج، كابل تايكو، كابل أليتار، بالإضافة إلى كابل تمتلك فيه المصرية للاتصالات حصة قدرها 50 مليون دولار ويربط بين بريطانيا والهند، كابل جلوبال كروسنج، كابل مارسيليا".

وتابع: "توجد أيضا مجموعة الكابلات، التي تنطلق من الأراضى المصرية، وتضم كابل الشركة المصرية للاتصالات (تى إى نورث، وكابل تحالف يضم عدة شركات تحت اسم الشركة العربية للكابلات البحرية، وكابل شركة الشرق الأوسط للكابلات البحرية، التي تمتلك أوراسكوم تيليكوم حصة فيه)، بأطوال 160 ألف كيلو متر".

وحسب الوزير تصل عائدات مصر، من تلك الكابلات إلى حوالي 142.8 مليون دولار، لكن حسب نشرة موقع "إنتربرايز الأميركي" الاقتصادية، في 15 يوليو/ تموز 2020، فقد "حققت الشركة المصرية للاتصالات المملوكة للحكومة إيرادات تجاوزت 2.9 مليار جنيه أي 184 مليون دولار كعوائد خلال عام 2019 وحده من الكابلات الدولية". 

الموقع قال: "ما يقرب من ثلث سكان العالم يعتمدون على مصر للوصول إلى الإنترنت، وتفرض مصر رسوم عبور هي من الأعلى عالميا، والشركات المالكة للكابلات غير راضية عن الرسوم المرتفعة للغالية".

منظومة مهترئة 

العوامل الخارجية ليست فقط عامل التهديد الأول لمكانة مصر العالمية فيما يخص الكابلات البحرية، لكن البيروقراطية الحكومية، وسوء الإدارة جعلت القاهرة لا تقدم أفضل ما لديها من خدمات ولم تصل إلى نقطة متميزة في استثمار تلك الخاصية الفريدة. 

وهو ما أكدته دراسة لمركز الإمارات للسياسات (حكومي)، صدرت في 4 يناير/ كانون الثاني 2021، حيث قالت "تفقد مصر ميزتها التنافسية كمعبر لكوابل الإنترنت الدولية بعد دخول إسرائيل منافسا لها، عبر تقديم نفسها معبرا بديلا أقل سعرا وأقصر طريقا من مصر". 

وأضافت "كما أنها معبر غير مزدحم مثل مصر التي يتم الترويج لكونها نقطة اختناق للكابلات البحرية العالمية يفضل تفاديها مستقبلا، خاصة في ظل التوجه الإسرائيلي الحالي لتطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية".

وتابعت: "وهو الأمر الذي سيمكن تل أبيب من إحداث شراكات في مجال عبور الكابلات البحرية لم تكن تستطيع القيام به في السابق في ظل الأوضاع الجيوسياسية التي كانت تفرض عدم وجود علاقات تجارية واقتصادية معلنة بين إسرائيل ومعظم الدول العربية".

من جهة أخرى، يمثل ارتفاع التكاليف المصرية الخاصة بالعبور، تهديدا حقيقيا على أية خطط مستقبلية محتملة لمد خطوط كابلات بحرية عبر مصر، ما يعني تهديد عائدات مصر من هذه الخدمة، وكذا المزايا الإستراتيجية واللوجستية التي تحصل عليها من مرور هذه الكابلات. 

وحسب تقرير موقع "إنفو تك تيوز" الأميركي، الصادر في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2020، فإنه "يتم الترويج أن الشركة المصرية للاتصالات المسؤولة عن الكابلات البحرية في مصر تفرض رسوما هي من بين الأعلى عالميا، إذ إنها تمثل ما يصل إلى 50 بالمئة من تكلفة أي مشروع للكابلات البحرية الجديدة".

كما أكد أن الشركات المالكة لتلك الكابلات "غير راضية أيضا عن الرسوم المرتفعة للغاية التي تفرضها الشركة المصرية للاتصالات مقابل السماح بعبورها في الأراضي المصرية".

وهي النقطة التي استغلتها وسائل الإعلام العبرية عبر حملة إلكترونية واسعة النطاق، أطلقت في أبريل/ نيسان 2020، وهدفت إلى إبراز عيوب الكابلات المارة عبر مصر.

وأعلنت صحيفة "هارتز" الإسرائيلية حينئذ عن تعرض مصر لانتقادات بسبب رسومها الباهظة على حق مرور الكابلات البحرية التي تمر عبر أراضيها، والتي يقال إنها تبلغ حوالي 300 مليون دولار لكل كابل.