بوابتها للعبور إلى القرن الإفريقي.. لماذا وقع اختيار الصين على جيبوتي؟

12

طباعة

مشاركة

يتزايد النفوذ الصيني في القارة الإفريقية، يوما بعد آخر، بغية تعزيز مكانة بكين كقوة عالمية، وتوسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري، وهو ما كشفت عنه دورية إنتلجنس أونلاين الاستخباراتية الفرنسية في عددها الصادر 10 مارس/آذار 2021.

الدورية قالت إن باريس رصدت نشاطا متسارعا لتوسيع القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، موضحة أن بكين وسعت منطقة رسو السفن البحرية، وبنت مهبطا للطائرات العمودية، ووسعت أرض التدريب.

وأضاف التقرير أنه تم تشييد مبان جديدة لاستيعاب وحدات إضافية، موضحا أن لدى بكين حاليا نحو 1000 جندي يتمركزون بشكل دائم في القاعدة العسكرية بجيبوتي، ومن المقرر أن يرتفع عدد الجنود إلى 10 آلاف جندي في 2026. 

في 2017، أسست بكين قاعدتها العسكرية في جيبوتي كأول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها، وذلك بعد زيارات وتفاهمات قام بها رئيس الأركان الصيني الجنرال فانج فينج هوي، لجيبوتي في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

حينها، تحدث وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف قائلا إن الصين ستمتلك قاعدة عسكرية قبل نهاية 2017، ووصفها بكونها "قاعدة بحرية لوجستية".

من جانبها، أكدت وزارة الدفاع الصينية في فبراير/شباط 2016 أنها "قاعدة لوجستية، لديها مهام معينة، كالمشاركة في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام ومكافحة القرصنة في خليج عدن، ومهام أخرى تتعلق بالإغاثة الإنسانية في جيبوتي".

 حماية المصالح

كانت جيبوتي الدولة الصغيرة المشرفة على مضيق باب المندب، هي الدولة التي وقع اختيار بكين عليها، وتأتي أهمية هذا الاختيار في كون جيبوتي مشرفة على المضيق.

وحسب تقرير لمعهد السلام الأميركي، فإن مضيق باب المندب يعد ممرا لنحو 20 بالمئة من حجم التجارة العالمية، أي ما يعادل 700 مليار دولار سنويا، بالإضافة إلى نحو 5 ملايين برميل من النفط يوميا، علاوة على أن 50 بالمئة من واردات النفط تصل إلى الصين عبر هذا المنفذ، قادمة من السعودية والعراق وجنوب السودان.

ومع التهديدات الإستراتيجية الأخيرة التي اندلعت حول المضيق جراء اضطراب الوضع في اليمن وتزايد التنافس الإقليمي على محيط مضيق باب المندب، سعت بكين لإيجاد موطئ قدم لها في جيبوتي.

مع العلم بأنها كانت قد سعت في 2013 لتعزيز نفوذها في اليمن، وذلك من خلال عرضها توسعة مينائي عدن والمخا المشرف على باب المندب بقيمة 508 ملايين دولار، على شكل قرض ميسر، غير أن اندلاع الحرب عقب ذلك قد حال دون تنفيذ هذا المشروع.

وتصرح بكين أنها تهدف من خلال تلك القاعدة إلى حماية مصالحها في المضيق الإستراتيجي وطرق التجارة، خصوصا بعد أعمال القرصنة التي تتعرض لها سفن تجارية منذ عام 2005.

وتكلف أعمال القرصنة التجارة العالمية خسائر سنوية تقدر بنحو 6 مليارات ونصف المليار سنويا، وفق تقرير صدر في 2011 عن وكالة OBP المختصة بمتابعة القرصنة.

تأمين الحزام

كان الهدف المعلن من إنشاء القاعدة العسكرية هو تنفيذ عدد من الأغراض اللوجستية، غير أن القاعدة سعت في إحدى أهدافها، لتعزيز الإستراتيجية الاقتصادية الصينية الطموحة المسماة "حزام طريق الحرير"، عبر قواعد عسكرية تمثل محطات تتوزع في هذا المسار.

هذه الخطة سبق أن أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ في 2013، وأوضح أن بكين تتبنى إستراتيجية جديدة  تسعى إلى تأمين  طريق الحرير البحري.

ومن أجل ذلك الهدف فإن الصين تسعى إلى إنشاء مزيد من القواعد العسكرية لضمان حماية طريق الحرير وخلق تحالفات اقتصادية.

كان تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قد نقل في أغسطس/آب 2016 توقعات لوزارة الدفاع الأميركية بأن الصين سوف تسعى خلال العقد المقبل إلى إنشاء نقطة ارتكاز لها في مينائي صلالة عمان، أو كراتشي في باكستان المطلان على بحر العرب.

وفي حال تمكنت بكين من إنشاء كيان عسكري في هاتين النقطتين فإنها ستكون قريبة من مضيق هرمز، وتحقق سيطرة من نوع ما، وهي سيطرة تأتي بمحاذاة السيطرة التي تسعى لها في مضيق باب المندب.

الجدير بالذكر أن "الحزام والطريق" خطة صينية، تعرف أيضا بـ"طريق الحرير" للقرن الحادي والعشرين، تسعى إلى إنشاء حزام بري من السكك الحديدية والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا.

كما تسعى بكين إلى إنشاء طريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار، بالإضافة إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، وربط أكثر من 70 بلدا.

تقرير لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" الصينية، استعرض كيف أن جيبوتي، الدولة الإفريقية الصغيرة، أصبحت حجر الزاوية لمشروع بكين "الحزام والطريق".

مضيفا أن المشروع الصيني هو "إلى حد كبير تجاري بطبيعته، لكنه أيضا يعكس حاجة الصين لتعزيز وجودها العسكري لحماية مصالحها المتنامية خارج حدودها".

 نفوذ عسكري

الأهداف اللوجستية وحتى الاقتصادية التي أعلنت عنها بكين عقب إنشائها للقاعدة العسكرية، ما لبثت أن تطورت لنشاط عسكري، فعقب وصول القوات الصينية للقاعدة العسكرية، أجرت تدريبات قتالية بالذخيرة الحية.

وبررت بكين ذلك النشاط بالتدريب لحماية قواتها من أي تهديدات محتملة من قبل الإرهابيين أو القراصنة، وقالت البحرية الصينية في جيش التحرير الشعبي إن القوات المتمركزة في جيبوتي يجب أن تكون قادرة على حماية نفسها ومقاومة الهجمات التي يشنها إرهابيون أو قراصنة أو قوات مسلحة محلية أو حتى قوات أجنبية.

وكانت التوقعات قد ذهبت إلى أن الإستراتيجية الاقتصادية الصينية سوف تصاحبها إستراتيجية عسكرية أخرى، ليس لحماية مصالحها الاقتصادية فحسب، بل لتوسيع النفوذ العسكري لبكين ومواجهة النفوذ العسكري الأميركي والأوروبي الذي يتمدد على حساب النفوذ الصيني، خصوصا أن جيبوتي يوجد بها قواعد عسكرية لكل من الولايات المتحدة وفرنسا واليابان وإيطاليا وإسبانيا، ومعظمها تمارس نشاطا عسكريا من نوع ما.

الدكتور أندرو سكوبيل، الأستاذ في جامعة جورج تاون بواشطن والباحث السياسي في مؤسسة راند، قال إن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية هي الجهات الفاعلة المهيمنة في الشرق الأوسط، إلا أن الصين بدأت تظهر كعنصر آخر فاعل من الناحية الاقتصادية، لكن أيضا من الناحية الأمنية بشكل تدريجي".

وأضاف سكوبيل: "لاعتبار دولة ما قوة عالمية، ينبغي أن تكون دولة لاعبة في الشرق الأوسط. وبالنسبة للصين، فإنها تولي قاعدتها (في جيبوتي) أهمية كبرى، لأنها موطئ القدم العسكرية الوحيد لها في المنطقة".

عنق زجاجة

ومن شأن هذا الوجود العسكري في هذه المنطقة الحساسة أن يقلص من تراجع النفوذ العسكري لبكين، حسب مركز بحوث الأمن القومي التابع لجامعة "تل أبيب" العبرية، في تقديره الإستراتيجي الذي أعده كل من يوئيل جوجانسكي وغيل هوروفتس.

المركز قال إن "القاعدة الصينية تقع قرب مدخل مضيق باب المندب، وأمام القواعد العسكرية الأميركية، الفرنسية واليابانية في الطرف الثاني من الخليج، وبهذه الطريقة تكون الصين قد حققت موطئ قدم عسكري في عنق زجاجة للتجارة العالمية".

الجدير بالإشارة أن الحد من النفوذ العسكري في هذه المنطقة، تطور فترة من الفترات وشكل تهديدا عسكريا صينيا على الوجود الأميركي في جيبوتي، حيث أقدمت القوات الصينية في القاعدة العسكرية في مايو/أيار 2018 على إطلاق أشعة الليزر على طيارين أميركيين.

المحاولة كانت بغرض التدخل في مهام الطيران الأميركي، ما دفع البنتاغون إلى إرسال شكوى رسمية إلى بكين يستنكر فيها إصابة طياريها بجروح طفيفة، نتيجة استهداف طابعات الليزر الصينية لهما.

وكانت الصين قد اشتكت من أن الطائرات الأميركية منخفضة الطيران تقوم بمهام تجسس بالقرب من القاعدة العسكرية الصينية.