"ليست كورونا فحسب".. هذا هو السبب الرئيس لاحتجاجات باراغواي
ذكرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية أن المئات في باراغواي، أغلبهم من الشباب، احتجوا على الحكومة في العاصمة أسونسيون، بسبب ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى مستويات قياسية و"الذي أدى إلى وصول المستشفيات والنظام الصحي إلى حد الانهيار".
وأوضحت الصحيفة بنسختها التركية في مقال للكاتب حسام الدين أسلان: "أصيب عشرون شخصا في الأحداث التي اندلعت في 5 مارس/آذار 2021، وتم اعتقال العديد من الأشخاص، وأقال رئيس باراغواي ماريو عبده بينيتز، 3 من وزرائه ردا على الاحتجاجات العنيفة فيما استقال وزير الصحة أيضا في نفس اليوم".
وأضافت أنه "على الناحية الأخرى تنادي أحزاب المعارضة باستقالة عبده بينيتز وإجراء انتخابات مبكرة كما يتهمون الحكومة اليمينية بالفساد المستشري".
وهكذا لم تلب إقالة الرئيس عبده بينيتز للوزراء مطالب الشعب، بل دعوا الرئيس نفسه بالاستقالة بعد الأزمة الاقتصادية التي تبعت تفشي الوباء، في حين اتهم العاملون الطبيون الحكومة بسرقة الملايين من الدولارات التي تم تخصيصها لمعالجة مرضى كورونا، لكن هل هذا يتعلق فقط بفشل الحكومة في مكافحة الوباء؟ يتساءل الكاتب.
خلف الواجهة
وذكر أسلان أن "هناك محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية (سد إيتايبو) تم بناؤها من قبل الديكتاتوريات العسكرية في سبعينيات القرن الماضي بين باراغواي والبرازيل على نهر بارانا، شغلت جدول الأعمال بتكاليفها التي وصلت لمليارات الدولارات وفضائح الفساد وقتل سفير والتشريد والتهجير الجماعي للسكان الأصليين".
وأشار إلى أن "سد إيتايبو الضخم يغطي اليوم حوالي 90 بالمائة من كهرباء باراغواي و15 بالمائة من كهرباء البرازيل، لكن الأخيرة تستولي على 80 بالمائة من الكهرباء التي ينتجها، ومع أنه يتم تقسيم الكهرباء بالتساوي نظريا، إلا أنه وبسبب سوء البنية التحتية بباراغواي وقلة عدد سكانها (7 ملايين) فإنها لا تتمكن من استيعاب إنتاج السدود ".
وأوضح أسلان: "لذلك، فإن البرازيل التي يبلغ عدد سكانها 210 ملايين نسمة، تحصل على غالبية إمدادات الكهرباء بفضل اقتصادها وصناعتها الضخمة، حيث يمكن لباراغواي أن تبيع فائض الكهرباء للبرازيل بموجب معاهدة إيتايبو لعام 1973 لسداد ديونها".
ولفت إلى أن "باراغواي خسرت 75.5 مليار دولار من العائدات خلال 50 عاما وفقا لمدير مؤسسة ديموس الفكرية، ميغيل كارتر، الأمر الذي تسبب في استياء عميق في باراغواي".
واستدرك أسلان قائلا: "في الواقع، ستنتهي ديون باراغواي ومعاهدة 1973 عام 2023، وهذا يعني أن الدخل القادم من السد سيتم إنفاقه على التنمية الوطنية وتأمين عائدات ضخمة، وبينما كان يتوقع أن تتفاوض باراغواي مع البرازيل بشروط أكثر عدلا في السنوات القادمة، تم الإعلان بأن عبده بينيتز ونظيره البرازيلي جايير بولسونارو، التقيا أو اتفقا سرا".
ولعب الرئيس البرازيلي بولسونارو دورا في الأزمة السياسية التي هزت باراغواي وعقد اتفاقية طاقة مع عبده بينيتز على أحد أقوى السدود الكهرومائية في العالم، ورغم أن هذه الأزمة حدثت العام الماضي، إلا أنها احتلت مكانا في طليعة جدول أعمال البلاد مع جائحة كورونا، وبرزت مرة أخرى مع الأزمة الاقتصادية والصحية. يلفت الكاتب.
وأضاف: "وهكذا اضطر الرئيس عبده بينيتز إلى إلغاء اتفاقية الطاقة مع البرازيل بعد أن واجه خطر الإقالة، فقد كان هذا الاتفاق الذي يعرض استقلال باراغواي في الطاقة للخطر، قد أغضب شعب باراغواي ودفع الرئيس إلى حافة الهاوية آنذاك وإن كان قد نجا بفضل دعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وبولسونارو".
ويرى الكاتب التركي أن "غضب الشعب لم يهدأ بل يشكل خلفية الاحتجاجات التي ظهرت اليوم، وبعبارة أخرى، شكل كل من كورونا وقضية توريد اللقاحات ونقص المعدات الطبية الواجهة المرئية للقضية فقط في الوقت الذي توقف فيه الدعم الأميركي عن عبده بينيتز بعد خسارة ترامب أمام خلفه جو بايدن".
وتابع: "وبما أن باراغواي اضطرت إلى دفع 300 مليون دولار أخرى سنويا بموجب المعاهدة بسبب اتفاقية الطاقة، اتحد شعب باراغواي في الرغبة في إنقاذ مستقبلهم الذي ضاع لعقود، ووصمت حكومة عبده بينيتز بـ(الخيانة)، فيما تصاعدت ردة الفعل تجاه إقالة الرئيس ونائبه، ليأمر عبده بينيتز بإلغاء الاتفاقية الموقعة مع بولسونارو في وقت لاحق".
وأردف أسلان قائلا: "اعتذر عبده بينيتز وقال إن الخطأ الذي ارتكبه ليس نابعا من سوء نية، ورغم أن اعتذار الرئيس يعتبر نقطة ضعف في السياسة إلا أن قيامه بهذا الاعتذار وإلغاءه الاتفاقية أنقذه من محاكمته أمام مجلس النواب".
لكن عبده بينيتز قال في وقت لاحق أنه "ربما يكون قد ارتكب أخطاء" وطالب البرلمان باتخاذ الإجراءات القانونية ضده، لكن ما سبب فشل بارغواي في مكافحة الوباء بعد أن نجحت في ذلك في البداية؟.
انتقادات قاسية
واعتبر أسلان أن "بارغواي كانت من أوائل الدول التي أعلنت الحجر الصحي، ورغم عدم كفاءة نظام الرعاية الصحية، فإن الإستراتيجية الدفاعية التي طبقتها ضد تفشي فيروس كورونا جعلت من الممكن احتواء تزايد الحالات من خلال قواعد الحجر الصحي الصارمة، فقد كان النظام الصحي ونظام الضمان الاجتماعي منهارا قبل فترة طويلة من الوباء".
وأضاف: "باراغواي واحدة من البلدان التي تملك أعلى نسبة من الشباب في المنطقة إلى جانب أنها تملك أعلى نسبة من سكان الريف في أميركا الجنوبية، حيث يشكل السكان الذين يعيشون في الأرياف ما يعادل 38 بالمائة من الشعب (تقريبا 2.5 مليون نسمة)، بينما تحدث معظم الوفيات في المدن؛ بما أن الفيروس ينتشر عن طريق التلامس والاتصال".
واستدرك أسلان: "لكن بينما كان عبده بينيتز في خضم فضيحة محطة إيتايبو للطاقة الكهرومائية، كاد وزير الصحة خوليو مازوليني أن يصبح بطلا قوميا؛ حيث استطاع لفت أنظار الشعب لأول مرة باتخاذه للتدابير اللازمة لمكافحة الوباء، فيما أطلق عليه الصحفيون اسم القبطان".
وأوضح أن "وزير الصحة كان يتحرك بشفافية ووضوح اعتمادا على البيانات والحالات والأرقام، كما كان يوجه انتقادات حقيقية للنظام الصحي في البلاد ويقول لا نملك المعدات والأدوات الطبية اللازمة للأطباء ونظامنا الصحي غير جاهز".
وقد حاز الوزير مازوليني على ثقة الشعب لدرجة أن الرئيس السابق هوراسيو كارتيس وأنصاره توقفوا عن انتقاداتهم بعد أن كانوا يوجهون انتقادات قاسية لحكومة عبده بينيتز.
لكن وبعد أن خفف الرئيس قوانين الحجر الصحي واستمراره في العلاقات التجارية مع البرازيل وفتح الحدود، تسبب في تزايد أعداد الحالات والوفيات بسرعة كبيرة، وقال عبده بينيتز: إن "نصف حالات الإصابة يشكله القادمون من البرازيل الشقيقة، ليستقيل وزير الصحة بعدها كآخر وزير صحة استقال في أميركا اللاتينية بعد جائحة كورونا"، بحسب الكاتب التركي.
وخلص إلى أن "السبب الرئيس خلف الاحتجاجات تكمن في عدم تحرك الحكومة لمكافحة الوباء، فقد كانت الاحتجاجات تركز على النقص في توريد اللقاح، ومع أن التحالف اليساري اقترح بناء علاقات دبلوماسية مع الصين إلا أن حكومة عبده بينيتز عارضت ذلك لأسباب سياسية، وهكذا تعيش باراغواي اليوم أسوأ الأزمات الصحية التي مرت بها في تاريخها".
وختم أسلان مقاله لافتا إلى أن "وسائل الإعلام العالمية الرئيسة مثل بي بي سي ورويترز، أظهرت الأمر وكأن ملايين المتظاهرين شاركوا في الاحتجاجات رغم أن المصادر المحلية تقول إن 5 آلاف شخص على الأكثر، وهذا سيضر بالدعم الدولي لعبده بينيتز وإن كان سيتمكن من الاستمرار في اعتلاء عرش السلطة طالما تستمر النخبة المحلية في دعمه".