مسلسل طويل.. كيف تسرق إسرائيل غاز غزة بمساعدة السلطة الفلسطينية؟
بدأت محاولات استخراج الغاز من حقول قطاع غزة البحرية منذ أكثر من عقدين، من خلال عدة اتفاقيات أبرمتها السلطة الفلسطينية مع شركات أجنبية.
كانت آخر هذه الاتفاقيات تلك التي وقعت بين مصر والسلطة الفلسطينية، في 21 فبراير/شباط 2021، على شكل مذكرة تفاهم بشأن تطوير حقل الغاز الطبيعي قبالة غزة، حسبما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا".
أبرمت الاتفاقية بعد عدة لقاءات عقدها وزير البترول المصري، طارق الملا مع مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين، بينهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس.
تضمنت الاتفاقية إعطاء حق الامتياز لصندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، لتطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة، على نحو يوفر احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي مع إمكانية تصدير جزء منه إلى مصر، حسب وكالة أنباء طوفا المصرية.
تاريخ من المحاولات
بدأت السلطة الفلسطينية منذ عام 1996 مشروعها لاستخراج الغاز، حيث شكلت حينها فريقا يمثلها، كان على رأسه المهندس إسماعيل المسحال لإدارة المشروع، حيث استعانت بعدد من الشركات البريطانية والألمانية والتي لم تتمكن من إنجاز المشروع.
وبعد استلام حركة المقاومة الإسلامية حماس الحكم في قطاع غزة، حاولت حكومتها في عام 2012 التنقيب عن الغاز بوسائل بدائية محلية ولكنها فشلت لضعف الإمكانيات المتوفرة.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي، خالد أبو عامر لـ"الاستقلال" إن محاولات استخراج الغاز من سواحل غزة بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي حيث كان الأمر يتم بسرية ودون إعلان تفاصيل من جهة السلطة الفلسطينية.
وأشار إلى أنه من المفترض أن يتم الإعلان عن تفاصيل الاتفاقية الأخيرة بين مصر والسلطة، لا سيما الكشف عن مدة الاتفاق وحق الامتياز للشركة المصرية ونسبة الأرباح وشكل توزيع العوائد على المحافظات الفلسطينية، مشيرا إلى الإهمال الكبير لقطاع غزة من جانب السلطة.
وأضاف أنه "في عهد (الرئيس الفلسطيني الراحل) ياسر عرفات أبرمت السلطة اتفاقية مع شركة "برتش غاز" البريطانية حيث كان نصيب الشركة من عوائد استخراج الغاز 60 بالمئة وهي نسبة ضخمة وغير منطقية".
وأشار إلى أن السلطة "أبرمت الكثير من العقود الاحتكارية التي انعكست بشكل سلبي على حياة المواطنين من ضمنها عقود استيراد البترول والغاز من الاحتلال وتلك المتعلقة بشركتي الكهرباء والاتصالات في غزة وغيرها من عقود الامتياز الاحتكارية التي تبرهن رغبة رام الله بالاستفراد بكافة مرافق الاقتصاد وخصوصا قبل الانتخابات (العامة) المقبلة (تنطلق في مايو/أيار 2021)".
وأوضح أبو عامر أنه في عام 2014 تم تحديث كمية مخزون الغاز الموجودة في حقل غزة والذي وصل إلى 1.4 تريليون قدم مكعب.
ونوه إلى أنه في حال "حصلت السلطة على نسبة 54 بالمئة من العوائد كما هو متوقع ضمن الاتفاقية فستحصل خزينتها على 400 مليون دولار سنويا وهو مبلغ كبير جدا سيغني السلطة الفلسطينية عن الجانب الاسرائيلي".
ولذلك من المتوقع ألا توافق إسرائيل على هذه النسبة وتشترط حصول السلطة على عائد يوازي ثمن 33 مليار قدم مكعب وهي النسبة التي تم اكتشافها عام 1999 وبنسبة 54 بالمئة وهو ما سيوفر 150 مليون دولار سنويا للسلطة.
وأضاف "الاحتلال الإسرائيلي حاول عرقلة استخراج الغاز وفرض معيقات كبيرة وفي هذه الأثناء كان يستخرج الغاز من المناطق البحرية المتاخمة لغزة".
ومن جهة أخرى يحرص على عدم استفادة غزة من أي مورد طبيعي وعدم تحسن الوضع المعيشي فيها ما لم تتخل فصائلها عن السلاح وتفرج عن الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية.
وهو ما يفسر السياسات الإسرائيلية الخانقة لغزة في كافة المجالات الاقتصادية ومن ضمنها الغاز، وفق أبو عامر.
وكشف تحقيق أجرته قناة الجزيرة في أبريل/نيسان عام 2019 قيام إسرائيل بتجفيف حقل غاز “ماري بي”، في بحر غزة، حيث أن ما يحتويه كان يكفي القطاع لمدة 15 عاما.
كما كشف أيضا، عن قيام سلطات الاحتلال بالتنقيب ببحر غزة وحفر الآبار وتصدير الغاز على أنه إسرائيلي، مع منع الفلسطينيين من حقهم بالتنقيب أو التصدير أو الاستفادة من العائدات والتي كانت من المتوقع أن تصل إلى نحو 4.5 مليارات دولار سنويا.
وخلص التحقيق إلى أن “إسرائيل” سعت إلى تعطيل تصدير الغاز من فلسطين باقتراح نقله إلى مصر وتصديره من هناك، قبل أن توقع القاهرة وتل أبيب اتفاقية تقضي بشراء الأخيرة الغاز من الأولى وإيقاف نقل غاز غزة، وهو ما دفع شركة بريتش غاز لإيقاف استخراجه الغاز، وإبقائه حبيس الآبار وهو ما عرقل المشروع.
رفض فلسطيني
رفض المجلس التشريعي اتفاقية السلطة الفلسطينية مع مصر بشأن الغاز في جلسة عقدها في 3 مارس/آذار. واعتبر الاتفاقية مخالفة للقانون وعبثا بالمقدرات الوطنية واستخفافا بغزة.
وطالب نواب في المجلس بالخروج بقرار للتوجه إلى القضاء الدولي لإلغاء الاتفاقية ومحاكمة موقعيها، لمنع حدوث أي فساد في موارد الطاقة.
وقال رئيس المجلس التشريعي بالإنابة أحمد بحر إنه لا يجوز بأي حال أن تستفرد السلطة الفلسطينية برام الله، بإبرام الاتفاقيات الدولية، نيابة عن الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية.
وأوضح أنه يجب أن يكون "إبرام الاتفاقيات ذات البعد الدولي، التي تتصرف بالموارد الطبيعية الفلسطينية، وفقا لنصوص القانون، دون التفرد بالتصرف بها".
وأضاف بحر، إن اتفاقية الغاز "أبرمت بشكل غامض، دون العرض على المجلس التشريعي، وبناء على ذلك فإن التفاهم المبرم بين السلطة الفلسطينية ومصر يفتقر إلى التحصين القانوني"، وأن القانون الأساسي الفلسطيني لا يجيز الارتباط بأية مشاريع لها أثر مالي كبير إلا بموافقة البرلمان، بحسب المادة (92) لسنة 2003.
ورغم قرار حل المجلس التشريعي عام 2018، فإنه ما زال يمارس صلاحيته في قطاع غزة على اعتبار أنه لا يتم حله إلا في حال انتخاب مجلس تشريعي آخر.
وبدوره، قال مسؤول اللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي، النائب عاطف عدوان، إن المجلس رفض الموافقة على الاتفاقية بسبب عدم إيضاح بنودها وعدم مشاورته بها وتم استثناء الفصائل الفلسطينية كذلك من هذا القرار.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "المعلومات التي تسربت عن الاتفاقية كان مفادها أن مقربين من الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيحصلون على 40 بالمئة من العائدات الفلسطينية من الغاز و30 بالمئة لمستثمرين فلسطينيين وحوالي 30 بالمئة ستكون نصيب مستثمرين إسرائيليين".
وشدد على أن التعتيم المفروض على الاتفاقية يمنع الجهات الرقابية من ممارسة دورها في الرقابة والمحاسبة ومنع الفساد وهو الدور المنوط بالمجلس التشريعي الفلسطيني حسب القانون.
وأكد النائب أن عائدات الغاز يجب أن توجه لإضعاف قدرة الاحتلال على التحكم بالفلسطينيين من خلال الابتزاز الاقتصادي الذي يمارسه وكذلك ضرورة استثمار هذه العوائد بمشاريع مدروسة لإحداث قفزة اقتصادية وحضارية في كافة أنحاء الوطن.
وعقب الإعلان عنها، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة غضب كبيرة، احتجاجا على إبرام السلطة اتفاقية سرية البنود لاستغلال غاز غزة، عقب سنوات من السياسة العقابية التي مارستها ضد القطاع المحاصر.
ومن جانبه، قال الناشط الفلسطيني رفعت مدين إن قطاع غزة عانى طويلا مع السلطة الفلسطينية التي مارست سياسة التمييز مع الضفة الغربية.
وبين في حديث لـ "الاستقلال" أن السلطة الفلسطينية اتخذت سياسة العقاب الجماعي ضد القطاع منذ عام 2007 وحرمته من التوظيف وفرضت عقوبات قاسية ضد الفلسطينيين منها ما كان اقتصادي وصحي وسياسي.
وهو ما أدى إلى تفشي الفقر "واليوم تأتي للسيطرة على غاز غزة بعد كل هذه السنوات من التمييز والظلم والتآمر"، وفق قوله.