تدريس "القيم المشتركة" لطلاب مصر.. هل يروج السيسي لدين جديد؟

12

طباعة

مشاركة

قبل وفاته بفيروس كورونا، كان آخر تصريح للواء كمال عامر، رئيس المخابرات الحربية السابق ولجنة الدفاع والأمن 26 فبراير/ شباط 2021، هو إعلانه موافقة وزارة التعليم على إدارج مادة جديدة تجمع كل الأديان في المناهج المصرية.

هذه المادة هي "القيم الدينية المشتركة بين الديانات السماوية"، التي تعني تدريس "اليهودية" بجانب الإسلام والمسيحية للطلاب في كتاب تعليمي واحد.

"القيم المشتركة" جزء من تحولات خطيرة تجري في ملف التعليم بمصر، منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز 2013، وتوليه السلطة في يونيو/حزيران 2014، بدعاوى محاربة التطرف "الإسلامي" وتطوير الخطاب الديني.

لم يقتصر الأمر على إعلان نائب وزير التعليم رضا حجازي، أن هناك توجيهات (تعبير يتكرر في الصحف يُنسب للسيسي) بحذف الآيات القرآنية من كل المناهج وقصرها على كتاب الدين الإسلامي فقط.

"حجازي" قال، خلال اجتماع يوم 14 فبراير/ شباط 2021 مع لجنة الدفاع والأمن القومي: "نظرا لأهميتها، سيتم إدراج هذه المادة ضمن المجموع الكلي للطلاب".

فهل ما يفعله نظام السيسي في منهج التعليم المصري هو "تطبيع جديد" مع إسرائيل بعد سلسلة الاتفاقيات التطبيعية "اتفاق إبراهيم" التي وقعتها 4 دول عربية؟.

وهل يدخل في إطاره سعي شركة "مصر للطيران" لتسيير رحلات مباشرة لإسرائيل، بحسب قناة "i24news" الإسرائيلية؟، وزيارة وزير البترول المصري للقدس، ولقاءات السيسي السرية والعلنية مع نتنياهو؟.

هل الهدف فرض التطبيع الثقافي في المناهج، ومحاولة تغيير هوية الشباب المصري بعدما فشل شعبيا خلال 42 عاما منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد؟.

هل السيسي هو فعلا "رأفت الهجان الإسرائيلي" أو "إيلي كوهين المصري" كما يسميه مصريون على مواقع التواصل بسبب سياساته التي تخدم الصهاينة؟ أم يفعل هذا لخدمة إسرائيل حفاظا على الكرسي باعتبارها بوابته إلى البيت الأبيض؟.

"القيم المشتركة"

القصة بدأت بمناقشة لجنة الدفاع والأمن القومي "خطة وزارات الثقافة والأوقاف والتعليم في مواجهة التطرف والإرهاب"، يوم 14 فبراير/ شباط 2021.

تقدم النائب فريدي البياضي (مسيحي)، بمقترح للدكتور رضا حجازي نائب وزير التعليم، "بتدريس الدين ضمن كتاب يدرس القيم المشتركة بين كل الأديان".

بحسب ما نشرته الصحف، كان اقترح النائب "تدريس مادة الدين في حصص مشتركة لتعليم الطلاب القيم والعيش المشتركة بين الأديان".

"هناك خطورة كبيرة من وضع نصوص دينية في مواد اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا"، بحسب النائب، بدعوى أن "ذلك يعطي مجالا لمدرسين غير مؤهلين لتفسير تلك النصوص تفسيرات متطرفة وهدامة تنشر الأفكار المتطرفة".

أضاف "البياضي": "التعليم قضية أمن قومي، ولو عدنا إلى أدبيات جماعة الإخوان المسلمين، وكتابات مؤسسها حسن البنا، نرى أن الجماعة كان لديها منهج واضح للسيطرة على التعليم والمعلمين".

وزعم النائب قائلا: "رأينا كيف جرى أخونة المناهج الدراسية وقت حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، ولذلك يجب وضع خطة استباقية من وزارة التعليم لمناهضة التطرف".

نائب وزير التعليم وافق على تنفيذ المقترح، وقال: "نظرا لأهمية هذه المادة، سيتم إدراج درجات الطالب فيها ضمن المجموع الكلي للطلاب"، و"هناك توجيهات لاقتصار النصوص الدينية على مادة الدين فقط".

وبعدما انهالت عليه الانتقادات الشعبية، قال النائب على حسابه بفيسبوك: "المقترح الذي قدمته ووافقت عليه الوزارة هو تدريس مادة القيم والمبادئ المشتركة بعيدا عن الأديان وليس (دين مشترك) ولم أقترح إلغاء حصص الدين".

وأضاف قائلا: "اقتراحي هو تدريس مادة تحتوي على قيم ومبادئ مشتركة عن التسامح والمواطنة وقبول الآخر، ولا علاقة لها بمادة الدين ولا بالنصوص الدينية". وفي حوار مع جريدة الشروق 21 فبراير/ شباط 2021، زعم أن "أعداء الدولة حرفوا مقترحي بتدريس مادة الأخلاق لمهاجمة الرئيس والدولة".

مقترح مادة "القيم المشتركة" ليس جديدا، وطُرح للمرة الأولى أول يناير/ كانون ثاني 2017، من الأنبا أرميا، الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي.

مجلة صوت الأزهر نقلت على لسانه حينئذ دعوته إلى "تدريس القواسم المشتركة في الإسلام والمسيحية ضمن مادة الدين"، وتأييد عدد من علماء الأزهر لذلك، ولاحقا أشاد البرلمان بموافقة وزارة التعليم على إضافة المادة الدراسية الجديدة (القيم المشتركة).

اللواء كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي السابق أكد في 26 فبراير/ شباط 2021 أن الهدف "مواجهة الأفكار المتطرفة والتكفيرية التي تعمل الجماعات الرجعية على نشرها في المجتمع".

وقررت وزارة الأوقاف أن يكون موضوع خطبة الجمعة 19 فبراير/ شباط 2021 هو المقاصد العليا للأديان والقواسم المشتركة، باعتبارها من "مكارم الأخلاق وبناء الحضارات"، بحسب تعليمات الوزير.

 

تدريس "اليهودية"

لم يصدر أي تصريح رسمي في مصر عن دراسة طلاب المدارس للديانة اليهودية ضمن منهج "القيم المشتركة"، ولكن خبراء مناهج قالوا إن الحديث يدور عن "تدريس قيم الأديان الإبراهيمية" المشتركة، ما يعني أن اليهودية ضمنها.

خبير تعليمي مصري قال إن هناك محاولات منذ توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل لتغيير مناهج التعليم بما يجعل إسرائيل "دولة صديقة"، وتخفيف نشر الآيات والقصص القرآنية عن اليهود في المناهج التعليمية.

الخبير، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال لـ"الاستقلال": "أتوقع أن يتضمن منهج القيم المشتركة الجديد بعض تعاليم اليهودية التي تتفق مع الإسلام والمسيحية، وتاريخ وثقافة اليهود في مصر والعالم".

أوضح أنه سبق، في عهد الرئيس السابق مبارك، طرح نفس الأفكار بأسماء مختلفة، والسعي لإلغاء مادة الدين واستبدالها بـ(الأخلاق)، بدعوى أنها "تُدرس في أكثر من ‏60‏ دولة في العالم وليست بدعة" بحسب قول وزير التعليم حينئذ.

لكن صحيفة "المونيتور" الأميركية أكدت أنه سيتم تدريس "اليهودية" في المدارس المصرية، وأن تدريس القيم المشتركة في الديانات الإبراهيمية الثلاث "سيسمح للطلاب المصريين بدراسة آيات من الديانة اليهودية لأول مرة".

"المونيتور" نقلت عن مقدم الاقتراح (فريدي البياضي) تأكيده: "تعليم الطلاب نصوصا تحمل قيما مشتركة من الديانات الإبراهيمية الثلاثة (بما فيها اليهودية) أمر أساسي".

وأضاف في 8 مارس/ آذار 2021: "يجب تطوير المناهج الدينية الحالية بحيث تعزز أهدافها محاربة التعصب والتطرف".

ونقلت "المونيتور" عن المفكر القبطي كمال زاخر قوله: "من المهم أن يدرس الطلاب النصوص الدينية من جميع الأديان الإبراهيمية حتى يصبحوا أكثر تسامحا"، زاعما أن "المشكلة تكمن في التيارات المتخلفة التي تهاجم تعاليم أي دين مختلف عن دينهم".

ما يحدث في مصر يتماشى مع ما يجري في المنطقة والعالم العربي من انتشار حمى التطبيع، حيث قرر المغرب رسميا يوم 13 ديسمبر/ كانون أول 2020 تعليم التاريخ اليهودي في مدارسه وجعله جزءا من المنهاج الدراسي، واعتبر وزير التعليم المغربي ذلك "إدراج للثقافة اليهودية في البرامج الدراسية يثبت الهوية الوطنية"!.

بضاعة السيسي

أثار قول نائب وزير التعليم أن هناك "توجيهات لاقتصار النصوص الدينية على مادة الدين فقط"، تساؤلات حول حذف الآيات القرآنية من المناهج الدراسية.

وردت وزارة التربية والتعليم في بيان 19 فبراير/شباط 2021 مؤكدة أن "هذه مجرد شائعات هدفها التشكيك في اهتمام الدولة بالدين"، ونفت صدور توجيهات بإلغاء تدريس الآيات القرآنية والأحاديث لطلاب المدارس.

شددت الوزارة على عدم صدور أية قرارات بهذا الشأن، وأن "تدريس الآيات والأحاديث القرآنية في المناهج التعليمية يرسخ القيم الأخلاقية".

ولكن هذا لا ينفي إزالة آيات قرآنية وأحاديث من المناهج بالفعل في أوقات سابقة، ففي عام 2015، قالت الوزارة إنها أزالت "النصوص والموضوعات التي تؤدي إلى التطرف والتحريض على العنف".

تم إزالة قصص عن صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع من منهج اللغة العربية، بدعوى أنها تحض على القتال والحرب وقتل وطرد مسيحيين بدعاوي إنهم "صليبيين" وحرق للأعداء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة التربية والتعليم أماني ضرغام حينئذ (أكتوبر/ تشرين الأول 2016): "الوزارة ارتأت أن الأجزاء المحذوفة تحرض على العنف".

شمل الحذف أيضا 6 فصول تعادل نصف المقرر من قصة فاتح بلاد المغرب العربي عقبة بن نافع المقررة على الصف الأول الإعدادي.

وكذا اسميْ الخليفة عمر بن الخطاب والصحابي عبد الله بن الزبير من درس للصف الخامس والثاني الإبتدائي يحكي عن "شجاعة الأخير وقت أن كان طفلا أمام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

ونشرت صحيفة الأهرام أول مارس/آذار 2015 تقريرا ينتقد درسا في اللغة العربية للصف الثالث يؤصل فكرة مقاومة العدو، وزعمت إن هذا "تشبيه جهادي"، ويروج لأفكار "تنظيم الدولة".

في الدرس الافتراضي تقوم "طيور البلابل" بحرق "ملك الصقور" الذي يهددهم وينهب طعامهم بالقوة، بدلا من ترك أوطانهم وطعامهم للصقور.

في 23 فبراير/ شباط 2015 شكل وزير التربية والتعليم لجنة لمراجعة بعض المواد في مناهج التربية الدينية، ودعا وزارة الأوقاف والأزهر لمراجعتها بهدف مواجهة العنف والتطرف.

وسبق هذا في ديسمبر/ تشرين الأول 2014 وضع وزارة التعليم إستراتيجية "الأمن الفكري"، لمواجهة ظاهرتي العنف والتطرف، أعدّها المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، تلبية لدعوة السيسي لـ"ثورة دينية" لتقليص مخاطر الإرهاب.

تحت عنوان "السيسي يحاول بيع رؤيته للدين لكن المصريين لا يشترون"، كتب "تسفي برئيل" في صحيفة هآرتس الإسرائيلية يقول "إن محاولات السيسي لتغيير الخطاب الديني غير مرحب بها في مصر".

"برئيل" قال 28 فبراير/ شباط 2021: "السيسي أشعل عاصفة نارية عندما أمر بشطب آيات من القرآن وأحاديث من الكتب المدرسية، في البلد الذي أوصل الإخوان المسلمين إلى السلطة".

وقال إن خبراء المناهج وقادة الأزهر الذين تم تعيينهم لمراجعة المناهج يعارضون بشدة توجيهات السيسي ويطلقون عليها "أجندة السيسي" لإفراغ الكتب المدرسية من المحتوى الديني.

أشار إلى أن "السيسي يريد تقويض الوضع القائم بين النظام والدين الذي ساد خلال عهدي السادات ومبارك، ويرى الدراسات الدينية مصدرا للإرهاب وتهديدا للأمن القومي".

وأضاف: "السيسي مقتنع أنه كي ينجح في محاربة الإخوان المسلمين، يجب عليه تغيير الخطاب الديني، ولا ينوي المساومة في هذا، لذلك يوبخ ويهاجم الأزهر"، لعرقلته فصل الدين عن المناهج، بحسب تفسيره.

"دين رابع"

بدأت فكرة الدين الإبراهيمي الجديد في تسعينيات القرن العشرين، حينما قامت الإدارة الأميركية بإنشاء "برنامج أبحاث دراسات الحرب والسلام"، وبدأت اختبار المفهوم الإبراهيمي عام 2000 عن طريق جامعة هارفارد.

هارفارد أرسلت فريق من الباحثين الأمريكيين لمنطقة الشرق الأوسط لاختبار فرضية طرح دين جديد باسم نبي الله إبراهيم، تتجمع حوله هذه الدول المختلفة، بدعوى "حل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال هذا التجمع الإبراهيمي الجديد".

وتحذر الدكتور نعيمة عبد الجواد، أستاذة الأدب والترجمة بجامعة القاهرة، مما يسمى "الديانة الإبراهيمية الجديدة"، وتقول إن مصدرها مراكز بحثية ضخمة وغامضة انتشرت مؤخرا في العالم، تسمى "مراكز الدبلوماسية الروحية".

أوضحت في مقال بموقع "ميدل إيست أون لاين" 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أنه "يعمل على تمويل تلك المراكز أكبر وأهم الجهات العالمية، مثل الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والولايات المتحدة الأميركية".

قالت إن مصطلح الديانة الإبراهيمية وضعه "أصحاب المصالح" في عالم اليوم "لبسط الهيمنة والنفوذ"، بينما هو "متنفسا لمخططات شريرة للاستيلاء على دول ومناطق بأكملها دون إراقة قطرة دم واحدة".

قالت إن الهدف "استحداث ديانة تشتق نواميسها من الأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام وتدعو إلى نشر التسامح وقبول الآخر تسمى الديانة الإبراهيمية الجديدة".

"المستهدف هو الجيل الجديد، تشويه معالم أديان بعينها"، وتصوير الأديان القائمة في شكلها الحالي على أنها "ما هي إلا مصدر للمتاعب، ويجب إعادة تأويلها"، بحسب تقديرها.

وتشير الدكتورة هبة جمال الدين، مدرس النظم السياسية بمعهد التخطيط القومي، إلى أن المراكز الإبراهيمية تُعد لـ"كتاب مقدس" جديد مأخوذ من نصوص من الكتب السماوية، لكنها ليست محل خلاف بين أتباع الديانات الثلاث.

قالت إن الهدف النهائي على قمة أجندات هذه المراكز، هو تهويد القدس وتمكين إسرائيل من السطو على المقدّسات الإسلامية والمسيحية، في حوار مع صحيفة "الوطن" 13 مارس/ آذار 2018.

الكاتب بجريدة الأهرام ومقدم البرامج "سيد علي"، حذر أيضا من فكرة "الديانة الإبراهيمية"، وأسماها "الدين الرابع المزعوم". ويرى أن فكرة توحيد الناس تحت راية جمع أهم التعاليم المشتركة بين الديانات السماوية الثلاث، ووضعها فى قالب جديد يسمى الدين الإبراهيمي، هدفه "تجريد الديانات من خصوصياتها وحدودها".

علي أكد أن "هذا الدينُ الجديدُ يحملُ أهدافا سياسية بحتة، إذ يسعى لتمكينِ الولاياتِ المتحدةِ وإسرائيلَ منْ بسطِ سيطرتِهما وتحقيقِ أطماعهما في منطقة الشرق الأوسط".