"إعلام للمعلوم".. وكالة الأناضول: هذه أهداف تقرير واشنطن بشأن خاشقجي
رأت وكالة الأناضول التركية أن السياسة السعودية اكتسبت بعدا تجاوز المتعارف عليه مع صعود الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى العرش في عام 2015، فقد كان له دور مهم في تغيير النظام الوراثي بشكل جذري لجعل ابنه محمد ملك السعودية القادم.
وبذلك، أصبحت المؤسسات المهمة مثل وزارة الدفاع ورئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والديوان الملكي تحت سيطرة نجله مباشرة، مع المراسيم الملكية الصادرة بعد عام 2015.
وهنا تطرقت الوكالة الرسمية، في مقال للكاتب والباحث نجم الدين أجر إلى رفع واشنطن الستار عن تقرير أعدته الاستخبارات الأميركية قبل عامين وامتنعت إدارة دونالد ترامب عن الإعلان عنه للحفاظ على العلاقات بين البلدين.
وأصدرت الاستخبارات الأميركية في 26 فبراير/شباط 2021 تقريرها المُنتظر عن مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
قدّر التقرير أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان (35 عاما)، "وافق على خطف أو قتل خاشقجي". وأشار إلى أن الأمير كانت لديه "سيطرة مطلقة" على أجهزة الاستخبارات والأمن في المملكة، منذ تعيينه وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017.
وهو "ما يجعل من المستبعد جدا أن يكون مسؤولون سعوديون قد نفذوا عملية كهذه من دون الضوء الأخضر الصادر عن الأمير".
تمهيد الطريق
ويقول الكاتب: "استمرت قوة ولي العهد في النمو حتى صارت جميع المؤسسات الحيوية تحت سيطرته بشكل مباشر أو غير مباشر بحلول عام 2017، لا سيما قطاع الأمن وصناعة النفط والإدارة الاقتصادية والشؤون الداخلية والخارجية، ليصبح بعدها المسؤول الفعلي للبلاد بحلول نهاية عام 2018، والذي تم اغتيال خاشقجي فيه".
تسبب الظهور السريع لابن سلمان في الساحة السياسية للبلاد في استياء عميق في الأسرة الحاكمة والعلماء والقبائل القوية ورجال الأعمال.
فعلى الرغم من أن النظام السياسي السعودي نظام ملكي مطلق، وأن للملك الكلمة الأخيرة في كل شيء، إلا أنه يقوم على اتخاذ القرارات الحاسمة بالتشاور الواسع والإجماع، لا سيما بشأن الأمور المهمة مثل أمن البلاد وسياساتها، وفقا للكاتب.
بالنظر إلى هذه الحقيقة، كان من المحتم أن يؤدي صعود ابن سلمان إلى استبعاد مراكز القوة المستقلة نسبيا مثل آل سعود والعلماء والقبائل القوية ورجال الأعمال من الحياة السياسية للبلاد. ويمكننا القول إن هذا الاستبعاد تسبب في "اختلال توازن بين النخب" في البلاد.
وشرح ذلك بالقول: "فمع صعود ابن سلمان واتباعه سياسة تركيز السلطة في يد واحدة، تم إلغاء الممارسة التقليدية للتوزيع المتوازن للسلطة داخل آل سعود".
إذ جرى إقالة نجلي الملك عبد العزيز المؤسس، مقرن وأحمد بالإضافة إلى إقالة أمراء مهمين مثل محمد بن نايف والوليد بن طلال ومتعب بن عبد الله، واعتقالهم ومصادرة أموالهم.
وتابع: "جرى تقسيم قطاع الأمن السعودي إلى ثلاثة أقسام، وزارة الداخلية والحرس الوطني ووزارة الدفاع كونها الصيغة الأكثر فعالية لضمان توزيع السلطة بشكل متوازن لأكثر من نصف قرن، وتم وضع هذه المؤسسات تحت سيطرة العشائر المتنافسة".
كما كان من المعتاد أيضا تعيين أحد كبار أعضاء الأسرة الحاكمة في مكتب المخابرات العامة، ومن ذلك تعيين تركي بن الفيصل ونواف بن عبد العزيز ومقرن بن عبد العزيز على التوالي في المخابرات منذ سبعينيات القرن الماضي.
واستدرك قائلا: لكن بحلول نهاية عام 2017، تمت إقالة الأعضاء رفيعي المستوى من الأسرة الحاكمة من جميع هذه المؤسسات (بما فيها وزارتي الطاقة والخارجية)، لتصبح جميعها تحت سيطرة أسماء قريبة من ابن سلمان، حتى أن بعضهم لم يكونوا أعضاء في الأسرة أصلا.
ووفا للكاتب، لم تقتصر سياسة ابن سلمان على استبعاد آل سعود من النظام. فقد بدأ في استبعاد العلماء الذين كانوا شركاء في النظام السعودي بسياسات مثل "الإسلام المعتدل" و"الإصلاحات القانونية.
ففي رؤية محمد بن سلمان لمستقبل بلده، لم يكن هناك مكان للعلماء الذين كانوا معقل التفسير "المتزمت" للإسلام كما يرى.
وبين بأن ولي العهد يقيم صلة بين انتشار التفسير المتشدد للإسلام في البلاد وغزو الكعبة عام 1979 من قبل جهيمان العتيبي وهكذا صرح بأنه يريد إعادة البلاد إلى "إعادة ضبط المصنع" من خلال استبعاد العلماء من النظام والتحول إلى "الإسلام الوسطي".
ومن أجل نجاح هذه السياسة، بدأ بتنفيذ خطط إصلاحية في مجالات الإعلام والترفيه والتعليم والقانون، والتي تعتبر عادة معقل العلماء.
وبحسب الكاتب التركي كان الهدف التالي لولي العهد هو رجال الأعمال السعوديين، الذين أصبحوا قوة مستقلة نسبيا وباتوا أثرياء من خلال جني أموال كبيرة من استثمارات البنية التحتية الضخمة التي تم إجراؤها في البلاد بسبب ارتفاع عائدات النفط لسنوات عديدة.
لذلك، سجن أكثر من 300 من أقوى رجال الأعمال في البلاد لشهور في فندق ريتز كارلتون، وتم استجوابهم ومصادرة ممتلكاتهم في إطار "مكافحة الفساد".
بهذه الطريقة، تم إضعاف طبقة رجال الأعمال السعوديين أيضا، مما قلل من فعاليتهم في الإدارة.
وأردف: وهكذا وبما أن الأسرة الحاكمة والعلماء ورجال الأعمال غير راضين عن سياسات ابن سلمان أبدا، ازدادت حاجة ولي العهد الشاب الذي ليس له أنصار في الرياض باستثناء والده وعدد قليل من إخوته والشباب السعودي، الذين يشكلون ثلثي سكان البلاد، إلى الدعم الدولي.
الشرعية الدولية
ويعتبر الكاتب أن الشرعية الدولية لمحمد بن سلمان تلقت ضربة قوية مع إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن تقرير خاشقجي.
فقبل كل شيء أدى التأكيد على دور ابن سلمان في جريمة القتل هذه إلى إضعاف سمعة البلاد بشكل كبير في العالم الغربي على جميع المستويات وفي العالم الإسلامي التي كانت تدعي قيادتها لسنوات عديدة.
خاصة وأن حقيقة عدم وجود صديق لأمير يُتوقع أن يكون ملك البلاد المستقبلي في الإدارة والكونغرس ومجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، الضامن الأمني للنظام السعودي منذ الحرب العالمية الثانية، ستشكل مشكلة خطيرة على الحياة السياسية لابن سلمان.
إضافة إلى أن الإعلان عن هذا التقرير تزامن مع اقتراب ابن سلمان من العرش مع تقدم والده في السن وتزايد قوته في النظام السياسي للبلاد، بحسب ما يراه الكاتب.
ولفت قائلا: من ناحية أخرى تربط بايدن وفريقه علاقة جيدة مع محمد بن نايف ولي العهد السابق الذي أزاحه الملك ليعين ابنه مكانه، وهو عامل آخر يزيد من قلق الرياض.
يعود ذلك إلى أن ابن نايف نفذ العديد من عمليات مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الأميركية بعد عام 2000 وخاصة أثناء فترة باراك أوباما، كما طور علاقات جيدة مع العديد من كبار المسؤولين من الولايات المتحدة.
ويعتبر وزير الخارجية الأميركي الحالي، أنتوني بلينكن، واحدا ممن عمل معهم بن نايف عن قرب.
واستدرك الكاتب قائلا: لكن وعلى الرغم من ظهور تعليقات تفيد بأن حياة ابن سلمان السياسية على وشك الانتهاء بعد نشر تقرير خاشقجي، إلا أن الرؤية التي طرحها التقرير بعيدة كل البعد عن دعم هذا الادعاء.
فعلى الرغم من التوقعات بأن إدارة بايدن ستشدد على القيم المعيارية بدلا من تنفيذ سياسة خارجية واقعية قاسية كترامب، إلا أنه يمكننا القول إن الولايات المتحدة تتبع سياسة واقعية في هذه المرحلة.
فحقيقة عدم إدراج ابن سلمان في قائمة العقوبات يبطل إلى حد ما تصريح إدارة بايدن بأن ولي العهد سيدفع ثمن جريمته التي ارتكبها.
كما يظهر بأن إدارة بايدن لم تختر إقالة ابن سلمان بشكل كامل في الوقت الحالي وأنها تبحث عن حل وسط بالنظر إلى لغة التقرير وتصريحات واشنطن بشأن أهمية العلاقات مع المملكة العربية السعودية بعد نشرها.
إذ يكشف التقرير أن التهديد الرئيس بالنسبة للولايات المتحدة ليس قيام ولي العهد السعودي بإعطاء الأمر بقتل صحفي بوحشية، بل إصرار السعودية على اتباع سياسات مغامرة تتجاوز قدرتها العسكرية والصناعية.
وبالنظر إلى إعلانها الأخير حول عدم دعمها للحرب في اليمن وتقرير خاشقجي، يمكن القول إن الولايات المتحدة تخشى أن يؤدي إصرار السعودية على اتباع سياسات طموحة ومغامرة إلى انهيار النظام السعودي، وفقا للكاتب التركي.
وأوضح ذلك بالقول: يمكن أن يؤدي سقوط النظام في الرياض إلى زيادة ثمن السياسة الخارجية التي يتعين على الولايات المتحدة ـ التي تريد التركيز على الصين ـ اتباعها لحماية مصالحها في المنطقة، مثل أمن إسرائيل وموارد الطاقة.
ولهذا يعتبر الكاتب أن بايدن يتصرف في خط واقعي ويحاول جر النظام السعودي نحو سياسة خارجية تتناسب مع قوته.
ويبدو أن تقرير خاشقجي الذي لا يقدم شيئا جديدا حول دور محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي والتي يمكن تقييمه كإعلام للمعلوم، يشكل أول علامة على استخدام الخطاب الذي يعطي الأولوية للقيم المعيارية لأغراض السياسة الخارجية الحقيقية.
ويختم أجر مقاله قائلا: والآن وبدلا من انتظار تغير ولي العهد في الرياض، يمكننا أن نتوقع انسحابا من حرب اليمن، وتراجعا عن انتهاكات حقوق الإنسان، وإصلاحات جزئية تهدف إلى كسب احترام وتقدير الرأي العام الدولي، وإطلاقا لسراح الأمراء المسجونين مثل أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف.
ومع ذلك، من المؤكد أن الرياض ستبقى بعيدة عن السياسات الطموحة والمغامرة التي تتجاوز قدرتها العسكرية والصناعية والتي تزيد من تكاليف السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وفق تقديره.