"إسعافات أولية".. صحيفة فرنسية: تحديات تواجه حكومة السودان الجديدة
أكدت صحيفة "ذا أفريكا ريبورت" الفرنسية، أن الحكومة السودانية الجديدة تواجه تحديات كبيرة للوفاء بتعهداتها تجاه المحتجين، في ظل النفوذ الكبير الذي يتمتع به الجيش في البلاد والدولة.
وعين رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك حكومة جديدة تماشيا مع اتفاق جوبا، لكن السؤال المطروح وفق التقرير هو: هل هذه الحكومة خطوة حقيقية نحو تلبية المطالب الشعبية أم أنها مجرد ستار دخان لإبقاء الجيش في السلطة؟
وفي 10 فبراير/شباط 2021، أدى رئيس مجلس السيادة اللواء عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء حمدوك اليمين الدستورية أمام مجلس الوزراء السوداني الجديد. وتم الإعلان عن إعلان الحكومة مع تعيين حمدوك 20 وزيرا جديدا.
جاءت هذه الحكومة نتيجة إجماع سياسي على مدى فترة طويلة من المناقشات استغرقت شهورا، حيث قال حمدوك "كنا جميعا قلقين بشأن كيفية توجه البلاد نحو حافة الانهيار. كما كنتم تلاحظون في منطقتنا، لا يزال هناك العديد من الصراعات والتحديات".
إستراتيجية أم إنقاذ؟
وفي 8 فبراير/شباط 2021، أشار حمدوك إلى أن التشكيل الجديد للحكومة يأتي استحقاقا لاتفاق السلام الموقع في جوبا، يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وأنهى هذا الاتفاق صراعا استمر 17 عاما ويهدف إلى إحلال السلام في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
ووقعت ذلك الاتفاق كل من الحكومة السودانية و"الجبهة الثورية"، وهي تضم حركات مسلحة. وبناء على اتفاق السلام، أُعيد تشكيل مجالس السلطة الانتقالية، للسماح للموقعين عليه بالمشاركة فيها.
وبدأت بالسودان، في 21 أغسطس/ آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وائتلاف قوى "إعلان الحرية والتغيير".
ومن بين الذين تم تعيينهم في الحكومة الجديدة، زعيم متمردي دارفور للجبهة الثورية السودانية، جبريل إبراهيم، الذي يشغل الآن منصب وزير المالية. كما جرى تعيين مريم الصادق المهدي زعيمة حزب الأمة وابنة الراحل الصادق المهدي، وزيرة للخارجية.
ويقول جوك مادوت جوك، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة سيراكيوز والمحلل في الحوكمة الأمنية في السودان إن الحكومة الجديدة هي بالتأكيد محاولة للسيطرة على التحديات المتعددة لانعدام الأمن في مختلف المناطق، والإنعاش الاقتصادي وتهدئة الاحتجاجات المطالبة بالإصلاحات.
وبينما اختير زعيم من دارفور ضمن الاتفاق، تنص معاهدة السلام على وجوب تخصيص أربعة مناصب أخرى لتلبية نصيب دارفور في الحكومة.
وفي هذا السياق قال جوك "قد لا يكون ذلك حلا بل إسعافات أولية لن ترقى إلى مستوى التوقعات الشعبية، لا سيما في ضوء حقيقة أن الجيش ونظام الدفاع بأكمله لا يزالان في أيدي أنصار النظام السابق".
ويضيف أن هذه الحكومة مكلفة بالترويج لفكرة تقاسم السلطة بين المناطق المحاصرة في السودان، مضيفا "في هذا الصدد، سيكون الوزراء أكثر تركيزا على الحفاظ على السلام داخل مجلس الوزراء وليس تلبية احتياجات الناس، خاصة في المراكز الحضرية الفقيرة وفي دارفور".
نظرا لأن الحكومة الانتقالية التي يمثلها حمدوك تبدو وكأنها تتحرك في اتجاه تفعيل معاهدة السلام، يتساءل الناس عما إذا كان سيتم منح منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان حكما ذاتيا كما وعدوا وما إذا كان سيتم دمج 30 بالمئة من قوات المتمردين في قوات حفظ السلام في المنطقة.
ويجادل جوك بأن الجماعات المهمشة الأخرى تتطلع أيضا إلى الحصول على المزيد في الحكومة الجديدة قائلا "سيبحث الناس في دارفور والنيل الأزرق والنوبة وشرق السودان عن مؤشرات على أن هذه حكومتهم. العلامة الأولى والأكثر أهمية هي تحسين الخدمات التي حرموا منها".
لكن الحكومة مفلسة ولن تكون قادرة على الاستجابة السريعة لتلك المطالب وفق التقرير. ويدعو اتفاق جوبا الفصائل المتحاربة في المنطقة إلى تفكيك مليشياتها والاندماج في الجيش الوطني السوداني.
مع ذلك، يعتقد جوك أن الأمر معقد جدا، حيث يوضح أن "هذا المشروع طويل الأمد يجب أن يُنظر إليه على أنه شيء لا يمكن التسرع فيه للوفاء بالمواعيد النهائية للفترة الانتقالية، وأن قوات المتمردين ستحتاج إلى التدريب ثم دمجها تدريجيا في القوات المسلحة السودانية الحالية من أجل إنشاء جيش وطني موحد".
الاقتصاد المتعثر
كان الاقتصاد السوداني يترنح منذ حصول جنوب السودان على الاستقلال في 9 يوليو/تموز 2011، آخذا معه غالبية نفط الخرطوم. ولم تتمكن حكومة الرئيس المعزول عمر البشير من وقف التدهور الاقتصادي، وأطيح بها في عام 2019.
كما أن العقوبات التي استمرت عقودا لم تساعد أيضا في استقبال الاقتصاد السوداني، حيث كان السودان لفترة طويلة على قائمة الولايات المتحدة الدول الراعية للإرهاب. وبقي الحال على ما هو عليه حتى أزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخرطوم من القائمة.
ولكن بحلول ذلك الوقت، أدى انتشار وباء كورونا إلى إضعاف اقتصاد البلاد، مما قاد إلى ارتفاع التضخم. هذا بدوره دفع الناس إلى العودة إلى الشوارع مطالبين الحكومة بتحسين الظروف الاقتصادية والمضي قدما في الإصلاحات.
وفي ذات السياق يقول الصحفي والناشط السوداني شوقي مهدي مصطفى إن هناك الكثير من الفرص للبلاد، حيث أدى إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب إلى تحسين صورتها على المستوى الدولي.
ويقول مصطفى الآن إنها فرصة للحكومة لتشديد السيطرة على موارد الدولة التي يسيطر عليها الجيش وقوات الأمن منذ فترة طويلة.
ويضيف "السبيل الوحيد الذي يجب أن تسلكه الحكومة الجديدة هو إثبات جديتها في التعامل مع الأزمة الاقتصادية، والاستفادة من الوضع الدولي الجديد تجاه السودان والدخول في مفاوضات مع دول الخليج".
ووعدت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بتقديم 3 مليارات دولار للسودان في عام 2019، لكنهما توقفتا عندما تولى حمدوك السلطة. ثم رأت أبو ظبي والرياض أن آفاق الخرطوم متزعزعة وغير مؤكدة.
ويقول الخبير في معهد الولايات المتحدة للسلام جوزيف تاكر إن واشنطن هي إحدى الشركاء الدوليين الذين سيراقبون السودان عن كثب بينما تعمل الحكومة الجديدة على معالجة المشاكل الاقتصادية غير المسبوقة في البلاد.
وأضاف تاكر لصحيفة The Africa Report: "المساعدة الخارجية في تسوية المتأخرات والوصول إلى الأموال الدولية أمر بالغ الأهمية، وهناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة من قبل المدنيين في حكومة السودان لزيادة الثقة بين المواطنين السودانيين والمانحين الدوليين".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت الولايات المتحدة عن قرض تجسيري بقيمة مليار دولار للبنك الدولي للمساعدة في سداد متأخرات السودان.
وفي يناير/كانون الثاني، أعلنت المملكة المتحدة أيضا عن قرض بقيمة 465 مليون دولار لمساعدة الخرطوم على سداد أكثر من 400 مليون دولار من المتأخرات المستحقة لبنك التنمية الإفريقي.
وتواجه الخرطوم سلسلة من التحديات في المنطقة، من سد النهضة الإثيوبي الذي تقول الحكومة إنه يشكل تهديدا لـ 85 بالمئة من مياه السودان والاشتباكات الحدودية بين السودان وإثيوبيا المتواصلة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وألقت كل من إثيوبيا ومصر باللوم على السودان في الوصول إلى طريق مسدود خلال محادثات سد النهضة في يناير/كانون الثاني 2021، مما جعل العلاقات بين الجيران أكثر توترا.
ويقول تاكر من معهد الولايات المتحدة للسلام إنه على الرغم من أن التوترات بين السودان وإثيوبيا تبدو مرتبطة بسد النهضة، فإن الأمر يتعلق أكثر بالأعمال العدائية المتصاعدة على حدودهما المشتركة.
ويضيف: "جهود الوساطة على الجبهتين مهمة، لكن هناك حاجة إلى نهج موحد بين المسؤولين المدنيين والعسكريين في الحكومة الانتقالية السودانية للتوصل إلى حلول".
ويقول جوك إن هذه الحكومة الجديدة ستمنح الخرطوم متنفسا في الجغرافيا السياسية الإقليمية، لا سيما في ضوء التقارب مع واشنطن. ويرى أن "الحرب الأهلية الإثيوبية في الشمال ستؤخر استكمال سد النهضة، ولن يتعرض السودان لنفس الضغط الذي كان عليه سابقا".
لكن هناك أيضا مشاكل تتعلق بالجيران الآخرين، فلا تزال ليبيا وتشاد على وجه الخصوص مصدر قلق للسودان، بسبب تدفق الأسلحة إلى البلاد.
السودان وإسرائيل
وفق جوك، ستجد الحكومة الجديدة نفسها في مرمى الانتقادات إذا حاولت السيطرة على أي تدفق إضافي للأسلحة وكذلك إذا لم تفعل لأن دارفور المضطربة ستظل شوكة في خصرها.
مثل دول عربية أخرى مثل المملكة العربية السعودية والبحرين، شجعت الولايات المتحدة السودان بقوة على صنع "السلام" مع إسرائيل.
وبينما كان حمدوك مترددا في القيام بذلك، فإن إزالة السودان من قائمة الإرهاب ستفتح بوضوح فرصا جديدة، وفق الصحيفة.
وتقول خلود خير، الشريك الإداري في إنسايت إستراتيجي بارتنرز، وهي مؤسسة فكرية مقرها الخرطوم: "القضية مع إسرائيل معقدة، في حين أن اتفاقيات أبراهام (التطبيع)، قد تكون مهمة بالنسبة للسودان للانضمام اليها، إلا أن البلاد فعلت ذلك تحت الإكراه، في ترتيب معاملات مع إدارة ترامب".
وتضيف خير أنه بدلا من اتفاقية سلام بين الدولتين، تم توقيع اتفاقية شراكة تشكل اتفاقية أمنية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والجنرال السوداني البرهان. وتشير تقارير صحفية إلى أنهما التقيا في عام 2020 في أوغندا.
وأردفت: "مهد هذا الاجتماع إلى حد كبير لمشهد تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، مع زيارة سرية قام بها وفد إسرائيلي في يناير/كانون الثاني (2021) للقاء قيادات الجيش بشأن القدرات الصناعية العسكرية السودانية، فيما تم استبعاد الحكومة المدنية إلى حد كبير".
وتتابع "هذا لا يبشر بالخير لأي استثمار إسرائيلي بعيدا عن الجيش، مما سيقوض الانتقال إلى الحكم المدني في السودان".
وتقول عنبال بن يهودا، الباحثة في منتدى التفكير الإقليمي (مقره القدس المحتلة)، إنه من الصعب التأكد مما إذا كانت إسرائيل ملتزمة بالفعل بالتعاون مع السودان.
أحد الأمثلة على هذا الغموض السياسي هو تزايد الدعاية لهؤلاء الذين يدافعون عن ترحيل اللاجئين السودانيين بعد تطبيع العلاقات. ومن بين هؤلاء بعض منظمات المجتمع المدني اليمينية وأعضاء في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) ووزراء في الحكومة الإسرائيلية.
وأوضحت يهودا "لقد وضعوا هذه القضية كجزء لا يتجزأ من جدول أعمالهم. في الوقت نفسه، تؤكد سلطة الهجرة والسكان في إسرائيل أن الاتفاقات لا تنطوي على احتمالات الترحيل".
وتضيف "أصحاب المصلحة في كلا البلدين مهتمون بالتعاون، لكن العداء التاريخي لا يزال قائما بسبب العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين".
وبصرف النظر عن بعض وكلاء التطبيع المتشددين، فإن مصلحة السودان الرئيسة في إسرائيل مرتبطة بعلاقاتها الفوضوية مع الولايات المتحدة، تقول يهودا.
وبدأت الحكومة الانتقالية في تحسين صورتها في المجتمع الدولي. ويساعد التغيير الأخير في مجلس الوزراء على تعزيز اتفاق السلام الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
ويعد الانفتاح على الاستثمار الأجنبي المباشر خطوة أخرى من شأنها أن تساعد الاقتصاد، لكن المستثمرين سيرغبون في ضمان الاستقرار والاحترام الكامل لاتفاقية جوبا للسلام.
وفي ظل الأداء الاقتصادي الضعيف، سيتعين على الحكومة الجديدة العمل بجد لإيجاد طرق للوفاء بوعودها للشعب قبل انتهاء الحكومة الانتقالية في عام 2022 بالانتخابات وفق تقرير الصحيفة.