الوجه الآخر للمعادلة في السودان.. كيف سار حمدوك على خطى البشير؟
يعيش السودان أياما ثقيلة، على وقع اضطرابات ومظاهرات مستمرة ضد الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، بسبب السياسات العامة والإجراءات الاقتصادية.
وفي 21 فبراير/شباط 2021، أطلقت قوات شرطية قنابل الغاز المسيل للدموع، لتفريق احتجاجات وسط العاصمة الخرطوم، أثناء توجهها إلى القصر الجمهوري، للمطالبة بإسقاط الحكومة الجديدة.
تلك الأحداث دعت كتاب سودانيين إلى عقد مقارنات ومفارقات بين سياسات حكومة حمدوك وفريقه من قوى الحرية والتغيير، ونظام الإنقاذ تحت حكم الرئيس المعزول عمر البشير، مؤكدين أن الخط والمنهج واحد لم يختلف بل انحدر إلى ما هو أسوأ في النتائج على عموم الشعب.
وبرزت التساؤلات عن مدى التشابه بين النظامين؟ وكيف تطابقت السياسات الاقتصادية والعامة بينهما بشكل واضح؟ وهل ذلك المسار سيؤدي إلى نفس النهاية التي وصل إليها حكم البشير بالعزل والسجن؟
مفارقات السلطة
عبر عن ذلك الوضع، الكاتب السوداني عبد الرحمن عسيب، في مقالة نشرها عبر صفحته بموقع "فيسبوك" في 22 فبراير/ شباط 2021، انتقد فيها حكومة حمدوك.
وقال عسيب: "الذين قالوا لك قبل عامين، اسحب قروشك من البنك لأن العملة ستنهار ويطلبون منك اليوم إيداعها في البنك لأجل (الوطن).. قالوا لك حول عبر تاجر العملة (تنفعه وتنفع نفسك).. واليوم يقولون لك حول بالبنك وقاطع تاجر العملة بل بلغ عنه، لأجل الوطن".
وأضاف: "الذين قالوا لك إن رفع الدعم ليس لمصلحتك.. رفع الدعم سيء وقبيح و(كرفتة البنك الدولي ).. اليوم يخبرونك بأن رفع الدعم لمصلحتك".
وذكر أن "الذين قالوا لك أن رفع أسعار الخبز سيقضي على الصفوف، وأن الخبز بالكيلو سيساهم في توفير الرغيف، هم ذاتهم الذين رفعوا أسعار الكهرباء 600 بالمئة، ورفعوا أجرة عداد المياه 30 ضعفا.. لم تشاور في ذلك ولم يشرح لك أحد السبب، ولم تحصل على خدمة مستقرة".
ويشير الكاتب بهذا الحديث إلى تناقض أقوال الحكومة الانتقالية حين كانت في صفوف الثورة، وبين الأفعال حين صار عناصرها إلى السلطة، فسقطوا في نفس الإشكاليات والأخطاء.
ويذكر أنه في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وصلت أسعار المحروقات إلى الضعف، بعد قرارات حكومة حمدوك المتتالية برفع الدعم عن الوقود، وهو ما أدخل البلاد في أزمات متفاقمة في الوقود والخبز والمنتجات الأساسية، بالإضافة إلى انهيار غير مسبوق في الجنيه السوداني مُقابل الدولار.
وهو ما أدى مع مرور الوقت إلى إعلان البنك المركزي السوداني، في 21 فبراير/ شباط 2021، عن سعر صرف مرن ومدار أو ما يعرف بـ "التعويم الجزئي" لعملته المحلية "الجنيه"، بعد أن عجزت السلطات في البلاد عن تقويض السوق السوداء.
البلاد تصرخ
وفي 22 فبراير/ شباط 2021، انتقد الصحفي السوداني فوزي بشرى، ما آلت إليه الأوضاع، قائلا: "هذه البلاد تصرخ وترفع يديها الى السماء من أجل قائد فذ.. هذه البلاد المبتلاة بالمسؤولين الزاحفين تنتظر قائدا يعرف إنسانها و يؤمن بمستقبلها و بقدرتها.. قائد واقف على قدميه ينظر الى ما وراء الأفق".
وتابع: "هذه البلاد لن يقودها العميان بل تحتاج الى أولي العزم ذوي البصيرة و البصر أصحاب الضمائر اليقظة و الأفئدة الجريئة.. هذه البلاد تحتاج إلى العاملين لا المتبطلين الذين يمارسون السياسة كوسيلة لكسب العيش.. هذه البلاد بحاجة الى ثور".
وفي الفترة الأخيرة واجهت حكومة حمدوك انتقادات متعلقة بالفساد وسوء الأداء عموما، فيما يتشابه الأمر بالحقبة الماضية.
ففي 15 فبراير/ شباط 2021، طالب "حزب الأمة" السوداني، بحل "لجنة إزالة التمكين"، واستبدالها بـ"مفوضية مكافحة الفساد"، حيث انتقد أداءها، واعتبره ضمن أسباب تأجيج الصراع في البلاد.
وذكر الحزب في بيانه أن "بعض توجيهات وقرارات اللجنة، تفتقر لبعد النظر السياسي والأمني، وتٌفاقم الأوضاع الأمنية الهشة، وتزيد الاحتقانات اشتعالا".
ومنذ منتصف يناير/ كانون الثاني 2021، تشهد الخرطوم احتجاجات يومية وصلت إلى حرق إطارات السيارات والاشتباك مع قوى الأمن وإغلاق الشوارع الرئيسة.
ورفع المتظاهرون مطالب رحيل حكومة الحرية والتغيير، التي عجزت عن توفير أبسط مقومات الحياة.
وفي 11 فبراير/ شباط 2021 أصدرت حكومة حمدوك، خطوات لكبح المظاهرات بتوجيه حكام الولايات، لاتخاذ إجراءات جنائية بواسطة النيابة العامة ضد الأعضاء الناشطين في "المؤتمر الوطني" الحزب الحاكم السابق، بدعوى أنهم المحرك الرئيس للمعارضة، في وضع تم تشبيهه بحملات الاعتقال التي حدثت أثناء ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، ضد المتظاهرين الذين يحكم قطاع منهم اليوم، فيما تبدلت أدوار الإدارة الحاكمة والمعارضة.
وفي 16 فبراير/ شباط 2021، ذكر السياسي السوداني مبارك الفاضل، عبر بيان، تعليقا منه على الاضطرابات والأحداث السياسية التي يشهدها الشارع السوداني، أن "المجموعات اليسارية همها الانتقام من الآخر وكذلك المجموعات اليمينية، لديها نفس النزعة".
ويعيش السودان، منذ 21 أغسطس/آب 2019، مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش و"قوى إعلان الحرية والتغيير".
أسوأ الحكومات
يرى الصحفي السوداني محمد نصر، أن "السودان يدفع الآن جراء سياسات حكومة حمدوك أضعاف ما دفعه زمن حكم الإنقاذ، وأن الدولة السودانية صارت أقرب للضعف والتفكك أكثر من أي مرحلة سابقة منذ تأسيس الجمهورية عام 1956، مرورا بكل الأنظمة والحكومات التي تولت الحكم، بما فيها العسكرية والإسلامية والشيوعية".
وضرب مثلا على ذلك بدخول "جيش حركة تحرير السودان (المتمردة) جناح مني ميناوي إلى الخرطوم (18 فبراير/شباط 2021) بعتاد عسكري ضخم وكأنه عرض لقوات احتلال" معلقا أن هذا المشهد كان لا يمكن حدوثه في أي عهد سابق.
ووصل جيش الحركة إلى الخرطوم قادما من ولاية شمال دارفور في إطار تنفيذ اتفاق سلام جوبا، لاسيما بند الترتيبات الأمنية الذي يعد من أهم بنود اتفاقية السلام.
وقال نصر في حديثه لـ"الاستقلال": "هناك قاعدة تقول الثوار هم أسوأ السياسيين والحكام، ولو طبقنا هذه القاعدة على الحكومة الانتقالية وقوى إعلان الحرية والتغيير، سنجدها واقعا لا ريب فيه".
فكل الأسباب التي ثاروا لأجلها سقطوا بها، وكل الانتقادات والاعتراضات على أسلوب حكم الرئيس المعزول، تورطوا فيها، بداية من انهيار العملة ورفع الدعم والتحويلات المالية وارتفاع الأسعار، والوساطة والموالاة على أساس الأيديولوجية، وهناك ما هو أشد وأضل ارتكبه حمدوك، وأدى إلى بوادر ثورة جديدة عكسية عليه"، وفق قوله.
وأضاف: "الوتر الذي يلعب عليه اليسار السوداني لتبرير أفعال حكومة حمدوك، هو أنهم ورثوا من الكيزان ( صفة يطلقها أهل السودان تهكما على المنتمين إلى الإخوان المسلمين في السودان) دولة محطمة مليئة بالأزمات، وأنهم أجبروا على المضي في هذا الطريق".
ويتساءل الصحفي: "ما الذي أجبرهم على التطبيع مع إسرائيل؟ أو رفع الدعم أو زيادة الأسعار؟ بالإضافة إلى استخدام القمع ضد المظاهرات، وإلى الآن لم تجف بعد دماء الشهداء الذي سقطوا في الثورة".
وشدد: "الأسلوب الذي اتبعته قوى إعلان الحرية والتغيير والحكومة الانتقالية، ضرب مستقبلهم السياسي في البلاد لفترات طويلة، ففي حالة الانتخابات لن يجدوا لهم ظهيرا شعبيا حقيقيا وسيخسرون لا محالة، والحالة الأقرب اشتداد عود الثورة وإسقاطهم كما حدث لنظام الإنقاذ الذي كان أشد منهم قوة".
وأردف: "السودان يستحق نظاما سياسيا عابرا لصراع الأفكار والهوية، إلى حكومة تنظر إلى مقدرات هذا البلد وموارده، وتتجاوز الحروب القبلية والصراعات العرقية، وتوحد الجبهة الداخلية في ظل مشروع وطني، خاصة أن الأعداء من الداخل والخارج يحيطون بالسودان ويريدون تحويله إلى بلد فاشل على غرار دول أخرى في المنطقة لم تسلم منهم".
المصادر
- الشرطة السودانية تفرق مظاهرات احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية
- بـ "التعويم".. السودان يبحث عن الدولار بين سراديب السوق السوداء (تقرير)
- سياسي سوداني بارز: لجنة إزالة التمكين لديها نزعة انتقامية والحكومة الجديدة بلا برنامج
- زيادة أسعار الوقود تقسم الشارع السوداني وتهدد حكومة حمدوك
- مظاهرات في السودان تطالب باسقاط الحكومة الانتقالية
- إعلان حالة الطوارئ في سابع ولاية سودانية