بدأت بمصنع أسمدة.. كيف خططت شركات إسرائيل لنهب ثروات السودان؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 25 يناير/كانون الثاني 2021، زار وزير الاستخبارات الإسرائيلية إيلي كوهين، السودان، وعبّر وقتها عن تطلعات التعاون بين الخرطوم وتل أبيب، بقوله: "ستكون بداية علاقة طويلة الأمد. إسرائيل سترسل في القريب العاجل وفدا من رجال الأعمال لتعميق التعاون".

لم تضيع تل أبيب الكثير من الوقت، فما هي إلا أيام قلائل وأعلنت إحدى الشركات الإسرائيلية لصناعة الأسمدة والكيماويات الزراعية، عزمها تمويل مصنع بالعاصمة السودانية الخرطوم، واختراق المجال الزراعي، والاستفادة من مقدرات البلاد الوافرة.

مصنع الأسمدة

مطلع فبراير/شباط 2021، نشرت صحيفة "معاريف" العبرية، تقريرا أكدت خلاله أن "شركة داشان الإسرائيلية لصناعة الأسمدة والكيماويات الزراعية تستعد لتمويل كامل واستثمار بنسبة 100 بالمئة لإنشاء مصنع للأسمدة بالخرطوم".

وأضافت أنه "سوف يتم إرسال بعثة إسرائيلية إلى السودان، لدراسة التعاون في تطوير منتجات الألبان، بهدف تحديد الطرق المحتملة لزيادة إنتاج الحليب وتقديم التدريب والمشورة لإنتاج الحليب في المناطق القاحلة".

وذكرت الصحيفة، أن "الحكومة الإسرائيلية بصدد مناقشة عدد من المشاريع الاقتصادية المشتركة الأخرى خلال الاجتماعات بين الجانبين، مع التركيز على مجالات المياه والزراعة. السودان يعتزم إرسال وفد من رجال الأعمال إلى إسرائيل في القريب العاجل". 

ويعتزم المجلس السيادي بالسودان، في سبيل تعزيز التعاون مع الدولة العبرية، إلغاء قانون "مقاطعة إسرائيل"، وهو الذي تطرق إليه إيلي كوهين، خلال زيارته الأخيرة.

ويعد "مقاطعة إسرائيل"، من أقدم القوانين المناهضة للتطبيع مع دولة الاحتلال في السودان، وعليه ارتكزت سياسة الخرطوم على مدار عقود.

وفي 6 يناير/ كانون الثاني 2021، وقعت السلطة الجديدة في الخرطوم مع واشنطن "اتفاقية أبراهام" التي وافقت بموجبها السلطة الانتقالية السودانية على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

حينها كتبت السفارة الأميركية بالخرطوم، عبر صفحتها الرسمية بتويتر: "الاتفاق يسمح للسودان وإسرائيل والدول الأخرى الموقعة على اتفاقات أبراهام بناء ثقة متبادلة وزيادة التعاون في المنطقة".

مواطن الخلل

فجوة كبيرة قائمة بين كمية الأسمدة المستخدمة في السودان والكمية المناسبة، حسب المدير التنفيذي لشركة الكيماويات الزراعية التابعة لمجموعة "سي تي سي" الاقتصادية بالسودان، خالد أمين عبد اللطيف، في تصريحات أدلى بها لعدد من وسائل الإعلام.

عبد اللطيف قال: "وفق التوصيات الخاصة بالاتحاد الإفريقي في مجال الزراعة، التي أشارت إلى حاجة الفدان الواحد في المتوسط إلى 50 كغم سماد بينما متوسط الاستخدام في السودان لا يتجاوز 8 كغم فقط للفدان".

وسبق وأن حاولت الحكومات السودانية المتعاقبة الاستعانة بخبرات أجنبية لتجاوز الأزمة، التي أضرت بالأراضي والمزارعين، ففي 8 سبتمبر/ أيلول 2016، دعا أحمد محمد صادق الكاروري، وزير المعادن السوداني السابق، المستثمرين الأتراك الذين يعملون في مجال الزراعة بالسودان، للدخول في الاستثمار في مجال الأسمدة الطبيعية.

وتتوفر المعادن التي تدخل في صناعة الأسمدة الطبيعية في مناطق مختلفة من السودان، ومنها الفوسفات والبوتاسيوم الذي يوجد بوفرة في ولايات "البحر الأحمر" (شرق) و"الشمالية" (شمال) و"جنوب كردفان" (جنوب).

وتقدر احتياطيات الفوسفات في منطقة شمال دارفور الواقعة غرب البلاد بنحو 81 مليون طن.

الواقع يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية درست السوق السوداني جيدا، وعرفت نقاط الضعف ومواطن الخلل في المجال الزراعي تحديدا.

وحسب بيان للحكومة السودانية في يوليو/ تموز 2017، أعلنت أن قيمة وارداتها السنوية من المعادن الزراعية الممثلة في الأسمدة المستخدمة في تحسين خصوبة الأرض، تبلغ 500 مليون دولار.

وعلى مدار سنوات طويلة عانت الزراعة السودانية بسبب شح الأسمدة، نتيجة العقوبات الاقتصادية الأميركية التي كانت مفروضة على نظام الرئيس المعزول عمر البشير.

وفي عام 2017 أعلن وزير المعادن السوداني السابق هاشم علي سالم، أن "هناك كميات كبيرة من المعادن تتوفر في السودان، وتحتاج فقط إلى الاستخراج والتصنيع".

هذا الخيط التقطته تل أبيب في فبراير/ شباط 2021، بإعلان شركة الأسمدة الإسرائيلية "داشان"، التي تعتبر شركة أسمدة عالمية، تمويل مصنع للأسمدة والكيماويات في الخرطوم.

أطماع إسرائيلية 

عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تطبيع العلاقات مع السودان في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قال إن "بعثات سودانية وإسرائيلية ستجتمع قريبا من أجل بحث التعاون في العديد من المجالات، ومن ضمنها الزراعة والتجارة ومجالات هامة أخرى"، وأضاف أن "الأجواء السودانية مفتوحة الآن أمام إسرائيل". 

ما ذكره نتنياهو، وعبر عنه قادة إسرائيليون، يؤكد أطماع الدولة العبرية، حيث يمتلك السودان أراض زراعية ضخمة، حتى أنه يسمى بـ "سلة غذاء العالم". ويعتبر القطن، والسمسم، والفول السوداني والصمغ العربي من أهم موارده الزراعية.

 كما أن السودان الدولة الأولى في العالم المنتجة للصمغ العربي بنسبة تصل إلى 80 بالمئة من الإنتاج العالمي. وتقدر الأراضي الزراعية ذات الترب الخصبة في البلاد بحوالي 200 مليون فدان، وكذلك يتميز السودان بثروة حيوانية ضخمة تجعله من أكبر أقطار إفريقيا امتلاكا لها.

وتقدر هذه الثروة كالتالي: 26 مليون رأس من الأغنام، 25 مليون رأس من الماعز، 22.7 مليون رأس من الأبقار، 35 مليون رأس من الإبل، 35 مليون دجاجة. ويتوافر في السودان ثروة سمكية كبيرة توجد بالمسطحات المائية المقدرة بحوالي 42 مليون متر مربع.

تلك الإمبراطورية الزراعية الضخمة غير المستغلة، دفعت تل أبيب، إلى محاولة تحقيق الاستفادة القصوى على جميع المستويات، خاصة وأن هناك العديد من القوى العالمية تسعى إلى ذلك.

احتلال ناعم

من جانبها أكدت الناشطة السياسية، وعضو لجنة القوى الشعبية لمقاومة التطبيع السودانية سارة الرفاعي رفض الشعب للمسار الذي انتهجه المجلس السيادي والحكومة الانتقالية رفضا قاطعا.

وقال الرفاعي لـ"الاستقلال": "السلطة الجديدة في الخرطوم، ورطت البلاد في التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلية، ثم صورت هذا الحدث أنه فتح جديد ونقلة تاريخية للسودان نحو التقدم والازدهار".

وأضافت: "هذا ما يروجون له وتروج له وسائل إعلامهم بعقد صفقة كبرى مع تل أبيب وواشنطن، بينما يغضون الطرف عن الأزمات التي لا تنتهي في الشارع والاقتصاد".

وتابعت: "هناك عدم شفافية من قبل الحكومة فيما يخص التطبيع، والاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وبات المواطن يعرف أخبار التعاون بين النظامين من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية".

وضربت الرفاعي مثلا بالقول: "كما حدث في تداول خبر نية إسرائيل تمويل مصنع للأسمدة على الأراضي السودانية، فلولا أن الصحف الإسرائيلية تناولت الخبر، كان سيظل طي الكتمان". 

وذكرت: "إسرائيل وغيرها من القوى الكبرى لم تعد بحاجة إلى ترسانة عسكرية وحشد الجيوش لاحتلال الدول الفقيرة، واستعبادها والاستحواذ على مواردها، لكن فقط يكفيها عقد اتفاقيات مع حكومات ضعيفة وغير نزيهة، ثم ترسل الشركات ورجال الأعمال ليمارسوا مهامهم المحددة. الشركات هي الاحتلال الناعم الجديد للدول الكبرى، والإمبريالية العالمية، لنهب خيرات ومقدرات الدول الضعيفة".

وتساءلت الناشطة السياسية: "هل على السودانيين تصديق أن إسرائيل سوف تعمل على نهضتهم وتنمية دولتهم؟! هل علينا قبول ترويج بعض منظري الحكومة بأن مساحة الأراضي المزروعة في السودان 45 مليون فدان من أصل 200 مليون فدان صالحة للزراعة. وهل إسرائيل بفضل ما تملكه من تقنيات سوف تساهم في توسيع رقعتنا الزراعية؟".

وأجابت الرفاعي: "هذا حديث لا يمكن قبوله من أي سوداني يعتز بوطنه وهويته، يجب أن تعمل الحكومة وقادة البلاد على وضع خطط تطوير واستغلال للمجال الزراعي، والاستفادة بما حبى الله به السودان من مقدرات، بدلا من انتظار إسرائيل وأمريكا وغيرهم من الدول التي تريد استغلال السودان، في ظل عالم قائم على المصلحة والانتهازية".