في ذكراها العاشرة.. كيف أعاقت المؤسسة العسكرية ثورة الشباب باليمن؟

12

طباعة

مشاركة

في 11 فبراير/شباط 2011 اندلعت ثورة الشباب في اليمن، وبعد مرور 10 سنوات أصبح البلد يعاني انقلابين، أحدهما في الشمال نفذته جماعة "الحوثي" المدعومة من إيران، والآخر في الجنوب نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.

الثورة اندلعت بعد أن وصل اليمنيون إلى مرحلة من الاختناق السياسي والاقتصادي، وبعد أكثر من 33 عاما ركز فيها الرئيس السابق علي عبدالله صالح السلطة والثروة بيده ويد أقاربه وشبكة المصالح التابعة له.

كان هدف الثورة أن ينتقل اليمن من مرحلة الحكم العائلي والاستئثار بالسلطة ونوايا التوريث، إلى مرحلة أخرى تحكمها المؤسسات ويسودها العمل الديمقراطي والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة.

غير أن مرحلة الانتقال الديمقراطي اصطدمت بعوائق حالت دون تحقيق أهدافها، وأدخلت اليمن مرحلة لم تكن متوقعة من التشظي والتدهور السياسي والاقتصادي.

واجهت قوى الثورة عدة تحديات، أولها دول الثورات المضادة بقيادة السعودية والإمارات التي عملت على الالتفاف على مطالب الثوار ومنحت صالح ونظامه الحصانة من الملاحقة القانونية.

وتحالف صالح مع مليشيا الحوثي ومدها بالسلاح والمقاتلين ونفذ معهم انقلابا على حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، بغية الانتقام من القوى الثورية التي طالبت برحيله.

تعيينات عائلية

المؤسسة العسكرية كانت أبرز ما حال دون تحقيق الثورة لأهدافها، وبدلا من أن تكون محايدة وتحمي مؤسسات الدولة، بما فيها مؤسسة الرئاسة والحكومة والجهاز الإداري، كانت عائقا جوهريا أمام الثوار.

خلال 3 عقود من حكم صالح، عمل خلالها كقائد أعلى للقوات المسلحة، على تعيين أبنائه وأبناء أخيه وأقاربه على رأس الألوية العسكرية، لضمان الولاء الشخصي له.

عين صالح نجله أحمد علي قائدا للحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وابن أخيه يحيى محمد عبدالله صالح أركان حرب الأمن المركزي خلفا لأبيه محمد عبدالله صالح.

كما عين ابن أخيه طارق محمد عبدالله صالح قائدا للحرس الرئاسي الخاص، وابن أخيه عمار محمد عبدالله صالح رئيسا لجهاز الأمن القومي، وابنه خالد علي عبدالله صالح قائدا للقوات الجبلية المدرعة.

 في حين قام بتعيين أخيه (غير الشقيق) محمد صالح الأحمر قائدا للقوات الجوية وقائدا للواء السادس طيران، وأخيه غير الشقيق علي صالح الأحمر مديرا لمكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وعين أيضا ابن عمه محمد علي محسن الأحمر قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية الشرقية، وابن قريته وقريبه مهدي مقولة قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية، بالإضافة إلى تعيين العشرات من أقاربه وأصهاره وأبناء قريته وقبيلته في أماكن عسكرية مهمة وحساسة.

اصطفاف شخصي

تلك التعيينات كانت لحماية صالح وحماية مصالحه، وليس حماية مؤسسات الدولة، وعندما اندلعت الثورة مطالبة برحيل نظام صالح، اصطفت تلك المعسكرات والألوية بشكل مباشر وغير مباشر مع صالح، وتخندقت مع نظامه في مواجهة الثوار.

على سبيل المثال، قام الأمن المركزي الذي كان يرأسه يحيى صالح (ابن أخي الرئيس)، باستعمال العنف ضد المتظاهرين، في بدايات مارس/آذار 2011، وفي 18 من الشهر نفسه قتل أكثر من 52 متظاهرا برصاص قناصة، فيما عرف بـ"جمعة الكرامة".

في حين مثل الحرس الجمهوري، وهو من قوات النخبة الذي يرأسه نجل الرئيس، أداة بيد صالح لملاحقة خصومه من القبائل والجنود المعارضين لنظامه أثناء الثورة.

في سبتمبر/أيلول 2011، هاجمت وحدات من الحرس الجمهوري أنصار زعيم قبيلة حاشد الشيخ صادق الأحمر، الذي انضم للثورة المطالبة برحيله، وحدثت في منطقة الحصبة بصنعاء أسوأ المواجهات بين قوات الحرس والمسلحين القبليين التابعين لآل الأحمر، مخلفة عشرات القتلى والجرحى، ودمار هائل في المنطقة أدى إلى نزوح آلاف الأسر من منازلها.

كان الحرس الجمهوري يتكون من 12 ألف جندي، ويتكون من 23 لواء تتوزع على ألوية مشاة ومظليين ومدرعات ودبابات، إضافة إلى صواريخ ودفاعات جوية وقوات صاعقة وقوات لمكافحة الإرهاب، كما تشمل قوات الحرس الخاص التي كانت تتولى حراسة القصور الجمهورية.

استأثرت قوات الحرس الجمهوري بأغلب المساعدات الأميركية التي زادت من 5 ملايين دولار في 2006 إلى 155 مليون دولار في 2010، في حين اقترحت وزارة الدفاع الأميركية في 2010 تقديم دعم بنحو ملياري دولار، تنفق على مدى 5 سنوات لدعم جهود ما يسمى مكافحة الإرهاب.


فور توليه السلطة عام 2012، قام الرئيس هادي بحل الحرس الجمهوري ضمن خطة هيكلة مؤسسة الجيش، وهو ما ردت عليه فرق من الحرس بمهاجمة مقر وزارة الدفاع وسط صنعاء بالأسلحة الرشاشة والقذائف المضادة للدروع في أغسطس/آب 2012.

رفض رئيس قوات الحرس حينها توجيهات هادي بتسليم منظومة صواريخ سكود إلى وزارة الدفاع، وأصدر تعليماته إلى ابن عمه محمد محمد عبدالله صالح بتحريك منظومة الصواريخ والتهديد بقصف العاصمة.

وفي يوليو/تموز 2012، قامت فرق من الحرس الجمهوري بتنفيذ عمليات تعذيب لعدد من المعتقلين في سجون سرية تابعة لقوات الحرس والاستخبارات العسكرية.

غير أن ما شكل الضربة القاصمة للدولة، هي أن وحدات من الحرس الجمهوري تحالفت مع مليشيا الحوثي في تنفيذ انقلاب 21 سبتمبر 2014، وقاتلت جنبا إلى جنب مع مليشيا الحوثي بعد الانقلاب على القوات الشرعية.

قائد عسكري يعمل في المنطقة العسكرية السادسة قال إن قصف مقر الفرقة الأولى مدرع يوم سقوط صنعاء في 22 سبتمبر/أيلول 2014 لم يكن من الحوثيين وحدهم بل تم رصده كذلك من معسكرات بمنطقتي الصباحة وفج عطّان، يتبع بعضها لوزارة الدفاع، وأخرى للحرس الجمهوري الذي كان يديره سابقا أحمد نجل المخلوع صالح.

من جهته، كشف أحد ضباط الكتيبة التي كانت مكلفة بحماية مبنى التلفزيون أن وزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد زار المبنى، وأمر الكتيبة بعدم مهاجمة مواقع الحوثيين.

الضابط أشار إلى أن الوزير طلب من أفراد الكتيبة وقف إطلاق النار بحجة وجود لجنة وساطة ستحل الموضوع، وهو ما لم يحدث، وكان بمثابة غطاء لمنح الحوثيين فرصة للتقدم نحو المبنى واحتلاله، وفقا للمصدر نفسه.

"علقمي اليمن"

لم تكن الألوية والمعسكرات الموالية لصالح هي المشكلة الوحيدة، بل كانت هناك مشكلة توازيها في الحجم وتفوقها في الخطورة، وهو الدور المشبوه لوزير الدفاع محمد ناصر أحمد.

اتهامات لاحقت الوزير بتسليمه معسكرات الدولة لجماعة الحوثي، التي قامت بضرب القوى الثورية، وأفشلت مرحلة التحول الديمقراطي لليمن، قبيل تمددها العسكري باتجاه صنعاء، وأطلق عليه اليمنيون "علقمي اليمن" في إشارة لخيانته.

شهادات مسؤولين عسكريين يمنيين أفادت بأن محمد ناصر أحمد خان شرفه العسكري وسلم معسكرات الدولة للحوثيين، من بينها شهادة العميد عبدالله الحاضري التي أدلى بها عبر برنامج وثائقي بثته قناة الجزيرة بعنوان "الصندوق الأسود ـ خيوط اللعبة" في أبريل/نيسان 2016.

الحاضري وهو رئيس دائرة القضاء بسلاح الشرطة العسكرية قال في شهادته: "وزير الدفاع بنفسه خان اليمن وخان الأمة خان شرفه العسكري لأنه بنفسه أشرف على تسليم صنعاء بدل أن يشرف بنفسه كواجب وطني ودستوري على الدفاع عن صنعاء".

وعبر وثائقي آخر بثته الجزيرة في 23 أبريل/نيسان 2017، اتهم قائد معركة استعادة عدن اللواء عبدالله الصبيحي، وزير الدفاع بالخيانة وأكد أنه أكثر من عمل على تسليم أسلحة الجيش اليمني للحوثيين وكان أكثرهم تعاونا مع الجماعة المنقلبة على الشرعية.

ناصر أحمد قبيل اقتحام الحوثيين لعمران وصنعاء، كان يقول إن قوات الجيش اليمني ستبقى على الحياد، في الوقت الذي كانت جماعة الحوثي تتمدد من أماكن تمركزها في صعدة وحجة باتجاه عمران وصنعاء.

وعندما سقطت عمران البوابة الشرقية لصنعاء، لم يكن لوزير الدفاع أي جهد في الدفاع عنها، وكان اللواء حميد القشيبي قائد اللواء 310 هو الوحيد الذي واجه بجنوده قوات الحوثي، وتم تصفيته في تلك المعركة بعد قطع الدعم عنه وانقطاع الاتصال بوزارة الدفاع حيث أغلق وزير الدفاع تليفونه الشخصي وقتها.

كذلك الحال عند سقوط صنعاء، لم تتحرك وزارة الدفاع، ولم يكن هناك أي مقاومة من قبل مؤسسة الجيش، ونقل مسؤولون عسكريون أن وزير الدفاع كلفهم بعدم التحرك بحجة أن هناك وساطة تعمل من أجل إيقاف تمدد جماعة الحوثي وإيقاف انقلابهم على الدولة.

ناصر أحمد هو من اقترح السماح للحوثيين بالدخول إلى كل من البيضاء ومأرب بحجة محاربة تنظيم القاعدة، وقبيل الانقلاب كان محمد ناصر أحمد قد ظهر مع القيادي الحوثي أبو علي الحاكم، في مديرية همدان، أثناء الإعداد لاجتياح صنعاء من قبل الجماعة.

لم يكن ناصر أحمد من قبيلة صالح، لكنه كان من أدواته، علاوة على ذلك فقد اتهمه كثيرون بولائه للإمارات، وهي البلد التي توجه إليها مباشرة بعد شهرين من سقوط صنعاء بيد الحوثيين.