صحيفة روسية: الأمل يتصاعد في المنطقة العربية بعد المصالحة الخليجية
سلطت صحيفة "كوميرسانت" الروسية، الضوء على تطورات المصالحة الخليجية ومآلات الحصار الذي فرض على قطر لأكثر من 3 سنوات ونصف من قبل جيرانها.
استهلت الكاتبة والمحللة السياسية "مربانا بيلينكايا" في مقال لها بالصحيفة، بتغريدة لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" عشية "قمة العلا"، قال فيها: "لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به".
وأوضحت الكاتبة: "لم نفهم بعد كيف تعمل الاتفاقيات المبرمة في العلا وكيف ستطبق على أرض الواقع".
ولأول مرة منذ بدء الأزمة الخليجية، حضر أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في مدينة "العلا" السعودية في 5 يناير/كانون الثاني.
جاء حضور الأمير على إثر إعلان الكويت التي لعبت دور الوسيط المركزي إلى جانب الولايات المتحدة، عن إعادة فتح الحدود "برا وجوا وبحرا" بين السعودية وقطر، الأمر الذي سيضع حدا للحصار المفروض على الدوحة منذ يونيو/حزيران 2017.
البيان الختامي
وفي ذلك اليوم، وقعت الممالك العربية الثلاث ومصر، إعلان مصالحة مع قطر، وأعلن عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف من الصراع.
وكانت "الرياض" أول من أعلن رفع الحصار عن قطر في اليوم السابق للمؤتمر. وكما أكد ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، "هناك حاجة ملحة" لدول المنطقة لتوحيد قواها على خلفية التهديد الإيراني.
وتضيف "بيلينكايا" أن قرار وصول أمير قطر إلى المملكة جاء فور علمه بنهاية الحصار السعودي، حيث كانت آخر مرة شارك فيها "تميم بن حمد" في هذا الحدث في ديسمبر/كانون الأول 2017، ولم يحضر أي من قادة الدول المقاطعة للدوحة إلى الكويت، حيث عقدت القمة وقتها.
لكن في هذه المرة، كان "محمد بن سلمان"، ينتظر أمير قطر عند منحدر الطائرة وأخذه حرفيًا بالأحضان، على الرغم من "وباء كورونا" (كان كلا الزعيمين يرتديان أقنعة). وتم تسهيل ضعف المسافة الاجتماعية من خلال حقيقة أن كلاهما قد تم تطعيمهما بالفعل (باللقاح).
وبحسب رئيس قمة "العلا" ولي العهد السعودي، فإن وثيقة البيان الختامي تؤكد على "التضامن والاستقرار" بين دول الخليج العربي.
وتذكر أن الروح الإيجابية سادت الموقف والمشاركين تحدثوا بارتياح ملحوظ. لقد عادوا بالفعل إلى ديارهم، ولم يتم نشر تفاصيل الاتفاقات التي تم التوصل إليها بعد.
في عشية القمة أعلنت "الرياض" رسميا رفع الحصار عن قطر بما في ذلك فتح أجوائها وحدودها بالكامل لها. وكان من المتوقع أن يعرف في القمة ما إذا كانت ثلاث دول أخرى ستحذو حذو السعودية.
وتقول "بيلينكايا" إنه وعلى الرغم من توقيع إعلان المصالحة بعد الظهر، إلا أن المؤتمر استمر حتى المساء، عندما وصل وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي "نايف الحجرف" إلى الصحفيين.
وتحدث البيان والذي تلاه عقب القمة، عن تعزيز التعاون بين دول المنطقة، بما في ذلك التكامل العسكري واستكمال أو استئناف جميع المشاريع الاقتصادية المشتركة.
كما تحدث عن تعهدات دول المنطقة بعدم انتهاك سيادة بعضها البعض ومحاربة الإرهاب ووباء "فيروس كورونا". ومع ذلك، لم يرغب الصحفيون في كلمات عامة، ولكن أرادوا التفاصيل.
وخلال المؤتمر الصحفي، سألوا المتحدثين أكثر من مرة عما إذا كانا يتحدثان عن نهاية كاملة للصراع في الخليج، وليس فقط عن استعادة التعاون السعودي القطري.
وصرح فيصل بن فرحان: "ما حدث اليوم هو انهيار كامل للصراع مع قطر واستعادة كاملة للعلاقات الدبلوماسية". وبحسب قوله، فإننا نتحدث عن استئناف الرحلات الجوية بين الدول والمشاريع المشتركة الأخرى.
وأردفت الكاتبة بالقول: "ترأس ابن سلمان هذا الحدث لأول مرة رسميا نيابة عن والده الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي لم يكن حاضرًا شخصيًا (على الأرجح بسبب قيود فيروس كورونا والظروف الصحية)، وكان من الواضح أن مخرجات القمة ستكون في موازين وريث العرش".
وبناء على طلب والده، أكد الأمير "محمد" أن القمة الخليجية الحادية والأربعين مخصصة لإحياء ذكرى أمير الكويت "صباح الأحمد الجابر الصباح" وسلطان عمان "قابوس بن سعيد آل سعيد"، اللذين كانا الوسيطين الرئيسين بين الدول العربية المتخاصمة، واللذين توفيا العام 2020.
كما يشار الى أن سلطان عمان كان آخر زعيم شارك شخصيًا في إنشاء "مجلس التعاون الخليجي" عام 1981. لذا عُقدت القمة هذه المرة لأول مرة دون مباركة الآباء المؤسسين.
على خلفية العناق السعودي القطري، كان من اللافت للانتباه غياب صديق "محمد بن سلمان" المقرب، وفي الوقت نفسه، المنافس اللدود للأمير "تميم"، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، "محمد بن زايد".وتستطرد بيلينكايا: "مثل دولة الإمارات نائب رئيسها وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم. كما اقتصرت البحرين على ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة فقط".
مصر، التي لا تعتبر عضوا في مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من مشاركتها النشطة في شؤون الخليج، أرسلت وزير الخارجية "سامح شكري" إلى "العلا".
وجاء أمير الكويت "نواف الأحمد الجابر الصباح" ونائب رئيس وزراء عمان "فهد بن محمود السعيد" من الدول "غير المتحاربة" إلى المملكة.
طريق المصالحة
وتتابع الكاتبة في مقالتها: "كلف الحصار قطر ثمناً باهظاً، بالنظر إلى أن الطريق البري الوحيد للبلاد يمر عبر المملكة العربية السعودية، وأقصر طريق لمعظم السفر الجوي يمر عبر المجال الجوي لها وللإمارات".
وجرى قطع مئات العلاقات التجارية والشخصية (بما في ذلك العديد من العائلات المختلطة). وكانت هناك مشكلة في تسليم البضائع إلى قطر.
في عام 2018، رفعت "الدوحة" دعوى قضائية ضد الإمارات لدى محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، متهمة إياها بانتهاك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري من خلال طرد جميع القطريين من الإمارات وحرمانهم من ممتلكاتهم، كما تضيف "بيلينكايا".
كما رفعت "قطر" دعاوى قضائية ضد البنوك السعودية والإماراتية و"لوكسمبورغ" أمام محاكم لندن ونيويورك، متهمة إياها بتقويض الثقة في العملة والسندات القطرية. وطالبت شركة الخطوط الجوية القطرية، بتعويض قدره 5 مليارات دولار عن الأضرار الناجمة عن إغلاق المجال الجوي.
في الوقت نفسه، انحازت محكمة الأمم المتحدة إلى جانب قطر. كما اتهمت الدوحة معارضيها بالاستمرار في هجمات القرصنة.
اندلعت الفضيحة الأخيرة قبل أسابيع قليلة، عندما أصبح معروفًا أن شركة (NSO Group) الإسرائيلية أصابت هواتف عشرات من قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام القطرية ببرنامج تجسس (Pegasus) في الصيف.
واتجهت الشكوك نحو السعودية والإمارات اللتين استخدمتا تقنيات المراقبة الإسرائيلية بشكل متكرر.
وتقول الكاتبة" "إن صحيفة وول ستريت جورنال، نقلت عن مسؤولين في واشنطن، أن الممالك العربية ناشدت مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر العام 2020. للمساعدة".
وخلال القمة، أعرب "ابن سلمان" وغيره من المشاركين في الاجتماع عن امتنانهم لجهود الوساطة التي تقوم بها الكويت، وكذلك الولايات المتحدة.
ولا تستبعد صحيفة "وول ستريت جورنال" أن موافقة إدارة ترامب على صفقات أسلحة بملايين الدولارات للسعودية ومصر ساهمت في عملية المصالحة في الخليج.
ومع ذلك، هناك العديد من الروايات عن سبب حدوث المصالحة الرسمية أخيرًا. وإذا كان يمكن للضغط من "واشنطن" في البداية أن يلعب دورًا مهمًا، فإن ذلك لم يعد مهمًا بعد هزيمة "ترامب" في الانتخابات الرئاسية.
من ناحية أخرى، من المرجح أن تواجه السعودية ومصر فترة صعبة في العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة لجو بايدن، والتي ستولي اهتمامًا نشطًا لقضية احترام حقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، تقول "بيلينكايا: "إن واشنطن تنوي إقامة اتصالات مع طهران، وعلى هذه الخلفية، من الواضح أن هذا التوقع لا يستحق إثارة صراع إضافي في الخليج".
وتنوه إلى أن بعض الملكيات العربية تحافظ، ولا سيما قطر والكويت وعمان، على اتصالات وثيقة مع إيران. وعلى الرغم من الخطاب الغاضب، لم ينقطع التعاون بين طهران وأبو ظبي.
لذا فإن الجبهة المعادية لإيران في المنطقة مشروطة للغاية، و"الرياض" تسعى لأن تكون جاهزة لأي سيناريو.
ويقول كبير الباحثين في مركز دراسات الشرق الأوسط "نيكولاي كوزانوف"، "المصالحة بالنسبة لقطر مهمة من وجهة نظر اقتصادية (على الرغم من أن الدوحة تمكنت في كثير من النواحي من التغلب على عواقب الحصار) ثم بالنسبة لأطراف النزاع الأخرى (المملكة العربية السعودية بشكل أساسي)".
ووفقًا له، هناك أيضًا رغبة في حشد صفوف الدول العربية ضد إيران، وكذلك محاولة تقليص نفوذ تركيا، على الرغم من أن "أنقرة" كانت وستظل الحليف الرئيس للدوحة في المنطقة.
وأضاف كوزانوف: "تصرفات الإدارة الجديدة في واشنطن ليست واضحًة بعد، لكن من الواضح أن مصالح الملكيات العربية في الخليج لن تكون في المقام الأول وأنهم بحاجة إلى حل مشاكلهم بأنفسهم".
ومن بين العوامل الأخرى، سمى الخبير مشكلة انتقال السلطة من ملك السعودية إلى محمد بن سلمان.
ورأى أنه "من المهم أن يظهر الوريث نجاحًا على الساحة الدولية، بالإضافة إلى حشد دعم الدوحة، بما في ذلك الحد من الانتقادات الموجهة من "قناة الجزيرة"، خاصةً أنه في الآونة الأخيرة كان هناك المزيد من الخلافات بين بن سلمان وحليفه الرئيس في الإمارات".
أما بالنسبة للاقتصاد، فإن المشاريع المشتركة لدول الخليج لا يمكن تحقيقها إلا بعد استعادة الثقة بينها، ولا يزال هذا الطريق بعيد المنال.
وتختم "بيلينكايا" مقالها بالقول: "بعد كل ما قيل، فإن الأحداث تدعو الى بعض التفاؤل، حيث ولأول مرة منذ اندلاع أزمة الخليج، وصل وزير المالية القطري إلى القاهرة لافتتاح فندق على نهر النيل بنته شركة الديار القطرية. أقلع مباشرة من الدوحة على متن طائرة خاصة عبر الأجواء السعودية".