موجة تطبيع جديدة.. ما علاقتها بخطط الغرب القديمة لتقسيم الشرق الأوسط؟
مرت 104 أعوام على اتفاقية "سايكس-بيكو" (1916)، وما زال الحديث يتردد حتى اليوم عن تقسيم الدول العربية في الأروقة البحثية والعسكرية والمخابراتية الغربية.
يتزامن ذلك مع الخطة الأميركية المزعومة للسلام "صفقة القرن"، وما تبعها من موجات التطبيع العربي مع إسرائيل بوساطة أميركية ودعم غربي، ما يثير المخاوف من مصير غامض وخطط تقسيم قديمة قد يتم استعادتها للواجهة.
وقسمت "سايكس- بيكو" العالم العربي والدولة العثمانية وغرب آسيا عبر حدود سياسية مصطنعة ومصنوعة بخبرة استعمارية فائقة بين "إنجلترا وفرنسا" وبمصادقة روسية إيطالية.
ورغم تأثير "سايكس- بيكو" على العالم العربي والإسلامي، فإن الخطط الغربية لم تنته؛ وقبل نهاية القرن الـ20، تداولت مراكز أبحاث وإدارات صنع قرار غربية، عدة خرائط لتقسيم المنطقة، أشهرها للمؤرخ الأميركي اليهودي من أصول بريطانية "برنارد لويس"، عام 1983.
إلا أن بداية القرن الـ21، شهد أحدث تلك الخرائط للعسكري الأميركي "رالف بيترز"، في 2006، وهو العام الذي ظهر فيه أيضا المصطلح الأميركي المثير للجدل "الشرق الأوسط الجديد".
أطلق ذلك المصطلح وزيرة الخارجية الأميركية حينها "كونداليزا رايس"، خلال زيارة لها إلى إسرائيل، وتبعه آخر أشد إثارة وهو "صفقة القرن"، والذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
خريطة "بيترز"
مخاوف عبّر عنها مراقبون وخبراء عرب مع تزامن الحديث عن "صفقة القرن"، وتسارع خطى التطبيع العربي مع إسرائيل؛ مع إعادة نشر المحلل السياسي الروسي الشهير، "ألكسندر نازاروف"، بموقع "روسيا اليوم"، 25 ديسمبر/كانون الأول 2020، خريطة العقيد الأميركي المتقاعد "بيترز" التي تناولت تقسيم الدول العربية قبل 14 عاما على أسس عرقية.
خريطة "بيترز"، التي ظهرت بمجلة القوات المسلحة الأميركية بعنوان "حدود الدم"، في يونيو/حزيران 2006، كشفت تفاصيل مفزعة عن تقسيم محتمل للدول العربية والتي ترسمه بعناية وتخطط لتنفيذه الدوائر العسكرية الأميركية ومنظمة حلف شمال الأطلسي، وفق مراقبين.
المحلل الروسي "نازاروف"، أثار الجدل والمخاوف العربية مجددا، بطرحه التساؤل: "هل حان وقت تغيير حدود الدول العربية؟"، كعنوان لمقاله.
وأشار المحلل في مقاله، إلى تحركات تمت في عهد الرئيس الأميركي التي شارفت ولايته على الانتهاء "دونالد ترامب"، نحو تقسيم الدول العربية، ومؤكدا أن تلك التحركات ما زالت قائمة، وهو ما يرفع من درجة المخاوف العربية إلى أقصاها.
"نازاروف"، طرح ملف تغيير حدود الدول العربية الآن، قائلا: "العملية بدأت فعليا، إلا أن السؤال الوحيد المتبقي: أي هذه الدول ومتى؟"، لافتا إلى أن "بيترز" قال: إن "السلام الشامل لن يسود الشرق الأوسط أبدا، إذا لم تتغير حدوده الحالية".
في حين أن "السلام الشامل" أو "خطة السلام" هما المصطلحان المطروحان بكل خطوات التطبيع العربي الجارية الآن مع إسرائيل، وعلى ألسنة المسؤولين الغربيين وبينهم عراب الملف "جاريد كوشنر" مستشار ترامب وصهره.
وبالعودة إلى المحلل الروسي، الذي يثير حديثه القلق العربي، فهو رأى أنه: "بطريقة أو بأخرى، بدأت فعليا، في عهد ترامب، عملية مراجعة الحدود العربية رسميا، ولن يكون من الممكن إيقافها".
الكاتب الروسي، تحدث أيضا عن فرصة التقسيم الضائعة من "واشنطن" لأراضي العراق والسعودية وفق "بيترز"، لمساعدة الأكراد بإنشاء دولتهم خلال الغزو الأميركي للعراق 2003، حيث اقترح العسكري الأميركي تقسيم بلاد الرافدين 3 أجزاء، وانضمام أكراد سوريا وإيران للدولة الكردية.
ونوه إلى أنه "كان من الممكن أن يتحد السنة العراقيون مع السوريين، والشيعة العراقيون مع الشيعة العرب الإيرانيين على أراضي السعودية، والتي سيتعين عليها التفكك لدويلات، والتنازل عن بعض أراضيها للأردن واليمن".
الأكاديمي الكويتي "حاكم المطيري"، كان قد ربط بين تبني الإدارة الأميركة لـ"صفقة القرن" وبين خطط الغرب المتتابعة لتقسيم المنطقة العربية وبينها خريطة "بيترز"، مشيرا لدور "المقاومة والجهاد" للخلاص من تلك الخطط.
"المطيري"، قال في 24 فبراير/شباط 2020: "بدأ بوش حملته الصليبية مطلع 2000، لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد (بالفوضى الخلاقة) لتقسيم دول "سايكس بيكو وفق" (خريطة الدم الطائفية) كما رسمها "رالف بيترز"، وبدأ بأفغانستان 2001، ثم العراق 2003، فردت الأمة عليه بالجهاد والمقاومة و(الثورة العربية الخلاقة) فانهار مشروعه؛ فجاءت صفقة القرن"، وفق تقديره.
بدأ بوش حملته الصليبية مطلع 2000. لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد (بالفوضى الخلاقة) لتقسيم دول سايكس بيكو وفق (خريطة الدم الطائفية) كما رسمها رالف بيترز وبدأ بأفغانستان 2001 ثم العراق 2003 فردت الأمة عليه بالجهاد والمقاومة و(الثورة العربية الخلاقة) فانهار مشروعه فجاءت صفقة القرن pic.twitter.com/dh9YB4WSq2
— أ.د. حاكم المطيري (@DrHAKEM) February 24, 2020
ولكن إعادة طرح المحلل الروسي "ألكسندر نازاروف"، خريطة "بيترز"، عن "الحدود الدموية" بعد 14 عاما من نشرها؛ يدعو للتساؤل حول دلالات توقيتها المتزامن مع "صفقة القرن" و"التطبيع العربي"، الذي تم بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
أهداف الغرب
المؤرخ المصري الدكتور "عاصم الدسوقي"، قال في تعليقه على الأمر: إن "هذا المخطط جديد في الاسم، لكنه من حيث الواقع والفعل تجديد لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو العظيم الخاص بتقسيم البلاد العربية إلى دويلات على أسس طائفية، عرقية، أو دينية أو مذهبية".
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، أكد لـ"الاستقلال"، أن "الغرب الأوروبي الأميركي؛ لا ينسى أهدافه بل يعمل على تحقيقها تحت مسميات مختلفة، مثل قول التطبيع بدلا من الاعتراف"، مضيفا: "ويقع العرب في المأزق ضحية الغفلة التي تسيطر عليهم وتمنعهم من فهم ما وراء الكلمات أو ما بين السطور".
من جانبه ربط الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية، بجامعة تكريت "حارث قطان"، بين عمليات "التطبيع" العربية الجارية مع إسرائيل ومن قبلها "صفقة القرن"، وبين خطط التقسيم الغربية القديمة.
وأكد في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "عملية تشرذم الدول العربية والمشاكل التي تعاني منها لا يختلف اثنان عليها؛ بالاضافة إلى ما روج إليه دونالد ترامب حول صفقة القرن والتي بدأت تؤتي أُكلها بهرولة الإمارات والبحرين والسودان والمغرب نحو التطبيع".
الأكاديمي العراقي، أعرب عن مخاوفه من تطور واستمرار الخطط الغربية عبر باب التطبيع، مشيرا إلى أن "هناك دولا أخرى ستركب قطار التطبيع، وأن الدول العربية القريبة من إسرائيل مثل مصر دول الخليج والشام والعراق لا تعارضه".
وألمح إلى أن الشعوب يتم دفعها لطلب التقسيم، وأن ما حدث للعراق مثلا منذ الاحتلال الأميركي يدفع بعض طوائفه للحلم بالانفصال، لافتا إلى أن "من يحكم العراق وسوريا الآن هم الشيعة؛ بينما الطبقة المنتهكة حقوقها هم السنة رغم أنها الأغلبية".
ولفت "قطان"، لحجم ما تتعرض له بعض الطوائف من ظلم بالحقوق المدنية (المواطنة) والحقوق الدينية، مضيفا: أنه "إذا سألت أي سني في العراق وسوريا عن حلمه سيقول لك التقسيم والخلاص".
الخبير العراقي بالعلاقات الدولية، قال: إن "أبرز دولتين مرشحتين للتقسيم وفق المخططات الغربية، هما العراق وسوريا"، مضيفا: "والشيء المؤكد أن المستفيد من هذا التقسيم هما إيران وإسرا ئيل؛ فعملية تغيير خريطة الدول العربية لا تأتي من فراغ".
حدود الدم
ولكن ما هي "حدود الدم" التي رسمها الغرب؟. العقيد (متقاعد) رالف بيترز، -أحد منظري العسكرية الأميركية- طرح في خريطته رسما لحدود الشرق الأوسط وآسيا على "أسس عرقية وطائفية وقبلية"، متحدثا عن مجموعات كالأكراد، والبلوش، والعرب، والشيعة، ومسيحيي المنطقة، والبهائيين، والإسماعيليين، والنقشبندية، وغيرهم.
خريطة "بيترز"، تقوم على إنشاء 7 دول جديدة على أنقاض الدول الحالية، وهي دول: "كردستان الكبرى"، و"الشيعية العربية"، و"سوريا الكبرى"، و"لبنان الكبير"، و"الأردن الكبرى"، و"بلوشستان الحرة"، ودولة "قومية فارسية".
الدولة "الشيعية العربية" حسب "بيترز"، مركزها جنوب العراق، وتضم الأهواز أو عربستان حيث تجمع الشيعة العرب (جنوب غرب إيران)، كما تضم الجزء الشرقي من السعودية، حيث الأقلية الشيعية.
دولتا "سوريا الكبرى"، و"لبنان الكبير"، تنتج وفق مخطط "بيترز"، عبر تقسيم العراق ثلاثة أقسام: كردي بالشمال، وشيعي بالجنوب، وسني بالوسط، على أن يلحق الجزء السني بسوريا، ومقابل ذلك يتم اقتطاع جزء من سوريا لضمه إلى لبنان (لبنان الكبير) لإعادة إحياء "فينيقيا" التاريخية.
أما "الأردن الكبرى" فيقترح أن تضم جزءا من شمال غرب السعودية، لتكون دولة لفلسطينيي الشتات، مع بقاء إسرائيل -كما ينصح "بيترز"- داخل حدود ما قبل 1967.
ودعا لاقتطاع أجزاء من إيران لتشكيل دولة "كردستان الكبرى" والدولة "الشيعية العربية" ودولة "بلوشستان الحرة" بأفغانستان وباكستان، مقابل منحها جزءا من أفغانستان لتأسيس دولة "قومية فارسية" محل الجمهورية الإيرانية.
تقسيم السعودية 5 أقسام إحدى أهداف خريطة "بيترز" أيضا. القسم الأول: الشرقي الساحلي -الأقلية الشيعية- يتم إلحاقه بالدولة العربية الشيعية، والثاني شمال غرب وشرق السعودية، ويتم إلحاقه بالأردن.
والثالث يضم مكة والمدينة لتشكيل دولة دينية يحكمها مجمع ديني لمختلف الطوائف والمذاهب يشبه الفاتيكان، والرابع جنوبي بضم جزء من جنوب السعودية لليمن، وما تبقى تقام فيه دولة سياسية لا دينية يحكمها آل سعود.
خريطة برنارد لويس
"بيترز" اهتم بالجزء الآسيوي من المنطقة، ولكن خريطة "برنارد لويس"، المولود عام 1916، والتي اعتبرها مراقبون اتفاقية "سايكس- بيكو" جديدة، تهتم بالجانب الإفريقي والآسيوي معا.
وتقوم خريطة "لويس" على إعادة رسم الحدود السياسية الحالية، لتصبح 52 دويلة صغيرة، على أساس طائفي وعرقي، تدور جميعها بفلك دولة قائدة مركزية وهي "إسرائيل".
ومخطط "برنارد لويس"، ظهر بداية ثمانينيات القرن الـ20، مع مشروع إسرائيل الكبرى للمنظر الإسرائيلي "أوديد ينون"، بهدف خلق بلدان طوائف صغيرة، تدين بالولاء لإسرائيل.
ملامح خريطة لويس، تقوم على إنشاء دول "البربر"، و"النوبة"، و"البوليساريو"، و"الأمازيغ"، على حساب 7 دول عربية هي: مصر والمغرب وتونس والجزائر والسودان وليبيا وموريتانيا.
ودعا "لويس" إلى تقسيم ليبيا لـ3 دول، بالشرق والجنوب والشمال الغربي، والسودان إلى 4 دول: "النوبة" المتحدة مع دولة النوبة جنوب مصر وعاصمتها أسوان، ودولة "الشمال الإسلامي"، و"الجنوب المسيحي"، و"دارفور" غرب السودان.
وعن مصر، اقترح لويس تقسيمها 4 دويلات: الأولى تضم سيناء وشرق الدلتا تحت النفوذ اليهودي، والثانية دولة كبيرة لـ"الأقباط" عاصمتها الإسكندرية، ودولة ثالثة باسم "بلاد النوبة" تضم صعيد مصر وجزءا من شمال السودان وعاصمتها أسوان، ويتبقى دويلة "مصر الإسلامية" بعاصمتها القاهرة.
وتقسم "خطة لويس"، شبه الجزيرة العربية، 3 دول، هي: دولة الأحساء الشيعية وتضم الكويت والإمارات وقطر وعُمان والبحرين، ودولتان سنيتان، الأولى في "نجد" والثانية في "الحجاز"، تضم اليمن.
ولم ينس مشروع "لويس"، تقسيم العراق، ويراه في 3 دويلات كردية وشيعية وسنية، وأيضا سوريا 4 دويلات؛ علوية بامتداد الشاطئ، وسنية بحلب، وأخرى سنية حول دمشق، ورابعة للدروز بالجولان وجزء من لبنان وشرق الأردن، وكذلك تقسيم لبنان 8 كانتونات، وتحويل الأردن لدولة فلسطينية.