حلفاء الأسد.. لماذا يتنافس كل من روسيا وإيران على جنوب سوريا؟
.jpg)
تواصل إيران استغلال الفوضى في "الجنوب المتوحش" في سوريا والعمل على إقامة جبهة هجومية في المنطقة رغم ضغوط إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة.
هذه الخلاصة توصل إليها معهد دراسات الأمن القومي في "تل أبيب" قائلا: إن "إسرائيل تحتاج إلى تغيير إستراتيجيتها وتقليل الاعتماد على العوامل الخارجية لسياسة نشطة وواضحة وحازمة".
ساحة خلفية
ويشير المعهد إلى أن جنوب سوريا يعد "ساحة خلفية" لإيران ومنصة لمهاجمة إسرائيل. على سبيل المثال يمكن استخدام المنطقة، كخيار للرد على تصفية العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وبالتالي يعتقد المعهد العبري أن إيران عازمة على المضي قدما في إنشاء مهامها وزيادة نفوذها المدني والعسكري في المنطقة.
ويرى أن "الواقع الفوضوي في هذه المنطقة ينبع من عدم وجود سيطرة فعالة لنظام بشار الأسد والمصالح المتنافسة للعديد من الأطراف العاملة هناك مثل قوات النظام والمليشيات المحلية بدعم إيراني وحزب الله والقوات الروسية والسكان المحليين من السنة والدروز والمعارضة السورية".
هذا التعقيد يتطلب من إسرائيل التدخل فيما يجري في جنوب سوريا قبل أن تحقق إيران ما تريد وتحقق نفوذا متزايدا في المنطقة، وفق المعهد.
ونوه إلى أنه في صيف 2018، استعاد نظام الأسد السيطرة على جنوب سوريا، كما وعدت روسيا الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن بأنها ستعمل مقابل عدم تدخلها على إبقاء القوات الإيرانية خارج المنطقة.
وخلافا لترحيل سكان مناطق أخرى إلى شمال البلاد، لم يتم ترحيل معظم الجنوبيين الذين انضموا سابقا إلى "التنظيمات المتمردة" إلى إدلب في الشمال بل تم تجنيدهم في قوات الأمن المحلية المطيعين لنظام الأسد مقابل وعد بأنها لن تنتقم منهم وتثبت الاستقرار، بحسب رواية المعهد.
منذ ذلك الحين وعلى الرغم من سيطرة النظام الإسمية على المنطقة فإن المحافظات السورية الجنوبية الثلاث تقع عمليا تحت تأثير عوامل قوة مختلفة:
الأولى: محافظة درعا والتي بها حوالي مليون ساكن معظمهم من السنة، يخضعون لوجهاء محليين كانوا معارضين لنظام الأسد سابقا واليوم يتمتعون بدرجة من الاستقلالية في إدارة الحياة اليومية.
ويقول المعهد الإسرائيلي: "هذه العناصر مدعومة من قبل الفيلق الخامس وخاصة اللواء الثامن الذي أنشأته روسيا كإطار فريد في ترتيب قوات الجيش السوري وتتمتع المحافظة بوجود محدود لعناصر نظام الأسد الذين يتم تعزيزهم بقوات إضافية حسب الوضع، مثل نشر وحدات في الفرقة 4".
وأوضح أنه "تعمل في المنطقة أيضا مليشيات دفاع محلية مدعومة من إيران وعملت على تدريبها إلى جانب وحدات من اللواء 313 التي أنشئت كإطار منفصل في الجيش السوري تحت النفوذ والسيطرة الإيرانية، وهذا اللواء يتنافس مع اللواء الخامس الذي تأسس تحت النفوذ الروسي".
ثانيا: القنيطرة في الغرب ويبلغ عدد سكانها حوالي 90 ألف نسمة معظمهم من السنة ويبرز وجود النظام وحزب الله أكثر في هذه المنطقة.
ثالثا: منطقة السويداء الواقعة في الشرق والتي يبلغ عدد سكانها حوالي نصف مليون نسمة معظمهم من الدروز، تقع تحت سيطرة العناصر الدرزية المحلية بما في ذلك قوات الكرامة.
ويقول المعهد: "على الرغم من الهيمنة الدرزية إلا أن هناك حضورا متزايدا في هذه المحافظة للعناصر الموالية لإيران، وبشكل أساسي لقوات الدفاع الوطني واستخدم نظام الأسد المليشيات المدعومة من إيران لإحداث انقسامات داخل المجتمع الدرزي وقمع تطلعاتهم بالحكم الذاتي في قطاعي السويداء وجبل الدروز".
ولفت إلى أن عملية عسكرة سكان المنطقة والتضخم في مراكز القوة خلقت في جنوب سوريا معادلة هشة للقوى التي تتميز بمستويات عالية من العنف والحوادث الأمنية والفقر وعدم الاستقرار.
المنافسة الروسية الإيرانية
وأشار الباحثان في المعهد العبري "كارميت فالنسيا" وهي محررة مجلة "ستراتيجيك أبديت" و"أودي ديكل" مدير معهد دراسات الأمن القومي إلى أن الديناميكيات السائدة في جنوب سوريا في الأشهر الأخيرة وانتشار النزاعات بين الخاضعين للنفوذ الإيراني ومن يضع ثقتهم في روسيا تشير إلى تنامي المنافسة على النفوذ بين روسيا وإيران.
ويعبر هذا الأمر عن تضارب المصالح في المنطقة على الرغم من كون الطرفين جزءا من التحالف الموالي للأسد.
ويرى الباحثان أن إيران تعمل على ترسيخ وجودها في المحافظات الجنوبية السورية بالقرب من الحدود مع إسرائيل من أجل تشكيل جبهة احتكاك ومواجهة أخرى مع تل أبيب عبر وكلائها.
ويعمل الإيرانيون على رشوة العناصر المحلية وإثارة التوترات الداخلية من أجل الإضرار بالنسيج الاجتماعي وكسب ولاء الجماعات المحلية وفي الوقت نفسه نشر أيديولوجية النظام الإيراني.
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من تصميم إيران على الاستمرار في التمسك بسوريا فإن سياسة الضغط الأقصى الأميركية والهجمات الإسرائيلية والتنافس مع روسيا تتباطأ وتجبر طهران على تغيير موقفها في القطاع الجنوبي.
ولفت الباحثان إلى أنه في الماضي كانت المليشيات الشيعية العاملة خارج سوريا تعمل في المنطقة، لكن الإيرانيين يعتمدون اليوم على عناصر محلية تجندها وتجهزها وتدربها على وحدات الجيش السوري الخاضعة لنفوذها ومنها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد وخاصة حزب الله.
ويقول المعهد: إنه "تعمل حاليا هيئتان رئيسيتان لحزب الله في الجنوب: المقر الجنوبي الذي يضم ضباط الحزب كمستشارين ومفتشين في جيش النظام السوري، ووحدة مرتفعات الجولان تحت القيادة المباشرة لمقر التنظيم الذي يؤسس خلايا إرهابية من السوريين المحليين".
علاوة على ذلك فإن حزب الله شريك في النشاط الإيراني في الجنوب وهو ما يتجاوز الجانب العسكري بما في ذلك تشغيل شبكة تهريب المخدرات وشراء الأراضي وتقديم الخدمات والمنتجات الأساسية من أجل توسيع النفوذ وتعبئة الرأي العام المحلي المتعاطف.
من ناحية أخرى، تسعى روسيا إلى استقرار الوضع في جنوب سوريا، حيث ينشط المسؤولون العسكريون الروس ويوجدون في المنطقة وعلى اتصال بقوى مختلفة، "مع الحفاظ على النظام المركزي بقيادة الأسد لترجمة نجاحها العسكري في الحرب الأهلية إلى إنجاز سياسي ومكاسب اقتصادية ونفوذ طويل الأمد في البلاد والشرق الأوسط عموما".
وأكد الباحثان في المعهد على أن المحافظات الجنوبية تخضع رسميا لسيطرة النظام في دمشق، ويبدو أن روسيا تفكر في صيغة فيدرالية للحكم المحلي، تتماشى مع النموذج الروسي في مسودة الدستور التي اقترحتها على دمشق في أوائل عام 2016، على أساس مبدأ "اللامركزية للسلطة وفرز المناطق".
الوفاء بالوعد
ويرى الباحثان أن روسيا معنية بالحفاظ على علاقات طبيعية مع إسرائيل وعلى التنسيق الإستراتيجي الذي تم تشكيله بينهما على الساحة السورية.
وبالتالي، فهي تُظهر استعدادها للوفاء بوعدها للولايات المتحدة وتل أبيب بالحفاظ على الوجود والنفوذ الإيراني ضمن مسافة 80 كيلومترا من الحدود مع إسرائيل.
وفي وقت مبكر من عام 2018، أنشأت روسيا اللواء الثامن التابع للفرقة الخامسة، بعد مشاركتها الفعالة في عملية تنظيم وضع "المتمردين" في محافظة درعا.
واليوم يعمل اللواء على الحد من توغل الوكلاء الإيرانيين في الجنوب بل ويواجه في كثير من الأحيان قوات النظام وخاصة الفرقة الرابعة، وفق المعهد.
ونوه الباحثان إلى أن أحد القادة المحليين المثيرين للاهتمام هو قائد اللواء الثامن "أحمد عودة" (38 عاما) من بلدة بصرى الشام الذي بدأ طريقه كمقاتل في صفوف الثوار ضد النظام السوري وامتد نفوذه مؤخرا من درعا إلى منطقة السويداء على الرغم من خضوعه للواء الروسي الخامس.
وتقول: إن هذا الرجل "حريص على الحفاظ على درجة من الاستقلال والتعبير علنا عن معارضته للوجود الأجنبي على الأراضي السورية وعدائه للأسد والإيرانيين".
ولفت الباحثان إلى أن تعدد اللاعبين في جنوب سوريا والتنافس على النفوذ بين روسيا وإيران يؤدي إلى لامركزية ديناميكية للتأثير في المنطقة.
ويفضل السكان المحليون الانضمام إلى أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم عامل القوة القوي، وخاصة الذين يدفعون ويقدمون مظروفا من المساعدة الأمنية والمدنية.
وعلى الرغم من تصميم إيران على تعميق قبضتها على المنطقة، فإنها مجبرة على تخفيف أنشطتها هناك بسبب قيود الميزانية وأيضا نتيجة للتحركات التقييدية التي اتخذتها روسيا.
ومع ذلك، فإن روسيا نفسها لديها قدرة محدودة على تقليص المؤسسة الإيرانية في المنطقة، ناهيك عن إبعادها ووكلائها عنها، يقول المعهد.
وخلص الباحثان إلى القول: إن نظام الأسد تبنى عمليا "الحياد السلبي" فيما يتعلق بالمنافسة بين روسيا وإيران، مما سمح للصراعات المحلية بين مختلف اللاعبين بمنع ترسيخ عامل مهيمن في هذا الفضاء، الأمر الذي يجعلهم يسحقون بعضهم البعض وأيضا في ضوء حقيقة أن جنوب سوريا تحتل مرتبة منخفضة الأولوية على جدول الأعمال الروسي.