موقع إيطالي: أوروبا لا تتحمل توترا في العلاقات مع تركيا.. وهذه الأسباب
يتناول التحليل أسباب الانقسام الأوروبي حول مسألة تشديد العقوبات على تركيا؛ بسبب أنشطة التنقيب عن الطاقة في شرق المتوسط، مؤكدا افتقار أعضاء الاتحاد إلى تبني موقف مشترك في ظل تباين العلاقات والمصالح القوية لبعض الدول بأنقرة.
وقال موقع ''إنسايد أوفر'' الإيطالي: إن ''تركيا لا تزال تمثل مشكلات بدون حلول بالنسبة لأوروبا، وقد توصل رؤساء دول وحكومات الاتحاد في القمة الأخيرة للمجلس الأوروبي، إلى اتفاق لفرض عقوبات على شخصيات تركية بسبب أنشطة التنقيب في شرق المتوسط (لم يتقرر تنفيذها فورا)''.
وأشار إلى أن "هذا القرار حظي بتأييد الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، وبدرجة أقل المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" التي ترأس بلادها الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي".
وأوضح أن "ميركل أرادت تجنب بلوغ مستوى عال من التوتر مع شريك رئيسي هو أنقرة، ويتجسد هذا التوتر في العقوبات التي تُظهر عدم انسجام داخل الاتحاد الأوروبي في علاقاته بالرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يقود دولة مهمة للغاية للنظام الأوروبي المتوسطي بأكمله".
فرضية الحظر
وأكدت كلمات المستشارة الألمانية هذا أيضا، وذلك بعد أن نفت إمكانية تشديد العقوبات -في إجابة عن سؤال وُجه لها عن حظر أوروبي محتمل للأسلحة- على تركيا بطلب من اليونان.
وكانت "أثينا" قد أثارت مسألة توريد الأسلحة إلى أنقرة ضمن برامج لها وزن كبير، خاصة بالنسبة لألمانيا التي تزود تركيا بالدبابات والغواصات.
وذكر "الموقع الإيطالي" أن "ما يقلق اليونان بشكل خاص، شراء تركيا لغواصات تايب 214 الألمانية، خاصة وأن نزاعها ضد أنقرة يجري في البحر، أي بين إيجة وشرق المتوسط".
وشرح "إنسايد أوفر" تأجيل ميركل الخوض في المسألة إلى "نقاش في سياق الناتو" بخيار مرتبط بوضوح بالنواحي الاقتصادية والإستراتيجية، لأنه ''لا يمكن لبرلين التخلي عن شراكتها مع أنقرة وأموالها، ولكن أيضا دور الوساطة مع أوروبا الذي تخلت عنه فرنسا إلى حد كبير''.
وفي نفس سياق الحديث عن الأسلحة، أكد الموقع أن "هذا الموضوع يمس أيضا إيطاليا بعمق، لأنها جزء من سوق الحرب التركي الثري للغاية".
وتعد "إيطاليا" إحدى الدول الرئيسية المصدّرة للأسلحة إلى تركيا، التي تمثل حوالي خُمس جميع عملائها في العالم،ز وثاني أكبر شريك تجاري لها بعد الولايات المتحدة.
وتحتل هذه الشراكة أهمية كبيرة في العلاقات الدبلوماسية، بالنظر إلى أن الشراكة التجارية هي أيضا إستراتيجية، كما أن امتلاك عميل قوي، نشط وديناميكي للغاية عسكريا من شأنه أن يضخ "أوكسجينا" في اقتصاد البلاد، وفق ''إنسايد أوفر''.
المعتدلة والمتشددة
يرى الموقع الإيطالي أن "مسألة الأسلحة لا تثير الانقسام تماما، ولكنها أساسية لفهم اللعبة الدبلوماسية والإستراتيجية والاقتصادية وراء التحركات الكبرى في شرق المتوسط".
كما يستند تمثيل ألمانيا وإيطاليا منذ فترة طويلة للدول "المعتدلة"مقارنة برؤية متشددة لفرنسا، إلى تنوع العلاقات بين مختلف دول الاتحاد الأوروبي وتركيا.
وأردف بأنه "من الطبيعي أن تكون هناك من ناحية، دول موجهة بقوة إلى مناهضة تركيا (اليونان وقبرص الرومية وفرنسا)، بينما تتبنى من ناحية أخرى، مثل (إيطاليا وألمانيا) نهجا أقل تشددا، وتدرك الحاجة إلى عدم فقدان شريك من الأهمية بمكان".
من جهته، أعاد أردوغان التأكيد على هذه العناصر، قائلا في تعليقه على العقوبات الجديدة الصادرة عن مجلس الاتحاد الأوروبي: إن العقوبات الجديدة "لم تلبّ توقعات بعض الدول، لأن طلباتها لم تكن محقّة"، في إشارة إلى "أثينا ونيقوسيا".
وأضاف أردوغان: أن "بعض الدول الحكيمة داخل الاتحاد الأوروبي أكدت موقفها الإيجابي وأحبطت مؤامرتها ضد تركيا".
وبحسب "إنسايد أوفر"، فإنه "من غير المؤكد أن إيطاليا أيضا ضمن هذه المجموعة، لكن هذا أمر محتمل، والدليل على ذلك أن رئيس وزرائها جوزيبي كونتي اعتبر -في مؤتمر صحفي-، أن العقوبات تمثل رسالة استياء من أنقرة، لكنه قال أيضا: إن جميع قنوات الحوار لا تزال مفتوحة".
واستنتج الموقع أن ذلك "يدل على أن إيطاليا لا تريد من ناحية إدانة الأتراك بالكامل، ويشير من ناحية أخرى أيضا إلى عدم قدرة أوروبا على امتلاك قوة تفاوضية حقيقية مع أنقرة".
وفي 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قرر قادة الاتحاد الأوروبي في "قمة بروكسل"، توسيع قائمة العقوبات ضد الأفراد والمنظمات المرتبطة بأنشطة التنقيب والمسح التركية في شرق المتوسط، ولكن لم يتقرر تنفيذها فورا، بل دراستها في جدول أعمال القمة المقبلة في مارس/آذار 2021.
النهج التركي
وأكد "إنسايد أوفر" أن "إستراتيجية أردوغان سمحت بوجود تركيا على طاولات متعددة، بعد أن باتت طرفا لا غنى عنه في سلسلة من الأزمات الإقليمية والصراعات والقضايا ذات الأهمية الكبرى".
وعلى المستوى الأوروبي - كما يلاحظ في سوق السلاح - من المستحيل الوصول إلى اتفاق يلبي جميع احتياجات الدول الأعضاء في الاتحاد.
ورغم أن ألمانيا وفرنسا تتوافقان في العديد من النقاط، إلا أنه لا يمكن أن يكون لهما نفس النوع من قنوات الاتصال والعلاقات مع تركيا، وهذا ينطبق أيضا على باقي دول البحر المتوسط .
بالإضافة إلى ذلك، لا تزال مشكلة تواصل تدفقات الهجرة سلاحا مهما للغاية في يد أردوغان، ولهذا السبب حرصت ميركل على التأكيد مجددا في نهاية القمة، على رغبتها في التواصل مع أنقرة على وجه التحديد في مجال الهجرة.
وتاريخيا، تدرك برلين جيدا أن بين البلدين "علاقات خاصة"، لا تؤكدها العلاقات التجارية فحسب، وإنما يثبتها أيضا عيش ملايين الأتراك في ألمانيا.
وإلى جانب هذه المصالح الضيقة، بيّن "الموقع الإيطالي"، أن أوروبا تعاني من مشاكل مزمنة لافتقارها التام إلى نهج مشترك وواضح في العديد من المسائل التي تفصل تركيا عن فرضية عضوية الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها، مسألة الدفاع عن حقوق الإنسان، التي يتشدق بها الاتحاد الأوروبي فقط بالكلمات.
فبينما يثير مسألة احترام سيادة القانون في تركيا ويدين أنقرة، يستقبل ماكرون رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وسط ضجة كبيرة، ويؤكد أن ''التعاون في المجال العسكري" غير مشروط بتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
وبالعودة إلى مسألة بيع الأسلحة، التقى رئيس النظام المصري بالعاصمة باريس، في 7 ديسمبر الجاري، بالمسؤولين عن المجموعات الصناعية "داسو ونافال جروب" ووزيرة الدفاع "فلورنس بارلي".
واختتم الموقع تحليله بالقول: "من الصعب التصديق أن الموقف الفرنسي يتحرك لمصلحة اليونان والاتحاد الأوروبي في بحر إيجة لأن الجميع يحرك بيادقه ويلعب لعبته الخاصة".