موقع أميركي: هكذا يمكن لأنقرة الاستفادة من نجاحها في حرب القوقاز
يرى موقع "أوراسيا نت" الأميركي، أن مكاسب تركيا الجيوسياسية من مساعدة أذربيجان في الانتصار على أرمينيا، تبقى رهينة علاقتها بروسيا في الوقت الذي يلتقي فيه الحلفاء الجدد على جبهات إقليمية مختلفة.
وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أُجبرت "أرمينيا" على توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، إثر النجاح الذي حققته أذربيجان في عمليتها التي انطلقت لتحرير إقليم "قره باغ" في 27 سبتمبر/أيلول.
سياسة مختلفة
في عام 2011، اعتبرت "مجموعة الأزمات الدولية" أنه إذا اندلعت حرب بين أرمينيا وأذربيجان، فإن تركيا تخاطر بـ"الانجرار" إلى هذا الصراع.
وأضافت المنظمة الدولية: أن "الضغط العام قد يجبر أنقرة على التدخل لدعم أذربيجان، على عكس مصالح سياستها الخارجية الأكبر".
وأشارت إلى أنه "نتيجة لذلك، كان المسؤولون الأتراك يبذلون كل ما في وسعهم لإقناع أطراف الصراع أن الحرب سيكون سيناريو مرعب"، بحسب تقرير موقع "Eurasia net".
لكن التطورات السريعة حتى عام 2020، كشفت مدى تغيّر السياسة الخارجية التركية في العقد الماضي، ففي الحرب الأخيرة التي استمرت 44 يوما، كانت تركيا بعيدة عن كونها مشاركا مترددا حيث تدخلت بحماس بطريقة بدت إلى حد كبير تتماشى مع مصالحها المحددة حديثا، وفق "Eurasia net".
وذكر الموقع أنه "عندما بدأ القتال، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن تركيا ستواصل دعم أذربيجان بكل مواردها وقلبها، وشمل ذلك ارتفاعا في مبيعات الأسلحة، 77.1 مليون دولار في سبتمبر/أيلول الماضي وحده، حسبما ذكرت رويترز".
وأوضح أن "من بين الأسلحة التي تم بيعها لأذربيجان، الطائرات بدون طيار التركية المنتجة محليا، إلى جانب التدريب والتكتيكات التركية، مما عزز بشكل كبير قدرة أذربيجان على إلحاق الضرر بالقوات الأرمينية".
وزعم الموقع أن "تركيا نقلت مئات المقاتلين المتمردين السوريين إلى الخطوط الأمامية للقتال من أجل أذربيجان، رغم أن هذا ولّد المزيد من الغضب الدولي أكثر من الفوائد في ساحة المعركة".
واعتبر أن "كل هذه الخطوات كانت تتماشى مع التحوّل الأوسع في السياسة الخارجية لتركيا، والذي أعطى الأولوية بشكل متزايد لاستخدام القوة الصلبة، غالبا بالتنسيق مع الوكلاء المحليين، لتغيير الديناميكيات الإقليمية لصالحها".
وأضاف الموقع: أن "تركيا واقتناعا منها بأن العالم أصبح أكثر فوضوية وأكثر تعددا للأقطاب، أكدت أنقرة على استعدادها للتصرف بشكل مستقل عن حلفائها الغربيين السابقين، أو حتى معارضتهم المباشرة، مع بناء علاقة تعاونية وتنافسية مع روسيا في نفس الوقت".
وأشار إلى أن "أنقرة سعت في القوقاز، إلى تكرار توجهاتها المبنية على التدخلات منخفضة التكلفة وعالية التأثير التي طبقتها بالفعل في شمال سوريا وليبيا".
لكن الفرق الرئيسي هو أن "أذربيجان كانت شريكا أقوى بكثير من حلفاء الأتراك في ليبيا وسوريا، وبالتالي تمكنت أنقرة من تحقيق مكاسب أكثر على المدى القصير"، بحسب "Eurasia net".
تعاطف عميق
ولفت الموقع إلى أن "أذربيجان لطالما تمتعت بتعاطف عميق في تركيا، خاصة بين القوميين اليمينيين، حيث تتصدر البلاد بشكل روتيني الاستطلاعات التي تسأل الأتراك عن الدول التي يعتبرونها صديقة، وغالبا ما توصف العلاقة بين باكو وأنقرة على أنهما دولتان وأمة واحدة".
ولكن حتى ما يقرب من عقد من الزمان، تم تعويض هذا الاصطفاف القومي مع أذربيجان بدوافع إستراتيجية.
وفي أعقاب الحرب الباردة مباشرة (بعد 1991)، استمر الحذر الدائم في تشكيل نهج تركيا تجاه روسيا والمنطقة التي كانت تسيطر عليها.
وباستثناء الحالات التي يبدو أن المصالح الفورية تتطلب ذلك، فضّلت أنقرة التصرف بشكل متحفظ، بالتنسيق مع حلفائها في "الناتو"، لذلك عندما اندلع القتال بين أذربيجان وأرمينيا عام 1990، رفضت أنقرة التدخل بشكل مباشر.
وحتى مع تحول الحرب لصالح أرمينيا، اقتصرت تركيا على إغلاق حدودها مع أرمينيا وتدريب الضباط الأذربيجانيين، مع الاستمرار في دعم الجهود الدبلوماسية لحل النزاع.
وفي العقد التالي، أصبح نهج "أنقرة" تجاه منطقة القوقاز أكثر نشاطا واستقلالية، وهو ما خلق مجموعة جديدة من الحوافز الاقتصادية التي أعطت تركيا مصلحة في السلام والاستقرار.
وعزز افتتاح خط أنابيب باكو-تبيليسي-جيهان، عام 2005، الآمال في أن التكامل الإقليمي ومسارات خطوط الأنابيب الجديدة ستستكمل تحوّل تركيا إلى مركز طاقة حيوي ومربح.
وقد بلغت هذه الرؤية الديناميكية، التي ارتبطت بسياسة وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو، "صفر مشاكل مع الجيران"، ذروتها مع جهود تركيا عام 2009 لتطبيع العلاقات مع يريفان، وفق "Eurasia net".
لكن في السنوات اللاحقة، أدت عدد من التطورات غير ذات الصلة إلى تفكير القائمين على السياسة الخارجية التركية في اتجاه مختلف.
وساهم اندلاع الحرب الأهلية في سوريا (عام 2011)، ومحاولة الانقلاب عام 2016، في تبلور قناعة تركية أن أنقرة "توجد في بيئة أكثر عدائية تتطلب استجابة أكثر عدوانية".
ودفع هذا التصور أنقرة إلى القيام بسلسلة من التدخلات العسكرية، حيث شنت مرارا عمليات كبيرة عبر الحدود لوقف تمدد تنظيم "بي كا كا/بي يي دي" في سوريا ثم دحره.
وفي عام 2019، تدخلت أنقرة لمساعدة "حكومة الوفاق الوطنيط في ليبيا، وساعدتها على صد هجوم على طرابلس من قبل ميليشيات الانقلابي خليفة حفتر المدعومة من روسيا ومصر والإمارات.
وبعد ذلك، في أوائل عام 2020، عندما هاجمت قوات النظام السوري المدعومة من روسيا آخر جيب تسيطر عليه المعارضة في إدلب، قامت تركيا بإرسال الجنود والدروع إلى المنطقة في محاولة (ناجحة جزئيا) لإبطاء تقدمها.
مسرح جديد
وأكد الموقع الأميركي أن "تدخلات أنقرة في عدة جبهات قد خلقت بدورها، ديناميكية المنافسة التعاونية التي تميز العلاقات التركية الروسية حاليا".
ولفت إلى أنه "من خلال دعم الأطراف المتصارعة في صراعات بالوكالة، ثم العمل معا للتفاوض على قراراتهم، اكتسبت موسكو وأنقرة تأثيرا على حساب الجهات الغربية".
وأضاف الموقع: "حتى عندما قوضت مكاسب أنقرة نفوذ روسيا، قبلت موسكو، بل رحبت بالتدخل التركي من أجل إضعاف النفوذ الأميركي والأوروبي في سوريا وليبيا".
وأفاد بأن "موسكو تستفيد من الوضع لأنه على المدى الذي تواجه فيه تركيا بشكل مباشر، سيكون لها دائما اليد الأقوى عسكريا، وبدا ذلك واضحا بشكل كبير في إدلب الربيع الماضي، عندما قتل هجوم جوي روسي 33 جنديا تركيا ما دفع أنقرة إلى السعي لوقف إطلاق النار بشروط روسيا".
واعتبر الموقع أن "الصراع الأرمني الأذربيجاني أتاح لأنقرة فرصة لتوسيع علاقتها مع روسيا إلى مسرح جديد حيث كان لها يد أقوى، وكانت أنقرة تأمل في كسب نفوذ ضد روسيا ربما تستخدمه لصالحها في سوريا أو شرق المتوسط".
واستدرك قائلا: "لكن حتى هنا، لم يقدّم انتصار أذربيجان الواضح على الأرض الفوائد الجيوسياسية الواضحة التي كانت أنقرة تأمل فيها، حيث لم تعرض روسيا على تركيا مقعدا على طاولة المفاوضات".
وأضاف: أنه "خلافا للتقارير المتفائلة في الصحافة التركية، رفضت موسكو إمكانية وجود قوات حفظ سلام تركية في إقليم قره باغ".
وذكر الموقع أن "هذا يعني أنه حتى لو مكّن الدعم التركي أذربيجان من استعادة الإقليم، فإن التعاون الروسي سيثبت الآن أنه أكثر أهمية لباكو في حكمها".
وأضاف: "باختصار، في حين أن أذربيجان مدينة لتركيا بانتصارها، تحتفظ روسيا بدورها كقوة إقليمية".
وخلص الموقع في تقريره إلى أنه "نتيجة لذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت موسكو ستكون أكثر استيعابا للمصالح التركية في سوريا، أو كيف يمكن لأنقرة الاستفادة من نجاحها في حرب القوقاز مستقبلا".