فرقاء الأزمة الليبية.. كيف تحول الصراع من الحكم إلى النفط؟
خلاف حاد تفجر مؤخرا بين المؤسسة الوطنية للنفط الليبية ممثلة في رئيسها مصطفى صنع الله، ومحافظ البنك المركزي الليبي الصديق الكبير، على خلفية قرار المؤسسة حجب إيرادات النفط عن المصرف المركزي.
رسالة مسربة بين البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط كشفت عن أن 3.2 مليارات دولار من الإيرادات النفطية غير موردة إلى حسابات الدولة، بما يخالف الأصول القانونية.
"المركزي" طالب عبر المراسلة المسربة، والتي تحمل عنوان "سري للغاية"، بضرورة تحري الشفافية والإفصاح عن هذه الإيرادات ومصيرها، محذرا من تبعات هذه الخطوة وانعكاساتها على الميزانية العامة للدولة، باعتبار أن إيرادات النفط تمثل قرابة 96 % من مداخيل الميزانية.
اتهامات خطيرة
حسب المراسلة التي وجهها الصديق الكبير إلى مصطفى صنع الله في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فإن حجم الإيرادات النفطية الموردة إلى مصرف ليبيا المركزي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020، وحتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بلغ نحو 15 مليون دولار فقط، رغم إعلان المؤسسة بلوغ الإنتاج معدل 1.2 مليون برميل يوميا.
المصرف المركزي أشار إلى أن بيانات المؤسسة الوطنية للنفط التي وردت عليه خلال السنوات الماضية، "تأكد أنها غير صحيحة، ولا تحقق مطابقة فعلية لشحنات النفط والغاز المصدرة مع ما يورد للخزانة العامة من عائدات، بالمخالفة لمقتضى الشفافية والإفصاح".
ورد مصرف ليبيا المركزي على جملة التهم التي وجهت إليه من قبل مؤسسة النفط، التي أصدرت بيانا أعلنت فيه عن قرارها حجب إيرادات النفط في حساب خاص بها في مصرف ليبيا الخارجي، إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.
وسبق أن أعلن مصرف ليبيا المركزي، أن إجمالي الإيرادات النفطية الفعلية حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2020، بلغ 2.4 مليار دينار (1.74 مليار دولار).
لكن مؤسسة النفط ذكرت في بيانها أن الإيرادات النفطية الفعلية والمودعة لدى مصرف ليبيا المركزي بلغت 3.7 مليارات دولار، أي ما يعادل 5.2 مليارات دينار، وليس كما جاء في بيان المصرف المركزي، مضيفة أن تلك الإيرادات خلال السنوات التسع الماضية بلغت 186 مليار دولار.
من جهته قال الصحفي الليبي محمد خلاب: إنه "لا يخفى على الجميع أن أخطر ما جرى هو تجميد عائدات النفط بحيث لا تذهب للمصرف المركزي وهذا أعلنت سابقا المبعوثة الأممية ستيفاني وليامز أنها ستتخذه للضغط على الأطراف السياسية من أجل ما تسميه التوافق".
وأضاف الخلاب في حديث لـ"الاستقلال": أن "بيان رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح الذي أعلن عن وقف إطلاق النار في السابق تطرق لهذه المسألة وأعلن عودة فتح الموانئ النفطية شريطة تجميد العائدات في حساب خاص في المصرف الخارجي"، معتقدا أن الخلاف مفتعل ليكون حجة لتجميد عائدات النفط".
واعتبر الخلاب أنه بحسب ما صدر عن اجتماع السراج بالمؤسسات السيادية، لا يبدو أنه سيتم التوصل لحل ويبدو أن التجميد سوف يستمر باعتباره إرادة دولية كوسيلة للضغط على الأطراف الليبية إلى حين التوصل للتسوية السياسية التي تريدها البعثة الأممية.
ووأردف: "من الممكن أن يتغير الموقف حسب نتائج الجلسة التي يعقدها مجلس النواب في مدينة غدامس لأنه ووفقا لتصريحات كثير من النواب فإن هذه الجلسة تعنى بتوحيد المجلس واتخاذ قرارات هامة لحل الأزمة في ليبيا".
وأكد الإعلامي الليبيي أن حجب الإيرادات قد يدفع إلى سرعة تمرير التسوية التي تريدها البعثة الأممية.
وقال: "في حال تأخر ذلك قد يضطر المصرف المركزي للإنفاق من الاحتياطات وهذا قد يؤدي إلى زيادة مستوى التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية (الدينار) مما قد يفاقم الأزمة المعيشية المتفاقمة أصلا بسبب ما تمر به البلاد وهذا الإجراء قد يجعل خطوة فتح الحقول والموانئ النفطية لا أثر لها على أرض الواقع".
خدمة لحفتر
قرار مؤسسة النفط أثار جدلا واسعا، فتح المجال للتأويلات السياسية التي ذهب بعضها إلى اتهام رئيس المؤسسة مصطفى صنع الله بالضلوع في مؤامرة تحقق مصالح وغايات المشروع العسكري لمليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بعد أن فشلت في تحقيق ذلك عبر العدوان على العاصمة طرابلس.
وفق مراقبين، أصبح النفط مركزا جديدا للصراع في ليبيا بعد هزيمة قوات حفتر في معركة طرابلس، وتحول لمحور المفاوضات الجارية لاقتسام السلطة بين المناطق الليبية وكذلك ثروات البلاد، التي سعى حفتر للسيطرة عليها بقوة السلاح والدعم الأجنبي.
وسبق أن أعلنت مليشيا حفتر، 3 شروط لإنهاء "الإغلاق النفطي"، أولها "فتح حساب خاص بإحدى الدول تودع به عوائد النفط مع آلية واضحة للتوزيع العادل لهذه العوائد، على كافة الشعب الليبي بكل مدن وأقاليم ليبيا وبضمانات دولية".
الشرط الثاني، بحسب بيان متلفز، بثته القنوات الموالية لحفتر، هو "وضع آلية شفافة، وبضمانات دولية، لإنفاق عوائد النفط تضمن ألا تذهب هذه العوائد لتمويل" ما وصفته المليشيا بـ"الإرهاب والمرتزقة".
أما الشرط الثالث فهو "ضرورة مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، لمعرفة كيف وأين أنفقت عوائد النفط طيلة السنوات الماضية".
وتبدو هذه الشروط متطابقة مع البيان الذي أصدرته المؤسسة الوطنية للنفط يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعد أن أعلنت عن حجب الإيرادات عن مصرف ليبيا المركزي.
صنع الله قال في نفس السياق، في مقطع مصور نشرته صفحة المؤسسة الوطنية للنفط على "فيسبوك": إن "المتباكين حاليا على أموال النفط لم يصدروا بيانا واحدا ضد الإقفالات النفطية"، وذلك في إشارة إلى المصرف المركزي.
وجدد تمسكه باحتفاظ المؤسسة بالعوائد المالية لتصدير النفط في مصرف ليبيا الخارجي، متهما محافظ المصرف المركزي بالمسؤولية عن إهدار مليارات الدولارات من أموال الليبيين وصرفها على "الديناصورات والقطط السمان والوحوش".
وفي هذا الصدد، تساءل صنع الله: "أين ذهبت 186 مليارا من إيرادات النفط خلال السنوات الأخيرة والتي أحيلت إلى المصرف المركزي؟".
وأردف: "المؤسسة ستواصل الاحتفاظ بإيرادات النفط في الحسابات السيادية للمؤسسة الوطنية للنفط في المصرف الليبي الخارجي، وفق القانون، إلى حين وجود شفافية من المركزي وآلية واضحة للمصرف".
ورقة السراج
ورغم أن ليبيا انقسمت في السنوات الأخيرة بين فصائل متحاربة في الغرب والشرق، مع تقسيم معظم مؤسسات الدولة بين إدارات متناحرة، فإن الاتفاقيات الدولية والقرارات الأممية، ضمنت أن تظل المؤسسة الوطنية للنفط المنتج الشرعي الوحيد للنفط في البلاد.
ووفق قرار مجلس الأمن رقم 2362، تتدفق جميع عائدات التصدير عبر مصرف ليبيا المركزي لتمويل ميزانية الدولة، تحت تصرف حكومة الوفاق المعترف بها دوليا برئاسة فائز السراج.
ويتم توزيع أموال النفط عبر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس على كل أنحاء البلاد بما فيها الشرق، للإنفاق على أجور الموظفين العموميين والخدمات العامة.
وكشف موقع "إفريكا إنتلجنس" الفرنسي المهتم بالشؤون المخابراتية في تقرير نشره يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن احتدام الصراع بين الثلاثي السراج، ومحافظ المصرف المركزي طرابلس الصديق الكبير، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله".
وتحت عنوان "المصرف الليبي الخارجي.. السراج ينتزع المصرف الليبي الخارجي من البنك المركزي ومحافظه الصديق الكبير"، أوضح التقرير أن السراج يأمل في استغلال غياب أي اتفاق سياسي حول مستقبل ليبيا للحفاظ على منصبه، ويسعى إلى دعم موقفه من خلال وضع المؤسسات المالية الوطنية تحت سيطرته، بمساعدة مصطفى صنع الله.
وأكد الموقع أنه بعد تهميش السراج منذ أسابيع، بات الآن يأمل في البقاء بمنصبه حتى الانتخابات المقررة في ديسمبر/كانون الأول 2021 على الأقل، والذي تم الاتفاق عليه في الحوار الوطني الليبي بتونس.
ووفق الموقع الفرنسي، "بعد فشل المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، يعمل السراج على استعادة السيطرة على المؤسسات الاقتصادية الرئيسية في البلاد، بمساعدة صنع الله لتحقيق مصالحهما الشخصية".
واستدل الموقع بشن السراج حربا على محافظ البنك المركزي الصديق الكبير، الذي عين مساعديه هناك، حين أمر وزير ماليته المخلص فرج بومطاري بتعيين مجلس إدارة جديد في المصرف الليبي الخارجي في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
كما عين السراج في 20 /تشرين الثاني 2020، علي باني بدلا من مصطفى المانع في رئاسة مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار، وعين في نفس اليوم رئيس مكتبه السابق يوسف المبروك نائبا لرئيس المؤسسة الليبية للاستثمار.
واعتبر الموقع أن النزاع بين السراج والكبير يعود إلى فترة طويلة، لكن رئيس الوزراء تلقى هذه المرة دعما رئيسيا من صنع الله، والذي أوقف تحويلات أموال النفط الخاصة به إلى المصرف المركزي.
ومن المقرر أن يستمر التعليق إلى أن يلقي المصرف الضوء على استخدام الأموال والكيانات المستفيدة منها، وهو أمر من المرجح أن يستغرق بعض الوقت.
وحسب التقرير، فإن تحرك رئيس المؤسسة الوطنية للنفط يمنح السراج فرصة غير مسبوقة لعزل الكبير، إلا أنها تتماشى أيضا مع الاتفاق الذي تم التوصل إليه في منتصف شهر سبتمبر/أيلول 2020، بين أحمد معيتيق الرجل الثاني في المجلس الرئاسي، واللواء الانقلابي خليفة حفتر.
وأعلن معيتيق عن التوصل إلى اتفاق مع حفتر لاستئناف إنتاج وتصدير النفط، الموقوف من جانب الجنرال الانقلابي منذ يناير/كانون 2020.
وأثنى المتحدث الرسمي باسم قيادة مليشيات حفتر، أحمد المسماري، على معيتيق بالقول: إنه "كان إيجابيا، كما كان صاحب رؤية وتطلعات لحل الأزمة الليبية بشكل عام" ، وذلك بعد نهاية المفاوضات التي جرت في العاصمة الروسية موسكو.