تعاقد مع شركة علاقات عامة.. هكذا سارع السيسي لتسويق نفسه أمام بايدن
في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأميركية، وهزيمة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، الذي كانت تربطه علاقات قوية وودودة مع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.
بعدها بـ 3 أيام فقط، وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أقدم نظام السيسي على توقيع عقد مع شركة علاقات عامة في الولايات المتحدة، لتجميل وجه النظام ورئيسه المستبد أمام الإدارة الأميركية الجديدة.
"من الواضح أنهم قلقون عندما اتضح أن بايدن سيكون الفائز، فعندها قام السيسي، بتهنئته والآن ترى أنه يتم استدعاء عدد كبير من وزراء الخارجية السابقين والشخصيات البارزة للظهور في البرامج الحوارية لبث الطمأنينة لدى مؤيدي الحكومة في مصر بأن كل شيء سيكون على ما يرام مع بايدن".
ما سبق هو تصريح نقله موقع "فورين لوبي" الأميركي عن ميشيل دن، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في إطار تعليقها على تعاقد نظام السيسي مع شركة علاقات عامة أميركية، لتجميل صورته أمام الإدارة الجديدة للبيت الأبيض.
توقيع العقد
الموقع الأميركي أعلن أن مصر لم تضع وقتا في الاستعداد لفترة ما بعد إدارة ترامب، ووقع السفير المصري لدى واشنطن معتز زهران عقدا بقيمة 65 ألف دولار شهريا مع شركة "براون ستاين هيات فاربر شريك" الأميركية للعلاقات العامة والقانون".
الموقع قال: "العقد ينص على تشكيل مجموعة عمل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لتقديم خدمات في مجال العلاقات الحكومية والاستشارات الإستراتيجية بشأن الأمور المعروضة على حكومة الولايات المتحدة".
ووفق ما جاء في الملف الذي تم تقديمه لوزارة العدل الأميركية، "تستمر مدة العقد لعام واحد بشكل مبدئي على أن تجرى عملية تقييم بعد ذلك".
وذكر "فورين لوبي" أنه "من بين أعضاء الفريق المشكل داخل المجموعة، الداعمة للسيسي، عضو الكونغرس السابق عن الحزب الجمهوري من كاليفورنيا إدوارد رويس، والذي ترأس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب من عام 2013 حتى 2018".
ومن بين الفريق أيضا "نديم الشامي، الرئيس السابق لموظفي رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والذي قضى نحو ربع قرن في مقر الكونغرس، في الإشراف على عمل الفريق مع رويس، والشامي قضى طفولته المبكرة في مصر رغم أنه ولد في الولايات المتحدة".
الموقع ذكر أيضا أنه "تم تسجيل اثنين من شركاء الشركة أيضا وهما: العضو المخضرم في جماعات الضغط التابعة للحزب الجمهوري مارك لامبكين، الذي يدير مكتب الشركة في العاصمة واشنطن، والعضو البارز في جمع التبرعات لصالح الحزب الديمقراطي ألفريد موتور، بالإضافة إلى مدير السياسات دوغلاس ماغواير".
مقابلة كارثية
بعد وقت طويل من التعامل، انفصلت القاهرة فجأة عام 2019 عن شركة "غلوفر بارك غروب" للعلاقات العامة، بعد اطمئنانها للعلاقات القوية بين السيسي وترامب، وإثر مشكلات تسبب فيها السيسي، عندما تورط في مقابلات إعلامية شائكة.
في يناير/ كانون الثاني 2019، أذاعت شبكة CBS اﻷميركية حوارا مع السيسي، أثناء حضوره اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، وأجاب السيسي في المقابلة التي وصفت بـ "الكارثية" عن أسئلة بشأن التعاون المصري اﻹسرائيلي، وانتهاكات حقوق اﻹنسان في مصر.
المقابلة كانت غير موفقة، وحاولت أجهزة المخابرات المصرية منع بثها بكل السبل الممكنة، وأصدرت تعليمات مشددة من المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية لمجموعة "إعلام المصريين" وقنوات DMC بمنع تناول حديث الرئيس مع برنامج "60 دقيقة" بقناة CBS، بعدما فشلت جهود منع البث.
بعدها مباشرة في فبراير/ شباط 2019، أنهت شركة العلاقات العامة اﻷميركية "مجموعة جلوفر بارك" الخدمات التي تقدمها للنظام المصري في واشنطن، وذلك حسب وثيقة مقدمة لوزارة العدل اﻷميركية.
وجاء قرار اﻹنهاء بعد النتائج السلبية التي ترتبت على مقابلة السيسي مع برنامج "60 دقيقة"، وحسب موقع "المونيتور" الأميركي تبلغ قيمة التعاقد مع شركة العلاقات العامة ما يقرب من 3 ملايين دولار سنويا.
وبانتهاء تعاقد مصر مع جلوفر بارك جروب، انتهت آخر التعاقدات المسجلة باسم السفارة المصرية في واشنطن مع شركات أميركية، ولم يتبق سوى تعاقد لوزارة الاستثمار والتعاون الدولي مع شركة "هيل آند كنولتون".
ورغم أن التوقيت كان حرجا وقتها بسبب نقاشات داخل الكونجرس حول تقليص المعونة اﻷميركية السنوية المقدمة إلى مصر، لكن السيسي اعتمد بالكلية على علاقته بالرئيس ترامب، الذي أعطاه الضوء الأخضر، ووصفه بـ "ديكتاتوري المفضل"، ما جعل حجم تأثير تلك الشركات يتضاءل في ظل العلاقة التي كانت قائمة.
ترامب الذي طالما أطلق على السيسي لقب "ديكتاتوري المفضل"، نجح إلى حد كبير في منع محاولات الكونغرس فرض عقوبات ضد مصر ردا على انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك وفاة المواطن الأميركي مصطفى قاسم أثناء احتجازه عام 2020.
فشل مستمر
لم تكن شركة "جلوفر بارك جروب" أول من ألغى تعاقده مع إدارة السيسي، ففي يوليو/ تموز 2020، أنهت شركة "ويبر شاندويك" الأميركية، المتخصصة في مجال العلاقات العامة، تعاقدها مع جهاز المخابرات العامة المصرية.
وجاء إنهاء التعاقد بعد أيام من تحقيق نشرته مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية أكدت فيه أن نظام السيسي يستغل حملات العلاقات العامة المدفوعة الأجر، ليستمر في قمع المعارضة في الداخل وانتهاك حقوق الإنسان.
كان جهاز المخابرات العامة، الذي يترأسه اللواء عباس كامل، المقرب من السيسي، قد تعاقد مع "ويبر شاندويك"، بعد أسبوع واحد فقط من تولي دونالد ترامب الرئاسة.
العقد تضمن العمل على "تعزيز الشراكة" بين مصر والولايات المتحدة، ونشر الأخبار الإيجابية عن مصر، وإبراز التطور الاقتصادي المصري والسمات المميزة لسياسة الحكومة، والتأكيد على الدور المحوري الذي يلعبه السيسي في إدارة الأزمات بالشرق الأوسط، وذلك مقابل 100 ألف دولار شهريا.
وفي فبراير/ شباط 2017، كشفت وزارة العدل الأميركية عن تعاقد المخابرات المصرية مع شركة "كاسيدي أند أسوشيتس" مقابل 50 ألف دولار شهريا، لتحسين العلاقات مع الحكومة الأميركية، إضافة إلى التعاقد مع مجموعات ضغط منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2013، مقابل 3 ملايين دولار سنويا.
يتعلق بـ"قشة"
تلك التعاقدات المبرمة بملايين الدولارات تمت في وقت يرزح فيه قطاع واسع من المصريين تحت خط الفقر، وتلجأ الحكومة إلى سياسة الاقتراض لسد العجز، وتحجيم التضخم.
الباحث السياسي المصري، أحمد مولانا، قال "للاستقلال": إن "عودة نظام السيسي، إلى سياسة التعاقدات مع شركات العلاقات العامة الأميركية مرة أخرى، يأتي مع تغيرات الأوضاع بناء على الانتخابات الأميركية الأخيرة، وإزاحة ترامب الذي أعطاه ضوءا أخضر، وتجاهل الملفات الحقوقية والحريات لحساب الملفات الأمنية والتقارب مع إسرائيل، وتحجيم التيارات الإسلامية".
وأضاف مولانا: "إدارة السيسي أدركت أنها في احتياج إلى التحرك في إطار الاعتماد جزئيا على تلك الشركات، مع التأكيد أن بايدن لن يحدث فارقا مهولا كما يروج البعض، كالإطاحة بالسيسي أو تقييده تماما، ولكنه سيستخدم الملفات الحقوقية من باب الابتزاز والضغط ومناكفة الأنظمة المستبدة، أو التي تحاول الخروج عن المسار المرسوم لها".
وتابع: "يجب أن لا ننسى أن علاقة جو بايدن بمبارك كانت طيبة خلال عهد أوباما، وأنه كان ضد تنحيته عن الحكم، وصرح أن ذلك سيحدث فراغا تستغله جماعات الإسلام السياسي، بنص تعبيره".
وقال مولانا: "مع ذلك بايدن سياسي محترف، يختلف تماما عن ترامب، وأنه سيستخدم كثيرا من أوراق الضغط، والأدوات السياسية في تعاملاته الخارجية، ذلك ما يقلق نظام السيسي".
وأكد: "مبلغ الـ 650 ألف دولار شهريا، الذي تعاقدت به القاهرة مع شركة براونستاين هيات فاربر شريك الأميركية، هو مبلغ لا يذكر في عالم التعامل مع اللوبيات الضاغطة والشركات من هذا النوع، فالإمارات على سبيل المثال تنفق ملايين الدولارات شهريا لإدارة تلك العملية".
وأردف: "ولا يمكن إغفال أن مهارات الرئيس أو الشخصية المراد الترويج لها أو دعمها، يلعب دورا في التعامل مع شركات العلاقات العامة، فمثلا عندما ظهر السيسي في لقاء مع قناة CBS الأميركية، في اللقاء الشهير الذي أُحرج فيه السيسي، وأصدر تصريحات متضاربة، فسخت شركة العلاقات العامة، تعاملها معه على الفور، لأنهم في النهاية يحتكمون إلى مجموعة من القواعد".
وختم الباحث المصري: "السيسي لا يملك الأدوات التي تمتلكها دولة مثل الإمارات أو السعودية، ولن يعول كثيرا على أن تحدث الشركات فارقا في تعاملاته مع الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، لكنه يستخدمها من باب التحرك خطوة للأمام، وإلقاء حجر في الماء الراكد".