اتهامات بالخيانة ودعوات للمحاكمة.. هكذا تفتت معسكر الشرعية في اليمن

12

طباعة

مشاركة

الاتهامات التي أطلقها وزير النقل اليمني السابق صالح الجبواني بخصوص موافقة رئيس الوزراء معين عبد الملك على ضرب الطائرات الإماراتية لوحدات من الجيش اليمني في أغسطس/آب 2019 بمدينة عدن، أثارت ردود فعل متباينة في الساحة اليمنية.

فبينما قال البعض إن "تلك الاتهامات كاذبة وباطلة وتسعى للإساءة والتشهير برئيس الحكومة"، دعا آخرون إلى "فتح تحقيق رسمي في صحة هذه الاتهامات والتعامل معها بجدية".

مجزرة عدن

في 28 أغسطس/آب 2019، استهدفت الطائرات الإماراتية، قوات الجيش في أحد مداخل مدينة عدن، ما أسفر عن مقتل وإصابة نحو 300 جندي من منتسبي القوات الحكومية ومواطنين كانوا موجودين في أماكن القصف.

المجزرة التي ارتكبتها الطائرات الإماراتية بحق عناصر الجيش الوطني، تزامنت مع تحرك الأخير للتصدي لانقلاب المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا على الحكومة الشرعية، فجاءت هجمات أبوظبي للحيلولة دون تقدم الجيش باتجاه عدن.

الجانب الإماراتي اعترف بارتكاب المذبحة، وبرر بأنها استهدفت مجاميع إرهابية تقاتل حلفاء تحالف دعم الشرعية في اليمن، بالإشارة إلى المجلس الانتقالي.

الجبواني غرد مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على تويتر متهما رئيس الوزراء المكلف بإعطاء الطائرات الإماراتية الضوء الأخضر لقصف قوات من الجيش اليمني في نقطة العلم على مداخل مدينة عدن، أثناء الانقلاب الذي قام به المجلس الانتقالي الموالي للإماراتي.

الجبواني كتب قال في تغريدته: "بعد ضربة الطيران الإماراتي الغادر بالعلم، كاد ينفجر الموقف بين الضباط اليمنيين وضباط التحالف في إحدى غرف العمليات المشتركة، ولتهدئة الموقف قال أحد ضباط التحالف إن الضربة الإماراتية تمت بعلم رئيس الوزراء ومسؤولين يمنيين".

وأضاف الجبواني في سلسلة تغريداته: "رسالة وصلت لإحدى غرف العمليات للتحالف من أحد الدبلوماسيين فيها أن (لا قلق فهنالك مع الإماراتيين موافقة من رئيس الوزراء وبعلم بعض المسؤولين اليمنيين يحتفظون بأسمائهم، الصبر قليلا وستهدأ الأمور) وهذا ما حدث للأسف".

وزير النقل السابق دعا ذوي الشهداء وكامل الشعب اليمني للخروج ضد هؤلاء قائلا: "هذا هو رئيس الوزراء المفروض في آلية تسريع اتفاق الرياض، والمطلوب اليوم من ذوي الشهداء، بل وشعبنا اليمني الخروج ضد هؤلاء الذين غطوا المذبحة وغطوا انقلاب عدن وضياع سقطرى وجاؤوا بمرتزقة الإمارات لطاولة التفاوض وكراسي الحكومة لتبتلع الإمارات الشرعية من داخلها".

وأعلن الجبواني استعداده للمثول أمام المحكمة مع رئيس الوزراء والإدلاء بالأدلة، ودعا في ذات الوقت مجلس النواب للتحقيق في الحادثة وفتح ملف القضية.

وقال: "سيقول البعض أين دليلك وبودي أقول إن دليلي سيكون في المحكمة حينما سنمثل أمامها أنا ومعين عبد الملك وكل منا يضع أمام القاضي ما لديه وحينها سيأخذ المذنب جزاءه العادل وفقا للقانون، وأطلب من مجلس النواب الوقوف أمام ملف المذبحة وفتحه مجددا ليتقصى حقيقة ما حدث".

ورطة القيادات

علاوة على اتهامه لرئيس الحكومة بالموافقة على ضرب وحدات من الجيش اليمني، صرح الجبواني في حديث له ببرنامج "المساء اليمني"، على قناة بلقيس في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن صمت رئيس الوزراء، معين عبد الملك، بعد الضربة، وعدم اتخاذ أي موقف إزاء ذلك، يؤكد موافقته عليها.

وأضاف الجبواني للقناة اليمنية: أن "معين عبد الملك لم يغط هذه الضربة فحسب، بل غطى انقلاب المجلس الانتقالي في عدن، وكذلك غطى ما جرى في سقطرى"، موضحا أن "قيادات الشرعية المقيمة في الرياض لا تملك حرية الحركة، واختيار القرار. قيادات الدولة كلها في ورطة، وجود هذه القيادات في الرياض كبل وقيد من حركتهم".

وأوضح أن "معين عبد الملك أصبح رأس حربة في مشروع التحالف في اليمن"، مضيفا: أن "تعيينه في رئاسة الحكومة المزمع تشكيلها، ضمن جهود آلية تسريع اتفاق الرياض، أمر تم فرضه على الرئيس عبد ربه منصور هادي من قبل التحالف".

وأشار الجبواني إلى أن الإمارات تسعى لتنفيذ خطة تقتضي "خلق شرعية موالية لها بشكل مطلق، ومن ثم القضاء على الشرعية الموجودة بشكل تدريجي، مع الإبقاء على الرئيس هادي ومعين عبد الملك مجرد ديكورات"، حد قوله.

إساءة وتشهير

اتهامه بالموافقة على ضرب الجيش اليمني اعتبرها رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك إساءة وتشهيرا، وطالب في مقابل ذلك بالتحقيق مع الجبواني، ونقلت وكالة سبأ اليمنية للأنباء عن مصدر حكومي (لم تسمه) أنه تمت مخاطبة النائب العام الدكتور علي الأعوش لاتخاذ إجراءات التحقيق فيما سمته "جملة الإساءات والتشهير والأكاذيب والتحريض".

وأضافت الوكالة نقلا عن المصدر: أن تصريحات الجبواني "تعد جرائم يعاقب عليها القانون اليمني وفقا لأحكام قانون الجرائم والعقوبات النافذ وتؤدي إلى إضعاف الموقف العسكري والحكومي في ظل الظروف التي تمر بها بلادنا، كما أنها تشيع الإرجاف والفرقة في الأوساط العامة".

من جانبه، نفى المتحدث باسم القوات المسلحة العميد الركن عبده مجلي المقيم في الرياض تلك الاتهامات، وقال: إنه "لا صحة لما روج له مؤخرا من شائعات" مضيفا: أن "تلك الاتهامات تحاول إحداث فجوة بين دولة رئيس الوزراء والجيش الوطني"، مؤكدا أن رئيس الوزراء يولي الجيش اهتمامه، ويتابع انتصاراته في مختلف الجبهات القتالية.

وردا على دعوات التحقيق معه، كتب الجبواني تغريدة سخر فيها من تلك الدعوة وطالب بعزل رئيس الحكومة ومحاكمته، وغرد مجددا: "لا بد من عزلك أولا على تغطيتك للمذبحة وانقلاب عدن وضياع سقطرى، ثم نمثل أنا وأنت للتحقيق، ثم المحاكمة".

دعوة للتحقيق

في حديث للاستقلال، يقول الكاتب اليمني محمد الأحمدي: "الحقيقة أن هذه التصريحات والاتهامات المتبادلة بين عضو سابق في الحكومة وبين رئيس الحكومة مؤشر على مستوى من التفكك والضياع تعاني منه الحكومة الشرعية في اليمن".

يتابع الكاتب اليمني: "وأعتقد أن هذه الحالة لم تكن لتصل إليها الشرعية في اليمن، لو لم يكن الحلفاء بهذا المستوى من الغدر والخيانة باليمنيين، وعدم الوفاء بالتزاماتهم في دعم الشرعية نفسها ودعم الشعب اليمني لاستعادة دولته".

يضيف الأحمدي: "بسبب ذهاب التحالف باتجاه حسابات ومطامع ألقت بظلالها على أداء معركة اليمنيين في مواجهة الانقلاب في اليمن، تفرخ عن هذا الوضع نشوء انقلابات أخرى أضرت بالشرعية، وصولا إلى مطامع إقليمية يتم فرضها بطرق شتى، بما فيها العنف والقوة والقصف".

وعن الاتهامات التي أطلقها الجبواني ضد رئيس الحكومة يقول الأحمدي: "ما يتعلق بالاتهامات يفترض أن تتعاطى معها الشرعية بجدية، وأن تشرع في إجراء تحقيق على مستوى برلماني في الهجوم الدامي الذي استهدف الجيش الوطني وملابسات هذا الهجوم، والأيادي التي تقف خلفه".

يضيف الأحمدي: "ليس ذلك فحسب بل يجب التحقيق أيضا في تقاعس الحكومة برئاسة معين نفسه عن إجراءات محاسبة الإمارات إزاء هذه الجريمة المروعة، وصولا  إلى اعتذار أبوظبي عن تلك المجزرة المروعة وجبر الضرر للضحايا".

وعن وجود تيار من الشرعية يهاجم الشرعية نفسها، يقول الأحمدي: "من الواضح في ضوء هذه التطورات والاتهامات المتبادلة بين رئيس الحكومة وأحد أعضائها السابقين (الجبواني)، أن هناك تيارا جديدا في المعادلة السياسية نشأ على حساب قوة الشرعية وتماسكها، بمعنى أن هذا التيار كان جزءا من الشرعية واليوم أصبح خارج الشرعية، يعترف بالشرعية ويناهض الانقلاب الحوثي، لكنه بطبيعة الحال، غير مرغوب به سعوديا وإماراتيا".

ويختم الأحمدي بالقول: "أعتقد أن هذا التيار يحظى بقبول شعبي واسع، وفي حال استمرت الشرعية في معاداة هذا التيار وإقصائه فإنها ستجد نفسها مجرد أفراد لا يمثلون سوى أصفار على الشمال، وسيتم التخلص منهم بسهولة عندما تطمئن السعودية والإمارات أن مشاريعهما ومطامعها صارت أمرا واقعا في الجغرافيا اليمنية".