"رمز الحنيفية".. كيف عاشت مدينة القدس في ظل الحكم العثماني؟

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة تركية الضوء على مدينة القدس المحتلة كونها محور صراعات عديدة حول العالم، فضلا عن قيمتها الكبيرة للإنسانية جمعاء وللمسلمين بشكل خاص، حيث استضافت العديد من الأمم والحضارات، ومنها العثمانيون.

وقالت صحيفة "يني شفق" في مقال لعالم التاريخ غوكهان غوكتشيك، إن "القدس حكمها المسلمون بعد أن فتحها الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، غير أنها تعرضت لاحتلال الصليبيين بعد عدة قرون، لتصبح بلدا مسلما مع صلاح الدين الأيوبي".

وأضافت الصحيفة، أنه "بعد عهد المماليك دخلت القدس أخيرا في الحكم العثماني مع دخول الوزير الأعظم سنان باشا في عهد السلطان يافوز إليها، لتستمر في حكمهم حتى ديسمبر/كانون الأول 1917".

رمز الحنيفية

وبحسب غوكتشيك، حافظت القدس على هويتها الإسلامية في ظل الحكم العثماني بل وطورتها، وأصبحت مدينة يعيش فيها السكان من جميع الأعراق والأديان معا، خاصة وأنها تحتضن أماكن مقدسة بالنسبة للديانات السماوية الثلاث الكبرى. 

وقال: "لقد قام السلطان سليمان القانوني ببناء أسوار المدينة التي ظلت في حالة خراب وهدم لمدة تزيد عن الألف عام، وذلك بعد أن فتحها والده السلطان يافوز سليم، كذلك قام بربط المنطقة الممتدة من يافا وحتى القدس وقام ببناء بوابة في ذلك المكان".

وفي خطوة بدت وكأنها سعي لإيجاد قاسم مشترك مستوحى من الأماكن المقدسة بالنسبة للديانات السماوية الثلاث في المدينة، كتب القانوني على البوابة عبارات: "لا إله إلا الله.. إبراهيم خليل الله". وهكذا لتتحول القدس من مدينة الصراعات الكبرى، إلى مدينة ترمز للحنيفية داخل الإمبراطورية العظيمة.

واستدرك غوكتشيك قائلا: لقد دخلت القدس تحت الحكم التركي بعد وقت قصير من معركة ملاذكرد التي انتصر فيها المسلمون عام 1071 بقيادة السلطان ألب أرسلان، أحد أعظم الحكام السلجوقيين، فبعد أن قام أمير أتسيز بفتوحاته في سوريا وفلسطين، فتح القدس أيضا في نفس العام، وبعد وفاته، تم تعيين أرتوك، سيد سلجوقي، كحاكم على القدس".

وذكر في سياق حديثه عن تاريخ السلاجقة، أن أرتوك أطلق سهاما ثلاثة باتجاه سقف كنيسة القيامة في القدس تأكيدا على هيمنته وحكمه، وبقيت هذه الأسهم هناك لفترة طويلة.

وأضاف غوكتشيك: "ثم بعد أرتوك، سيطر الفاطميون فالصليبيون على القدس، ليأتي البطل المسلم العظيم صلاح الدين الأيوبي ويفتحها مرة أخرى، وهكذا لتدخل القدس تحت حكم الأتراك المماليك ثم العثمانيين".

الجدير بالذكر أن القدس أصبحت وطنا للأتراك في نفس الوقت الذي أصبحت فيه الأناضول وطنا لهم، أي أنهم تركوا القدس، كما فعلوا في العديد من الأراضي التركية القديمة، قبل 100 عام فقط.

حرب شاملة

واعتبر العالم في التاريخ غوكتشيك، أن المشاكل التي عانت منها الدولة العثمانية في شؤونها الداخلية قبيل سقوطها، كانت من العوامل التي سرعت من انهيارها، مع ما لعبته معاركها ضد أعدائها من دور في هذا، غير أن الدعوات إلى الانفصال عن الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى (1914ـ1918)، جعل الأمر أكثر صعوبة وتعقيدا. 

وأعقب ذلك بالقول: "لذلك، أرسلت الإمبراطورية العثمانية جمال باشا، أحد أهم الشخصيات الثلاثة الكبرى آنذاك في جمعية الاتحاد والترقي، إلى سوريا لمواجهة الدعاية البريطانية الانفصالية ضد الخليفة الإسلامي، وهدفت من ذلك إلى قمع الحركات الانفصالية المدعومة من بريطانيا في المنطقة وإعداد المنطقة للحرب ضد الأعداء".

وهكذا، انطلق جمال باشا إلى القدس التي كانت أحد "السناجق" (تقسيم إداري) الأربعة التابعة لولاية سوريا. 

وهناك قام بتحويل كنيسة "القديسة آنا" إلى جامعة أطلق عليها اسم "كلية صلاح الدين الأيوبي"، ولقد اختار هذا الاسم محاولة منه لتقوية الروابط بين العرب والأتراك بما أن صلاح الدين الأيوبي أحد الأبطال المسلمين العظماء في تاريخ كل من العرب والأتراك، يوضح الكاتب.

وتابع: "وهكذا، تم الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المسجد الأقصى الذي وافق ذلك التاريخ (1915)، بحضور نائب القائد العام للقوات المسلحة العثمانية، أنور باشا، أعقبه أدعية وصلوات، لتقام بعد ذلك مسيرة في القدس قبيل افتتاح كلية صلاح الدين الأيوبي بمشاركة أنور باشا وجمال باشا".

ونوه بأن "الهدف الرئيس من افتتاح الكلية في هذه المنطقة، تقديم تعليم ديني مناهض للإمبريالية وضد الأزهر في مصر وكلية عليكرة في الهند، اللتان كانتا منخرطتين في أنشطة مناهضة للعثمانيين والخليفة في ظل الدعاية البريطانية، لكن هذه المساعي توقفت مع الاحتلال البريطاني ولم يكتب لها الاستمرار".

وأوضح غوكتشيك: "حوصرت القدس من جهة غزة، لكن البريطانيين تراجعوا بعد أن لحقت بهم خسائر فادحة في معركة غزة الأولى، ومع أن الجيش البريطاني لملم شتات نفسه خلال وقت قصير ووصلته الإمدادات، إلا أنه هزم في معركة غزة الثانية أيضا".

واستدرك: "كان الإنجليز قد وعدوا العرب بقيادة الشريف حسين بن علي بتسليمهم القدس وحواليها إن ساعدوهم، لكن وبعد انهزامهم مرتين في معركة غزة الأولى والثانية، أعطوا نفس الوعود لكن لليهود هذه المرة بوعد بلفور، وذلك لضمان وقوف اليهود إلى جانبهم".

وهنا بدأت معركة غزة الثالثة مع البريطانيين، وانتهت لسوء الحظ بانتصار الإنجليز الذي جاء نتيجة لعدة أسباب، منها تأثير قائدهم الجديد وموقف المتمردين العرب وكذلك عدم القدرة على توفير الغذاء والإمدادات الكافية للجيش التركي، وفقا للكاتب التركي.

وأردف: "وهكذا لتسقط غزة أولا في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1917، ثم لتحاصر القدس بالكامل، ويبدأ الجيش البريطاني بضرب المدينة بقذائف المدفعية وهدمها، وإدراكا منه أن المقاومة لن تكون كافية لحماية المدينة المباركة، عرض حاكم المنطقة، سيد عزت، تسليم المدينة التي تعتبر مقدسة لدى الأديان الثلاثة الرئيسة، للبريطانيين". 

وختم غوكتشيك مقاله آسفا: "وهكذا ليدخل الجنرال ألينبي إلى المدينة في 9 ديسمبر/كانون الأول 1917، ويحتفل بالحكم الصليبي للمدينة، وتقرع الكنائس أجراسها في كل مكان حتى في ألمانيا التي كانت حليفة للدولة العثمانية في ذلك الوقت، وكذلك لتودع القدس الراية التركية".