شعبية متدنية.. كيف يستغل ماكرون مهاجمة الإسلام في حملته الانتخابية؟

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

شن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هجوما على الإسلام، متهما إياه بأنه يعيش أزمة في كل مكان بالعالم، حتى دعا في خطاب ألقاه في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للتصدي لما وصفها الانعزالية الإسلامية "التي تسعى إلى إقامة نظام مواز للجمهورية في فرنسا".

بدا هذا الخطاب المعادي للإسلام والمسلمين وكأنما هو تدشين مبكر لحملته الانتخابية، في الانتخابات المزمع عقدها في أبريل/نيسان 2022، خصوصا مع تراجع شعبيته في الفترات الأخيرة، بالإضافة إلى تلقي حزبه هزيمة ثقيلة في انتخابات البلدية التي أجريت في يونيو/حزيران من نفس العام.

وكشفت أحدث استطلاعات للرأي في فرنسا، في سبتمبر/أيلول 2020، عن تزايد تراجع شعبية ماكرون، هو ورئيس وزرائه جان كاستكس، المعين في يوليو/تموز.

وأجريت 7 استطلاعات للرأي خلال سبتمبر/أيلول، وكشفت تراجع شعبية ماكرون إلى 38.7 % بعد أن كانت 41% في أغسطس/آب، في حين تراجعت شعبية كاستكس، من 49.4% إلى 42.29%، في هبوط متواصل منذ أزمة كوفيد 19.

وفي يوليو/تموز الماضي، قالت صحيفة بلومبيرج الأميركية: إن ماكرون يبحث عن زخم جديد قبل الانتخابات المزمع عقدها في 2022، وذلك بعد تراجع شعبيته.

ونقلت الصحيفة عن "المعهد الفرنسي للرأي العام" أن ماكرون انخفضت شعبيته، مبينة أنه لجأ إلى إقالة رئيس حكومته إدوار فيليب الذي كان يحظى بشعبية أكثر مما كان عليه الرئيس الفرنسي نفسه.

وكشف استطلاع أجرته مؤسسة "BVA" أن فيليب قد اكتسب شعبية خلال أزمة فيروس كورونا، حيث قال 54% ممن شملهم الاستبيان: إنهم يثقون به، مقابل 38% أعربوا عن ثقتهم بماكرون، الأمر الذي جعل الأخير يقيله ويعين كاستكس بدلا عنه، في سياق حديثه عن الإصلاحات الحكومية.

أسباب تراجع الشعبية

بحسب "بي بي سي" فإن ماكرون يعاني من تدهور شعبيته بشكل لم يعرفها أي رئيس فرنسي آخر، وأن ذلك التدهور بدأ منذ سبتمبر/أيلول من العام 2017 منذ  أن صدر قانون العمل والذي يرون أنه مثل المسمار الأول في نعش شعبيته.

تضيف الصحيفة أن شعبية ماكرون تزايدت في التراجع منذ فرض مزيد من ضرائب القيمة المضافة على السيارات التي تستخدم الديزل والتي أقرت في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2018، وهو ما زاد من رقعة الاحتجاجات الشعبية في البلاد ليفجر ما عرف باسم "احتجاجات ذوي السترات الصفراء".

ومن خلال بنود اعتبرها العديد من الفرنسيين مجحفة بحقهم، وتهدد مستوياتهم المعيشية، استمرت شعبية الرئيس في التدهور ليزيد من تدهورها، طريقة إدارة حكومته للأزمة الصحية الناتجة عن فيروس كوفيد 19، حيث كشفت الاستطلاعات أن 65% من الشعب الفرنسي لا يثقون في الإجراءات الحكومية بخصوص مكافحة فيروس كورونا.

ذلك دفع مراقبين للقول بأن ماكرون لا يسعى لحل المشاكل الداخلية التي تعاني منها فرنسا، بل يستخدم الإسلام، كالعادة، لتحقيق مكاسب سياسية، بهدف الخروج من مأزقه الداخلي. 

وبحسب "بي بي سي"، تشهد الأحياء الفقيرة في الضواحي الباريسية، والتي يمثل المهاجرون غالبية سكانها على فشل السياسة الفرنسية على مدار عقود، في دمج هؤلاء في المجتمع الفرنسي، وتركهم يعيشون في مجتمعات هامشية، بغض النظر عن انتماءاتهم العقدية سواء كانت الإسلام أو غيره.

وقد درج الرجل منذ وصوله للسلطة على استخدام عبارات مستفزة ضد الإسلام والمسلمين، من قبيل تكراره دوما لعبارة "الإرهاب الإسلامي"، ما يشير إلى أن مهاجمة الإسلام باتت ملجأ للهروب من الضغوط الداخلية والأزمات. 

في ظل كل تلك الظروف، يرى معارضو ماكرون أن الرجل لم يكن أمامه سوى مغازلة تيارات بعينها في السياسة الفرنسية، حيث يرضي اليسار بتعزيز مزيد من العلمانية الفرنسية، في حين ويستعطف اليمين بالهجوم على الإسلام، في محاولة بدت يائسة لرفع شعبيته المتدهورة.

مغازلة المتطرفين

في حديث لـ"الاستقلال"، يقول الباحث والخبير في الشؤون الفرنسية عمر المرابط: "بالفعل تراجعت شعبية ماكرون، منذ وقت سابق، وذلك لأنه يحاول أن يجعل الانتخابات المقبلة مثل الماضية، أي أنه في انتخابات 2017 كان في مواجهة زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، وبالتالي فهو يخاف من وجود شخصية يمينيه في الوسط بينه وبينها".

يضيف المرابط وهو النائب السابق لعمدة مدينة أتيس مونس بالضاحية الباريسية: "يمكن القول إن ماكرون يحاول أن يجعل من سياسته المقبلة أكثر يمينية، وذلك بأخذ مواقف يمينية أكثر منها يسارية، أو أكثر منها في الوسط، ونلاحظ هذا من خلال تعيينه وزيرا أول من اليمين بعدما كان الوزير الأول فليبي أيضا من اليمين".

ويضيف: "إذن لم يختر وزيرا أولا يساريا أو من الوسط، كما كان يطالب بذلك بعض مناصريه الذين يقولون بأنه جاء دور الاتجاه اليساري في حزب ماكرون ( الجمهورية إلى الأمام)".

وأردف: "عين ماكرون على رأس بعض الوزارات أشخاصا معروفين بمواقفهم العلمانية المتشددة، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال وزير التربية الوطنية جان ميشال بلانكي، ووزير الداخلية، مع ضرورة الإشارة إلى أن أصوله جزائرية، لكن مواقفه معروفة بأنها يمينية ومتشددة خاصة تجاه الإسلام".

وتابع: "الموضوع الرئيسي منذ 3 أشهر، لعدد من الصحف والقنوات الإخبارية الفرنسية هو الإسلام وما يوصف بالإرهاب الإسلامي والفئوية أو الطائفية المسلمة، فجاء ماكرون ليغير هذا الكلام، فلم يتحدث عن الطائفية وإنما تحدث عن الانفصالية، أو ما يمكن أن أسميه شخصيا الانعزالية الإسلاموية إذا صح التعبير".

وعن سؤاله لماذا الإسلام بالذات، قال المرابط : "لأن الإسلام أصبح الشماعة التي يتحدث عنها كل السياسيين الفرنسيين الذين يريدون أن يغازلوا اليمين المتطرف، ليس في فرنسا فقط بل في عموم أوروبا. هناك أيضا بعض السياسيين الذين يحاولون مغازلة هذا التيار، ولكن هذه الإستراتيجية غير ناجحة".

واستدل على ذلك بأن الرئيس الأسبق ساركوزي حاول في الانتخابات السابقة أن يمارس نفس هذا  التصرف، وكان أمامه في الجهة الأخرى فرانسوا هولاند الذي نجح "لأن الناس الذين في الوسط اختاروه".

والخلاصة أن "الرئيس الذي حاول أن يكون يمينا أكثر من اللازم خسر الانتخابات، لأن الانتخابات في فرنسا تربح غالبا في الوسط، وهذا معروف منذ سنين".

يضيف الباحث والخبير بالشؤون الفرنسية: "هناك أمر آخر يفسر لماذا الإسلام بالذات وهو أن هناك فشلا في ملفات أخرى، اقتصادية وصحية، ملف التشغيل".

ورغم أن الحكومة السابقة حققت نتائج جيدة، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب فرنسا الآن جعلت الإسلام يرجع إلى الواجهة، بينما كان من المفترض أن يكون الموضوع الاقتصادي هو الأساس.

غضب ورد

استفز تصعيد ماكرون الشعوب العربية وأثار غضبهم، ومن بينهم أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القرة داغي، الذي رد بأن الإسلام "لا يتحمل وزر قيادات كرتونية مزيفة من صناعتكم"، مؤكدا أن "الدين الإسلامي لا يمر بأي أزمات".

وقال القرة داغي، في تغريدة على حسابه في فيسبوك،: "السيد الرئيس، لا تقلق على ديننا فهو لم يعتمد في يوم من الأيام على دعم سلطة ولا رفع سيفا في وجه من عارضه ليفرض رايته".

وتابع: "لا يمر ديننا بأزمة، ولن يمر؛ فليس الإسلام صناعة بشرية؛ كي نخاف الضمور والكساد، هو إسلام وكفى يتنفس رغم مكائد الآخرين، ورغم الإسلاموفوبيا (..) لسنا في خوف على ديننا ولا نحتاج يا سيادة الرئيس لمن يبصرنا بوجود أزمة".

وأوضح: "إذا (كان) هناك أزمة حقيقية فهي تعود لازدواجية معايير بعض الساسة الغرب، ونفيدكم علما أن من يقود زمام الحكم في العالم العربي والإسلامي في غالب الدول هم ممن صنعتموه أنتم أو كان انقلابيا باركتم بوصوله الحكم على جماجم الأبرياء".

رسالتي إلى الرئيس ماكرون عربي فرنسي... السيد الرئيس ماكرون: بعد التحية... لا تقلق على ديننا فهو لم يعتمد في يوم من...

Posted by ‎Dr. Ali Al Qaradaghi (د. علي القره داغي)‎ on Wednesday, October 7, 2020

إلى ذلك، أدانت تركيا هجوم ماكرون على الإسلام للدفاع عن القيم العلمانية لبلاده ووصفت الأمر بأنه "إهانة شعبوية للمسلمين".

وغرد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن على تويتر قائلا: إن رؤية ماكرون "الخطيرة والاستفزازية ... تشجع على كراهية الإسلام والشعبوية المعادية للمسلمين". 

في حين قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم عمر جليك: إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدعم جرائم الكراهية، وليس الديمقراطية وحقوق الإنسان، مؤكدا أن حديث ماكرون عن "إسلام فرنسي ينم عن نهج ديكتاتوري وجهل مطبق".

وأضاف: أن "وجهة نظر ماكرون لا تقدم سوى ذخائر أيديولوجية للجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة". وشدد متحدث العدالة والتنمية على أن خطاب الرئيس الفرنسي "لا يحترم القانون وحرية المعتقد".

وتابع: "عبر هذا النهج، إنما يدعم ماكرون جرائم الكراهية؛ وليس الديمقراطية وحقوق الإنسان".