كواليس "اتفاق أبراهام".. هذه الخلاصات توصل لها خبراء إسرائيليون

12

طباعة

مشاركة

في اليوم التالي لمراسم التوقيع على اتفاق التطبيع بين إسرائيل وكل من البحرين والإمارات في البيت الأبيض، عقد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي اجتماعا لعدة خبراء لتحليل الاتفاق.

ركز الباحثون على خلفيات اتفاقية "أبراهام" الموقعة في 15 سبتمبر/أيلول برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب وانعكاساتها على إسرائيل والوطن العربي. 

وتناولوا عدة أسئلة من بينها: ما الذي تضمنه الاتفاق، وما الذي تم حذفه؟ وما هي أهداف إدارة ترامب من عقد هذه الاتفاقات؟ ولماذا كانت الإمارات في عجلة من أمرها لتوقيع الاتفاقية في هذا الوقت؟ وما هي تحفظات الأردن على الاتفاقية ولماذا بقي الفلسطينيون على الهامش؟

وأدار الاجتماع مدير المعهد الإسرائيلي العميد الجنرال أودي ديكل. ومن بين المشاركين في الاجتماع: العقيد (احتياط) بنينا شارفيت باروخ التي ناقشت الجوانب القانونية للاتفاق وصياغته، مقارنة إياه بالاتفاقيات السابقة بين إسرائيل وجيرانها. 

وشارك أيضا السفير دان شابيرو، الذي درس أهداف إدارة ترامب مقابل موقف معسكر الحزب الديمقراطي. كما تحدث الدكتور موران زاغا من المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية عن دوافع الإمارات لعقد هذه الاتفاقية. 

وقيّم السفير د. عوديد عيران أثر الاتفاقية على الأردن، وناقشت الدكتورة سارة فوير إمكانية انضمام دول أخرى إلى تيار التطبيع مع إسرائيل؛ بينما تولى الدكتور كوبي مايكل تفاعلات الساحة الفلسطينية مع هذه الاتفاقيات.

وقالت المعهد: "تعتبر اتفاقية أبراهام التي تخرق حاجز العلاقات الرسمية بين إسرائيل والدول العربية البراغماتية، إنجازا سياسيا مهما لإسرائيل".

بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يعد هذا إنجازا شخصيا مهما، يعكس علاقته الخاصة مع الرئيس ترامب، كما أنه إنجاز سياسي بسبب غياب مصطلح "حل الدولتين" من نص الاتفاقية.

ويقول المعهد: "يجب على إسرائيل أيضا أن تدرس العواقب المحتملة بعد الاتفاق. هل سيتم تقييد حريتها في المناورة بالساحة الفلسطينية؟ هل تؤدي الحملة العسكرية الممتدة في قطاع غزة إلى تجميد التطبيع مع الدول العربية؟ 

كما يتساءل: ما هي الخيارات المتاحة لإسرائيل للرد على قرار إيراني بشن هجوم عسكري على دول وقعت اتفاقيات سلام معها، أو إرسال وكلائها لارتكاب أعمال "إرهابية" ضد أهداف إسرائيلية داخل أراضيهم؟

مضمون الاتفاقية

يشير عنوان الاتفاقية - معاهدة السلام والعلاقات الدبلوماسية والتطبيع الكامل بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة - إلى أن الأطراف العاقدة لها تسعى إلى رؤيتها كخطوة تاريخية، تتجاوز السياق المباشر. 

فقد تم تقديمها على أنها اتفاقية سلام، رغم أنه لم تكن هناك حروب أو سفك للدماء بين إسرائيل والإمارات أو البحرين. 

ويهدف الاتفاق إلى التطبيع الكامل للعلاقات خلافا للعلاقات القائمة حاليا بين إسرائيل ورواد اتفاقيات السلام السابقة في المنطقة: الأردن ومصر. 

في الواقع، تحتوي الاتفاقية على فقرات تتعلق بالتعاون في مجموعة من المجالات المدنية، بما في ذلك الصحة والزراعة والسياحة والطاقة وحماية البيئة والابتكار. 

ويهدف هذا الطيف من التعاون إلى تسهيل إقامة علاقات دافئة بين شعوب البلدان الموقعة للاتفاق، وفي نفس الوقت التغلب على أي أزمات سياسية قد تظهر في وقت لاحق، خاصة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ولا يتضمن الاتفاق أيا من القضايا المتنازع عليها مثل حل الدولتين، وإنما يحتوي على مجرد تعليق (حسب التسريبات لمدة أربع سنوات) مد السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية أو ضمها لإسرائيل. 

كما لا يتضمن أي اتفاقيات بين الولايات المتحدة والإمارات بشأن توريد الأولى أسلحة هجومية متقدمة (وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت إسرائيل تستخدم لوبيها في الكونجرس لمنع بيع الأسلحة التي تقوض تقدمها النوعي في المنطقة). 

إضافة إلى ذلك، لم يرد في الاتفاق إشارة محددة للتحدي الذي تمثله إيران، على الرغم من مصلحة الطرفين المشتركة في عرقلة مساعي طهران لتوسيع نفوذها الإقليمي ومنعها من الحصول على القدرة النووية العسكرية.

 ومع ذلك، فقد  أشار الرئيس ترامب، راعي الاتفاقية، في مؤتمر صحفي في المكتب البيضاوي، إلى توقعه بالحصول أيضا على "صفقة" جيدة مع إيران بشأن القضية النووية إذا أعيد انتخابه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. 

بيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي جلس إلى جانب ترامب خلال هذا البيان، يشك في إمكانية التوصل لصفقة من هذا النوع، ناهيك عن تنفيذ اتفاقات مع إيران تحد من قدراتها وطموحاتها. ومن المفترض أنه لم يكن راضيا عن هذا البيان، وفق المعهد الإسرائيلي.

أهداف إدارة ترامب

ويقول المعهد: "بصرف النظر عن رغبتها في تحقيق إنجاز سياسي قبل الانتخابات، فإن إدارة ترامب مهتمة للغاية بتطبيق نهجها الإستراتيجي لإعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط".

 وتسعى الإدارة إلى تشكيل تحالف إقليمي من الدول العربية السنية البراغماتية القريبة من الولايات المتحدة، لعرقلة طموحات إيران والنفوذ الروسي والصيني المتنامي في المنطقة. 

ورأى أن تقديم مخطط جديد لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني كان يهدف إلى تعزيز التحالف الإقليمي مع إعفاء الدول العربية من التزاماتها التقليدية تجاه القضية الفلسطينية، والتي ثبت حتى الآن أنها غير مجدية، وحرمان الفلسطينيين من حق النقض ضد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.

كما ذكر ترامب بأن خمس دول أخرى كانت قريبة جدا من إقامة علاقات مع إسرائيل، لكن هناك عدد من الشروط التي يجب أن تتحقق لدى الدولة الساعية للانضمام إلى عملية التطبيع، منها: مصالح مشتركة مع تل أبيب، خاصة في عرقلة المحور الإيراني، والرغبة في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على رغم أن ذلك ليس الأولوية الإقليمية الرئيسية.

هذا فضلا عن ضرورة وجود مكاسب اقتصادية وعسكرية من الاتفاق مع إسرائيل، وغياب الالتزامات السياسية أو الدينية في العالم العربي والإسلامي تجاه تلك الدول. 

في ظل هذه الظروف، من الصعب تحديد من سيكون المطبع القادم. تتمتع عمان بالفعل بعلاقات وثيقة وإن كانت غير رسمية مع إسرائيل، وربما تفضل في هذه المرحلة تأجيل قرار التطبيع والحفاظ على مكانتها كوسيط بين الولايات المتحدة ودول الخليج وإيران. 

ومن المتوقع أيضا أن يؤجل المغرب قراره حتى لا يخاطر بمنصبه كرئيس للجنة القدس في منظمة الدول الإسلامية. وعلى كل حال فسيؤثر نجاح الاتفاقيات على قرار الدول الأخرى بشأن دخولها دائرة التطبيع، وستفحص ما تحصل عليه الإمارات والبحرين من الولايات المتحدة. 

مع ذلك، فمن المحتمل جدا أن تتخذ بعض الدول خطوات نحو التطبيع بدون علاقات رسمية، مثل فتح المملكة العربية السعودية مجالها الجوي للرحلات الجوية الإسرائيلية إلى الإمارات.

ويرى المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن بأن خطة ترامب لن تحسم قضية حل الدولتين، لكنه على الأرجح سيستخدم اتفاقيات التطبيع لكبح تحركات إسرائيل على الجبهة الفلسطينية، لا سيما فيما يتعلق بالبناء الاستيطاني، وتجديد العملية السياسية من خلال الضغط العربي المباشر على الفلسطينيين لتخفيف شروطهم للعودة إلى المفاوضات، وفق المعهد. 

الإلحاح الإماراتي

بالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات في الولايات المتحدة (نوفمبر/تشرين الثاني 2020)، فإن الإمارات وربما البحرين أيضا لها مصلحة في تحقيق إنجازات إستراتيجية مع إدارة ترامب، وتحديدا في سياق توقيع عقود لتوريد أسلحة متطورة واتفاقيات اقتصادية قد لا يمكن تحقيقها إذا دخل رئيس ديمقراطي البيت الأبيض في عام 2021.

 من الناحية الإستراتيجية، تشعر الدولتان الخليجيتان بقلق شديد من القوة المتزايدة لمحورين متنافسين في الشرق الأوسط. 

الأول هو المحور الإيراني الشيعي، الذي لا يتردد في تحدي الخليج العربي اقتصاديا وعسكريا، وهو التحدي الذي تزايد بعد رفع حظر الأسلحة عن إيران، والتقارب الأخير بين إيران والصين. 

والثاني هو المحور التركي القطري، الذي يسعى لبسط نفوذ تركيا من الخليج العربي إلى شمال العراق، عبر شمال سوريا، والحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ​​حتى ليبيا (حيث القوات الإماراتية والتركية على وشك اشتباكات عسكرية). 

ويقول المعهد الإسرائيلي: "في مواجهة هذين المحورين المتطرفين، وبالنظر إلى الاتجاه الأميركي نحو تقليص الوجود العسكري في الشرق الأوسط، تهدف الإمارات إلى إنشاء محور موازنة للدول السنية البراغماتية والتقليدية، والتي ستسعى إلى جانب إسرائيل لتحقيق الاستقرار الإقليمي"، بحسب تعبيره.

ووفق تقديره، يؤدي تعزيز العلاقات مع إسرائيل إلى توسيع نطاق الفرص والنفوذ بالنسبة لدولة الإمارات، والتي تهدف إلى تعزيز مكانتها الإقليمية بما في ذلك استخدام القوة العسكرية بعيدا عن أراضيها والعمل كوسيط في النزاعات الإقليمية البارزة. 

وبين أن العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل تمنحها (الإمارات) موطئ قدم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفرصة لطرد قطر من قطاع غزة وتركيا من الحرم القدسي، وبالتالي تنجح في تجاوز المملكة العربية السعودية، التي ضعفت مكانتها الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة، بحسب تقديره. 

التحفظات الأردنية

تشكل اتفاقية أبراهام معضلة للمملكة الهاشمية. فمن ناحية، كان يُتوقع (في تل أبيب) من الأردن أن يدعم انضمام دول عربية أخرى إلى دائرة السلام مع إسرائيل، وهو الخيار الذي اتخذته عمّان قبل 26 عاما. 

ومن ناحية أخرى، هناك قلق متزايد في عمّان من أن التطبيع بين إسرائيل ودولة عربية أخرى، دون شروط مسبقة لعملية سياسية مع الفلسطينيين، سيعيق التقدم نحو تحقيق رؤية الدولتين ويشجع تل أبيب على رؤية الأردن نفسه كدولة فلسطينية. 

علاوة على ذلك، تشعر العائلة المالكة الهاشمية بالقلق من الاضطرابات بين المواطنين الفلسطينيين في الأردن، الذين يشكلون غالبية السكان، مما قد يقوض الاستقرار الداخلي. 

كما يشعر الأردن بالقلق من أن عدم الاستقرار الأمني ​​في الضفة الغربية يمكن أن يمتد إلى أراضيه. 

تاريخيا، يعتبر الأردن نفسه وسيطا رائدا بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن تم تنحيته جانبا عندما حصلت الإمارات والبحرين على الفضل في تأجيل عملية الضم (المزعوم) للضفة الغربية، وتم تجاهل مبادئ مبادرة السلام العربية - الانسحاب الإسرائيلي إلى خطوط 1967 – في الاتفاقية الجديدة، وفق تعبير المعهد.

 بالإضافة إلى ذلك، شدد ترامب على أن التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج فتح الباب أمام المسلمين للصلاة في المسجد الأقصى، الأمر الذي يضر بمكانة الأردن كخادم للمشاعر المقدسة في القدس. ولكون الأردن يعتمد على مساعدات دول الخليج، فليس بإمكانه التعبير عن معارضة قوية للاتفاقية.

الأكثر تضررا

ويقول معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: إن "الفلسطينيين هم الطرف الأكثر تضررا من التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج. فشلت قيادتهم في إقناع جامعة الدول العربية بإدانة الاتفاقيات أو إثارة الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة للاحتجاج"، بحسب زعمه.

وتؤكد التطورات الإيجابية بين إسرائيل ودول الخليج على الأزمة الإستراتيجية التي تحيط بالسلطة الفلسطينية "الضعيفة والمذلة"، ويمكن حتى تفسيرها كدليل على الفشل السياسي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

بينما حددت حماس التطورات كفرصة لتعزيز موقعها السياسي، من خلال التأكيد على أهمية سياستها المتمثلة بالمقاومة المسلحة كوسيلة لتعزيز التطلعات الوطنية الفلسطينية. 

وتم تسليط الضوء على هزيمة عباس خلال زيارة قام بها زعيم حركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية إلى مخيمات اللاجئين في لبنان. 

صورة هنية محمولا على أكتاف الحشود مع الهتاف في المخيمات، التي تعتبر معقل منظمة التحرير الفلسطينية، ترمز إلى التحدي لسيطرة حركة فتح والسلطة الفلسطينية.

علاوة على ذلك، وبالنظر إلى التقارب بين القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، الذي يعتبر عدوا لعباس وبين القيادة الإماراتية، فإن ذلك يخلق أزمة ثقة حادة بين قيادة أبوظبي والسلطة الفلسطينية.

حاولت الإمارات تخفيف معارضة السلطة الفلسطينية لاتفاق التطبيع مع إسرائيل من خلال الوعد بتقديم مساعدات مالية وبنية تحتية سخية، لكن عباس رفض العرض. 

لذلك يُتوقع من الإمارات أن تخاطب الجمهور الفلسطيني بشكل مباشر، متجاوزة السلطة الفلسطينية، بطرق مختفلة منها، على سبيل المثال، عروض وظائف للأكاديميين والمهندسين الفلسطينيين الشباب، وفق تقدير المعهد الإسرائيلي.

ويتابع: "على كل حال، يجب على إسرائيل ألا تستمتع بالبؤس الفلسطيني الحالي، لأن الأزمة والضعف يمكن أن يدفعا في الواقع السلطة الفلسطينية وحماس لتوحيد الصفوف، مما يعزز عدم الاستقرار في الساحة ويساهم في إمكانية تصعيد العنف والمقاومة".