صواريخ صينية على أكتاف الدعم السريع.. هل يفقد الجيش السوداني سيطرته الجوية؟

"لقد أصبح الجيش السوداني عاجزا عن تنفيذ عمليات جوية فعالة خاصة في إقليم دارفور"
في تطور ينذر بتغييرات فارقة في توازن القوى العسكرية، كشفت تقارير غربية عن قيام الإمارات بتزويد مليشيا الدعم السريع بأنظمة دفاع جوي متطورة قادمة من الصين عبر تشاد.
ولطالما امتلك الجيش السوداني تفوقا ميدانيا نتيجة سيطرته الجوية كعنصر حاسم في ضرب معاقل الدعم السريع واحتواء تمددها.
غير أن دخول منظومات الدفاع الجوي الحديثة إلى ترسانة الدعم السريع قد يقلب المعادلة رأسا على عقب، مانحا المليشيا المتمردة، القدرة على تقليل فاعلية سلاح الجو السوداني، مع تقليص هامش حريته في الحركة.
ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة "الدعم السريع" في ولايات السودان لصالح الجيش.
ففي ولاية العاصمة التي تتشكل من 3 مدن، أحكم الجيش قبضته على مدينتي الخرطوم وبحري، فيما يسيطر على معظم أجزاء مدينة أم درمان، باستثناء أجزاء من غربها وجنوبها.
ومنذ أواخر مارس/ آذار 2025، تسارعت انتصارات الجيش في الخرطوم بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات بمحيطه، والمطار، ومقرات أمنية وعسكرية، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب قبل سنتين.
وفي الولايات الـ17 الأخرى، لم تعد "الدعم السريع" تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور (غرب).
بينما يسيطر الجيش على الفاشر عاصمة شمال دارفور، الولاية الخامسة في الإقليم.
ما هي الأنظمة؟
كشفت مجلة "أفريكا إنتليجنس" الفرنسية في 15 أبريل/ نيسان 2025، أن تشاد تسلمت أحدث جيل من أنظمة الدفاع الصينية المضادة للطائرات قادمة من الإمارات".
وعزت المجلة الفرنسية سبب تسلم تشاد تلك الشحنة إلى أنها الخط الرئيس لإمداد الدعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني، بالأسلحة والعتاد.
وهو ما أكدته وزارة الدفاع التشادية برئاسة الجنرال إسحاق مالوا جاموس، في 24 يناير/ كانون الثاني 2025، بأنها تسلمت منظومتي دفاع جوي من طراز FK-2000، وصلتها كـ "دعم عسكري" من وزارة الدفاع الإماراتية.
وأن ذلك تم بإذن من بكين كونها معدات صينية حديثة التصميم، ويعد نظام FK-2000 الذي تصنعه شركة علوم وصناعة الفضاء الصينية المملوكة للدولة نظام صواريخ أرض-جو قصير المدى.
وهو نظام مزود برادار لكشف الأهداف مثل الطائرات والطائرات المسيرة، وهو نسخة معدلة من نظام بانتسير الروسي يثبت على مركبة تحمل أيضا مدافع آلية.
كذلك أقرت السلطات التشادية بتسلم 64 صاروخا و6 آلاف طلقة ذخيرة عيار 30 ملم، إلى جانب حوالي 100 مركبة خفيفة تسلمتها من الإمارات منذ عام 2021 في عقود فازت بها شركتا "المجموعة المدرعة" و"كاليدوس" الإماراتيتان.

كيف وصلت؟
وذكرت المجلة الفرنسية في تقريرها أن هدف الشحنة الضخمة، مد الدعم السريع بقيادة حميدتي، بما يلزم لمواجهة تقدم الجيش في الأشهر الأخيرة.
وفي الأساس فإن عمليات تسليم ونقل الأسلحة من أبو ظبي إلى المتمردين، تصاعدت بشكل كبير بعد اندلاع الحرب السودانية في أبريل 2023.
وانتقلت قوافل الأسلحة أولا إلى إقليم دارفور السوداني عبر مطار في مدينة أم جراس التشادية قرب الحدود السودانية؛ حيث افتتحت السلطات الإماراتية مستشفى ميدانيًا، لكن هذا الطريق لم يكن سريًا بما فيه الكفاية فاستُبدل تدريجيًا بالعاصمة نجامينا العام الماضي.
وتدرس الإمارات الآن بدائل إقليمية، فاستطلعت لذلك آراء الدول المجاورة مثل جمهورية أفريقيا الوسطى.
بالتوازي مع عمليات تسليم المعدات الصينية إلى نجامينا، عززت أبو ظبي منذ بداية العام قدرات قوات الدعم السريع في التصدي للطائرات.
ورغم نفي الحكومة الإماراتية أي تورط لها في الصراع، إلا أنها تعرضت لانتقادات متكررة من قبل لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة، بسبب دعمها العسكري لقوات الدعم السريع.
وقد أبلغت أبو ظبي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أنها مهتمة فقط بتحقيق وقف إطلاق النار في السودان، وأنها تقدم الدعم الإنساني فقط في الحرب التي خلفت أكثر من 11 مليون نازح.
لكن الحكومة السودانية رفعت في 5 مارس شكوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهمة الإبادة الجماعية.

هل تتغير الموازين؟
ومع توالي التساؤلات عن مدى قدرة تلك الأنظمة في تغيير موازين المعركة أو على الأقل إيقاف تفوق الجيش، برزت أخبار من قبيل أن الدعم السريع أسقط مطلع أبريل 2025 طائرة نقل من طراز "أنتونوف" في شمال دارفور تابعة للجيش السوداني.
وقبل ذلك زعمت المليشيا في فبراير/ شباط 2025، إسقاطها طائرة شحن من طراز "إليوشن" تابعة للجيش أيضا، بالقرب من نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.
وفي ضربة “إليوشن” قتل ثلاثة ضباط كبار في سلاح الجو السوداني، حيث تفاجأ الجيش بتطور أنظمة الدفاع الجوي الجديدة التي استخدمتها قوات الدعم السريع في نيالا والتي بدأت في إحداث تأثير رادع.
وهو ما ظهر بحسب "أفريكا إنتيليجنس"، في توقف قصف طيران الجيش السوداني تماما حول عاصمة ولاية جنوب دارفور منذ أواخر فبراير.
وبالمثل، نصبت قوات الدعم السريع نظاما مماثلا مضادا للطائرات بالقرب من الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
ولا يقتصر التعزيز المفاجئ لقدرات قوات الدعم السريع الجوية على القدرات الدفاعية فقط، إذ أظهر تحقيق نشرته وكالة "رويترز" البريطانية، في ديسمبر/ كانون الأول 2024، أنها حصلت على طائرات مسيرة صينية الصنع من طراز CH-95.
وذلك دون أن تحدد رويترز كيفية نقلها إلى دارفور، لكنها ذكرت أن هذه الطائرات المسيرة تتمركز الآن في قاعدة جديدة بمطار نيالا.
ويمكن للمسيرة ضرب أهداف على مسافة تزيد عن 200 كيلومتر، وتستخدمها ميليشيا الدعم السريع حاليا في مساعيها للسيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
ومنذ بداية الحرب، تمكنت الدعم السريع من إسقاط نحو 10 طائرات تابعة للجيش بواسطة صواريخ أرضية. حيث كانت هذه الطائرات تقوم بمهام قتالية وبعضها كان في مهام استطلاعية.
وبحسب موقع "أخبار السودان" المحلي في 26 أبريل 2025، فإن هذا الأمر أربك الطواقم الجوية ودفعها لتنفيذ مهماتها من ارتفاعات مرتفعة جدا، مما جعل دقة التصويب صعبة ومعقدة.
وبحسب تقرير القوات الجوية العالمي لسنة 2025، تضم الترسانة الأساسية للقوات الجوية السودانية 10 طائرات نشطة من طراز (ميغ 29) إلى جانب مجموعة أخرى من الطائرات روسية الصنع، منها مثلاً سبع طائرات من فئتي "ميغ 21 و23"، إضافة إلى 17 مقاتلة من طراز "سوخوي" من فئتي "سو 24 و25".

هندسة جديدة
ومع ما تمثله المنظومة الدفاعية الجديدة للدعم السريع، يواجه الجيش معضلة الحل، فكيف يمكن أن يتجاوز هذه العقبة ويكمل إجهازه على مناطق سيطرة الدعم السريع التي لم تحرر بعد، وتحديدا دارفور.
كشفت عن هذا مصادر عسكرية لمواقع محلية سودانية، في 26 أبريل 2025، إذ ذكرت أن مدينة بورتسودان استقبلت أحدث منظومة دفاع جوي متخصصة في التصدي للطائرات المسيرة.
وأكدت المصادر أن القوات المسلحة السودانية ستواصل خلال الأيام المقبلة تسلم دفعات إضافية من الأسلحة الإستراتيجية لتعزيز قدراتها الدفاعية، بحسب موقع "النورس نيوز" المحلي.
ومن هذه الأسلحة، منظومة الدفاع الجوي FM-90، وهي نسخة مطورة من النظام الصيني HQ-7، وتتميز بقدرتها على التصدي للطائرات الحربية، وصواريخ كروز، والطائرات المسيرة ضمن نطاق قصير المدى، مما يعزز من حماية الأجواء السودانية ضد التهديدات المتزايدة من الدعم السريع المدعوم إماراتيا.
أما على مستوى الاستعداد لضرب الدفاعات الجوية للدعم السريع، فرصدت برامج تتبع حركة الطيران وصول طائرات عسكرية قادمة من روسيا وتركيا إلى مطار بورتسودان خلال الأيام الماضية، في إشارة إلى تسارع وتيرة الدعم التسليحي للجيش السوداني في هذه المرحلة.
وتعليقا على هذه التطورات، قال السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبد العاطي، إن “الأحداث تكشف بشكل مستمر أن الإمارات، عبر تزويدها ميليشيات الدعم السريع بأنظمة دفاع جوي متطورة، لم تكتف بإطالة أمد الحرب في السودان، بل أعادت هندسة المشهد العسكري لصالح الفوضى الدائمة”.
وأضاف لـ"الاستقلال": “لقد أصبح الجيش السوداني، الذي كان يعتمد على تفوقه الجوي كعامل حاسم، عاجزا عن تنفيذ عمليات جوية فعالة خاصة في إقليم دارفور، مما فتح المجال أمام الميليشيا لتوسيع نفوذها وإعادة التموضع”.
واستطرد: “هذا التدخل الإماراتي ليس عشوائيا، بل هو جزء من خطة ممنهجة تهدف إلى تحطيم بقايا الدولة المركزية السودانية، وتحويل البلاد إلى فسيفساء من مناطق السيطرة المسلحة، تدين بالولاء لقوى إقليمية ودولية تبحث عن موطئ قدم إستراتيجي في قلب إفريقيا”.
وأكمل عبد العاطي: “ومع استمرار هذا الدعم، يتجه السودان بخطى متسارعة نحو نموذج تقسيم فعلي، حيث تنمو الكيانات العسكرية الخاصة على أنقاض المؤسسات الوطنية، بل وتحاول أن تقيم حكومة وتصك عملة جديدة، وينهار مفهوم الدولة الجامعة، ليحل محله واقع إقطاعي جديد ترعاه أطراف خارجية تسعى لتقاسم السودان كما تتقاسم الغنائم”.
واختتم السياسي السوداني حديثه بالقول إن “الشعب لن ينسى ما فعلته الإمارات بيد المليشيات طويلا، وأن السودان شهد الحرب الأهلية وأصعب فترة في تاريخه على يد الإمارات، التي لم تيأس حتى تجعل السودان كدولة في خبر كان”.
المصادر
- The winding arms supply routes from Beijing to N'Djamena via Abu Dhabi
- هل تكسر "الدعم السريع" هيمنة الجيش السوداني في الجو؟
- قيادية في تأسيس : الدعــ.ــم قام بتفعيل المظلة المغلقة أمام الطيران العسكري في دارفور
- أحدث منظومات الدفاع الجوي لتعزيز القدرات العسكرية بيد الجيش
- الجيش السوداني يكشف الأسرار!
- الجيش السوداني: مقتل 47 مدنيا بقصف مدفعي لـ"الدعم السريع" على الفاشر