"قانون جونسون".. هل ينسف اتفاق انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

4 years ago

12

طباعة

مشاركة

انزلقت محادثات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق تجاري نحو اضطرابات جديدة بسبب خطط رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تمرير قانون السوق المحلية الجديد.

وصف محللون هذا القانون بأنه يقوض اتفاق انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، حيث يتراجع جونسون بموجبه عن معاهدة تم التصديق عليها.

وأدت التحركات البريطانية إلى تهديد اتفاق بريكست وقادت نحو مزيد من الضبابية بشأن التوصل إلى اتفاق تجاري مع قرب انتهاء الفترة الانتقالية التي بدأت مطلع فبراير شباط 2020، وتنتهي في 31 ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام. 

وصوت مجلس العموم البريطاني في 14 سبتمبر/أيلول 2020 لصالح مشروع قانون جديد تقدمت به الحكومة ويسمح لها بالتخلي عن بعض الالتزامات المنصوص عليها في اتفاق بريكست. 

وحاز القانون أصوات 340 نائبا فيما عارضه 263 عضوا آخر. وترى بريطانيا أن مشروع قانون السوق الداخلي الجديد يسعى إلى منع تعطل التجارة بين الدول الأربع في المملكة المتحدة (إنجلترا، أسكتلندا، ويلز، أيرلندا الشمالية) إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وقد وصفته الحكومة بأنه "شبكة أمان قانونية حيوية".

وأوضحت شبكة بي بي سي البريطانية في منتصف سبتمبر/ أيلول أن الاتفاق على أن أيرلندا الشمالية ستستمر في اتباع بعض قواعد الاتحاد الأوروبي حتى بعد خروج بريطانيا هو جزء أساسي من بريكست.

وقالت: إنه تم تصميم هذا لمنع عودة الحدود الصعبة بين أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا التابعة للاتحاد الأوروبي.

وبحسب تقرير لشبكة سي إن بي سي الأميركية، يمنح قانون السوق الداخلية في المملكة المتحدة الحكومة البريطانية سلطات عدم استشارة الاتحاد الأوروبي في قضايا مساعدات الدولة التي تنطوي على تجارة السلع بين أيرلندا الشمالية وبقية دول الاتحاد.  

تهديد أوروبي

وردا على تساؤل طرحته "الاستقلال" على نائب رئيس المفوضية الأوروبية ماروش شيفتشوفيتش حول مستقبل المفاوضات الجارية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي قال: إنه بعد نشر الحكومة البريطانية قانون السوق الداخلية في 9 سبتمبر/أيلول، دعا إلى عقد اجتماع استثنائي للجنة المشتركة لمطالبة لندن بتوضيح نواياها وللرد على شكوك الاتحاد ومخاوفه الجادة. 

وقال شيفتشوفيتش بعبارات لا لبس فيها: إن التنفيذ الكامل وفي الوقت المناسب لاتفاقية بريكست بما في ذلك بروتوكول جمهورية أيرلندا/أيرلندا الشمالية هو التزام قانوني. 

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يتوقع أن يتم احترام نص وروح هذه الاتفاقية بالكامل، مشددا على أن انتهاك شروطها من شأنه أن يخرق القانون الدولي ويقوض الثقة ويعرض المفاوضات الجارية حول العلاقة المستقبلية للخطر. 

وأضاف شيفتشوفيتش: "دخلت اتفاقية الانسحاب حيز التنفيذ في 1 فبراير/شباط 2020 ولها آثار قانونية بموجب القانون الدولي، منذ ذلك الحين لا يمكن للاتحاد الأوروبي ولا المملكة المتحدة تغيير الاتفاقية أو توضيحها أو تعديلها أو تفسيرها أو تجاهلها أو رفضها من طرف واحد". 

وأكد أن البروتوكول الخاص بجمهورية أيرلندا/أيرلندا الشمالية هو جزء أساسي من اتفاقية الانسحاب، وهدفها هو حماية السلام والاستقرار في جزيرة أيرلندا، وكانت نتيجة مفاوضات طويلة ومفصلة وصعبة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

وصرح بأن اعتماد مشروع القانون على النحو المقترح سيكون خرقا واضحا للأحكام الموضوعية للبروتوكول وأن الاتحاد الأوروبي لن يخجل من استخدام الآليات والسبل القانونية الموجودة في اتفاق بريكست لمعالجة انتهاكات الالتزامات القانونية الواردة في النص. 

وفي بيان مشترك في 11 سبتمبر/أيلول، هدد أعضاء البرلمان الأوروبي السلطات البريطانية بأنه في حال خرقها أو التهديد بخرق اتفاق بريكست من خلال مشروع قانون السوق الداخلية في شكله الحالي أو بأي طريقة أخرى فإن البرلمان لن يصادق تحت أي ظرف من الظروف على أي اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. 

كما حذر القادة الأوروبيون من أنهم لن يقبلوا اتفاق اللحظة الأخيرة بعد نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2020، مما يزيد من تشديد الموعد النهائي السابق لإنهاء محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

واعتبر رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، أن خرق القانون الدولي غير مقبول ولا يخلق الثقة التي يحتاجها الجانبان لبناء علاقات مستقبلية.

وخلص تقرير لموقع آي نيوز البريطاني إلى أنه لا يزال الجانبان في طريق مسدود بشأن عدد من القضايا بما في ذلك الوصول إلى مياه الصيد في المملكة المتحدة والإشراف على أي اتفاق، كما أنهما على خلاف حول صادرات المنتجات الحيوانية إلى الاتحاد.

إلا أن التقرير اعتبر أن الإجراءات الأخيرة لم تقض تماما على الجهود المبذولة لتأمين صفقة تجارية.

دفاع بريطاني

وفيما يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني على يقين بأنه لن يتم التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام وهو ما يفسر خطوته الأخيرة. 

وكتب جونسون في مقال بصحيفة ديلي تليغراف البريطانية في 12 سبتمبر/ أيلول أن موقف الاتحاد الأوروبي يبرر تقديم حكومته تشريعا جديدا لإعادة صياغة اتفاق بريكست.

وأضاف: يقال لنا إن الاتحاد لن يكتفي بفرض رسوم جمركية على البضائع التي تنتقل إلى إيرلندا الشمالية فحسب، بل قد يوقف أيضا نقل المنتجات الغذائية إليها من بريطانيا.

واتهم جونسون الاتحاد الأوروبي بالتهديد بضرب وحدة أراضي المملكة المتحدة عبر فرضه حصارا غذائيا بين بريطانيا وأيرلندا الشمالية، ليصب بذلك الزيت على النار في محادثات بريكست التي تشهد توترا كبيرا.

كما دافع وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني مايكل جوف عن القانون واعتبر أن بلاده كانت سخية مع الاتحاد الأوروبي بشأن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.

ويعتقد بعض المحللين أن التصعيد الأخير بشأن مشروع القانون قد يكون تكتيكا تفاوضيا يهدف إلى سد هذه الخلافات وتوقع آخرون أن يكون الفشل في المحادثات التجارية هو النتيجة المرجحة.

يقول توماس بوغ الاقتصادي البريطاني في كابيتال إيكونوميكس لشبكة سي إن بي سي: إنه لا أحد يعرف ما إذا كان هذا موقفا أم أنه تم إعداده من أجل عدم وجود صفقة.

وأشار خلال تصريحاته في 11 سبتمبر/ أيلول إلى أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاقية تجارية في نهاية العام ستتم التجارة بين الطرفين بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، وقد يعني هذا ارتفاع التكاليف والحواجز أمام الأعمال التجارية على جانبي القناة الإنجليزية، مقارنة بالنظام الحالي.

وترى جورجينا رايت الباحثة في معهد تحسين أداء الحكومة البريطاني أن التدخلات الدراماتيكية لحكومة المملكة المتحدة تركت الاتحاد الأوروبي في حيرة من أمره.

وقالت: "إذا كان هدف الحكومة هو المناورة للضغط على الاتحاد الأوروبي لتليين موقفه إما بشأن اتفاقية الانسحاب أو في المحادثات التجارية فقد كان لذلك تأثير عكسي".

وأكدت في مقال لها في 14 سبتمبر/أيلول أنه من غير المرجح أن تغير الدول الأعضاء موقفها إذا كانوا يعتقدون أن المملكة المتحدة ستدير ظهرها ببساطة للالتزامات المشتركة في المستقبل.

وأوضحت أن العديد من القطاعات مثل الرحلات الجوية أو النقل بالشاحنات أو التعاون العلمي ستواجه اضطرابا كبيرا في حالة عدم التوصل إلى اتفاق لأنه لا توجد حاليا شروط لمنظمة التجارة العالمية يمكن الرجوع إليها. 

وأضافت: "في الوقت الحالي، على الرغم من التطورات الأخيرة يواصل الطرفان البحث عن صفقة، لكن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي يتطلب ثلاثة أشياء -الوقت والاتفاق والثقة- الأول ينفد، والثاني لم يظهر بعد، والثالث تضرر بشدة من التطورات الأخيرة".

وأشارت إلى أن الحكومة البريطانية لا تزال تريد التوصل إلى صفقة كما هو الحال مع دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين، ولكن في البحث عن شبكة أمان، ربما تكون المملكة المتحدة قد أعدت نفسها للسقوط عند هذه النقطة.

فيما اعتبرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية أن جونسون ربما تصرف بدافع القلق الصادق بشأن تفسيرات الاتحاد الأوروبي الموسعة لاتفاقية الانسحاب أو ربما يحاول الضغط عليه لإبرام اتفاقية تجارية أكثر ملاءمة لبلاده.

لكنها أكدت في 18 سبتمبر/ أيلول أنه مهما كانت دوافع جونسون، فقد أثار بلا داع مخاوف بشأن التزام المملكة المتحدة باتفاقية تاريخية تم الحصول عليها بشق الأنفس لإنهاء عقود من الصراع في أيرلندا الشمالية وأنه يجب ألا يتعاون البرلمان البريطاني في التشكيك بهذا الالتزام.