يوسف زيغود.. مهندس هجمات 1955 التي قصمت ظهر فرنسا في الجزائر
كان من المنتظر أن تشهد سنة 2020 تصوير فيلم قائد الولاية الثانية التاريخية ومهندس هجمات 20 أغسطس/ آب 1955، الشهيد الجزائري، يوسف زيغود، بعد أن ظل حبيس الأدراج لسنوات، بسبب صراع بين وزير الثقافة الأسبق عز الدين ميهوبي وكاتب السيناريو، أحسن تليلاني.
قرار رفع الحظر عن تصوير الفيلم، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، جاء تجاوبا مع طلب وجهته ابنة الشهيد، شامة زيغود للسلطات العليا في البلاد.
يمجد الفيلم بطولات الشهيد من خلاله أحداث الشمال القسنطيني، والذي يصادف 25 سبتمبر/ أيلول 2020، الذكرى 64 لاستشهاده على يد قوات الاحتلال الفرنسي.
مؤلف السيناريو أحسن تليلاني أكد أن أحداث الفيلم تؤرخ الهجمات التي عبرت عن "وحدة الشعب والتفافه حول جيش التحرير الوطني، مما يجعل من كفاح زيغود ورفاقه الأبطال صورة ملحمية زاخرة بالقيم التي يحتاجها الشعب اليوم".
وعبّر السيناريست عن تحمسه لبدء تصوير الفيلم التاريخي الضخم، مشيرا إلى أنه كلفه عدة سنوات من البحث والتأليف في سيرة ومسيرة شهيد المقاومة الجزائرية، يوسف زيغود.
تخليد ذكرى
القيمة التاريخية للشهيد دفعت عدة منظمات ثورية، تطالب برفع التجميد عن مشروع فيلم واحد من أبطال الجزائر، وأحد أبرز رموز ثورة التحرير.
أفرج الوزير الأول السابق، نور الدين بدوي، عن المشروع برفع التجميد الذي استمر بحجة شح الميزانية.
وسيتم تصوير أحداثه عبر كل من ولايتي قسنطينة وسكيكدة، ويتضمن الفيلم الذي من المنتظر أن يكون واحدا من أهم الأفلام التاريخية لأبطال الجزائر، مشاهد لمسار البطل في ثورة التحرير وقبلها، وهروبه من سجن عنابة، رفقة عدد من أبطال الجزائر، وأحداثا ثورية ومعارك نارية، قادها زيغود بكلّ من السمندو وسيدي مزغيش وقالمة وعين عبيد.
يصور الفيلم أحداث هجمات الشمال القسنطيني التي خطط لها ونفذها زيغود يوسف، الذي تولى قيادة الولاية الثانية التاريخية بعد استشهاد البطل ديدوش مراد، حيث ستكون كل من سكيكدة وسيدي مزغيش ومدينة زيغود يوسف بقسنطينة، وحتى أعالي عين قشرة بحجر مفروش مقر الولاية الثانية التاريخية، مسرحا لتصوير الأحداث.
مر الفيلم بعدة مراحل، بعد كتابة السيناريو راجعه رفاق الشهيد وعدد من المؤرخين إضافة إلى عائلة زيغود التي صادقت كتابيا على السيناريو، مثلما وافقت عليه اللجنة العلمية للمركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 التابعة لوزارة المجاهدين، التي تشرف على المراقبة الفنية من الجانب التاريخي.
أسطورة الثورة
في مقال له نشر في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وصف دكتور قسم اللغة العربية بجامعة عنابة، محمد سيف الإسلام بوفلاقة، الشهيد يوسف زيغود بـ"أسطورة الثورة الجزائرية".
قال بوفلاقة: إن زيغود لعب دورا رياديا في الجهاد المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، وتميز بذكائه الخارق، معتبرا أن "سيرته وجهاده وعبقريته درس يتجدد عبر الأجيال ليؤكد عظمة الشهيد".
وأكد الكثير من الدارسين والمؤرخين على أن زيغود هو من غيّر مجرى تاريخ الثورة الجزائرية بتصميمه هجمات 20 أغسطس/ آب 1955، التي شكلت مرحلة حاسمة في الكفاح التحرري الجزائري، ومنعرجا رئيسيا لاكتساب الثورة الجزائرية طابعها الشعبي، كما كانت ضربة قاصمة للاحتلال الفرنسي.
في أول نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 كان زيغود إلى جانب ديدوش مراد، مسؤول الشمال القسنطيني الذي أصبح يُسمَّى الولاية الثانية حسب تقسيم جيش التحرير الوطني.
بعد استشهاد ديدوش تولى زيغود يوسف خلافته ومن موقع هذه المسؤولية قام بتنظيم الهجوم الشهير، الذي كان له أثر كبير في التجنيد الشعبي من أجل معركة التحرير.
بعد عام كامل وفي 20 أغسطس/ آب 1956 انعقد مؤتمر الصومام الذي وضع الهياكل التنظيمية للثورة وعُيِّن زيغود يوسف عضوا بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية مع ترقيته إلى رتبة عقيد في جيش التحرير وتأكيده قائدا للولاية الثانية.
العضو 22
ذهب الباحث صالح جراب، في كتابه بعنوان "زيغود يوسف.. قيم ومواقف" إلى حد القول: إنه "إذا كان الأمير عبد القادر رجل دين ودولة فإن زيغود يوسف بعبقريته وحنكته أنقذ الثورة من الضياع، وغيّر مجرى التاريخ، وهزمت خطته عشرات الجنرالات والمارشالات الفرنسيين المشهود لهم بالنظام والتنظيم".
وأوضح الباحث في كتابه، أن من نتائج هذه الخطة فك الحصار المضروب على جبال الأوراس قلعة الثورة، التي ظلت تقاوم إلى أن وجدت من يساندها ويقف إلى جانبها. وزاد الكتاب "لقد جاء في وقت قصير، ثم مضى سريعا، ليترك الثورة تمضي آمنة بعد أن صحح مسارها".
أشار بوفلاقة في مقاله، إلى المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط، وزير المجاهدين الأسبق، الذي قال في كتابه بعنوان "زيغود يوسف الذي عرفته": إن "العضو الذي حمل الرقم 22، زعزع أمن المحتل بالشمال القسنطيني، ومكن الشعب الجزائري من الغوص في المقاومة التحريرية".
كرس زيغود، بحسب كتاب رفيقه، شبابه للجزائر وتوفي في سن 35 عاما، ولم يخصص لعائلته سوى 6 سنوات من عمره، انخرط الشهيد منذ الـ18 في حزب الشعب الجزائري، وتمكن من أن ينتخب مستشارا بلديا.
الكشافة الإسلامية
ولد الشهيد ببلدية "قريدة كندي سمندو" والتي تحمل اليوم اسمه "بلدية زيغود يوسف"، عاش طفولته قرب والدته وجده إذ كان يتيم الأب.
قضى زيغود طفولته بالمدرسة القرآنية للقرية ثم بالمدرسة البلدية الفرنسية للأهالي، واجتاز امتحان الشهادة الابتدائية بمركز الحروش بامتياز، قبل أن يصبح صانعا.
رأى الباحث صالح جراب، أن نضال زيغود يمتد من انتقاله من الكشافة الإسلامية إلى الانخراط في صفوف حزب الشعب الجزائري وعمره لا يتجاوز الثامنة عشرة، وأصبح المسؤول الأول لهذا الحزب في منطقته رغم صغر سنه.
تشبث الشهيد، بحسب رفاقه، بالقيم الإسلامية والوطنية النبيلة، وهو الشيء الذي أكسبه تقدير رفاقه، ليتحمل المسؤوليات الكبرى، وكانت له مسؤوليات تنظيمية، فأسندت له مهمة الإشراف على مظاهرات 8 مايو/ أيار 1945 بمنطقته، ونجح في تنظيمها وقام بإخفاء 24 بندقية بمنزله.
أشرف زيغود يوسف على تنظيم الجهاز السري لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية في بلدته، وتطور نشاط الجناح السري الشبه عسكري ووسع مجاله في المنطقة، لكن رغم سريته تمكن رجال الاحتلال الفرنسي من اكتشافه سنة 1950 إثر ما يعرف بـ"حادثة تبسة" و"مؤامرة 1950" وتم على إثر ذلك اعتقال مئات المناضلين، بينهم زيغود الذي نُقل إلى سجن عنابة، وحكم عليه بالسجن 20 عاما.
أجمع المقربون من زيغود أن كثرة مطالعته للكتب جعلت منه شخصية قادرة على التخطيط، وهو ما مكنه من الفرار من السجن خلال اعتقاله بأدوات بسيطة جدا، بعد أن لاحظ أن الزنزانة الملاصقة لزنزانته فارغة ومهجورة، إذ استغل الوضع هو ورفاقه، وأحدثوا ثقبا في السقف دون أن يلاحظ حراس السجن ذلك، وبعد 20 ليلة من العمل استطاعوا الفرار ليلا، والتحقوا بعد أيام بجبال الأوراس، وبقوا هناك حوالي سنة.
تقول زوجة الشهيد: إنها علمت بفراره من المحتل، بعد قدوم عشرات الجنود إلى المنزل بحثا عنه، وبقيت قوات الاحتلال مرابطة بمنزله لأزيد من 6 أشهر، وهدد الجنود الفرنسيون بقتله إذا جاء إلى المنزل.
الليلة الأخيرة
في حديث لصحيفة "الخبر" الجزائرية، سردت عائشة طريفة، زوجة الشهيد، كيف أنه كان أحرص الناس على سرية العمل العسكري الذي يقوم به، فقد كان قليل الحديث عن المواجهات مع المحتل.
وروت أحداث ليلة استشهاده، قائلة: "قبل أن ينتقل زوجي إلى سوق أهراس فضل المجيء إلى البيت لزيارتنا، فبقي ليلتين معنا، وهو أمر نادر الحدوث، فمنذ اندلاع الثورة لم يزرنا لأكثر من سويعات قليلة".
تابعت: "طلب الالتقاء بكل أقربائه، واستدعى شقيقته أيضا، وفي يوم 23 سبتمبر/أيلول 1956، خرج من البيت خفية إلى المجاهدين لتوديعهم، وبعد ذلك رافقه 4 منهم إلى المهمة التي كُلف بها، ونصب له الجيش الاستعماري كمينا في الطريق، فوقع شهيدا مع مرافقيه بعد معركة ضارية، في وادي بوكركر".
بعد استشهاده تقول الزوجة: "أحرق المستعمر منازلنا بالمنطقة مرتين، ما اضطرنا للسكن في إسطبل للخيل حتى عام 1957، حيث اشترى لنا المجاهدون كوخا في أرض طنوجي بقسنطينة، وكنا 8 من زوجات الشهداء، ومعنا أطفالنا، ومكثنا هناك قبل فرارنا إلى تونس".
تابعت عائشة طريفة: "بقينا هناك 6 أشهر، قبل أن يتكرم علينا الرئيس السابق أحمد بن بلة، حيث أمر بإعطائي سكنا لكني لم أكن أستطيع العيش فيه بمفردي رفقة ابنتي، لكبره فانتقلت إلى شقة بسيطة وأعدت الفيلا للدولة".
أضافت المتحدثة أنه لا يمكنها أن تنسى فضل الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي أمر بأن تتكفل الدولة بكل مصاريف الحج، خلال زيارتها للبقاع المقدسة سنة 1975، وفارقت عائشة طريفة الحياة قبل 5 أيام من الذكرى السنوية لاستشهاد زوجها، إذ توفيت في 17 سبتمبر/ أيلول 2015.
تكفل المجاهدون بابنته بشامة زيغود، التي استشهد والدها وهي في عمر 8 سنوات، من خلال نقلها إلى تونس وتعليمها هناك، وتقول شامة: "بالرغم من صغر سني إلا أنني تعلمت بعض القواعد العسكرية، من أجل العبور إلى الجهة المقابلة من الحدود. وفي تونس عشت عند عائلة تونسية عدة سنوات، وهناك تلقيت تعليمي، ثم عدت إلى الجزائر".