حلول أمام حكومة لبنان الجديدة.. هل تنجح باحتواء الأزمات الاقتصادية؟
تنتظر مصطفى أديب، السفير اللبناني المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، أزمات اقتصادية معقدة، فاقمها انفجار مرفأ بيروت والذي قُدرت خسائره المادية الهائلة بنحو 15 مليار دولار.
وحصل أديب الذي كان سفيرا لبلاده في ألمانيا، على 90 صوتاً من إجمالي 120، في الاستشارات النيابية الملزمة، لتسمية رئيس الحكومة الجديد، التي عقدت في القصر الرئاسي بعبدا بالعاصمة بيروت.
وقال أديب (48 عاما)، في مؤتمر صحفي عقب تسميته لتشكيل الحكومة نهاية أغسطس/آب: "نسعى لتشكيل حكومة من أصحاب الكفاءة والاختصاص لإجراء إصلاحات سريعة، والتي من شأنها أن تضع البلد على الطريق الصحيح".
ويواجه لبنان ارتفاعا في المديونية العامة وصل إلى نحو 90 مليار دولار أميركي وتراجع حاد في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار بنسبة تزيد عن 80% في السوق الموازية السوداء، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم وتراجع احتياطي البلاد من العملات الأجنبية إلى 20 مليار دولار في بلد يعتمد على الواردات.
وثبتت وكالة "موديز" تصنيفها للاقتصاد اللبناني عند الدرجة "C"، مع غياب النظرة المستقبلية، مشيرة إلى أن هذا يعكس تأثير الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية في البلد، وسط ضعف مؤسسات الدولة، وعدم قدرة الحكومة على معالجة ذلك.
وأضافت موديز في تقريرها السنوي الذي نشرته منتصف سبتمبر/أيلول، أن انهيار العملة اللبنانية في السوق الموازية الذي أدى إلى ارتفاع التضخم، أوجد بيئة غير مستقرة، حيث يكون الوصول إلى دعم التمويل الخارجي لإعادة هيكلة الديون الحكومية، مشروطا بتنفيذ خطوات إصلاح محددة.
وتتوقع الوكالة أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الاسمي من 51.4 مليار دولار إلى 36.4 مليار دولار العام 2020، وإلى 33.9 مليار دولار العام المقبل، ويتوقع أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انكماشا بنسبة 22.5 % في 2020، و6.6 % العام الذي يليه.
أبرز التحديات
وأوضح تقرير الوكالة، أنه من دون اتخاذ خطوات لإصلاح الاقتصاد والأوضاع المالية، فإن دعم التمويل الخارجي الرسمي لمساندة هيكلة الديون لن يكون متاحا بسهولة.
وتوقع التقرير، أن تتضمن الإصلاحات التزام الدولة بتحسين أوضاع المالية العامة والبنوك، لتكون قادرة على سداد التزاماتها عبر إعادة هيكلة شاملة للدين، وإصدار تشريعات لإضفاء الطابع الرسمي على ضوابط رأس المال، وإلغاء نظام سعر الصرف المتعدد الحالي، وإجراء عمليات تدقيق شاملة للبنك المركزي والشركات المملوكة للدولة.
وبحسب الخبير الاقتصادي، جاسم عجاقة، فإن أبرز التحديات بالدرجة الأولى هي اقتصادية ومالية واجتماعية وسياسية، إلا أن الشق الاقتصادي في حالة يرثى لها.
وأشار في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن هناك تراجعا بحجم 24% في النمو، مما يعني تدهور ربع الاقتصاد، مطالبا بضرورة إيجاد حلول وآليات لتنشيط المكينة الاقتصادية من خلال قطاع الزراعة والصناعة، والعمل على تخفيض فاتورة الواردات بشكل يتيح للبلاد الاعتماد على نفسها، وهو ما يؤدي إلى تحفيز القطاعات المحلية التي ذات صلة بالسلع المستوردة.
ولطالما كان النظام الغذائي في لبنان هشا لأنه يعتمد بنسبة 85% على واردات الأغذية، وأصبح حرجا الآن لأن مرفأ بيروت كان يتحكم في 70% من إجمالي الواردات قبل الانفجار، وفقا للمقرر الخاص بالأمم المتحدة لحقوق الغذاء، مايكل فخري.
وفيما يخص الشق المالي، يقول عجاقة: إن الدين العام يعد أبرز المعضلات وأن توقف الحكومة عن سداد سندات اليوروبوندز لا يعفيها من المسؤولية، مشيرا إلى أن انتهاج الحكومة سياسة "الخصم القسري للدين" (Haircut) لسداد ديونها على حساب المودعين أمر غير صحيح.
والخصم القسري للدين (Haircut): هو عبارة عن خصم في قيمة الأصول المالية مثل سندات الخزينة. فعلى سبيل المثال إذا افترضنا أن قيمة سند خزينة 1 مليون دولار، وتمت عملية خصم قسري للدين بنسبة 20%، تصبح قيمة هذا السند 0.8 مليون دولار. أي أن صاحب هذا السند سيحصل على 0.8 مليون دولار بدل المليون.
وأضاف عجاقة إلى تلك التحديات، الإنفاق الكبير بالقطاع العام والذي تسبب في عجز مالي بلغ نحو 4 تريليون ليرة لبنانية في أول خمسة أشهر من العام 2020، بالإضافة إلى ضرورة البحث عن تمويل لإعادة بناء مرفأ بيروت كونه عنصرا اقتصاديا حيويا.
وفي منتصف العام 2020، قالت وزيرة الإعلام السابقة، منال عبد الصمد: إن العجز في ميزانية البلاد للعام 2019 بلغ 11.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
أما فيما يخص الشق النقدي يرى الخبير الاقتصادي، أن أبرز تحد هو وقف نزيف الليرة اللبنانية والعمل على مواجه الضغوطات التي تمارس على العملة المحلية وخصوصا من باب الاستيراد، محذرا من استمرار تراجع العملة مما سيؤثر سلبا على المجتمع اللبناني.
وتراجعت قيمة العملة اللبنانية بنحو بلغ أكثر من 80% أمام الدولار الأميركي، حيث بلغ سعر صرف الدولار ما بين 7620 - 7680 ليرة لبنانية في السوق السوداء.
وعلى الصعيد الاجتماعي أشار عجاقة، إلى أن تخطي ظاهرة الفقر التي تزداد يوما بعد يوم يعد هو من أبرز التحديات لما له من تداعيات سلبية كسوء التغذية، وانتشار الأمراض، واتساع رقعة الجهل.
وتحدث عن ضرورة الاهتمام أيضا بالشق الصحي والعمل على مواجهة فيروس كورونا بشكل فعال يمكن المجتمع من التعايش مع الأزمة التي تعكس تداعيات سلبية على الماكينة الاقتصادية.
وكشفت دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (إسكوا) عن تضاعف نسبة الفقراء من سكان لبنان لتصل إلى 55% عام 2020، بعد أن كانت 28% في 2019، فضلا عن ارتفاع نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع بـ3 أضعاف من 8 إلى 23% خلال الفترة نفسها.
من جانبها قالت مديرة المعهد اللبناني لدراسات السوق، كريستال مارديني: إن الحكومة اللبنانية الجديدة ستكون أمام ضغوط المجتمع الدولي من أجل تغيير السياسات الاقتصادية التي كانت تتبعها الحكومات السابقة.
وأضافت مارديني، لـ"الاستقلال"، أن تلك السياسات تتمثل في ضرورة تخلي الحكومة عن احتكار القطاعات الكبرى مثل الكهرباء والاتصالات والمياه ومرفأ بيروت وغيرها، وتركها للقطاع الخاص في إطار منافسة عادلة بين الشركات الخاصة، مشيره إلى أن الحكومات السابقة فشلت في إدارة تلك القطاعات بسبب إهدار الأموال الطائلة والمحسوبيات.
واستنزف قطاع الكهرباء منذ انتهاء الحرب الأهلية الخزينة اللبنانية بنحو 37 مليار دولار، ويشكل هذا الرقم نحو 40% من الدين العام في لبنان، ويكلف العجز في الكهرباء موازنة الدولة بين 1 و1.5 مليار دولار سنويا.
الأجندة المقترحة
وتكشف تلك التحديات الاقتصادية مدى تدني الوضع الاقتصادي في جميع جوانبه المالية والنقدية والمصرفية، وبالتالي ينعكس ذلك بالسلب على المجتمع اللبناني فيزيد من اضمحلال الوضع الاجتماعي ومستوى دخل الفرد في البلاد، مما يتطلب خطة اقتصادية عاجلة تسير في إطار إصلاحات واضحة وخطوات ثابتة.
في هذا الإطار طرح رئيس مجلس إدارة سيدروس بنك، فادي العسيلي، في 17 سبتمبر/أيلول خطة اقتصادية في مقال له على صحيفة الشرق الأوسط، بعنوان "خطة من خمس نقاط وحياد.. لننقذ لبنان".
وتمثلت تلك النقاط في:
1- وضع إطار عادل لتوزيع الخسائر المالية يشمل الدولة اللبنانية ومصرف لبنان والمصارف اللبنانية وفئة محدودة من كبار المودعين.
2- تأسيس صندوق سيادي بإدارة فعالة ومستقلة مع تبني مطلق لقواعد الحوكمة والشفافية لكي يقوم بتملك أجزاء من أصول الدولة التي تدار بطريقة غير فعالة بهدف خلق قيمة مضافة لهذه الأصول وزيادة إنتاجيتها.
3- وضع خطة اقتصادية جدية للبنان بهدف خلق نموذج اقتصادي جديد مبني على تفعيل قطاعات الإنتاج بهدف تخفيف العجز التجاري والحد من الاعتماد المطلق على تدفق الدولارات إلى البلد.
4- بناء على وضوح التوجه في مسألة توزيع الخسائر كما في الخطة الاقتصادية المرتقبة يجب وضع تصور واضح وعملي لإعادة هيكلة ورسملة القطاع المصرفي. وفي هذا المجال يجب تعزيز القيمة التفاضلية للقطاع المصرفي اللبناني.
5- الشروع فورا بوضع الأطر القانونية والتنفيذية للإصلاحات السياسية، والإدارية والاقتصادية المرتقبة.
من جانبه، يرى عجاقة، ضرورة البدء بالإصلاحات الأساسية والإسراع في التفاوض مع صندوق النقد الدولي حتى يبدأ الصندوق في ضخ أموال للبلاد، مما يضفي نوعا من الثقة لدى المجتمع الدولي من أجل إقراض لبنان، وفي نفس الوقت تحرر أموال سيدر.
وفي منتصف عام 2018 عُقد مؤتمر "سيدر" لدعم الاقتصاد اللبناني الذي استضافته باريس ليحصد نحو 11 مليار دولار من المنح والقروض لتعزيز الاقتصاد والاستقرار.
إلا أن لبنان لم يحصل على تلك الأموال حتى الآن نتيجة مطالبة المجتمع الدولي بتحقيق بعض الإصلاحات أولا كضمانة بأن الاقتصاد يسير نحو الاتجاه الصحيح. وفي المجمل تحتاج بيروت إلى 23 مليار دولار على مدى 12 عاما.
وطالب الخبير الاقتصادي، بضرورة العمل على زيادة وتحفيز معدل النمو الاقتصادي حتى تتمكن الدولة من تحجيم الدين العام، مشيرا إلى أن النمو الاقتصادي يساهم في زيادة المداخيل الضريبية والإيرادات وبالتالي تتمكن الدولة من تسديد ديونها.
بينما ترى مديرة المعهد اللبناني لدراسات السوق كريستال مارديني، ضرورة تطبيق الخصخصة في القطاعات الحيوية التي تحتكرها الحكومة على أن ترتهن تلك الخصخصة للمنافسة أمام العديد من الشركات الخاصة، والعمل على تخفيض أعداد موظفي الدولة بالقطاع العام "لوجود العديد منهم دون داعي فقط من أجل المحسوبيات ولأسباب سياسية، مما يضيف أعباء على الخزينة".
وتتحدث مراكز الإحصاءات عن 300 ألف موظف بالقطاع العام، أي ما يشكل نحو 25 % من مجمل القوى العاملة في لبنان، وهذه النسبة، بحسب المعنيين بالملف، من أعلى النسب في العالم.
وتشير الإحصاءات إلى أن 65 % من إيرادات الدولة تذهب لرواتب موظفي القطاع العام، إذ تقدر إيرادات الدولة سنويا بـ12.5 مليار دولار، تدفع منها 8 مليارات للرواتب والأجور.
وأكدت مارديني، أن المسار الصحيح يبدأ عندما تنصب الحكومة نفسها حكما فقط وتتوقف عن كونها لاعبا شريكا في الاقتصاد، وأن يكون القطاع الخاص لديه القدرة على إحداث تغيير إيجابي في الاقتصاد بناء على آلية العرض والطلب.