قتل وخطف واغتصاب.. هكذا رسخت "الحوثي" لثقافة العنف في اليمن

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

حادثة قتل الشاب عبد الله الأغبري في صنعاء مؤخرا، هزت الشارع اليمني في واقعة لم يتم الكشف بعد عن أسبابها الحقيقية من قبل الأجهزة الأمنية الخاضعة لجماعة الحوثي.

الشاب الذي تناوب عليه نحو 5 يمنيين بالضرب حتى الموت، كشفت الكاميرات المثبتة عن وحشية التعذيب الذي تعرض له طيلة 5 ساعات متواصلة، وكشفت عن مستوى العنف الذي رافق العملية التي وقعت في 26 أغسطس/آب 2020، وتم تسريب المقاطع المصورة عنها بعد مرور نحو 11 يوما من تاريخ وقوع الحادثة.

حديث يدور حول حصول الشاب على ذاكرة رقمية تحوي أدلة تدين مالك محل (الجوالات) والعاملين لديه، الذي كان الأغبري أحدهم، من غير أن تكشف الأجهزة الأمنية عن الأسباب الحقيقية، غير أن ما يشغل المجتمع اليمني على نحو واسع حاليا هو درجة العنف الذي رافق عملية المساءلة والتحقيق.

في واقع الأمر لم يكن المجتمع اليمني يعرف من قبل حوادث عنف بتلك الدرجة التي ظهرت في كاميرات المراقبة بحادثة الأغبري، وفي عشرات الحوادث  المشابهة، التي ارتكبت خلال الخمس السنوات الأخيرة، منذ سيطرة جماعة الحوثي على الدولة.

ثقافة العنف

حسب مراقبين، فإن جريمة الأغبري التي ارتكبها مواطنون يمنيون يمثل انعكاسا للعنف الذي تمارسه جماعة الحوثي، والتي عمدت لكسر القواعد العرفية والقانونية، وأسست للعنف في المجتمع اليمني.

التعذيب الذي مارسه قتلة الأغبري يحاكي التعذيب الذي تمارسه جماعة الحوثي في السجون التابعة لها، والذي يقبع فيها أكثر من 4 آلاف سجين لدى الجماعة.

في منشور له على صفحته بفيسبوك يقول الدكتور فارس البيل: "الجريمة منظومة متكاملة، لا تحدث جريمة كهذه وبهذا البرود الفج في بيئة يحكمها ولو جزء من القانون وهيبة الدولة وقيم المجتمع".

 

يضيف الدكتور المتخصص بالنقد الثقافي: "ما هيأ لهذه الجريمة أن تكون هو سلوك العصابة الحوثية التي صفعت الدولة، وجلدت الحياة اليمنية بالسياط، واعتقلت الوطن في غرفة طائفية مظلمة قميئة، لم يكن لهؤلاء المجرمين أن يمارسوا كل هذه البشاعة وهذا القتل البطيء بأدوات حقيرة ليست للقتل بل للقهر، في بلد السلاح والعجلة والغضب المتفجر، إلا لأن نفوسهم قد تغيرت، مثل نفوس الكثير من الناس".

وتابع: "ما جلبته المليشيا النزقة من أساليب الإهانة والتعذيب والقتل والإذلال اليومي الذي يواجهه اليمنيون كل يوم وتنساه الذاكرة، كل هذه الأساليب جاءت من خارج القيم اليمنية، وغريبة على العنف اليمني الذي نعرفه".

وأردف الدكتور البيل: "أيا تكن الجريمة، وأيا كانت صلة المجرمين بالأمن أو لا، هي قضية جنائية حتى الآن.. لكنها استمدت عنفوانها من الجرم الأكبر، ووحشيتها من الوحوش الأولى، ولبست ذات الرداء الذي يلبسه الحوثيون ويعذبون به الناس، وسياط الجريمة هي ذات السياط التي تلسع أظهر اليمنيين كل لحظة".

البيل قال: "ما ينبغي فهمه من هذه الجريمة المنسلخة من كل القيم، أن مستوى من العنف النفسي صار كالوباء في نفوس اليمنيين، وأن كثيرا من الناس تحولوا لذئاب تلهث بالدم، حولتهم إليها منظومة القهر الحوثية بشكل مباشر أو غير مباشر.. أليست تمارس هذه البشاعة بشكل رتيب؟ وتزرعها وتسقيها؟".

وختم تدوينته: "إن تهديم قيم المجتمع اليمني والنفس اليمنية جرت منذ أول لحظة بدأت فيها المليشيا بتهديم الدولة اليمنية ومؤسساتها مهما كانت فاسدة ومهترئة، فالدولة لها هيبة مهما يكن، والقبيلة لها سطوة مهما يكن، وقد أتت المليشيا عليهما فأسقطتهما، وبقي سوطها وساديتها وإذلالها للحياة اليمنية، وما هذه الجريمة إلا تعبير  كاشف عن هذه الثقافة والذهنية التي تتحكم الآن".

مرجعية عرفية 

المعروف سلفا أن المجتمع اليمني يحتكم إلى القانون، وبصفته مجتمعا قبليا فقد كان يحتكم إلى القواعد العرفية القبلية أيضا، وكانا يمثلان معا مرجعا ملزما لليمنيين.

وحسب تقارير دولية، فإن اليمنيين يمتلكون 60 مليون قطعة سلاح، كمقتنيات شخصية، فضلا عن ملاين الخناجر (الجنابي) التي يرتدونها كزي تقليدي، ومع هذا فإن نسبة الجرائم منخفضة، ولا تتناسب مع عدد الأسلحة التي يقتنونها ويرتدونها.

ورفضا للعنف بكل درجاته، فإن استلال الجنبية أو الإيماء بها أو التهديد بها يعد خطأ كبيرا لدى المجتمع اليمني يعاقب مرتكبه، بحسب قواعد عرفية قبلية، وكل ما كان الشخص محتكما إلى القبيلة كانت القواعد العرفية أقدر على تغريمه ودفعه لإرضاء الضحية.

وحسب العرف اليمني، فإن المرأة تعامل باحترام مبالغ فيه، فلا يتم إيقاف سيارة للتفتيش إذا كانت تقل امرأة، ولا يمكن للمرأة أن تقف في طابور للرجال، والجميع يقدمها على نفسه، والأولوية في المواصلات العامة للنساء، ولا يمكن للرجال أن يجلسوا على المقاعد والنساء تظل واقفة.

لكن منذ سيطرة جماعة الحوثي على المؤسسات الرسمية في سبتمبر/أيلول 2015 تم كسر كثير من تلك القواعد العرفية، فتعرض كثير من الرجال للعنف من غير أن تكون هناك مرجعية عرفية قادرة على منع ذلك.

كما تعرضت كثير من النساء للإهانات، عبر مداهمة البيوت وإيقافهن في السيارات وتفتيشهن، وإهانتهن في طوابير محطات الوقود، واعتقالهن في الأماكن العامة، ثم تعذيبهن عبر جهاز نسائي أنشأته جماعة الحوثي عقب انقلابها وسيطرتها على مؤسسات الدولة.

وكالة أسوشيتد برس الأميركية كشفت في تقرير لها عن اعتقال عشرات اليمنيات من مقاه وحدائق ومحلات عامة واحتجازهن في فلل تابعة لقيادات حوثية.

ونقلت الوكالة أن الفتيات المعتقلات يتعرضن للتعذيب والضرب والابتزاز، وهو ما أكدته صحيفة واشنطن بوست أيضا، مضيفة أن الفتيات يتعرضن للابتزاز من خلال توجيه تهم أخلاقية لهن، من أجل سرقة أغراضهن.

وفق متابعين، تم كسر تلك القواعد، بالتزامن مع تغييب دور الأجهزة الأمنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، وذلك لحماية الجماعة من أي تهديد أمني قد يطالها، فالجماعة ترى أن أمنها يفوق كل الأعراف والقوانين، ويسوغ لها كسر كل القواعد العرفية والقوانين والأنظمة.

"الأمن الوقائي"

منذ انقلاب جماعة الحوثي وسيطرتها على مؤسسات الدولة، عمدت إلى إنشاء أجهزة قمع، كان أشهرها جهاز الأمن الوقائي الذي عززت من مهامه بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح على يد الجماعة في ديسمبر/كانون الأول 2017.

عززت هذه الأجهزة من ثقافة العنف في المجتمع اليمني، وغرست مفاهيم جديدة عبر ممارستها لأساليب لم يكن يعرفها اليمنيون على ذلك النحو الواسع وبتلك الدرجة من الحدة.

حسب تقرير فريق الخبراء الأممين التابع لمجلس الأمن الدولي، فإن الجماعة أنشأت جهازا سريا يعرف بجهاز الأمن الوقائي، ويقول الخبراء بأنه من أكثر الأجهزة نفوذا.

يعمل الجهاز خارج الهياكل الأمنية المعروفة، ويقوم بمهام قمعية، ويتبع زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بشكل مباشر، وبات دوره أكثر بروزا بعد مقتل الرئيس السابق علي صالح، بحسب التقرير.

يقدر حجم عناصر هذا الجهاز القمعي بنحو 3 آلاف شخص، بينهم وحدة عسكرية مدربة للمهام الخاصة، وظيفتها تنفيذ الاقتحامات والاغتيالات وصناعة المتفجرات، إضافة إلى وحدة أخرى مهمتها التجنيد والاستقطاب، وكذلك خبراء في المعلوماتية ومهندسون في تقنيات الاتصال والرصد والتحليل.

وبالإضافة إلى جهاز الأمن الوقائي سيئ السمعة، فإن "الحوثي" أنشأت جهازا سريا نسائيا معروفا بـ"الزينبيات"، وحسب المحققين الأممين فإنه عادة ما يتم اختيار النساء من أسر هاشمية، كي تضمن الجماعة ولاءهن.

وظيفة هذا الجهاز مداهمة المنازل وتفتيش النساء واعتقالهن وصولا إلى تعذيبهن وابتزازهن واستغلالهن، وقد وثق التحقيق الأممي التابع لمجلس الأمن عددا من انتهاكات "الزينبيات" التي شملت الاحتجاز والاعتقال التعسفي، والنهب، والاعتداء الجنسي، والضرب والتعذيب، وتيسير الاغتصاب في مراكز الاحتجاز السرية.