جيمس جيفري بين جنيف وأنقرة.. ماذا حملت تحركاته الأخيرة لسوريا؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تصريحات المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، التي أطلقها من العاصمة التركية أنقرة في 26 أغسطس/آب 2020، أثارت علامات استفهام كثيرة بخصوص الهدف منها، ولا سيما مطالبته بإعادة النظام السوري إلى المجتمع الدولي، وتفاؤله بمستقبل سوريا.

جيفري الذي جاء لإجراء مباحثات رسمية مع مسؤولين أتراك، قيادة الائتلاف السوري المعارض، وقال: إنه قدم من جنيف هناك "تطورات مثيرة" بالملف السوري، واصفا اجتماع الجولة الثالثة للجنة مناقشة "الدستور السوري"، بجنيف، بـ"البداية الإيجابية".

جيفري أعرب عن تفاؤله بأن اللجنة ستواصل طريقها في المسار السياسي، وسنمضي لتحقيق نتائج إيجابية. وأوضح أنه سيبحث مع المسؤولين الأتراك مسألة عودة النظام السوري لطاولة المفاوضات، والتعامل مع المجتمع الدولي، مؤكدا ضرورة انتهاء المرحلة العسكرية.

وأضاف: أن تركيا "لاعب محوري" في حل الأزمة السورية، وهي في واجهة التهديدات القادمة من سوريا، مشيرا إلى أن "سوريا تشكل تهديدا كبيرا للأمن والجيوسياسية لجميع الجيران وخاصة تركيا". وتابع: "يجب على تركيا أن تكون على طاولة حل الأزمة السورية".

إستراتيجية عقيمة

تباينت تفسيرات المحللين بخصوص التصريحات التي أطلقها المبعوث الأميركي، والهدف من مطالبته بإعادة النظام السوري إلى المجتمع الدولي، إذ يقول الباحث السياسي السوري سعد الشارع: "لا أعتقد أن هناك جديدا فيما قاله جيفري، ولا تعديل في إستراتيجية أو سياسة واشنطن تجاه الملف السوري".

لكن الشارع رأى في حديث لـ"الاستقلال" أن "هناك أمرين يحضران هذه المرحلة، الأول هو الجولة الجديدة للجنة الدستورية، وما رافقها من مشادات وسجال كبير حول الموضوع، إذ يبدو هناك دفع من الولايات المتحدة لدعم هذا المسار، وجهود المبعوث الدولي في المفاوضات وتحديدا بملف الدستور".

أما الأمر الثاني وهو الأخطر، وفق الشارع فإن "هناك تحشيدا في الشمال السوري من قوات النظام والمليشيات الإيرانية وحتى القوات الروسية، لوجود احتمالية اندلاع معارك وإن كانت محدودة، وتحديدا في الجهة الجنوبية من منطقة إدلب التي لا تزال فصائل المعارضة تسيطر عليها".

ورأى الباحث السوري أن "روسيا تريد بذلك قضم هذه المنطقة، لكن بالفعل هناك تلويح بالدعم الأميركي وهو ربما يكون سياسيا أكثر منه عسكريا أو ميدانيا، والدعم يكون لتركيا في صد أي تقدم جديدة لقوات النظام".

وتابع: "أعتقد أن أميركا لا ترغب في أن تسيطر مليشيات إيران وليس النظام على شبر جديد في الأراضي السورية، لأن واشنطن تتبع إستراتيجية معينة في سوريا والعراق، تهدف لعدم سيطرتهم جغرافيا على أي بقعة في سوريا، وهذا سبب التلويح الأميركي في صد أي هجمات عسكرية محتملة على الشمال السوري".

من جهته، رأى الكاتب حسن النيفي خلال تصريحات صحفية في 27 أغسطس/آب 2020 أن "واشنطن وبعد انتهاء حربها ضد تنظيم الدولة، باتت أولويتها في المنطقة مواجهة النفوذ الإيراني، وهي تحاول تجفيف نفوذ طهران في سوريا لكن من خلال إستراتيجية عقيمة، والسبب هو الوهم القائم على إمكانية تجريف هذا النفوذ بوجود الأسد، رغم علم الجميع بالعلاقة العضوية بين دمشق وطهران".

وأضاف: "لعل هذا التناقض المنبثق من عقم الإستراتيجية الأميركية هو ما يجعل خطاب واشنطن متناقضا (تغيير سلوك النظام وليس تغيير النظام) تماما كالشعار الذي ترفعه بمواجهة إيران (تغيير سلوك حكام إيران وليس تغيير النظام)".

كسر الجمود

وبخصوص الهدف من تحركات المبعوث الأميركي، قال النيفي: إن "ما يريده جيفري من جولته الأخيرة في جنيف وأنقرة، هو إحراج الروس لا أكثر، علما أنه على يقين بأن الحل في سوريا لن يكون من نتائج اللجنة الدستورية، وإنما سيكون نتيجة توافق دولي يمسك الأميركيون بأهم مفاصله، وبإيجاز شديد يمكن القول: تريد واشنطن إفهام بوتين بأن إنجازه العسكري في سوريا سيبقى بعيدا عن الاستثمار إلا إذا سلّم لواشنطن بما تريد أيضا".

أما الباحث السوري سعد الشارع، فرأى أنه يمكن قراءة تصريحات جيفري ومساعده- والذي عقد اجتماعا مطولا مع قيادة الائتلاف السوري المعارض في إسطنبول- بأن "هناك نوعا ما من كسر الجمود في الملف السوري، ومن هنا أعتقد أنه سبب مطالبته بإعادة النظام السوري إلى المجتمع".

وحسب الشارع، فإنه "ربما يريد جيفري أن يكون هناك تدويل أكثر في الفترة الحالية، وأيضا ضمن السياسة الأميركية والتصريحات الجانبية التي أدلى بها جيفري لا يمكن تجاهل أبدا الظرفية التي تعيش فيها روسيا في سوريا، والتدخل حتى في الملف الليبي، بمعنى أن هناك تشابكا في الملفات بمنطقة الشرق الأوسط، ويبدو أن اقتراب أميركا من استحقاق انتخابي يراد منه ربما أصوات الناخبين نظرا للسياسة الخارجية".

وفي السياق، نظر المعارض السوري سمير نشار خلال تصريحات صحفية في 27 أغسطس/آب 2020 إلى الحراك الأميركي الأخير بإيجابية في المجمل، بالقول: "موقف واشنطن يمثل رسائل دعم للمعارضة من خلال دعم حليفها التركي وخاصة في ما يتعلق بملف إدلب".

وأكد نشار أنه "في الآونة الأخيرة كثرت التعزيزات من قبل النظام وحلفائه في منطقة إدلب، كما تكررت حوادث التفجير على الطريق الدولي الذي تسلكه الدوريات الروسية التركية المشتركة، وهذا يشكل ذريعة للروس للتملص من اتفاق الهدنة الموقع هناك، وبالتالي فإن زيارة جيفري ليست فقط رسالة وموقفا داعما للأتراك في إدلب، وانما رسالة للروس كذلك تؤكد أن واشنطن لن تقف متفرجة في حال تجددت المعارك هناك".

وأعرب عن اعتقاده بأن "الهدف الأميركي هو تثبيت الوضع الراهن الذي على أساسه يجب أن تجري المفاوضات، عكس الروس الذين يريدون قضم المزيد من الأراضي المحررة لتعزيز موقفهم السياسي".

استئناف الاجتماعات

وبالتزامن مع تحركات جيفري، استؤنفت أعمال الجولة الثالثة للجنة الدستورية حول سوريا في مدينة جنيف السويسرية، في 27 أغسطس/آب 2020 بعد تعليقها لأيام بسبب الكشف عن إصابات بفيروس كورونا بين وفد النظام.

وبدأت الجولة الثالثة لاجتماعات المجموعة المصغرة للجنة الدستورية، بمكتب الأمم المتحدة في جنيف، وسط غياب 4 أشخاص مصابين بفيروس كورونا.

وفي تصريح صحفي مقتضب، قال المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون: إنه تقرر استئناف أعمال اللجنة المعنية بصياغة دستور جديد لسوريا.

وأضاف بيدرسون، أنه تلقى إشارات دعم قوية من الجهات الدولية الرئيسية في عملية إرساء السلام بسوريا تحت رعاية الأمم المتحدة، في إشارة منه إلى تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة، التي أرسلت مندوبين عنها إلى مباحثات اللجنة الدستورية بجنيف.

على الصعيد نفسه، التقى نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، بيدرسون في جنيف. وذكر بيان للخارجية التركية، أن "أونال" و"بيدرسون" اتفقا خلال الاجتماع على ضرورة إعادة إحياء العملية السياسية في سوريا، ومواصلة اللجنة الدستورية نشاطها بشكل فاعل. وأضافت أن أونال جدد دعم تركيا لجهود الأمم المتحدة في هذا الإطار.

من جانب آخر، قال الرئيس المشارك عن المعارضة هادي البحرة: إن أعمال اللجنة لم تبلغ مرحلة كتابة دستور جديد حتى الآن. وأضاف خلال تصريح صحفي في 27 أغسطس/آب 2020، أنهم تناولوا في الاجتماع مواضيع تعتبر بمثابة "بذور الدستور الجديد".

ووصف دعم الأطراف الإقليمية والدولية لأعمال اللجنة بالأمر الإيجابي، داعيا إلى الضغط على وفد النظام السوري، من أجل أن تكلل أعمال لجنة الدستور الجديد بالنجاح.