لاكروا: "اغتيالات موجهة" في العراق لإخماد الاحتجاجات

12

طباعة

مشاركة

يواجه العراق العديد من الصعوبات الداخلية أبرزها التوترات المستمرة على الصعيد الأمني، وهي مشكلة تهيمن تقريبا على أغلب المحافظات دون تمييز لكن تعد البصرة الأكثر تضررا في الفترة الأخيرة.

هذه المحافظة ذات الأغلبية الشيعية تشهد احتجاجات متوالية ضد السلطة منذ أواخر سنة 2019 بسبب "الفساد والمحسوبية داخل الطبقة السياسية الحاكمة"، وفق المتظاهرين.

ويطالب المتظاهرون في هذا السياق بالوجود الأمني الذي يضمن بالأساس سلامتهم، في ظل الاغتيالات المتواصلة لناشطي الاحتجاج، ويضمن عدم خروج احتجاجاتهم من السلمية إلى العنف الذي لا يخدم سوى أعداء تلك المظاهرات.

في هذا الإطار، تحدثت صحيفة لاكروا الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 24 آب/أغسطس عن مقتل اثنين من الشخصيات البارزة في الاحتجاجات على السلطة والفساد في محافظة البصرة العراقية، في الأيام الأخيرة.  

وتشير الصحيفة إلى أن المتظاهرين والخبراء على حد سواء يرون في ذلك علامة على القوة المطلقة للمليشيات والخوف من تسارع هذه الاغتيالات الموجهة في سياق ما تصفه بالتوتر الأقصى بين إيران والولايات المتحدة.

يشير التقرير إلى أن الإجراء هو نفسه دائما تقريبا، حيث يهرع رجال ملثمون على دراجات نارية ويفرغون مخزن الأسلحة الخاص بهم، مع كاتم الصوت، نحو هدفهم عبر نوافذ سيارته.

وتذكر لاكروا أنه في الأيام الأخيرة، وقع ضحايا هذه الأحداث شابان في البصرة جنوبي العراق: تحسين الشحماني، وهو أب لأربعة أطفال، يوم الجمعة 14 آب/أغسطس في مكتبه، ثم الخميس 20 من نفس الشهر، أخصائية التغذية والمدربة الرياضية ريهام يعقوب ذات التسع والعشرين سنة فقط.

تقول الصحيفة: إن أنباء جرائم القتل المتتالية أثارت غضبا في صفوف الحركة الاحتجاجية التي بدأت في الأول من أكتوبر / تشرين الأول ضد الفساد والمحسوبية.

 وتذكر أنه في كل مرة كان  عشرات المتظاهرين يحاولون الاقتراب من مقر المحافظة أو القوات الأمنية مطالبين إياها بـ "الكشف عن هوية" القتلة.

احتجاج على السّلطة

الضحيتان نفساهما كانا من الشخصيات البارزة في الاحتجاج سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الشوارع، فلم يخف تحسين الشحماني وريهام يعقوب رغبتهما في إنهاء المؤسسات السياسية الحالية والتي هي رهينة في نظرهم للطائفية والتنافس بين إيران والولايات المتحدة.

تشير الصحيفة إلى أن كليهما كان يعرف المخاطر التي قد يتعرضان لها، وقد تزايد ذلك منذ اغتيال الباحث والمتخصص في الحركات الجهادية هشام الهاشمي في 6 يوليو / تموز.

وذكرت أنه في مطلع شباط/فبراير، روى تحسين أسامة الشحماني تبادلا لأطراف الحديث مع ابنته شمس، حيث كان على وشك الانضمام إلى مظاهرة فقالت له: لا تخرج، أخشى أن يقتلوكم.

 أجابها كما تشير لذلك الصحيفة أنه ليس لديه خيار، مضيفا: "يجب أن نسقط أولئك الذين يسرقون ويقتلون أحلامنا. إذا لم نفعل ذلك الآن، فلن يستطيع أحد".

وتعرضت ريهام يعقوب للتهديد منذ مشاركتها في الانتفاضة التي أشعلت البصرة عام 2018، خلال سلسلة تسمم بالمياه أدت إلى نقل أكثر من 100 ألف ساكن إلى المستشفيات.

تقول لاكروا: إن يعقوب تجرأت على قيادة مظاهرة نسائية، في هذه المدينة الشيعية والمحافظة الغنية نظريا بحقولها النفطية ولكن مع بنية تحتية وخدمات عامة مهجورة.

ولفتت أنه بعد أيام قليلة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة تظهرها بصحبة القنصل الأميركي في البصرة، وهي صورة يصفها التقرير بالمبتذلة وقد كانت بمثابة مذكرة إعدام في هذه المنطقة الواقعة تحت النفوذ الإيراني.

عادت الصورة للظهور في اليوم التالي لاغتيالها، في برقية من وكالة ميرس الإيرانية تتهم ريهام يعقوب بأنها "تصرفت لأجل للولايات المتحدة ونفوذها في العراق". 

لا ادعاء لا تحقيق

تذكر الصحيفة أنه لم يتم الإعلان عن أي من عمليات القتل هذه على الإطلاق، ولا يزال التحقيق في قتلة هشام الهاشمي قبل شهر ونصف متوقفا.

وتشير أنه بالنسبة للمتظاهرين والخبراء على حد سواء، فإن هوية الجناة واضحة، فهم أعضاء في المليشيات الموالية لإيران.

حسب ما نقلت لاكروا عن عادل بقوان، مدير دائرة البحث في مركز اريمو فإنه "منذ اغتيال الأميركيين في أوائل كانون الثاني/يناير في بغداد للجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس الملازم العراقي الموالي له، انتقلت طهران وواشنطن من الانسجام إلى الفتنة في العراق".

وأضاف: أن "رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، جاء إلى السلطة فقط بفضل دعم الأميركيين، واليوم هم يطالبونه بالمساءلة وحل المليشيات وتحرير العراق من الهيمنة الإيرانية وإعادة البلاد إلى حظيرة العرب".

تقول لاكروا: إن رئيس الوزراء العراقي كان في واشنطن تحديدا عندما وقعت أولى عمليات الاغتيال وقد أعلن من الولايات المتحدة إقالة قائد شرطة البصرة، دون أن ينجح في طمأنة المتظاهرين.

وتشير إلى أن المتظاهرين يلاحظون عجز دولتهم وجيشهم على حد سواء، وأنهم يخشون من تصاعد الهجمات من الآن وحتى الانتخابات الموعودة في حزيران / يونيو 2021.

وتوضح في نفس السياق أن "مقتل تحسين الشحماني في البصرة يظهر ضعف أجهزة المخابرات".

واستنكرت المفوضية العراقية لحقوق الإنسان في بيان لها  22 عملية اغتيال وقعت  منذ تشرين الأول/أكتوبر، إضافة إلى تسجيل مئات القتلى وآلاف الجرحى في صفوف المتظاهرين، مضيفة: أن "فشلهم في الكشف عن الاغتيالات السابقة (...) يشجع المليشيات التي تريد تقييد حرية التعبير على مواصلة جرائمها".