غابت الدولة فاستفحلت مليشيات العراق.. ما خطة الكاظمي لترويض العشائر؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع وصول الاغتيالات إلى شيوخ العشائر في العراق وتحديدا بمحافظة البصرة جنوبي البلاد، تصاعدت الدعوات بضرورة تشكيل فصائل مسلحة من أبناء العشائر لردع المليشيات والجهات الخارجة على القانون في ظل انفلات السلاح وعجز الحكومة عن أداء واجبها الأمني.

تلك الدعوات صدرت من قبيلة تميم- إحدى أكبر قبائل العراق- بعد تعرض الشيخ منصور عبد الرزاق الكنعان، أحد أبرز شيوخها لمحاولة اغتيال وسط البصرة في 13 أغسطس/ آب 2020، والتي شهدت بعدها بيوم واحد فقط اغتيال الناشط المدني تحسين أسامة.

منصور الكنعان، وهو نائب سابق في البرلمان قال خلال مقطع مصور في 15 أغسطس/ آب 2020: "الحكومة باتت غير قادرة على حماية المواطنين، ونحن ملزمون ومجبرون على تشكيل فصائل مسلحة لحماية المدينة وأهلها ضد الفساد والمفسدين".

وأضاف الكنعان: "الفصائل المسلحة التي ستشكلها قبيلته ستكون سندا لمن لا سند له. تميم لا تخشى أحدا، وهي إن اضطرت فسوف تحارب بقوة".

انفعالات مجتمعية

إعلان قبيلة تميم اللجوء إلى تشكيل فصيل مسلح لحماية مدينة البصرة، أثار جملة من التساؤلات بخصوص مدى إمكانيتها على ردع المليشيات، ولاسيما الموالية منها لإيران، والقدرة على أخذ مكان الدولة وتحقيق ما عجزت عنه السلطات الأمنية؟.

الخبير الأمني والإستراتيجي أحمد الشريفي، وصف في حديث لـ"الاستقلال" هذه الدعوات بأنها "انفعالات مجتمع" بسبب عدم ثقته بأداء المؤسسة، لكنها يجب ألا تكون نهجا في إدارة الدولة، لأن الحل الأمثل هو تفعيل وتحسين أداء جميع مؤسسات الدولة بما فيها الأمنية والعسكرية.

ورأى الشريفي أنه "لا خيار أمام الشعب إلا بدولة قانون ومؤسسات، لأن أي سلاح خارج مؤسسة الدولة هو مصدر قلق، صحيح في فترة من الفترات كانت هناك ضرورة بتسليح العشائر أثناء انهيار المؤسسات الأمنية والعسكرية، لكن الآن انتفت الحاجة لها، ولا بد من الرجوع إلى المؤسسات التي يكون فيها القانون فوق الجميع".

من جهته، حذر الأكاديمي والكاتب العراقي حميد الكفائي في مقال نشره بموقع "سكاي نيوز" في 17 أغسطس/ آب 2020 من تدهور الأوضاع في العراق إن بقيت الدولة عاجزة عن مواجهة المليشيات المسلحة التي تدعمها إيران، وقد تواجه الدولة العراقية خطر التفكك إلى مجاميع ومناطق ومحميات متناحرة، وإن هذا ليس في مصلحة العراقيين ولا في مصلحة شعوب المنطقة، ولا حتى الذين يدعمون الجماعات المسلحة بدوافع عدوانية وثأرية.

وأضاف: "رغم أن اللجوء إلى تشكيل الفصائل المسلحة خارج إطار الدولة، هو عمل يتعارض مع منطق الدولة الحديثة، التي يفترض أن لديها جيشا وشرطة وأجهزة أمنية تحمي المواطنين من المجرمين والمتجاوزين، إلا أنه عمل اضطراري للدفاع عن النفس ضد استهتار المليشيات، وقادتها وداعميها، بالقانون والدين والأعراف، وإهانتهم مؤسسة الدولة كل يوم، واستهانتها بالنفس التي حرم الله المساس بها".

وأكد الكفائي أن "الدفاع عن النفس واجب مقدس يتقدم على كل مبدأ آخر، وهو أمر تقره كل الأديان والقوانين والأعراف، وما تعتزم قبيلة تميم أن تفعله، كان متوقعا، بل جاء متأخرا، فالمليشيات تعبث بالعراق منذ أن أجاز البرلمان عملها وشرع تمويل منتسبيها، وأبقى على قادتها المرتبطين بإيران، يتحكمون بقوى عراقية رسمية، وفق أجندات تتعارض وعمل الدولة".

شرعنة السلاح

وعلى وقع خطوة دعوة العشائر إلى تشكيل فصائل مسلحة، رأى البعض أنها ربما تكون بداية لشرعنة سلاح العشائر التي دعت الحكومة في وقت سابق إلى ضرورة سحبه، ولا سيما في محافظة البصرة كونها تشهد نزاعات عشائرية مستمرة تستخدم فيها مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة؟.

وفي هذه النقطة، يقول الشريفي: إنه "حسب معرفتي بشيوخ العشائر الأصلاء، فإنه ما من شيخ عشيرة إلا ويدعو إلى دولة المؤسسات ويرى أن هذه الفوضى غير مجدية، إضافة إلى أنهم أيضا يشكون من مسألة انفلات السلاح".

وأردف: "حتى لو كانت مثل هذه الرغبات (شرعنة السلاح) فيجب إسكاتها، لأنها تعتبر متمردة على أصول الديمقراطية ومفاهيم الدولة الحديثة، إذ لا يوجد سلاح خارج المؤسسة، لأنه يجب أن يخضع إلى ضوابط وقوانين صارمة وما عدا ذلك لا يوجد سلاح خارج القانون".

وأشار الشريفي إلى أنه "إذا جاءت مثل هذه الأصوات وأرادت أن تستثمر الوضع الأمني، فمن يسكت هذه الأصوات ويحدد مسار الدولة، يفترض أنها المؤسسات والمنتظم السياسي، لكن نحن لدينا عجز في المنتظم السياسي الذي تشكله الأحزاب الحالية".

وحسب قوله، فإن "المشكلة تتمثل في أن الأحزاب وأجنحتها المسلحة في العراق أقوى من الدولة والمؤسسة، وهذه المعادلة يجب قلبها من خلال إخراج المؤسسات الأمنية والعسكرية من هيمنة الأحزاب، والمجيء بمستقلين محترفين، وبالتالي نسكت أي تهديد".

وفي المقابل، رأى الكاتب حميد الكفائي أنه "لاشك أن عشائر أخرى وجماعات مدنية في عموم العراق، سوف تنتصر لأنفسها وأتباعها وتشكل فصائل مسلحة كي تحمي أبناءها من تعسف المليشيات واستهتارها وجرائمها، وعندها لن تكون هناك دولة حقيقية في العراق، بل حتى ما نراه اليوم من مؤسسات ووزارات تابعة للدولة، سوف يختفي لأن الفصائل المسلحة المختلفة، سوف تحتاج إلى التمويل وعندها سوف تسيطر على موارد الدولة، كي تدفع لمسلحيها، وتنفق على الخدمات التي تقدمها للناس كي تحظى بتأييدها".

واستدل الكفائي على ضعف سلطة الدولة، بالقول: "في الناصرية المجاورة للبصرة، اجتمع أيضا شيوخ العشائر وطالبوا بتسليم أحد قادة الجيش، وهو الفريق جميل الشمري، الذي قتلت قواته 50 محتجا من أهالي الناصرية نهاية أكتوبر/تشرين الثاني 2019، بأمر من رئيس الوزراء آنذاك، عادل عبد المهدي، إلى القضاء".

وتابع: "طالب الأهالي منذ وقوع تلك المجزرة بمحاسبة القتلة، لكن دون جدوى، وها هم الآن يسعون كي يأخذوا حقهم بأيديهم، فهذا ما يحصل عندما تتراجع الدولة وتطغى لغة السلاح على لغة القانون والمنطق والعقل".

موقف الدولة

موقف العشائر يأتي بعد شهر واحد من إعلان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أثناء جلسة حكومية بمحافظة البصرة في 15 يوليو/ تموز 2020، تصويت مجلس الوزراء من مدينة البصرة على عدم السماح لأية جهة حزبية أو عشائرية بحمل السلاح.

وأفادت تقارير صحفية في حينها بأن خطوة الكاظمي ستكون مؤشرا على قدرة الحكومة في التعامل مستقبلا مع سلاح المليشيات، لا سيما أن البصرة وحدها، تحتوي على ربع السلاح المنفلت الموجود جنوبي العراق، وفقا لتقديرات أمنية محلية موجودة لدى العشائر والأحزاب السياسية في المحافظة".

وأشارت التقارير إلى أن هذا السلاح يشكل تهديدا بالغا على الأمن والسلم الأهلي، وبسببه باتت البصرة بيئة غير مناسبة للشركات الأجنبية التي ترغب بالعمل، خاصة شركات الطاقة منها، وهذا السلاح متورط بكثير من قضايا القتل والاغتيال، وعمليات السرقة والتهريب، وغيرها من العمليات الإجرامية، ولهذا رئيس الحكومة وجد أنه من الضروري البدء من البصرة بخطة سحب السلاح.

وأوضحت أن الحكومة لا تنوي مهاجمة الأحزاب أو العشائر، بل ستكون في بداية الأمر جلسات حوار وتفاوض مع العشائر والجهات المالكة للسلاح، وستتم الموافقة على ترخيص أسلحة خفيفة، لكن المتوسط والثقيل لن يبقى بالبصرة بعد الآن، وسيحول للقضاء كل من يرفض الاستجابة للحكومة وستكون هناك مكافآت للمتجاوبين مع خطة سحب السلاح.

وخلال حديث سابق مع "الاستقلال" في مارس/آذار 2019، قال عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي عبد الخالق العزاوي: "الحكومة تستطيع في أي وقت أن تفرض القانون، لكنها لم تستجب لكثير من المناشدات المطالبة بحصر السلاح الثقيل بيد الدولة".

وأكد النائب العزاوي وجود عشائر تمتلك سلاحا ثقيلا يشمل الهاون والقاذفات ومقاومة الطائرات، وهذا ما يجب على الحكومة أن تسارع إلى حصره بيدها وسحبه من العشائر التي تمتلكه، وليس السلاح المعني به الخفيف والمخصص للصيد.

وبخصوص عدم تحرك الدولة لنزع سلاح العشائر، قال العزاوي: "تدخل الأحزاب والجهات السياسية في هذه المحافظات يقف حائلا دون تطبيق القانون، فضلا عن أن كثيرا من الفصائل المسلحة تنتمي إلى العشائر، ونزع سلاحها يعتبر نزعا لسلاح الفصائل".

وأشار عضو لجنة الأمن البرلمانية إلى أن "كل العشائر التي تمتلك الأسلحة لديها من أبنائها من هم قادة وأمراء في الفصائل المسلحة، لأن الأخيرة جميعها تشكلت من أبناء المناطق".