قرار منح لبنانيين الجنسية التركية.. لهذا انزعجت الرياض وأبوظبي

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

الانفجار الذي هز بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، ضاعف من معاناة اللبنانيين، حيث خلف 178 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، وتسبب بخسائر كبيرة في المنازل والممتلكات وترك آثارا سلبية على الاقتصاد اللبناني المنهار في الأساس.

تركيا كانت من أوائل الدول التي أعلنت تقديم مساعدات عاجلة واعتزامها منح جنسيتها لمن يرغب من المواطنين اللبنانيين ذوي الأصول العثمانية أو التركمانية.

عقب الانفجار، أجرى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو زيارة إلى لبنان للوقوف على حجم المعاناة، وصرح قائلا: "تلقينا توجيهات من الرئيس أردوغان بمنح الجنسية التركية لكل تركماني أو تركي لا يحمل الجنسية التركية ويرغب الحصول عليها"، وفق ما أوردت وكالة الأناضول.

وأضاف تشاووش أوغلو: "نحن نقف مع أقاربنا الأتراك والتركمان في لبنان وفي كل العالم. سنمنح الجنسية التركية للأخوة الذين يقولون نحن أتراك، نحن تركمان، ويعبرون عن رغبتهم في أن يصبحوا مواطنين في تركيا. هذه تعليمات الرئيس".

ومن شأن قرار منح الجنسية، وفق متابعين، أن يمنح عددا واسعا من اللبنانيين فرصة لتحسين أوضاعهم المعيشية التي تدهورت بسبب الوضع الاقتصادي وتضاعفت بعد انفجار بيروت.

خلال نفس الزيارة ولقائه الرئيس اللبناني ميشال عون أعلن فؤاد أقطاي نائب أردوغان أن زيارته إلى لبنان تعد "شيكا مفتوحا" لتقديم كافة أنواع المساعدات التي يحتاجها الأشقاء في لبنان، حد تعبيره.

انزعاج خليجي

في الوقت الذي لاقى قرار منح الجنسية التركية لبعض اللبنانيين ارتياحا لدى البعض حيث رأوا أنه يخفف من وطأة المعاناة على عدد واسع من اللبنانيين، ويمنحهم فرصة أفضل لمتابعة حياتهم في ظل ظروف قاسية تعصف بلبنان، إلا أن القرار أزعج وسائل إعلامية إماراتية ومغردين سعوديين محسوبين على النظام، فشنوا حملات تهاجم تركيا وقرارها.

المغرد السعودي الشهير منذر آل الشيخ مبارك في تغريدة على تويتر معلقا على قرار أردوغان بقوله: "كارثة حقيقية، ولابد أن تتدخل حكومة بيروت، فما قاله نائب أردوغان عن منح الجنسية التركية لجزء من سكان لبنان أمر خطير وتمهيد ليكونوا خنجراً في الخاصرة، للتذكير تسرق ليبيا بذات الحجة، احتلت أجزاء من سوريا والعراق وليبيا في لحظات ضعفهم، والآن تسعى للتغلغل في لحظة ضعف لبنان".

ونشر موقع سكاي نيوز عربية تقريرا له بعنوان (الجنسية لهذه الفئة.. أردوغان يقدم عرضا مريبا للبنان الجريح)، فضلا عن الهجوم في عدد من الحلقات والبرامج.

قيود وترحيل

ومن المفارقات العجيبة أن السعودية التي انزعجت من قرار منح الجنسية التركية لفئة من اللبنانيين، ضيقت منذ 2017 على العمالة اللبنانية البالغة نحو 200 ألف لبناني في السعودية، بسبب قانون السعودة وتوطين المهن وضاعفت عليهم رسوم الإقامة، ولم تستثنهم نظرا للظروف الاقتصادية التي تعصف بلبنان.

الرياض حظرت أيضا أي عمليات مصرفية من البنوك السعودية إلى البنوك اللبنانية، وهو الأمر الذي أسهم بمضاعفة المعاناة لدى تلك العمالة التي يعاني أهاليها أوضاعا صعبة في المدن اللبنانية، ما دفع بعضهم  لمغادرة السعودية بشكل نهائي.

من جانبها جعلت الإمارات العمالة اللبنانية الوافدة ورقة للمساومة، كانت تهدد بترحيلها في كل مرة يحصل خلاف بين النظام الإماراتي وبعض الشخصيات السياسية في لبنان.

وفي وقت سابق من 2016 لوّح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بطرد العمالة اللبنانية من الخليج، عقب رفض وزير خارجية لبنان بيان الجامعة العربية الذي أدان ممارسات حزب الله، وكتب قرقاش على صفحته في تويتر"الموقف اللبناني الرسمي في الجامعة العربية مؤسف، ينأى بنفسه حين يريد حزب الله، ولا يراعي موقع لبنان العربي ومصالح اللبنانيين في الخليج العربي".

وفي يوليو/تموز 2018، صدرت تعليمات أمنية هددت بترحيل أبناء الجالية اللبنانية من الإمارات، وذلك على خلفية نشر صحيفة الأخبار اللبنانية وثيقة مسربة تتحدث عن ضغوط إماراتية تمارسها أبوظبي لإخضاع عمان، بحسب المغرد الشهير "بدون ظل"، الذي كتب على حسابه بتويتر.

"صدرت تعليمات أمنية، في حال تم كتابة خبر مسيء عن الإمارات مستقبلا، من أي صحيفة لبنانية، سيتم إبعاد الجالية اللبنانية من الدولة مباشرة، وذلك بعد أن قامت صحيفة الخبر اللبنانية بتسريب تقرير سفيرنا في سلطنة عمان".

أمر مشروع

في واقع الأمر، فإن هذا القرار يأتي ضمن القانون التركي الذي يقضي بمنح الجنسية التركية لكل من يحمل وثائق تثبت أن له أصولا عثمانية، وهي الدولة التي كانت توجد في عدد من الدول العربية من بينها لبنان، التي لم تكن قد تأسست بعد، وكانت جزءا من الدولة العثمانية.

قانون الجنسية في تركيا أكد على هذا الحق في التعديلات التي أجراها بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول 2018، ومنح أي مواطن في أنحاء العالم الحق في الحصول على الجنسية التركية إذا كان لديه وثائق تثبت أصوله العثمانية.

المحامي اللبناني وأستاذ القانون الدولي الدكتور طارق شندب قال لـ"الاستقلال": "قرار منح الجنسية التركية لمواطنين لبنانيين من أصول عثمانية حق مشروع، فكل دول العالم تعتمد هذا المبدأ، فعلى سبيل المثال، الشخص الذي يحمل جده الجنسية الأميركية يستطيع أولاده وأحفاده أن يكتسب الجنسية الأميركية، وكذلك الحال في أوروبا التي نهضت وأصبحت قوة اقتصادية بفضل استقطاب العقول".

يتابع المحامي اللبناني: "بالنسبة للوضع التركي في لبنان فقد كان هذا الأمر موضع جدل بين تركيا وبعض الدول العربية، وبين تركيا وفرنسا على وجه الخصوص، بسبب التجاذبات الحاصلة، لكنه من الناحية القانونية أمر مشروع، صحيح أنه يأتي في سياق استقطاب العقول والأدمغة، لكن هذا هو الآخر أمر مشروع لكل الدول، وليس لتركيا فقط، كما أنه لا يتعارض مع القوانين المحلية والدولية، بل بالعكس سيكون له أثر إيجابي، وخصوصا في لبنان، حيث سوف يوسع من خياراتهم وفرصهم في العمل والدراسة وينعكس بشكل إيجابي على لبنان".

يضيف أستاذ القانون الدولي: "يجب أن نتذكر أن المنطقة العربية كلها أو معظمها كانت جزءا من الدولة العثمانية، ليس في لبنان فقط، بل في سوريا وفلسطين والحجاز وصولا إلى اليمن ومصر ودول المغرب العربي، وبحكم هذه الرقعة الواسعة فقد تكونت علاقات عائلية متشابكة ومترابطة، خصوصا مع انتقال القوات العسكرية من الأناضول إلى هذه المناطق والبقاء والتناسل فيها، أو انتقال عائلات من تلك المناطق إلى هضبة الأناضول.

يتابع الدكتور شندب: "لا ينبغي أن يكون الأمر مستغربا، فهناك عائلات لبنانية أصولها تركية، وهي معروفة بأصلها التركي كعائلات قاووقجي في طرابلس، وكذلك عائلة شندب التي أنحدر منها، وينحدر منها أيضا رئيس مجلس النواب التركي مصطفى شنطوب، بل أن هناك قرى وعائلات كثيرة في شمال لبنان وفي البقاع أصولها تركمانية ما تزال تتحدث العثمانية إلى اليوم".

ويختم الدكتور طارق شندب بالقول: "من المؤسف أن تنزعج أنظمة عربية من هذا القرار الذي يفترض أن يؤسس للتعاون بين الدول العربية والإسلامية، ويفترض أن تحذو الدول الأخرى مثل هذا الحذو، ونتمنى أن تلغى التأشيرات بين الدول العربية والإسلامية، لا أن تفرض مزيدا من القيود على مواطنين عرب ومسلمين".