بخلاف الضفة.. لماذا تتعنت أنظمة عربية في منح تأشيراتها لسكان غزة؟
لأن قطاع غزة واقع تحت إدارة حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ عام 2007، فإن كل أشكال العنصرية وقعت على الفلسطينيين القاطنين هناك، والذين يعانون من شتى أنواع سوء المعيشة بما فيها التضييق على السفر.
وبالإضافة إلى جملة الإجراءات الواقعة عليهم في مسألة السفر، بدءا من الإغلاق المستمر لمعبر رفح مع مصر، وليس انتهاء بآلية العودة إليه والمغادرة منه، يجد الفلسطينيون هناك أنفسهم أمام واقع صعب يفرض على جوازات سفرهم.
فحملة الجواز الفلسطيني القاطنين في غزة، يواجهون عنصرية كبيرة في استخراج تأشيرات سفر، عند النظر إلى خانة مكان الميلاد، التي تشكل عائقا أمام حركتهم مقارنة مع نظرائهم في الضفة الغربية المحتلة، حيث تمسك السلطة الفلسطينية بزمام الأمور.
ويعاني الغزيون بشكل خاص من السفر عبر معبر رفح الحدودي منذ أحداث الانقسام الفلسطيني في 2007، تتمثل في التعامل الأمني البحت معهم من قبل الجانب المصري.
وتصدر السلطة الفلسطينية جواز السفر بناء على اتفاقية أوسلو الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي، في 13 سبتمبر/أيلول 1993، لكن يشتكي الغزيون منذ سنوات من عدم قدرتهم على الاستفادة من هذا الجواز سواء لصعوبة السفر أو رفض تأشيراتهم، وصعوبة الحصول عليها، خاصة مع عدم وجود سفارات في القطاع المحاصر.
إصدار الجوازات
يمكن للفلسطيني الحصول على جواز سفر بتقديم طلب بهذا الخصوص لدى مكاتب وزارة الداخلية، داخل مناطق السلطة أو لدى مكاتب منظمة التحرير إن كان مقيما في الخارج.
ولأن وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة تديرها حركة حماس التي فازت في انتخابات المجلس التشريعية بنتيجة كاسحة عام 2006، مما أدخلها في مشكلة انقسام سياسي مع الضفة، لا يتم إصدار الجوازات في القطاع.
ويتم ذلك بالنسبة للمواطنين في غزة، عبر مكاتب وكلاء تأخذ على عاتقها استلام الطلبات، وإرسالها إلى مكاتب وزارة الداخلية في الضفة الغربية، ليتم إتمام المعاملات هناك.
وهذه المشكلة تنعكس على آلية السفر والحصول على تأشيرات من دول عربية وغربية بالنسبة للغزيين، على العكس تماما مقارنة بالمواطنين في الضفة.
فمثلا، دول الخليج العربية وبالأخص الإمارات، تتعنت في منح التأشيرات للفلسطينيين القادمين من غزة، وتلك الأزمة تفاقمت خلال السنوات الأخيرة، بعد الانفتاح في تعامل بعض تلك الدول مع إسرائيل.
وبالنسبة للإمارات، فقد صعدت إجراءاتها ضد فلسطينيي غزة من حيث منح التأشيرة وإجراءات الإقامة، بعد اغتيال محمود المبحوح، أحد أعضاء "كتائب عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة حماس، في 19 يناير/كانون الثاني 2010.
عنصرية التعامل
"محمود عليان"، فلسطيني مقيم في القطاع، حاول مرارا الحصول على تأشيرة سفر للإمارات عبر مكاتب غزة، لكن طلبه قوبل برفض لأكثر من ثلاث مرات.
ويقول عليان لـ "الاستقلال": إنه حصل على عقد عمل في شركة هندسية بدولة الإمارات، وعندما أراد إتمام إجراءات الحصول على التأشيرة تفاجأ برفض الطلب.
ويرجع السبب إلى كونه يعيش في قطاع غزة، وتضمين مكان ميلاده في جواز السفر، فهو كآلاف الفلسطينيين هناك الذين حُرموا أيضا من أخذ التأشيرة إلى دول الخليج عموما.
ويعبر عليان عن أسفه وحزنه إزاء فقدان فرصة العمل التي وجدها بصعوبة، في ظل انعدام الفرص في قطاع غزة الذي يعيش حصارا إسرائيليا وتضييقا أمنيا، أثر على كافة مناحي المعيشة هناك.
أما بالنسبة لـ"رامي أبو ريدة" الذي يقطن في مدينة طولكرم بالضفة الغربية، فالأمر مختلف تماما، إذ إنه وغيره من الفلسطينيين هناك لا يجدون مشكلة كبيرة في استصدار تأشيرة السفر.
ويقول أبو ريدة لـ "الاستقلال": إنه تقدم بطلب تأشيرة للسفر إلى السعودية، وحصل عليها دون معاناة، مشيرا إلى أنه لم يصادف أي حالة تعرضت للتضييق بسبب مكان الميلاد.
ويضيف: "سافرت إلى السعودية عدة مرات ذهابا وإيابا، ولم أتعرض للسؤال، على عكس زميلي الذي تعرفت إليه في مطار جدة، وعُرض على الجهات الأمنية هناك لكونه من قطاع غزة".
وكمثال آخر، يواجه فلسطينيو غزة صعوبة بالسفر إلى الأردن، ويُطلب منهم لدى وصولهم الحضور لمقابلة المخابرات الأردنية، بينما يمر نظراؤهم في الضفة الغربية عبر حاجز إسرائيلي دون تأشيرة أو تحقيق أمني.
ويرى مراقبون فلسطينيون أن نشاط حركات المقاومة في غزة، هو السبب الأول الذي شكل هاجسا أمنيا لدى دول عربية ترفض منح الغزيين تأشيرات للسياحة أو الزيارة أو العمل.
إجراء متعمد
أحد أصحاب المكاتب الوكيلة في غزة، المعنية بإرسال طلبات التأشيرة وجوازات السفر إلى وزارة الداخلية في رام الله، يؤكد أن حرمان الفلسطينيين في القطاع من هذا "الحق" يتم بشكل متعمد.
ويقول الرجل الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: إن عددا من الطلبات قوبلت بالرفض خلال السنوات القليلة الماضية دون تحديد السبب، لكنه رجح بأن يكون الأمر مرتبطا بمكان الميلاد.
ويضيف أن تأشيرات السفر لدول الخليج تحديدا تُواجه بـ "الرفض القاطع" للغزيين، ناهيك عن جوازات السفر التي تراجع إصدارها لأولئك الذين يعيشون في القطاع، خاصة بعد عام 2017، تزامنا مع إجراءات السلطة الأمنية.
وفرضت السلطة "عقوبات" على غزة في فبراير/شباط 2017، وشملت تقليص الرواتب عن الموظفين الحكوميين، والتوقف عن دفع ثمن وقود الكهرباء، بفعل الانقسام الفلسطيني الداخلي.
وعلى الرغم من تزايد الطلبات على استصدار جوازات السفر بين عامي 2015 و2019، فإن معظم الفلسطينيين في غزة لا يستفيدون منه بفعل التضييق الأمني المفروض عليهم.
حرمان من الجواز
وتمر عملية إصدار وزارة الداخلية في رام الله لجوازات السفر اليومية للمواطنين الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، بإجراءات طويلة ومعقدة.
وتسوق الوزارة مبررات عديدة لهذه العملية المرهقة، خاصة في مجال التصنيف السياسي والحزبي والتنظيمي للمواطنين الذين يتقدمون بطلبات لاستصدار جوازات سفر.
وشرعت الأجهزة الأمنية في الضفة، بوقف إصدار جوازات السفر للفلسطينيين في القطاع، لاسيما أولئك الذين يعارضون السلطة من التنظيمات الفلسطينية، وينشطون عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
واتضح بشكل قاطع، أن جهاز المخابرات العامة هو الجهة التي تقرر منع أو منح إصدار جوازات سفر للمواطنين، وأن وزارة الداخلية تلتزم بشكل قطعي بقرارات الجهاز المذكور، وليس العكس.
وفي تصريح سابق لـ "الاستقلال"، قال مصدر مسؤول في وزارة الداخلية بغزة، رفض الكشف عن هويته: إن منع السلطة من إرسال الجوازات لأهالي القطاع، يتم بقرار سياسي، مما ترك آثاره السلبية على السكان.
وأشار إلى أن التأثير السلبي جاء على المرضى الذين لا يستطيعون السفر للخارج لتلقي العلاج، وكذلك الطلبة الذين سيفقدون فرصة الالتحاق بالجامعات.