مسرحيات السيسي الانتخابية.. لماذا قاطع المصريون تصويت "الشيوخ"؟
أواخر 2013، صوت غالبية أعضاء لجنة الخمسين المعنية بكتابة الدستور المعمول به حاليا في مصر، على أن أبرز أسباب إلغاء "مجلس الشورى"، اعتباره بابا خلفيا للفساد ووسيلة يستخدمها النظام الحاكم لتقديم ترضيات سياسية للموالين.
لكن بعد مرور 7 سنوات يعود مجلس الشورى من جديد بنفس المنطق، لكن في ثوب آخر تحت مسمى "مجلس الشيوخ"، أجريت انتخاباته يومي 11 و12 أغسطس/آب 2020، في ظل جدل مستمر حول جدوى المجلس ودوره في إثراء الحياة السياسية المنهكة.
مجلس الشيوخ المكون من 300 عضو، ينتخب ثلثا أعضائه بنظامي القائمة والفردي، في حين يعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي، على أن تكون مدة عضويته 5 سنوات.
كالعادة وكما كان متوقعا، عزف الناخبون عن المشاركة في الانتخابات، رغم محاولات نظام عبد الفتاح السيسي المستميتة، لإظهار الحدث في صورة عرس ديمقراطي، متجاوزا حالة الشارع الذي يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا، وفي ظل حالة من الانسداد السياسي والقمع والاستبداد المتفاقم منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013.
نظام السيسي سعى بقوة لاستخدام أدواته لإجبار المصريين على المشاركة في الانتخابات، عبر تهديده عدم المصوتين دفع غرامات باهظة، بالإضافة إلى إرغام موظفي الدولة على الذهاب للتصويت، ومحاولات رجال الأعمال وأقطاب القطاع الخاص في الدفع بالعمال إلى لجان الانتخاب تحت إشراف الأجهزة الأمنية.
مسرحية جديدة
جهاز المخابرات العامة الذي أدار مسرحية انتخابات مجلس النواب (البرلمان) الأخيرة في مصر عام 2015، هو أيضا من يدير انتخابات مجلس الشيوخ في 2020، وفي المرتين المواطن مجرد ديكور وكومبارس فقط.
عبر تطبيق (واتساب) تم رصد رسائل متداولة بين موظفين تابعين للنظام في وزارة التربية والتعليم، يتوعدون من يحجم عن الانتخاب.
نص الرسالة جاء كالتالي: "بناء على اجتماع السيد مدير الإدارة اليوم مع السادة مديري المدارس وبناء على تعليمات السيدة مديرة المدرسة.. يتوجب على جميع العاملين بالمدرسة عدم التخلف عن إبداء التصويت فى انتخابات مجلس الشيوخ بالاستحقاق الدستوري يومي الثلاثاء أو الأربعاء".
وأضافت الرسالة: "الحضور إلى المدرسة بعد التصويت يوم الثلاثاء إظهار علامة التصويت، وإلا يعتبر متغيبا وسوف يرفع به تقرير للجهات الأعلى.. إن التصويت واجب دستوري والمعلمين هم القدوة للجميع في أداء هذا الواجب وتوعية الناس لأداء هذا الواجب".
وفي 10 أغسطس/ آب 2020، قال المحلل السياسي علي متولي، خلال حديثه ببرنامج "صباح الورد" المذاع عبر فضائية "ten" التابعة لجهاز المخابرات: إنه "يجب على كل مواطن اختيار المرشح الذي يتوافق مع تفكيره"، مشيرا إلى أن "المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ إجبار وليس اختيارا".
صناعة القبول
قبل مسرحية انتخابات الرئاسة الأخيرة، وفي 3 أبريل/ نيسان 2018، أصدر مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، تقريرا للباحثين ميشيل دن، وكاثرين بولوك، بعنوان "صناعة القبول" ووضعوا له تعريفا صاغوه بعبارة "في ظل ضعف الحماسة لدى الناخبين في مصر، سعى النظام إلى فرض مشاركة مرتفعة في الانتخابات".
وذكر التقرير: "بعد أن أطاح الرئيس عبد الفتاح السيسي بجميع منافسيه الجديين لضمان إعادة انتخابه لولاية ثانية، ترشح فعليا ضد شعبيته المعلنة. لايتوجه الناخبون، وهم للمفارقة أشخاص عقلانيون، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، إلا عندما يعتقدون أن صوتهم سيُحدث تغييرا أو عندما تتم تعبئتهم للتصويت".
وشدد التقرير على: أنه "لما كان حب السيسي وحده غير كاف لتعبئة المصريين، اضطر النظام إلى توفير محفزات مباشرة أخرى، مثل تقديم الأموال والغذاء وحتى رحلات العمرة للناخبين، علاوة على الجهود التي بذلتها وسائل الإعلام المملوكة للدولة وأرباب الأعمال لحث الناخبين على التوجه إلى صناديق الاقتراع".
ورصد التقرير إجراءات النظام لإجبار الشعب على المشاركة، عندما أورد: "ولثني المصريين عن الامتناع عن التصويت، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات أنها تعتزم فرض غرامة بقيمة 500 جنيه على الناخبين الذين يتخلفون عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، وتحدثت تقارير عن أن شاحنة جالت الشوارع لإبلاغ الناس عبر مكبرات الصوت بأن هذه الغرامة ستضاف على فاتورة الكهرباء".
ورصد كذلك: أن "الحكومة المركزية حملت السلطات المحلية مسؤولية ضمان كثافة الإقبال على الانتخابات. فقد أعلن حاكم أحد الأقاليم (محافظ) أنه سيتم توفير خدمات تفوق قيمتها 100 ألف دولار للمناطق الثلاث التي تسجل أعلى نسبة مشاركة، فيما عرض آخر إقامة مشاريع بقيمة 28 ألف دولار".
وذكر: أن "النظام المصري يكتفي بصنع بعض مظاهر الحماسة الشعبية، حتى لو عجز عن حشد أعداد كبيرة من الناس.. فقد أشارت تقارير إلى أن التجمعات الصغيرة خارج مراكز الاقتراع الفارغة تقريبا كانت منتشرة على نطاق واسع، بغض النظر عما إذا أتى الناخبون للتصويت أم لا".
عزوف الشباب
الناشط السياسي المصري عبد الرحمن الشرقاوي، قال لـ"الاستقلال": "الجيل الحالي من شباب مصر، شهد واحدة من أسوأ الحقب في تاريخ مصر الحديث، من وأد للديمقراطية، وعسف بكل رأي مخالف من كل اتجاه، وقد رأينا بعد ثورة 25 يناير حجم المشاركة والتفاعل السياسي من كل فئات المجتمع وتحديدا الشباب في كل الاستحقاقات الانتخابية التي تمت إلى يوم الانقلاب العسكري".
وأضاف: "بعد ذلك تم تجفيف منابع العمل السياسي في مصر، ولم يبق منفذ للمشاركة السياسية وإبداء الرأي إلا أغلق أو تم تهميشه، فكيف يمكن المشاركة في الانتخابات والتفاعل معها ولا يوجد حياة حزبية سليمة، ولا توجد حركة طلابية قوية وفاعلة كما كان في السابق، ولا يوجد حتى ملتقى حقيقي لتداول القضايا الوطنية والأفكار الإصلاحية".
وأوضح الناشط المصري: "أتذكر كيف كانت اللجان تعقد قبل انتخابات مجلس الشعب الأولى بعد ثورة يناير، وفي الاستفتاء على الدستور، وقتها كان الشباب يحرصون على الاطلاع على مواد الدستور ومناقشتها، والبحث الحقيقي عن دور الأحزاب واختيار الأصلح لقيادة البلاد، ثم محاسبته إن أخطأ، فأين نحن الآن من كل هذا؟".
وأكد: "كثير من الشعب المصري وعلى رأسهم الشباب، لا يعرفون شيئا عن دور مجلس الشيوخ الذي أعاده السيسي مرة أخرى، ولا الهدف منه، ولا صلاحياته، ولا يهتمون بالمرشحين الذين يخوضون الانتخابات، لذلك لم يشاركوا ولن يتفاعلوا مع الحدث، لأن النتيجة واحدة، فهي مسرحية دأب نظام السيسي على عرضها، مستعينا بأجهزة المخابرات التي تكتب السيناريو، وتشرف على الإخراج وتقوم بتوزيع الأدوار حسب الخطة".
كابوس أسود
البرلماني المصري السابق، طارق مرسي، قال لـ"الاستقلال": "مصر منذ انقلاب 3 يوليو المشؤوم تعيش كابوسا أسود قتلت فيه السياسة وأعدمت فيه الحريات ووأدت فيه الصحافة والإعلام، وتحولت إلى شبه دولة أو إلى معسكر وسجن كبير، وتحول الشعب إلى قطيع يساق بالعصا ليس له من أمره حل ولا عقد".
وأضاف: "هذا السجن الكبير ليس فيه رأي لا لفرد ولا لمؤسسة ولا كيان ولا حزب، إنما رأي واحد هو للمجرم الأكبر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ويساعده بعض أزلام انقلابه سواء نجله أو بعض العسكريين الخونة".
وذكر مرسي: "لا تسأل في واقع مصر الكئيب عن دستور أو قانون أو مؤسسات أو قضاء، الكل قد دهسته البيادة عن إرادة استبداد بقرار من السيسي نفسه، وداعميه في الإقليم وأقصد إسرائيل ودويلات خليجية أصبح لها كلمتها على مصر، أو داعميه الدوليين وربما أظهرهم في الصورة الرئيس الأميركي ترامب، وفي هذا الواقع البئيس يكون الحديث عن مجالس منتخبة، نواب أو شيوخ أو أيا كان مسماها هو حديث كذب".
وأردف: "كنا في عصر المخلوع مبارك نرى أن الانتخابات هي مجرد ديكور لاستكمال الشكل الديمقراطي المكذوب، لكن في واقع مصر الأسود الحالي فإن السيسي حتى يرفض الديكور ولا يحبذه إنما يهوى الاستبداد الصريح وقهر الشعب".
وأوضح عضو البرلمان السابق: أن "ما يجري هو لأسباب كثيرة بعيدة حتى الديكور الديمقراطي غير المطلوب، إنما قد يكون لشغل الناس فترة عن مصائب السيسي وورطته التي ستودي بحاضر مصر ومستقبلها في سد النهضة، والسواد الذي يستقبلنا بالشح المائي، وكذلك شغل الشعب والجماهير في هذه الملهاة عن كوارث السيسي المتمثلة في اتفاقيات التنازل المستحدثة عن ثروات مصر في شرق البحر المتوسط".
واستطرد: "ربما يستخدم السيسي هذه الانتخابات والمجالس لصناعة صراعات جديدة بين الشعب وبعضه والعائلات في القرى والمدن، وربما استخدمها في ترضية بعض مراكز القوى التاريخية من سدنة الاستبداد في كل العصور، وربما كذلك لترضية بعض شركائه في الانقلاب كمكافأة تقاعد لمن قدم خدمات جليلة في بداية الانقلاب أو حتى كسبيل لإزاحة البعض منهم عن المشهد، وكذلك قد تكون هذه الانتخابات والمؤسسات هي صراعات تعبر بها المؤسسات السيادية عن وجودها ودورها فيما ليس منها أي مصلحة أخرى سوى عركة بينية داخل (بكابورت) النظام".
وأكد: "أما عن الشعب فهو يعلم ذلك وعزف عن كل هذه الترهات ويوقن تمام اليقين أن نظام السيسي لا يحترم رأيه، وقد بدا ذلك منذ الانقلاب على إرادة الشعب في 2013".
مرسي قال: "من الطبيعي أن يحشر الموظفون وبعض الفئات المهمشة سواء بسلطة الإدارة المحلية أو بسلطة الرشاوى الانتخابية وربما الزيت والسكر فقط لتجميل الصورة، وقد يكون المستهدف كسر عين الجماهير ومزيدا من إذلال الشعب وازدرائه".
واختتم البرلماني السابق حديثه موضحا: "أؤكد أن النظام الحالي المجرم أفقد مصر أي إرادة للإصلاح ولن تعود إلى الرشد إلا حينما يُغير النظام الحالي ويعلق السيسي وكل أركان نظامه على أعواد المشانق".