جمعة آيا صوفيا.. كيف يحيي الأتراك تاريخهم بتوقيتات ذات دلالة؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

رمزية التوقيت لاستحضار الأحداث التاريخية أمر له دلالات قوية ومؤثرة في مسار الدولة التركية، وهو ما ظهر بشدة في اختيار موعد إقامة أول صلاة في آيا صوفيا بعد قرار المحكمة الإدارية العليا في تركيا بتحويلها إلى مسجد.

في 24 يوليو/تموز 2020، أقيمت أول صلاة جمعة "بآيا صوفيا" بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد أن ألغت المحكمة الإدارية العليا في 10 يوليو/تموز 2020، قرار مجلس الوزراء، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1934، بتحويلها من مسجد إلى متحف.

للساسة الأتراك منهجية في اختيارات التوقيت، لما لها من دلالة رمزية متعلقة بأحداث تاريخية، يريدون من خلالها أن يبعثوا برسائلهم إلى الحاضر والمستقبل، ويعد الرئيس رجب طيب أردوغان، من الذين برعوا في استخدام تلك المنهجية.

دلالات آيا صوفيا

رمزية التوقيت لاستحضار الأحداث التاريخية المؤثرة في مسار الدولة التركية، ظهرت بوضوح مع إعادة فتح مسجد "آيا صوفيا" مرة أخرى بعد 86 عاما من تحويله لمتحف.

في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1934، وبناء على تعليمات مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، أصدر مجلس الوزراء القرار رقم 1589، القاضي بتحويل وضعية جامع "آيا صوفيا" التاريخي في مدينة إسطنبول، إلى متحف.

ومنذ ذلك التاريخ يعيش قطاع من الشعب التركي بمختلف توجهاته حالة حزن وانكسار على فقدان المسجد الذي كان يعد درة تاريخهم، وميراثهم من السلطان محمد الفاتح.

وفي يوم 10 يوليو/تموز 2020، أعلنت المحكمة الإدارية العليا قرارها ببطلان قرار مجلس الوزراء عام 1934، وإعادة آيا صوفيا مرة أخرى إلى حالته السابقة كمسجد تقام فيه العبادة.

ورغم أن قرار المحكمة الإدارية العليا جاء في وقت الظهيرة، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اختار تأجيل خطابه المتلفز إلى الساعة 20:53 تحديدا، في إشارة رمزية إلى العام 2053 الذي يصادف الذكرى الـ 600 لفتح القسطنطينية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح.

الدلالة الثانية في التوقيتات المتعلقة بـ"آيا صوفيا" جاءت في اختيار توقيت افتتاح المسجد، يوم 24 يوليو/ تموز 2020، لإقامة أول صلاة جمعة، وهو ذكرى توقيع مصطفى كمال أتاتورك "معاهدة لوزان" مع كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا ويوغوسلافيا السابقة.

 

ويعتبر الأتراك معاهدة لوزان نصرا كبيرا لدولتهم، فبموجبها أُبطلت "معاهدة سيفر" المذلة، التي وقعتها الدولة العثمانية في أسوأ أيامها، ورسمت تركيا حدودها الحالية بعدما طردت اليونانيين والبريطانيين والفرنسيين والأرمن من أجزاء واسعة من الأناضول في حروب التحرير التي قادها أتاتورك، واستعادت تراقيا الشرقية (الجزء الأوروبي من إسطنبول).

وبموجب نفس المعاهدة، ضمت تركيا أراضي واسعة في حدودها الجنوبية، واستعادت مناطق غازي عنتاب وكهرمان مرعش وأورفا ومرسين وأضنة وديار بكر وماردين وغيرها من المناطق التي وضعها الفرنسيون ضمن الأراضي السورية عند تقاسمهم تركة الدولة العثمانية مع حلفائهم البريطانيين.

ومثلت دلالة التوقيت الثالثة المتعلقة بـ"آيا صوفيا"، بتاريخ إنشاء حساب "آيا صوفيا" الرسمي على "تويتر" في 29 مايو/أيار 2020، وهو التاريخ الذي يصادف يوم دخول السلطان محمد الثاني بجيوشه إلى القسطنطينية فاتحا، وتحويل "آيا صوفيا" الرئيسية إلى جامع.

الثلاثاء 29 مايو/أيار 1453، قام المسلمون بتغطية الرموز المسيحية في الكنيسة، وأقاموا فيها صلاة العصر بإمامة سابع سلاطين الإمبراطورية العثمانية.

درع الفرات

منهجية اختيار التوقيت لدى الساسة الأتراك، وعلى رأسهم أردوغان، ظهرت من قبل عند إطلاقه العملية العسكرية "درع الفرات" التي شنها الجيش التركي في شمال سوريا.

في 24 أغسطس/ آب 2016، أعلن أردوغان بدء العملية العسكرية، وهو تاريخ دخول السلطان العثماني سليم الأول إلى بلاد الشام من بوابة مرج دابق.

وفي 24 أغسطس/ آب 1516، غير السلطان سليم الأول وجهة فتوحات العثمانيين، وغير معها وجه المنطقة والعالم لمئات السنين، عندما هزم المماليك في موقعة مرج دابق، التي كانت بوابته إلى بلاد الشام وما يليها ويجاورها، من مناطق بالغة الأهمية للأناضول بحكم الجغرافيا.

وبعد 500 سنة من انتصارات السلطان سليم الأول، اختار "أردوغان" ذلك اليوم (24 أغسطس/ آب 2016)، لعملية "درع الفرات"، بهدف تطهير المنطقة الحدودية من التنظيمات الإرهابية والجماعات الكردية، وعلى رأسهم تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية.

وعبر الجيش التركي رفقة الجيش السوري الحر، الحدود، وتم تنفيذ العمليات في المنطقة الواقعة بين نهر الفرات إلى الشرق والمنطقة التي يسيطر عليها المتمردون حول أعزاز إلى الغرب.

وحقق الجيش التركي انتصارات ضد قوات تنظيم الدولة في العراق والشام كما وجه ضربات محكمة لقوات سوريا الديمقراطية، التي تصنفها أنقرة إرهابية.

معركة "ملاذكرد"

في معرض العمليات العسكرية التركية شمال سوريا والعراق، أراد أردوغان إيصال رسالة إلى العالم، وإلى قواته العسكرية المقاتلة هناك، فاختار يوم 26 أغسطس/ آب 2018، في ذكرى انتصار السلاجقة الأتراك في معركة "ملاذكرد" الخالدة ليبعث برسائله.

وجه الرئيس التركي، رسائل لافتة خلال فعالية أقيمت في ولاية موش شرقي تركيا، بمناسبة الذكرى الـ947 لمعركة "ملاذكرد" التي تمكن فيها السلطان السلجوقي "ألب أرسلان" يوم 26 أغسطس/ آب عام 1071، من هزيمة الجيش البيزنطي في انتصار خالد للأتراك والأمة الإسلامية بعمومها وشمولها. 

 

وهنأ أردوغان العالم الإسلامي بهذا النصر العظيم قائلا: "نهنئ أمتنا وإخوتنا في كافة أنحاء المنطقة المجاورة لنا بهذا النصر المجيد، وأتمنى أن يجلب لهم الخير والبركة.. وأقدم شكري وثنائي إلى السلطان العظيم ألب أرسلان وجميع الأبطال الذين شاركوا معه في المعركة وتركوا لنا هذا الوطن الجميل، ومن استشهد أو جرح خلال مسيرته على دربهم طوال العصور الماضية".

وأضاف: "عبر هذا النصر الميمون، فإن أجدادنا الأبطال جعلوا من الأناضول وطنا أبديا لنا، ووضعوا بصمة في تاريخ العالم، وأسسوا حضارة كبيرة، وقد ارتفعت الجمهورية التركية فوق هذه الأسس المتينة".

وشدد: "قد شعرنا بمسؤولية كبيرة ملقاة على أكتفانا منذ بدأنا الاهتمام بقضايا دولتنا والعالم، وتحركنا بهذا المفهوم منذ اليوم الأول الذي قررنا فيه تنفيذ أهدافنا ورؤيتنا النموذجية عبر خوض معترك السياسة".

وأكد قائلا: "أمننا ليس على حدودنا، بل يبدأ من كل منطقة يشعر فيها إخواننا بالتهديد والخطر والظلم، لذلك علينا أن نكون أقوياء في السياسة والدبلوماسية، وعلينا أيضا أن نكون أقوياء في الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا".