جيرالد دارمانين.. متهم بالاغتصاب يعينه ماكرون وزيرا لداخلية فرنسا
بتعيينه جيرالد دارمانين، وزيرا للداخلية، في 6 يوليو/ تموز 2020، أشعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فتيل الاحتجاجات، وخرجت مئات الفرنسيات، وسط باريس منددين بتعيين دارمانين بينما يخضع لتحقيق في مزاعم ارتكابه جريمة اغتصاب.
دارمانين (37 عاما)، الذي ينفي كل الاتهامات الموجهة له، عين وزيرا للداخلية في تعديل وزاري، بعد أن كان يشغل من قبل منصب وزير العمل والحسابات العامة (الميزانية).
المحتجات طالبنه بالاستقالة الفورية، ولوحن بلافتات تصف الحكومة بالتفرقة على أساس الجنس ومعاداة المدافعين عن حقوق المرأة. وجاء هذا الاحتجاج بعد تجمع أصغر خارج مقر وزارة الداخلية شاركت فيه عشرات السيدات.
ماكرون حث على ضرورة وضع "فرضية براءة" جيرالد دارمانين في الحسبان، ودافع عن وزير داخليته قائلا: "النظام القضائي والشرطة يعانيان من هجمات سياسية تهدف في بعض الأحيان إلى النيل منهما"، في إشارة إلى تشكيك المحتجين في القضاء الفرنسي.
فرضية البراءة
واتُهم جيرالد دارمانين في قضية اغتصاب امرأة عام 2009، لكن مصدرا قضائيا قال لوكالة "رويترز": إن قاضيا أسقط الدعوى المرفوعة بحق دارمانين قبل عامين، إلا أن محكمة استئناف باريس أمرت في يونيو/ حزيران 2020، بإعادة فتح التحقيق في مزاعم الاغتصاب بحقه.
الرئيس الفرنسي دافع عن جيرالد دارمانين، وتبنت الحكومة الطرح نفسه، قائلة: إن التحقيق في أمره "لا يعد سببا كافيا لمنع تعيينه".
وفي 14 من يوليو/ تموز 2020، خلال احتفالات اليوم الوطني في فرنسا، قال ماكرون لوسائل إعلام محلية: إنه يشارك "القضية النسوية" ويتعهد بمواصلة العمل من أجل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد العنف الجنسي والعمل على المساواة بين الجنسين.
في التصريح نفسه قال الرئيس عن دارمانين: "هناك فرضية البراءة"، وزاد مدافعا: "يجب ألا يتحول وزير الداخلية الجديد جيرالد دارمانين إلى ضحية حكم في الشوارع بعد الاحتجاجات على تعيينه لأنه يخضع للتحقيق في اتهام بالاغتصاب".
ماكرون استمر في مرافعته عن دارمانين الذي ينتمي ليمين الوسط قائلا: "بالنسبة لفرنسا، أريد أفضل ما في بلادنا، ولا أريد أسوأ ما في المجتمع الأنجلو ساكسوني".
"أم الوزارات"
تنصيب الوزير المثير للجدل على رأس وزارة الداخلية والتي تسمى بـ"أم الوزارات"، وتنضوي تحتها قوى الأمن الفرنسية أجج غضب آلاف الفرنسيين، معتبرين أن المنصب حساس وبارز ولا يصلح أن يتولاه متهم في قضية خطيرة كالاغتصاب.
الآلاف خرجوا إلى شوارع باريس وبوردو وليون وتولوز ومدن أخرى مرددين شعار "ثقافة الاغتصاب إلى الأمام"، في إشارة إلى اسم حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الحاكم "الجمهورية إلى الأمام".
نفى دارمانين الادعاء بأنه أجبر امرأة على ممارسة الجنس عام 2009 عندما طلبت مساعدته في مسح سجلها الجنائي، ورفض القاضي القضية ضده بعد إسقاط تحقيق أولي في الادعاء.
شغل جيرالد دارمانين منصب رئيس بلدية توركوان عام 2014 إلى غاية 2017، قبل أن يصبح وزيرا للحسابات العامة في مايو/ أيار 2017، ثم وزيرا للداخلية.
في أول تصريح له بعد تولي المنصب، تعهد وزير الداخلية الفرنسي الجديد، بدعم قوات الأمن في البلاد، التي تعرضت لانتقادات في ظل ادعاءات بعنصرية ووحشية الشرطة.
وقال دارمانين: إن قوات الشرطة والدرك واجهت مخاطر جسدية يومية، معتبرا أن "الهجمات على السلطة تنال من الجمهورية". ذلك بعد أن شهدت باريس احتجاجين كبيرين ضد "وحشية الشرطة والعنصرية"، بالتزامن مع احتجاجات أميركا في أعقاب مقتل جورج فلويد.
تعرض سلف دارمانين على رأس الداخلية، كريستوف كاستانيه، لانتقادات من اليسار بسبب تعامل الشرطة القاسي مع الاحتجاجات.
وفي حين أثار غضب الشرطة بعد أن وعد بحظر اللجوء إلى التطويق بطريقة خانقة للمشتبه بهم، مصرحا أنه سوف يتم وقف أي رجل شرطة عن العمل إذا كان هناك "اشتباه مؤكد" بالعنصرية، جاء الوزير الجديد للتساهل مع المؤسسة الأمنية في البلاد على حساب المواطنين.
رجل ساركوزي
في مقال تحليلي نشرته شبكة "مونت كارلو الدولية"، قال الصحفي المتخصص في الشأن الفرنسي، طارق القاعي: إن استبدال كريستوف كاستانيه لم يكن مفاجأة كبيرة.
فرغم قربه من ماكرون وكونه من أوائل السياسيين الذين آمنوا به وساهموا في تأسيس حزبه وانضموا إلى حملته الرئاسية، إلا أن الانتقادات الكثيرة التي وجهت له حالت دون بقائه في التشكيلة الحكومية الجديدة.
أفاد القاعي أن أي شخص في وزارة سيادية كوزارة الداخلية له دلالات كثيرة على التوجه الذي تتبناه الحكومة، ومن هنا فإن تعيين جيرالد دارمانين لم يكن بالأمر العادي والبسيط.
المقال وقف عند مسيرة دارمانين السياسية الذي كان المتحدث الرسمي باسم ساركوزي في حملته الانتخابية، موضحا أنه لطالما قورنت مسيرة دارمانين بمسيرة ساركوزي مع توليهما وزارة المحاسبة العامة ووزارة الداخلية.
بل إن دارمانين يكون قد "تفوق" على ساركوزي بكونه الوزير الأصغر سنا الذي يشغل منصب وزير الداخلية، بحسب التحليل.
في 2014، ترشح دارمانين لمنصب رئيس بلدية توركوان وفاز في الانتخابات، ليثبت نفسه على الساحة السياسية الوطنية، وهو ما جعل ساركوزي يأتي به على متن طائرة إلى باريس ليدير حملته الانتخابية في 2016.
أصوله جزائرية
في أكتوبر/ تشرين الأول 1982، في عائلة من الطبقة العاملة ولد جيرالد موسى دارمانين الذي تعود أصوله للجزائر، فهو حفيد ضابط الصف الجزائري في الجيش الفرنسي، موسى واكيد.
أدار والد جيرالد دارمانين حانة صغيرة وعملت والدته آني واكيد كعاملة نظافة. هاجر واكيد، جد دارمانين لأمه، عبر قارب للهجرة السرية من مسقط رأسه الجزائر إلى فرنسا قبل أن يصل عمره إلى 15 سنة.
تزوج موسى واكيد من فرنسية وانضم إلى صفوف الجنرال الفرنسي شارل ديغول عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية. وفي فبراير/ شباط 2017، خلال الحملة الرئاسية، هاجم جيرالد دارمانين ماكرون بعنف في تصريح للصحافة الجزائرية بقوله: "الاستعمار جريمة ضد الإنسانية".
عُرف دارمانين بالحربائية والتلون في مواقفه فبعد أن كان يهاجم ماكرون تحول إلى أشرس المدافعين عنه.
كتب في إحدى تغريداته: "عار على إيمانويل ماكرون الذي أهان فرنسا في الخارج، وإهانة قبور الحركيين الذين أحبوا فرنسا وماتوا من أجلها". هذه التغريدات حذفها دارمانين لاحقا خلال فترة تقربه من ماكرون.
المصادر
- فرانسوا هولاند و نيكولا ساركوزي إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية
- ظِلُّ الرئيس السابق نيكولا ساركوزي يخيّم على الحكومة الفرنسية الجديدة
- Gérald Darmanin répond à François Hollande : "Grand causeux, petit faiseux"
- Qui était Moussa Ouakid, le grand-père de Gérald Darmanin?
- بفرضية البراءة.. ماكرون يدافع عن وزير الداخلية المتهم بالاغتصاب