"قروض الحياة".. كيف تسببت في سجن آلاف النساء بمصر؟

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من أن مؤشرات الاقتصاد الكلي محاطة باللون الأخضر (إيجابي)، أصبح السكان المصريون أكثر فقرا، كما يزداد عدد النساء اللواتي يحصلن على قروض، ما يجعلهن عرضة لخطر السجن إذا لم يكن بوسعهن السداد.

تحت هذه الكلمات، سلطت ليلى فاروق، مراسلة صحيفة "لاكروا" الفرنسية في مصر، الضوء على حالة الفقر التي يعاني منها المصريون في الفترة الأخيرة وخاصة النساء، حيث أصبح عدد كبير منهن مهددا بالسجن في حالة عدم تسديد أقساط القروض.

ونشرت الصحيفة شهادات لنساء أنشأن مشاريع صغيرة من خلال القروض البنكية، ولكن مع الأزمة التي تضرب العالم أصبح من الصعب عليهن تسديد الأقساط.

وقالت الكاتبة: "سوق الأميرية شمال العاصمة يعج بالناس، حيث يتسكع الأطفال في الشوارع الترابية التي تنتشر فيها الأكياس البلاستيكية"، مشيرة إلى أن الفقر في هذه المنطقة الشعبية من القاهرة ملموس.

إقراض النساء

أم صلاح، إحدى النساء اللائي التقت بهن الصحيفة في هذا السوق، عندما كانت تنادي على الزبائن المارين من أمام كشك فواكه وخضروات خاص بها.

وأوضحت الصحيفة أن هذه المرأة، التي أعربت عن أملها في الخروج من عدم الاستقرار، اقترضت ما يعادل 350 يورو، لتأسيس محلها الصغير من مؤسسة "التضامن" التي تقرض النساء فقط.

وأكدت أم صلاح، صاحبة الستين عاما وذات الوجه الذي يتسم بحياة مليئة بالمتاعب أنه "بهذا القرض، تمكنت من بدء عملي هذا، والآن يمكنني أن أربح راتبا صغيرا، وكل شيء يعتمد على الله ثم حظي".

ووفقا للصحيفة الفرنسية، في مصر يعيش واحد من كل ثلاثة أشخاص تحت خط الفقر، و33٪ فقط من البالغين، فوق سن 15 عاما، لديهم حساب مصرفي.

وقالت مديرة المؤسسة ريهام فاروق: "هنا نمول أكثر من 3 ملايين أسرة بالكامل من الأمهات أو البنات، إذ أظهرت الدراسات في جميع أنحاء العالم أنه عندما يزداد دخل المرأة، تعمل على إعادة استثمار أموالها في تربية الأطفال أو صحتهم، وبالتالي يتحسن مستوى المعيشة لجميع أفراد الأسرة".

وتقول كاتبة المقال: إنه يجري منح 70٪ من القروض للنساء في مصر، ويتزايد الطلب عليها في هذا البلد الذي ازداد فيه الفقر بشكل ملحوظ منذ عام 2014.

كما أن طلب الحصول على قرض أمر محفوف بالمخاطر حيث أن بعض الشركات "عديمة الضمير" تفرض أسعار فائدة باهظة، خاصة للمستفيدين الضعفاء والأميين.

وفي هذا الشأن، تحذر ريهام فاروق، من وجود آلية جديدة ستطبق يوم 7 سبتمبر/أيلول 2020، تجاه "أسيرات الفقر"، فهؤلاء المدينات سيلقى بهن في السجن.

وأوضحت أن "بعض الشركات التي تبيع السلع المنزلية بالتقسيط تطلب من عملائها توقيع عقود البيع فارغة بشكل عام، أي لا يتم تدوين المبلغ، وفي الغالب لا يتمكن الزبائن من السداد".

وبحسب الصحيفة، فإن عدم سداد الديون يقود مباشرة إلى السجن، حتى عندما تصل إلى بضع عشرات من اليورو، وهذا ما حدث لهبة عبد الله، التي أمضت عاما في السجون المصرية لشرائها ثلاجة وغسالة لم تستطع تسديد ثمنها.

لا يوجد خيار

وبينت أن هذه الأم الشابة لم يكن لديها خيار في ذلك الوقت، من أجل الزواج، إذ تنص التقاليد العرفية على أن العروس هي من تشتري المعدات الكهربائية المنزلية، ولاحترام هذا العرف، اضطرت هبة عبد الله إلى اقتراض 8000 جنيه إسترليني (حوالي 400 يورو).

لكنها لم تتمكن من سداد 250 يورو كانت متبقية، مع توقفها عن العمل عند ولادة طفلها الذي حملت به سريعا بعد الزواج.

وتقول هبة لمراسلة الصحيفة الفرنسية: "طُلب مني التعويض عن التأخير في سداد الأقساط، لكنني أنفقت كل شيء على زفافي، وذات يوم، طرقت الشرطة باب منزلي، أبقوني في مركز الشرطة لبضعة أيام ثم نقلوني إلى السجن، وبقيت هناك لمدة عام" بعد أن تخلى عنها زوجها وتركها وحيدة مع ابنها.

واليوم قضت هبة عبد الله مدة عقوبتها، وهي تعمل خياطة في ورشة عمل لمنظمة غير حكومية تساعد الغارمات (النساء اللائي يقترضن من شركات التمويل المالي) على الاندماج.

وتقول نوال مصطفى، الصحفية ومؤسسة الجمعية، التي جعلت من هذه القضية معركة لها: "لا توجد أرقام رسمية لكن آلاف النساء مسجونات مثل هبة بسبب ذلك".

وتنفذ مصطفى حملة اليوم بهدف تعديل القانون الذي يجرم المستفيدين من القروض وإطلاق سراح من يسمونهن "أسيرات الفقر".

ونوهت الصحيفة الفرنسية إلى الوضع الاقتصادي في مصر، مشيرة إلى أن صندوق النقد والبنك الدوليين منحا مصر في نوفمبر/تشرين ثاني 2016 قرضا بقيمة 12 مليار دولار (10.6 مليار يورو) مقابل خطة تعديل هيكلي.

وكان الهدف، تواصل "لا كروا"، هو إخراج البلاد من أزمة اقتصادية خطيرة سببتها سنوات من الاضطرابات السياسية عقب ثورة 25 يناير/كانون ثاني 2011، والتي أدت إلى رحيل نظام الرئيس حسني مبارك.

وأكدت أن الحكومة اتخذت تدابير تقشف (خصخصة، وتخفيض قيمة العملة) لإعادة تنشيط النمو الاقتصادي والسماح للبلاد بجذب رأس المال الخارجي مرة أخرى، غير أن هذه التدابير أدت إلى إفقار السكان، ومنذ 2011، ارتفعت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر من 25.2٪ إلى 32.5٪.