صحيفة تركية: لهذا أصرّت أنقرة على إجراء محاكمة لقتلة خاشقجي
نشرت صحيفة "يني شفق" التركية، مقالا لياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تحدث فيه عن محاولة بلاده الحصول على حق الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
وقال أقطاي في مقاله، إن "جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، باتت قضية عالمية أثارت الجدل والنقاش على مستوى دولي، وبشكل أو بآخر انعكست هذه النقاشات على التوازانات في العلاقات الدولية".
وأضاف: "وبالرغم من أن العالم بالفعل يشهد يوميا جرائم لا حصر لها من مجازر وانتهاكات إنسانية، لكن أيا منها لم يكن له التأثير الذي أحدثته جريمة قتل خاشجقي في قنصلية بلاده بإسطنبول وهي الجريمة التي أزهقت روحا دون وجه حق".
المجرمون أحرار
ولفت إلى أن "المثير للغضب بالفعل أن مرتكبي هذه الجرائم ما زالوا أحرارا ويرتبكون يوميا المزيد من الجرائم داخل بلادهم وخارجها بدون أي اكتراث للمحاسبة أو خشية من نيل العقاب، فمرت الجرائم بعد خاشقجي كما قبلها بدون أي اختلاف".
وبكل الأحوال- يضيف أقطاي- فإن جريمة خاشقجي تستحق لفت انتباه الجميع لهذه الدرجة بسب طريقة ارتكابها واكتشافها. جريمة ترتكب في القنصلية العامة لإحدى الدول بتخطيط لهذه الدرجة من أرفع مسؤول حكومي وبمشاعر وحشية. إنسان يستدرج بواسطة سلطات بلاده في مقر يتمتع بحصانة دبلوماسية ليتكالب عليه 15 رجلا ويقتلوه ويمزقوا جثته لتغدو شيئا من الماضي لم يعد لها أي أثر.
وتابع: لا داعي للتأكيد هنا أن الجريمة ارتبكت مع سبق إصرار وترصد. وعمد مرتكبوها على تضليل العدالة حين استبدلوا خاشقجي بشخص آخر يدعى مصطفى المدني؛ فيتقمص شخصيته ويرتدي ملابسه ويتجول في أنحاء مدينة إسطنبول قبل أن يدخل أحد الحمامات العامة ويقوم بتبديل هيئته ويغيب عن الأنظار، بمخطط مسبق للتستر على الجريمة وتصوير خاشقجي وكأنه اختفى ولم يقتل.
هذه الأحداث وغيرها بواقعة مقتل خاشقجي، حسب أقطاي، دليل على أن هؤلاء الأشخاص اعتادوا ارتكاب مثل هذه الجرائم واحترفوا تزوير أو تغييب الأدلة في جرائم أخرى عديدة.
وأردف أقطاي قائلا: "لا شك أن عدم السماح للمسؤولين القضائيين في تركيا بدخول موقع الجريمة إلا بعد 10 أيام من وقوعها وهي الفترة التي كانت كافية لتعمل فرض التنظيف على قدم وساق أمام مرأى ومسمع الجميع للتخلص من أدلة الجريمة، وكان من قبيل الاعتراف بالجريمة بشكل علني".
وأشار إلى "تمادي النائب العام السعودي الذي جاء إلى تركيا في إخفاء الأدلة وبدلا من أن يقدم معلومات حول مصير جثة خاشقجي وأقوال المتهمين التي بين يديه، طلب بيانات هاتف خاشقجي وحاسوبه المحمول وأصول مذكراته ليس من أجل إقرار العدل، بل في سبيل تعتيم الأدلة ليصب في مصلحة مرتكبي الجريمة".
وزاد أقطاي قائلا: "عندما أعلنوا أن بعض المشتبه بهم العاديين لا تربطهم أي علاقة بهذه الواقعة عن طريق تخفيض مستوى الادعاء قدر المستطاع في مرحلة إعداد مذكرة الادعاء التي تعتبر إحدى مراحل القضية التي أقاموها، ليوهموا العالم أنهم مهتمون بإقامة هذه الدعوى، فإنهم قد أشاروا لمرتكبي الجريمة الحقيقيين".
واستطرد: وفي النهاية حمّل القضاء السعودي مسؤولية الجريمة لخمسة متهمين فقط من أصل 20 متهما توصلت إليهم النيابة العامة في إسطنبول وأصدرت بحقهم أوامر توقيف، كان منهم 18 فاعلا ومحرضان اثنان. وبعد أن أصدرت المحكمة حكما بإعدام هؤلاء الخمسة وتبرئة الآخرين، ألغت حتى حكم الإعدام بحق هؤلاء الخمسة بعدما صرح نجل خاشقجي أن أسرته عفت عنهم".
تساؤلات ملحة
وطرح أقطاي جملة من التساؤلات، قائلا: "فهل يمكن أن يكون لأبناء جمال خاشقجي صلاحية العفو عن مرتكبي جريمة تعتبر أم الجرائم، ولها بعد متعلق بكونها كأنها ارتكبت بحق البشرية كلها؟ هل يمكن لأحكام الشريعة التي تحججوا بها أن تسمح لأمر كهذا؟، وهل يمكن لمن يزعمون أنهم يستندون للشريعة في هذه القضية أي احترام للشريعة ذاتها؟
وتابع: "فهذه أسئلة مستقلة لا شك أنها تنير دربنا في هذا المقام، لكن هذا يكشف عن حقيقة بكل وضوح، ألا وهي أنه ليس للسعودية لا القدرة ولا الصلاحية على محاكمة هؤلاء القتلة".
وأردف: "ذلك أن المتهمين في الوقت الراهن ما يزالون يتمتعون بتأثير كبير وصلاحية قوية على القضاء في السعودية، كما ما يزالون قادرين على التأثير في أحكام هذا القضاء".
واعتبر أقطاي أن القضاء التركي هو الجهة الوحيدة تقريبا القادرة على فعل شيء ما إزاء هذا الأمر في ظل أمل معدوم من أن يقدم القضاء السعودي على شيء ما حول القضية، خاصة وأن أحدا لن يستطيع أن يتحدث حول حياد القضاء التركي.
خصوصا وأن تركيا صاحبة مسرح الجريمة وهي صاحبة الأرض التي ارتكبت الجريمة بحقها، فضلا على أن الكثير من الأطراف كان ينتظر أن تقدم أنقرة على هذه الخطوة بالفعل.
وفتحت النيابة العامة في إسطنبول في أبريل/ نيسان 2020 الفصل الأول من الدعوىـ التي أتمتها من خلال الأدلة التي كانت تجمعها منذ وقت طويل.
وورد في لائحة الادعاء توجيه تهمة "التحريض على القتل بوحشية وتعذيب مع سبق الإصرار والترصد" بحق كل من نائب رئيس المخابرات السعودي أحمد العسيري، وسعود القطحاني رئيس الاتحاد السعودي للأمن السيبراني، بوصفهما المتهمين اللذين وزعا المهام من أجل تنفيذ جريمة قتل خاشقجي وأصدرا التعليمات لسائر المتهمين الآخرين.
ووجهت للمتهمين الثمانية عشر الآخرين تهمة "القتل بوحشية وتعذيب مع سبق الإصرار والترصد". وقد عقدت أولى جلسات هذه الدعوى في إحدى محاكم الجنايات في إسطنبول.
وأوضح الكاتب أنه بغض النظر من غياب المتهمين العشرين الصادر بحقهم أحكام التوقيف، فإن الأدلة دامغة والاعتراف سيد الأدلة وهذا كله يكفي لإثبات الاتهام والتثبت من المتهمين وجريمتهم الشنيعة ومن ثم إدانتهم بما يوازي ما اقترفت أيديهم.
إن هذه الخطوة التي بدأها القضاء التركي تؤكد ما صرحت به أنقرة وهي أنها لا ترى ما حدث على أرضها بأنه شأن سياسي، بل الأمر قانوني تماما وقد وصل الأمر إلى القضاء شأنه شأن أي قضية أخرى يتوجب العمل عليها كما ينبغي.
وختم أقطاي مقاله، بالقول: "وعليه من الضروري لاستكمال هذه القضايا ضرورة حضور المتهمين وامتثالهم لهيئة المحكمة، وبالطبع من يعترض على ذلك فهو متواطئ مع القتلة ويحميهم وربما قد حرضهم ولا يبنغي أن يحتج أحد إذا ما وصف بهذه الصفات وكان بالفعل يقوم بذلك".