حارب النقاب وفرض الكمامة.. كورونا يكشف تحيز جونسون

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة الإندبندنت البريطانية: إنه اعتبارا من الخامس عشر من يونيو/حزيران 2020، أصبح تغطية الوجه أمرا إلزاميا في كافة وسائل النقل في المملكة المتحدة، وذلك بعد أن واجهت النساء المسلمات المحجبات تعقيدات وتضييقات مشددة خلال السنوات الماضية بسبب ارتدائهن الحجاب والنقاب.

وتحدثت الصحيفة عن أسماء بكار، 26 سنة، تعمل كمدرسة احتياطية في المدارس الثانوية في مدينة ليستر، لكنها الآن في إجازة أمومة حيث بالكاد ولدت ابنتها مؤخرا. وهذه الشابة مسلمة ترتدي النقاب، وهو عبارة عن حجاب وجه يغطي كل شيء ما عدا العيون.

منذ أن كانت في الرابعة عشرة من عمرها، كان اختيارها للقيام بذلك مهما من الناحية الدينية في وجهة نظرها، ولكن هذا يعني أنها غالبا ما أجبرت على الشعور بعدم الارتياح في الأماكن العامة وكانت هدفا للكارهين للإسلام "الإسلاموفوبيا" في بريطانيا.

نشر الإسلاموفوبيا

كان هذا هو الحال تجاه الإسلام بشكل عام، والمنتقبات بشكل خاص، ففي عام 2018، شبه رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون النساء اللواتي يرتدين البرقع بـ "علب البريد" و"لصوص البنوك". وفي نفس العمود في صحيفة تليجراف قال أيضا: إنه شيء سخيف أن يختار  الناس ارتداء الحجاب.

وقد أسفر هذا المقال الفردي عن ارتفاع بنسبة 375 ٪ في حوادث "الإسلاموفوبيا".

وأفادت مجموعة المراقبة "تل ماما"، أنه في الأسابيع الثلاثة التي تلت نشر المقال، كانت 42 ٪ من الحوادث غير المتصلة بالإنترنت تشير مباشرة إلى بوريس جونسون واللغة المستخدمة في مقاله.

"إنه شيء نتذكره بشكل واضح، فحديث بوريس جونسون قد شرّع العنصرية والإسلاموفوبيا"، هكذا بدأت سارة جيمس، التي تقطن لندن، حديثها مع الإندبندنت مضيفة أنها اعتنقت الإسلام في 2006 وارتدت النقاب لمدة 6 سنوات.

وتضيف: "كانت معظم تجاربي السلبية عند التسوق في البقالة، وأقسم أن ما أقوله قد حدث، قيل لي أن أعود إلى بلدي، وأطلقوا علي اسم داعش (تنظيم الدولة) أو إرهابي مرات عديدة"، بالضبط كما يقول جونسون.

وتتابع: "في إحدى المرات، دفع شخص غريب عربة تسوق تجاهي وصدمني بها في تيسكو (سلسلة سوبر ماركت شهيرة في بريطانيا)، وكنت حاملا في ذلك الوقت".

وأشارت الإندبندنت في تقريرها إلى أن الانتهاكات ضد المرأة المسلمة، التي ترتدي الحجاب أو النقاب أو البرقع قد باتت من الأمور المسلم بها.

فبين عامي 2018-2019 حصل الاعتداء على النساء المرتديات للحجاب أو النقاب بنسبة 47% من نسبة الاعتداءات لأسباب دينية في بريطانيا، في الوقت الذي يشير فيه تقرير "تل ماما" إلى أن حوالي 80 ٪ من الضحايا في هذه الحالات هم مسلمون يمكن التعرف عليهم من مظهرهم.

وبالإضافة إلى استمرار الخوف، كان على المسلمين التعامل مع الارتفاع في جرائم الكراهية مع انتشار "الإرهاب العالمي"، حيث تسببت هجمات مسجد كرايستشيرش (في نيوزيلندا) بزيادة 600 ٪ في جرائم الكراهية ضد المسلمين في المملكة المتحدة.

وأوضحت الصحيفة أن الأمر وصل إلى الحد الذي ذكرت فيه امرأة مسلمة ترتدي النقاب أن رجلا في أكسفورد كان  يقلد أصوات البندقية عندما شاهدها وهي ترتدي الحجاب بعد ذلك.

لكن مع استمرار تفشي جائحة كورونا في أنحاء العالم، ومحاولة الحكومات إيجاد وسائل للسيطرة على انتشاره، لن يكون المسلمون هم الأقلية الوحيدة المحجبة.

وقالت الصحيفة: إنه في 15 يونيو/حزيران 2020 أعلن بوريس جونسون -السياسي الذي تسبب بموجة كراهية ضد المسلمين- إلزامية ارتداء الناس في المملكة المتحدة أغطية الوجه في وسائل النقل والأماكن الأخرى.

اختلاف الدوافع

وعلى الرغم من اختلاف الدافع لارتداء غطاء الوجه، فإن النتيجة هي نفسها: دولة تشجع مواطنيها الآن لارتداء نفس الملابس التي ترتديها أقلية، وكان رئيس وزرائها يسخر ممن يرتدين هذه الأغطية، بل ويصفهن بالإرهابيات.

تقول شاينا أحمد، معلمة حضانة تبلغ من العمر 32 عاما وزوجة إمام مسجد في جنوب شرق إنجلترا: إنه قبل كوفيد 19، كان ارتداء النقاب أو غطاء الوجه في بريطانيا مرهقا للغاية بسبب الضغوط التي يمارسها عليها المجتمع.

وتضيف: "أشعر أنني يجب أن أكون أكثر حميمية في الأماكن العامة، لأنني أمثل المجتمع المسلم للمجتمع غير المسلم، بينما يتم دعمي كزوجة الإمام من قبل الجالية المسلمة المحلية".

تقول هؤلاء النساء المسلمات: إنه على الرغم من أنهن يرحبن بالسماح والتشجيع على أغطية الوجه الآن، فإنهن محبطات من الاختلاف في السياق، حيث تقول أسماء بكار: "إذا كنت أرتدي النقاب وكان الشخص بجانبي يرتدي قناع الوجه، فنحن نغطي نفس أجزاء وجهنا، إلا أن لكل منا أسبابه الخاصة ودوافعه لفعل نفس الشيء".

وتمحورت العديد من الحجج ضد الحجاب الإسلامي الذي يتم ارتداؤه علانية في العقد الماضي حول فكرة أنه لا يمكنك أن تكون جزءا من المجتمع إذا كنت ترتدي الغطاء، لأن الناس لا يمكنهم التحدث إليك، ولا يمكن للسلطات أن تتعرف عليك، وبدون رؤيتك بشكل كامل فأنت قد تشكل خطرا أمنيا خاصة في المطارات والطائرات وغيرها.

وتشير الإندبندنت في تقريرها إلى أن المثال الأكثر وضوحا للتغييرات والتناقضات كان في فرنسا.

ففي الوقت الذي منعت فيه كافة أنواع تغطية الوجه التي تتعلق بممارسة طقوس دينية في عام 2011، فإنها الآن وفي سياق جهود مكافحة انتشار فيروس كوفيد 19، قد أقرت أيضا قانونا يحاسب كل من لا يرتدي قناع الوجه، في الوقت الذي لا يزال فيه النقاب من الممنوعات والمحرمات قانونا.

وتقول أسماء بكار: إن كل هذا يظهر أنها لم تكن تتعلق أبدا بأمور أمنية أو لوجستية، وقد تمحورت حول الخوف من الإسلام.

وتابعت: "لقد كشفت القواعد الجديدة عن تحيزات الناس، لم يكن الأمر يتعلق بخرق الإجراءات الأمنية أو حول تحديد الهوية أو حتى كونه حاجزا للاتصال في المجتمع، بل هذه كانت حجج لمنع الحجاب، لكن بما أن الحجاب يمثل الإسلام، افترض الناس أن تغطية وجهك كانت عقلية متخلفة".

وتتفق سارة جيمس مع ما قالته أسماء بالقول: "إن النقاب له سمعة سيئة لأنه كلما حدث أي شيء سيئ فيما يتعلق بالإرهاب أو المتطرفين، فإن صورة امرأة تغطي وجهها تستخدم دائما في وسائل الإعلام".

وتشير الإندبندنت إلى أن النقاب دائما ما كان مرتبطا بإجبار المرأة على ارتدائه، فهو يمثل المرأة المقهورة والمجبرة، إلا أن الأمر كان مختلفا بالنسبة لأسماء بكار التي خيرها والدها بين ارتدائه من عدمه، وهي التي اختارت بكامل حريتها ارتداء النقاب.

أما بالنسبة لسارة جيمس فكانت سعيدة بقرار ارتدائه، بالإضافة إلى أن النساء المنتقبات دائما ما يكن مثقلات بفكرة أن النقاب عزلة وإشارة على التخلف والقهر، ومن المؤكد أن النساء المنتقبات يحاولن بكل قوتهن الاندماج في المجتمع، إلا أن الأخير لا يعطيهن الفرصة لذلك، وفق الصحيفة.

وتضيف شاينا أحمد: “رأيت مجموعة من الناس في شارعي يرتدون قناع وجه أسود وكان من اللطيف رؤية أشخاص يشبهونني لمرة واحدة. إنها تجعلني أفكر ما الفرق بيني وبينك؟، وتضيف أن الأمر سيسمح لها أيضا باستخدام وسائل النقل العام بشكل أكبر، حيث كانت تفضل في السابق قيادة سيارتها بسبب الخوف من التعرض للهجوم.

على غرار أحمد تقول بكار: إن الأشهر القليلة المقبلة ستوفر مشهدا متغيرا لعلاقتها بنقابها، فهي عادة ما تخلعه في الأماكن العامة حيث تشعر بأنها مهددة، الآن تحولت إلى نقاب مدمج مع قناع، مما يقلل من قلقها ويجعلها تشعر بأنها ليست مستهدفة.

وتأمل هؤلاء النساء في أن تغير تغطية الوجه السائدة في المجتمع من منظور الناس وزيادة التفهم والتعاطف معهم.

بالنسبة للمرأة المسلمة التي عانت طويلا من العنصرية بسبب ارتدائها للنقاب، تأمل الصحيفة أن توفر أغطية الوجه الجديدة الحماية ضد فيروس كورونا وضد التحيزات والكراهية في المستقبل وأن لا يعود باستطاعة السياسيين أو الجمهور الادعاء بأن غطاء الوجه هو الذي يمثل تهديدا، عندها فهم يحتاجون فقط إلى النظر في المرآة.