تقرير الحالة العربية: يونيو/حزيران 2020

12

طباعة

مشاركة

المحتويات
مقدمة
المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي
  • السعودية
  • قطر
  • مصر
المحور الثاني: الحالة السياسية
  • الحالة اليمنية
  • الحالة الفلسطينية
  • الحالة التونسية
  • الحالة الليبية
  • الحالة المصرية
  • الحالة السورية
المحور الثالث: الاقتصاد العربي
  • تعقد المشهد الاقتصادي في لبنان
  • التبعات الاقتصادية لقانون قيصر على سوريا
  • انكماش اقتصاديات الخليج في 2020
المحور الرابع: الحالة الفكرية
  • في ذكرى رحيل الكواكبي.. الاستبداد وطرق التخلص منه
  • آفة العنصرية وكيف حاربها الإسلام
خاتمة

مقدمة

أصبح الاستقرار السياسي والأمني عزيزا في المنطقة العربية، ويغذي هذه الحالة سوء التصرفات العربية، ومحاولة بعض القوى فرض إرادتها على دول أخرى، أو التصرف بما هو أشد سوءا من خلال تمكين قوى أجنبية في دول المنطقة، وهو ما مثلته حالة الحضور الروسي على الأراضي الليبية، لتصبح موسكو إحدى القوى المتحكمة في مصير ليبيا، بعد أن وطئت أقدامها سوريا.

وتقرير الحالة العربية في يونيو/حزيران 2020، يرصد عبر محاوره الأربعة الرئيسة، أوضاع جائحة كورونا، على صعيد أبرز الأقطار العربية التي تعاني منها، وكيف يتم التعامل معها. كما يتناول محور الحالة السياسية، التطورات في كل من اليمن وفلسطين وتونس وليبيا ومصر وسوريا، وإن كانت المنطقة تعج بحالة اضطراب سياسي وأمني، إلا أن الحالة الليبية، هي الأكثر حضورا من حيث خطورة أوضاعها، وتعدد أدوار الفاعلين الخارجيين فيها.

وفي محور الاقتصاد العربي، كانت الأحداث الأبرز هي واقع الأزمة الاقتصادية في لبنان، وكذلك العقوبات الاقتصادية الجديدة على سوريا من خلال ما يعرف بقانون "قيصر"، وأيضا الإشارة إلى توقعات الصندوق والبنك الدوليين حول الانكماش في اقتصاديات الخليج في 2020.

أما محور الحالة الفكرية، يتناول ظاهرتين بارزتين خلال الشهر، الأولى وهي الاستبداد، والتي تواكبت مع ذكرى رحيل المفكر العربي عبدالرحمن الكواكبي، كما يتناول التقرير في موضعه الثاني آفة العنصرية وكيف حاربها الإسلام.


المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي

بمرور نحو ما يزيد عن ستة أشهر على ظهور (COVID-19) المعروف باسم فيروس كورونا، ضربت الجائحة نحو 213 دولة، وبلغت عدد الإصابات المكتشفة ما يبلغ قرابة 10.5 مليون حالة حول العالم منذ بداية الأزمة في ديسمبر/ كانون الأول العام 2019 حتى نهاية شهر يونيو/ حزيران 2020، توفي منهم ما يربو على 510 آلاف إنسان.

كان نصيب العالم العربي من هذه الإصابات نحو 600 ألف إصابة، بنسبة قدرها 5.7% من مجمل الإصابات المكتشفة حول العالم، أما الوفيات فنحو 9,558 وفاة، أي بنسبة بلغت 1.9% من إجمالي وفيات العالم جراء هذا الفيروس (كل الأرقام التي وردت، وسترد، في هذه الورقة، مصدرها موقع "Worldometer" الإحصائي العالمي).

وبما أن نسبة سكان الوطن العربي إلى العالم تبلغ نحو 6.6%، فإن هذه الأرقام تعني -نظريا- أن منطقتنا في حال أفضل من الأقطار الأخرى، أو أن منظومته الصحية قد استطاعت السيطرة على المرض بشكل كبير.

بيد أنه من المعلوم في الإحصاء أن الأرقام والإحصاءات لا تعبر -بالضرورة- وحدها عن الواقع، بل قد تبدو الأرقام -أحيانا- مغايرة لما عليه الواقع، فلا بد من النظر وراء هذه الأرقام حتى نستطيع النظر ما إذا كانت دلائل هذه الأرقام صحيحة أم لا.

ومن المعلوم أن عدد الإصابات -على وجه التحديد- لا يعبر عن نجاح أو فشل الدولة أوالمنظومة الصحية في مواجهة الفيروس، بل إنه العامل الأقل أهمية على الإطلاق في التقييم.

وتتعدد العوامل التي تمثل أهمية أكبر بالنسبة للتقييم مثل نسبة الوفيات إلى المفحوصين، عدد الفحوصات اليومية، نسبة الفحوصات المُجراة إلى عدد السكان، الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة قبيل انتشار المرض، الإجراءات التي تتخذها الحكومة بعد انتشار المرض، كذلك نسبة المصابين إلى المفحوصين، كل هذه العوامل وغيرها لا بد أن توضع في الميزان حتى يكون التقييم أكثر انضباطا وواقعية.

تحاول هذه الورقة استكمالَ ما بُدِءَ في الشهرين الماضيين من رصد وتحليل للأرقام المعلنة من قبل الحكومات العربية حول فيروس كورونا ومدى انتشاره في بلدانهم.

بشكل عام، فإن عدد الإصابات المكتشفة في الدول العربية تضاعف نحو مرتين ونصف خلال شهر يونيو/ حزيران عنه في سابقه، ففي مايو/ أيار، بلغ عدد الحالات المكتشفة نحو 242 ألف مصاب، إلا أن الرقم تجاوز الـ 600 ألف مصاب هذا الشهر.

كما أن الوفيات قد تضاعفت نحو 3 مرات خلال نفس الفترة الزمنية، وهي نفس النسبة التي تضاعفت بها نسبة الوفيات خلال الشهر السابق.

بلغت نسبة الوفيات إلى المصابين في العالم العربي نحو 1.2% في مايو/أيار الفارط، بينما بلغت النسبة في يونيو/حزيران نحو 1.6%. يظهر أن نسبة الوفيات أقل بكثير من نسبة الوفيات العالمية في يونيو/حزيران، حيث بلغت نحو 8%.

تبدو نسبة الوفيات العربية إيجابية بالنسبة للمعدل العالمي، إلا أنه لا ينبغي إغفال أن عدد الوفيات أو الإصابات قد يتأثر بشكل كبير بعدد فحوصات الـ PCR التي تجريها كل دولة، حيث إن السبيل الوحيد لحساب الإصابات أو الوفيات من هذا الفيروس هو اكتشاف حامليه عن طريق هذا التحليل، ففي حالة عدم إجراء الفحوصات، قد يموت الكثيرون دون معرفة السبب الحقيقي وراء موتهم، سواء كان كورونا أو غيره.

لمحاولة رصد ما وراء هذه الأرقام، سواء كانت إيجابية أو سلبية، يحاول التقرير البحث في الأرقام الصادرة عن كل دولة على حدة. ويعتمد التقرير على الترتيب التنازلي ويكتفي بأخذ الدول أصحاب المراكز الثلاثة الأولى من حيث أعداد الإصابات.

السعودية:

لا تزال السعودية صاحبة المركز الأول من حيث عدد الإصابات المكتشفة على مستوى الوطن العربي، وتقدم مركزها عالميا لتحتل المركز الخامس عشر. بلغ عدد مصابيها في يونيو/حزيران نحو 182,493 مصابا، بزيادة قدرها نحو 238% عن الشهر السابق. وبلغ عدد الوفيات 1,551 وفاة، بزيادة قدرها 377% عن مايو/أيار، أي بنسبة 0.9% من إجمالي المصابين في المملكة، ورغم أن هذه النسبة ارتفعت خلال يونيو/حزيران نحو 0.3%، إلا أن النسبة ما تزال متميزة للغاية مقارنة بالنسب العالمية.

 ومن ناحية فحوصات الـ PCR، بلغ عدد فحوصات المملكة منذ ظهور الفيروس مطلع مارس/ آذار حتى اللحظة 1,564,039 مليون فحص (منهم أكثر من 825 ألف فحص في يونيو/حزيران فقط)، (44,414 فحصا لكل مليون نسمة). وبلغت نسبة المصابين إلى المفحوصين بنحو 11%.

قطر:

كذلك ثبتت قطر في مركزها الثاني عربيا من حيث عدد الإصابات المكتشفة، ولم تبرح كذلك المركز 20 عالميا. تضاعفت عدد حالات الإصابة في يونيو/حزيران نحو 4 أضعاف عن سابقه، فبلغ عدد الإصابات منذ ظهور الفيروس مطلع شهر مارس/ آذار نحو 94,413 ألف مصاب، وارتفعت عدد الوفيات لتصل إلى 110 وفيات، بزيادة أكثر من ضعفين في مايو/أيار.

 ومن ناحية فحوصات الـ PCR، أجرت قطر 349,153 ألف فحص خاص بفيروس كورونا (منهم أكثر من 153 ألف فحص في يونيو/حزيران، (124,351 فحص لكل مليون نسمة). ومن حيث النسب، فبلغت نسبة الوفيات إلى المصابين نحو 0.1%، كما بلغت نسبة المصابين إلى المفحوصين 27.04%، وهي نسبة مرتفعة ومؤشر غير جيد، جدير بالذكر أن النسبة كانت 20% في مايو/أيار.

مصر:

تقدمت مصر من المركز الخامس عربيا إلى الثالث، وبلغ ترتيبها الرابع والعشرين عالميا. بلغت عدد الحالات الإيجابية المكتشفة منذ بداية الأزمة حتى الآن نحو 65 ألف حالة، بمعدل تضاعف بلغ نحو 4 مضاعفات. وبلغت الوفيات 2,789 وفاة، بنسبة بلغت 4.2% من إجمالي المصابين. بينما استمر انعدام الشفافية التي تدير بها مصر أزمتها منذ البداية، فالحكومة لا تعلن عدد الفحوصات الحقيقية التي تجريها.

إلا أن الأشهر الثلاثة الأولى كانت الفحوصات فيها منخفضة للغاية مقارنة بعدد السكان، علاوة على أن الأخبار المتواردة من الداخل المصري تدل على أزمة في إجراء الفحوصات في مصر. كما أن نسبة الوفيات المرتفعة مقارنة بغيرها من الدول العربية يلقي بظلال الشك والتساؤل عن الأداء الحقيقي والقدرة الفعلية للمنظومة الصحية المصرية.


المحور الثاني: الحالة السياسية

بينما ينكب العالم للبحث عن مصل أو لقاح لوباء الكورونا، وفي حين تكافح الدول من أجل التعافي من الآثار الاقتصادية التي سببتها وما تزال الأزمة كورونا، فإن المنطقة العربية تحاول منكبة البحث عن علاج يشفيها من داء الديكتاتورية والاستبداد، ولا تزال تلك الشعوب التي تنسمت نسيم الحرية تكافح ضد "قوى الشر".

اليمن لا يزال مصيره مجهولا في ظل شبح التقسيم الذي يطارده، فالهدنة الشكلية انتهت بين التحالف السعودي الإماراتي ومليشيات الحوثيين، مع تصاعد العنف بين الطرفين، في حين أن الضحايا المدنيين هم الخاسر الأكبر.

وصَعّد "المجلس الانتقالي الجنوبي" ذو المطالب الانفصالية إجراءاته في المدن الجنوبية، وأحكم سيطرته على جزيرة "سقطرى"، والمستقبل لا يزال مجهولا.

كما أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل الإجراءات التعسفية ضد الفلسطينيين، بينما يمضي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدما في محاولة تنفيذ "فرض السيادة" على 30% من الضفة الغربية، والإدانات الدولية تلاحقه، والرجاء أن تحقق هذه الإدانات شيئا للشعب الفلسطيني. في نفس الوقت، لا تزال تسارع العديد من الدول العربية نحو التطبيع مع الكيان المحتل.

حتى تونس، الدولة العربية الوحيدة التي تعيش في جو من الحرية والديمقراطية منذ عقد من الزمان، تعاني من محاولات مستمرة لإفساد ديمقراطيتها من قبل بقايا الثورة المضادة في الداخل التونسي، والذين وصل بعضهم إلى البرلمان، ويدعمهم في ذلك دول عربية.

وحافظت حكومة الوفاق على انتصاراتها، وتقدمت شرقا حتى وصلت إلى مشارف "سرت"، وسيطرت على "ترهونة". والتدخلات الخارجية آخذة في التصعيد بعد التراشقات الكلامية بين فرنسا وتركيا من جهة، وبين القاهرة وأنقرة من جهة أخرى، علاوة على دخول بلاد المغرب العربي على خط الأحداث.

ولا تزال إثيوبيا تصر على استكمال ملء سد النهضة في يوليو/ تموز 2020، دون الوصول لاتفاق نهائي مع النظام المصري، مما يشكل بلا شك تهديدا إستراتيجيا للشعب المصري. ومصر تُصَعّد الأزمة دبلوماسيا إلى مجلس الأمن.

وفي الحالة السورية، دخل قانون "قيصر" حيز التنفيذ هذا الشهر، ومن المتوقع أن يسبب هذا القانون ضغطا اقتصاديا كبيرا على النظام السوري، علاوة على عزلة دولية يفرضها القانون حال تنفيذه.

الحالة اليمنية

  • انتهاء الهدنة "الشكلية".. وتصاعد العنف

يبدو أن أطراف الصراع قد سئموا الشكليات، فبالرغم من أن مبرر الهدنة كان التصدي لوباء كورونا والحيلولة دون تفاقم الأوضاع الصحية، ومع أن الجائحة لا تزال مستمرة، بل إنها أخذت منحى تصاعديا خطيرا في اليمن ذي المنظومة الصحية المهترئة جراء عوامل الحرب والفساد، إلا أن المتصارعين لم يُجددوا هدنتهم "الشكلية" المعلن عنها ابتداء من قبل التحالف السعودي الإماراتي في التاسع من أبريل/ نيسان 2020[1]، ثم جُددت الهدنة مرة أخرى بعد أسبوعين لمدة شهر آخر.

وبالرغم من أن آلاف الخروقات قد حدثت من جميع الأطراف خلال فترة الهدنة، فإن أحداث العنف تصاعدت بشكل أكبر بعد انتهائها، وعادت أرواح اليمنيين تُستهدف مرة أخرى بطائرات التحالف وقذائف الحوثيين سواء بسواء، ويكتفي الطرفان بتحميل الآخر مسؤولية استهداف المدنيين أو الأطفال[2]، فوزير الصحة في حكومة الحوثيين (صنعاء)، د. طه المتوكل، يعلن أن غارات جوية لطيران التحالف أردت إثرها نحو 13 قتيلا بينهم 4 أطفال في محافظة صعدة شمال شرق البلاد بالقرب من الحدود السعودية[3]، وكذلك أعلن التحالف إسقاط عدة طائرات مسيرة واعتراض عدد من الصواريخ أُطلقت صوب مدينة خميس مشيط جنوب السعودية[4].

لا يلوح في الأفق بوادر لحل هذا الصراع الذي بدأ عام 2014 باستيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية، صنعاء، وطرد الحكومة الشرعية. ثم تدخلت السعودية والإمارات لإعادة الأمور إلى مجراها، ودخلوا اليمن تحت اسم "تحالف دعم الشرعية" عام 2015. ويبدو أن 5 سنوات لم تكن كافية لحسم هذا الصراع لصالح أي طرف من الأطراف. فالأحداث تتصاعد ميدانيا، ولا يقوى أي طرف -طبقا للمعطيات الحالية- على حسم الصراع عسكريا، وحتى سياسيا، كل الأطراف على مواقفها لا تتزحزح، ولا تبدي أي بادرة للتنازل للوصول إلى حل سياسي سلمي شامل.

وبالرغم من الأنباء والتحليلات المتواردة عن أن السعودية تشعر أنها تورطت في حرب لا نهاية لها وأنها تريد الانسحاب بشكل ما من هذه الحرب، وخصوصا بعد الأزمة الاقتصادية التي تعيشها جراء أزمة كورونا وحرب أسعار النفط، فإن ذلك لن يغير كثيرا -بالنسبة للشعب اليمني- في الواقع على الأرض، غير أنه يعني -على الأغلب- تثبيت الأوضاع الحالية، والسير فعليا في مسار تقسيم اليمن إلى شمال معظمه بيد الحوثيين، وجنوب تتنازع عليه الحكومة الشرعية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي ذي المطالب الانفصالية.

  • مواصلة التصعيد بين الانتقالي والشرعية.. وموقف السعودية بدا متأرجحا

شهد شهر يونيو/ حزيران تصعيدا في العمليات بين قوات الحكومة المدعومة سعوديا، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتيا، حيث تصاعدت الأحداث في سقطرى وأبين وحضرموت بين الطرفين، بالرغم من أن السعودية تضغط باتجاه الوصول إلى حل سياسي وتنفيذ اتفاق الرياض[5]، إلا أن جهودها لم تثمر حتى الآن.

كان الحدث الأبرز هو ما جرى في سقطرى، حيث استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي السيطرة على جزيرة أرخبيل سقطرى صبيحة يوم 18 يونيو/ حزيران[6] بعد أيام من سيطرته على معسكر القوات الخاصة، آخر القواعد العسكرية التابعة للحكومة الشرعية في الجزيرة التي تبعد عن السواحل اليمنية نحو 350 كم، وتطل على خليج عدن.

اللافت للنظر أن هذا "الانقلاب" -حسب وصف الحكومة الشرعية[7]- جاء عقب ساعات من عقد اتفاق رعته القوات السعودية بين قوات الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، حيث أعلن مساء يوم 17 يونيو/ حزيران عن عقد اتفاق هدنة بين الطرفين في محافظة سقطرى، وتلخصت بنوده في إعادة جميع الآليات العسكرية إلى مقارها الرئيسية، والسيطرة على المسلحين من قبل قادتهم، وكذلك عدم رفع السلاح في وجه أي طرف من الأطراف، بالإضافة إلى إزالة جميع نقاط التفتيش الأمنية -سوى ما ينشئه التحالف-، والتنسيق مع التحالف في أي تحرك للمعدات العسكرية خارج مقراتها.

وهو ما نفذته الحكومة الشرعية بشكل مباشر عقب توقيع الاتفاق برعاية سعودية، فانسحبت من نقاط التفتيش وتوجهت إلى مقراتها، إلا أن الغريب هو أن قوات تابعة للانفصاليين خرجت من مقر اللواء الأول مشاة وسيطرت على المواقع التي انسحبت منها القوات الحكومية، وسط صمت سعودي استهجنه العديد من المسؤولين اليمنيين، حتى أن محافظ سقطرى، رمزي محروس، قد اتهم الرياض بشكل مباشر بأنها من سهلت سيطرة "الانتقالي" على الجزيرة[8]، واصفا ما حدث بأنه "خذلان وصمت مريب ممن ننتظر منهم النصرة والمؤازرة والوقوف معنا"[9].

بل إن أنباء تواردت عن أن الأمر تجاوز الصمت والخذلان، وأن الأمر وصل إلى مؤامرة اشتركت فيها السعودية، حيث نشر موقع "عربي 21" تقريرا نقل فيه عن مصدر حكومي أن القوات التابعة للانفصاليين مرت من نقطة توجد فيها القوات السعودية دون أي اعتراض من قبل الرياض.[10].

من الممكن تفسير عدم تمكن السعودية من إنفاذ الاتفاقات (على سبيل المثال: اتفاق الرياض واتفاق "سقطرى" الأخير) التي ترعاها بأن المملكة تحاول أن تسحب نفسها شيئا فشيئا من المشهد اليمني، خصوصا بعد تخلي الإمارات عنها وإبقائها في الصدارة تتحمل التكاليف الاقتصادية والسياسية والعسكرية وحدها، وكذلك بسبب الأزمة الاقتصادية التي تواجه المملكة عقب جائحة كورونا وحرب أسعار النفط، وهذا التفسير يفترض أن السعودية تريد الانسحاب وتترك الحرب الدائرة تحسمها القدرات الميدانية على الأرض بعيدا عن تدخلاتها المباشرة كما هو الحال منذ 5 سنوات.

من الممكن كذلك القول بأن السعودية أدركت إصرار الإمارات على دعم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تعاظمت قوته في الأشهر الأخيرة، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين، السعودي والإماراتي لا يرغبان بحدوثها، وهو ما حدا بها إلى التلكؤ أو عدم التحمس لدخول مواجهة حقيقية ضد المجلس الانتقالي، خصوصا بعد اصطحاب العوامل الداخلية التي ذُكرت في الفقرة أعلاه، إضافة إلى أن أحد الدوافع التي تستند إليها الإمارات وقد يُتفهم إصرارها على عدم دعم الشرعية هو أن الحكومة لها صلات مع حركة "الإصلاح" المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين التي تعدها كلا الدولتين جماعة إرهابية، وهذه اللهجة بارزة في الخطاب الذي تتبناه الإمارات أو المجلس الانتقالي، حتى أن المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، النقيب محمد النقيب، دائما ما يكرر في تصريحاته حين يتحدث عن الحكومة الشرعية كلمة "المليشيات الإخوانية".

يبدو أن هذا الصراع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي لن ينتهي هو الآخر، فبالرغم من أن التحالف أعلن أواخر الشهر عن هدنة لإطلاق النار لإفساح المجال للجلوس على طاولة المفاوضات[11]، إلا أنه لم يمر سوى ساعات حتى تجددت اشتباكات بين الحكومة والانفصاليين أودت بحياة جندي وإصابة 3 آخرين من قوات المجلس الانتقالي[12].

 وحتى إن توصلت المباحثات إلى هدنة ، فهي -على الأرجح- هدنة هشة مؤقتة، نظرا للخلاف العميق في وجهات النظر بين الطرفين، فالحكومة الشرعية ترى أن المجلس الانتقالي على أنه مجموعة من المتمردين الانقلابيين الذين يهددون وحدة الوطن وأمنه القومي، في المقابل يرى المجلس أن الحكومة فاسدة فاشلة وتفتقد إلى الشرعية، علاوة على زعمهم أنها مرتبطة بالإخوان.

ولا يقتصر الخلاف بين الطرفين على عالم الأفكار التي يحملها كل طرف عن الآخر، بل إن المصالح بينهما متقاطعة ومتباينة كذلك، فالمجلس الانتقالي له أطماع انفصالية ويريد أن يستحوذ على المدن الجنوبية وما بها من ثروات، بينما الحكومة ترى أنه لا بد أن تبسط نفوذها وسيطرتها على كامل أرض الوطن، حتى أنها ترفض ضمنيا الحوار مع هؤلاء "المتمردين"، ولم تقبل الحوار ولم توقع على اتفاق الرياض إلا لتوحيد الجهود في مواجهة المشروع الإيراني، متمثلا في الحوثيين، وهو ما ظهر جليا في تصريحات محمد الحضرمي، وزير الخارجية في الحكومة الشرعية، حيث ذكر أن "اتفاق الرياض جاء لإنهاء التمرد وتوحيد الجهود لمواجهة المشروع الحوثي ـ الإيراني وليس لشرعنة استمرار التمرد على الدولة"[13].

وعليه، فمن غير المرجح -نظرا للمعطيات الحالية- أن يُتوصل إلى حل نهائي للأزمة بين الانتقالي والحكومة الشرعية، والهدنة -إن حدثت- ستكون هشة مؤقتة. ومن غير المرجح كذلك أن تغير الإمارات موقفها بخصوص دعم "الشرعية" مرة أخرى على حساب "الانتقالي".

المتغير الذي يمكن أن يوصل هذا الصراع في النهاية إلى حسم أو شبه حسم، هو أن ترفع السعودية يدها عن الحكومة الشرعية وتنسحب من هذه الحرب، وحينها، ستكون الكفة أقرب لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، نظرا للدعم الإماراتي، وكذلك نظرا لضعف الحكومة الشرعية، وهنا الحديث عن الجنوب اليمني فقط.

بالنسبة للشمال، فعلى الأرجح -حال ثبات العوامل الحالية- سيظل على حاله بيد الحوثيين لسنوات قادمة، حيث إنه لا قوة -حتى الآن- في الساحة اليمنية قادرة على حسم هذا الصراع والتغلب على الحوثيين، الذراع العسكري الأقوى لإيران في المنطقة، إلى جانب "حزب الله" اللبناني.

الحالة الفلسطينية

  • الكيان مُصِرٌّ على سياسة "وضع اليد" رغم الإدانات الدولية

قادت وزارة الخارجية الفلسطينية هذا الشهر حراكا دبلوماسيا -دوليا وإقليميا- لحشد القوى الدولية والإقليمية في الصف الرافض لخطط نتنياهو، ويمكن القول: إن هذا المسار قد نجح فيما هو متوقع منه. فقد صدرت بيانات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية وغيرها من الدول والمنظمات رافضة لخطط نتنياهو ومحذرة من عواقب وتبعات تنفيذ الضم أو "فرض السيادة".

يبدو أن الكيان المحتلّ مُصِرٌّ على استكمال سياسته القائمة على فرض الأمر الواقع بقوة السلاح دون أي اعتبار لأي ميثاق أو عهد، فإسرائيل لا تريد تفويت فرصة الوقت "الأفضل في التاريخ"[14] لتحقيق أكبر قدر ممكن من أهدافها التوسعية الاستيطانية. فلا تزال المباحثات قائمة داخل الكيان المحتل حول القرار الذي أعلنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في كلمته شهر يونيو/حزيران أمام نواب حزبه "الليكود"، عزمه على تمريره وتنفيذه خلال الأسابيع المقبلة[15].

القرار يقضي بضم أجزاء من الضفة الغربية تبلغ مساحتها نحو ثلث مساحة الضفة الغربية، حيث تعهد نتنياهو بضم غور الأردن الممتد بين بحيرة طبريا وصولا إلى سواحل البحر الميت، إضافة إلى فرض السيادة على جميع المستوطنات في الضفة، والتي يبلغ عددها نحو 130 مستوطنة ومنشأة استعمارية، ويقطن فيها نحو 600 ألف مستعمر صهيوني، منهم مائتا ألف في شرق القدس ويقطن بقيتهم في مستعمرات الضفة الغربية.

وعلى الرغم من الرفض الدبلوماسي الدولي والإقليمي للخطة، إلا أن هذا الرفض -حتى الآن، ونظرا للأحداث التاريخية المشابهة من قبل- غير معول عليه في تغيير الخطط الإسرائيلية بشكل كبير. وهو ما تؤمن به الإدارة الإسرائيلية وتعتمد عليه في معظم سياساتها مع الجانب الفلسطيني، فمتى ما وجدت الفرصة سانحة على الأرض لفرض رؤيتها بالقوة فعلت ذلك دون نظر إلى بيانات الأمم المتحدة أو قرارات مجلس الأمن أو غيرها من الإجراءات الدبلوماسية.

ونتنياهو يدرك هذا الواقع جيدا، فهو يعتبر أن أي خطة واقعية ينبغي أن تقر بواقع الاستيطان الإسرائيلي على هذه الأرض، وألا تغذي أوهام طرد الناس من منازلهم، حسبما أخبر نتنياهو وزير الخارجية الألماني هايكو ماس حين كان واقفا بجانبه في المؤتمرالصحفي المعقود هذا الشهر في تل أبيب[16].

وبالرغم من الإدانات الدولية، فإن الحكومة الإسرائيلية ماضية قدما في تنفيذ سياستها وفرض الأمر الواقع حتى في أبسط المظاهر، فتمهيدا لفرض السيادة بشكل كامل على المستوطنات الإسرائيلية في القدس، تصر الحكومة الإسرائيلية على إنشاء طريق دائري رئيسي يربط بين المستوطنات اليهودية القابعة في شمالي وجنوبي القدس رغم الرفض الكبير من السلطات الفلسطينية المحلية. الخلاصة أن نتنياهو يرفض أي حل لا يعترف بخطوات "وضع اليد" التي اتخذتها إسرائيل على مدار العقود الماضية.

والتاريخ خير شاهد على ذلك، فبعد أن كانت المطالبة بكامل الأرض الفلسطينية حقًّا مشروعا للفلسطينيين قبل هزيمة العرب في نكسة يونيو/ حزيران عام 1967، باتت المطالبة بعدها بالأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 67 فقط، ومع اعتراف الأمم المتحدة والعالم كله بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم جنبا إلى جنب مع إسرائيل على حدود 1976، إلا أن إسرائيل لم تنفذ قرارات الأمم المتحدة ولم تنسحب -فعليا- من الأراضي التي احتلتها. بل بدأت في الاستيلاء على أراض جديدة عن طريق بناء المستعمرات والمستوطنات وتهجير الفلسطينيين، حتى بلغ الإسرائيليون خارج حدود 1967 أكثر من 600 ألف إسرائيلي يشغلون مناطق مساحتها تصل لأكثر من ثلث الضفة الغربية.

هذه الأعداد من المستوطنين لا يتبعون إداريا -حتى الآن- لما يسمى بدولة إسرائيل. وهذا ما يريده نتنياهو بالتحديد، أن يجعل الأراضي التي أخذها المستوطنون عن طريق بناء المستعمرات إلى أراض إسرائيلية بالفعل، تخضع للسيادة الإسرائيلية كاملة.

وبالرغم من أن جميعَ دول العالم لا تعترف بالقدس عاصمة للكيان، فإن إسرائيل تعتبرها كذلك، خاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل في عام 2017 ونقلت فارتها إلى هناك، عقب وصول الرئيس دونالد ترامب، إلى السلطة. ورغم الرفض الدولي والإقليمي لهذه الخطوة، إلا أن ذلك لم يغير من الواقع شيئا، كون أن الرفض اقتصر على الجانب الدبلوماسي الذي لا تعبأ به تل أبيب كثيرا.

  • التطبيع العربي-الإسرائيلي.. مسلسل مستمر رغم التعنت الإسرائيلي

بالرغم من الموقف الإسرائيلي المتعنت الذي لا يعترف بغير "وضع اليد" لغة، بيد أنه لا تزال العديد من الحكومات العربية تُعول (فقط) على الحوار العربي-الإسرائيلي حلا للقضايا العربية والفلسطينية مع الكيان المحتل.

تحاول الإمارات شرعنةَ التطبيع مع إسرائيل وجعله أمرا واقعا عند الشعوب العربية، فوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، يعلن أن أبوظبي يمكنها العمل مع "تل أبيب" في بعض المجالات بالرغم من الخلافات السياسية بين البلدين، مؤكدا كذلك أن التواصل معها مهم وسيؤدي لنتائج أفضل من مسارات أخرى اتُّبعت في الماضي، في إشارة إلى مسارات المقاومة والنضال الشامل ضد وجود الاحتلال في جسد الأمة العربية.

ذكر الوزير ذلك في لقائه أمام مؤتمر اللجنة الأميركية اليهودية، المعنية بدعم الصهيونية، يوم الثلاثاء 16 يونيو/ حزيران الحالي[17]، وكان اللقاء أحد فعاليات مؤتمر دعت له اللجنة بهدف مناقشة الملفات التي تهم اليهود في العالم، بما في ذلك "تصاعد معاداة السامية وأشكال الكراهية في حقبة جائحة كورونا، ومساعي إسرائيل لتحقيق السلم والأمن".

لم يكن ذلك هو المشهد الوحيد الذي حاولت فيه الإمارات إظهار الود والألفة مع الكيان المحتل هذا الشهر، فيوسف العتيبة، السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، كتب في الثاني عشر من هذا الشهر مقالا "ودودا" موجها إلى الشعب الإسرائيلي من خلال جريدة "يديعوت أحرونوت" العبرية، معتبرا أنه يمكن اعتبار إسرائيل فرصة وليس تهديدا، ومذكِّرا بالتقدم الذي رأيناه والمواقف التي تغيرت تجاه تل أبيب.

ويرى العتيبة أن الناس أصبحوا أكثر تقبلا لإسرائيل وأقل عداء تجاهها، وحذر من أن قرار الضم -حال تنفيذه- قد ينسف هذه التقدمات[18]. بدا مقال العتيبة -من وجهة النظر الفلسطينية- محاولة لإيجاد أرضية مشتركة للتطبيع مع إسرائيل، وأنه يولي التأكيد على أهمية التطبيع معها في أهمية تفوق التأكيد على أحقية الشعب الفلسطيني في تحديد مصيره.

واستكمالا لمسلسل التطبيع، تحاول إسرائيل الضغط على المملكة الأردنية الهاشمية لتضمن عدم التصعيد حال تنفيذ مخططات الضم، واستخدمت في ذلك ورقة من أهم أوراق الضغط لدى الحكومة الأردنية، وهي حق الوصاية على المقدسات في القدس، وتستعين في ذلك بالمملكة العربية السعودية، حيث تهدف الحكومة الإسرائيلية إلى إعطاء المملكة دورا في إدارة المقدسات مزاحمة للدور الأردني، علاوة على تغيير مسار حج الفلسطينيين، فبدلا من أن يسافر الفلسطينيون إلى الحج مرورا بالأردن وعبر وزارة الأوقاف الأردنية، يسافرون مباشرة من مطار بن غوريون الإسرائيلي إلى الرياض.

كان ذلك وفقا لما جاء في "العربي الجديد" نقلا عن صحيفة "إسرائيل هيوم" الموالية لنتنياهو، حيث نشرت الصحيفة مطلع يونيو/حزيران تقريرا عن وجود اتصالات سعودية-إسرائيلية لمنح الرياض دورا في إدارة الأماكن المقدسة في المناطق المحتلة، في محاولة إسرائيلية للضغط على الحكومة الأردنية التي لها الحق في إدارة المقدسات، وفقا لاتفاقية وادي عربة (اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية)، كما ادعت الصحيفة نقلا عن من أسمتهم "مصادر دبلوماسية سعودية" أن الحديث يدور عن اتصالات حساسة وسرية أن الاتصالات الأخيرة تهدف إلى تقويض الدور التركي المتزايد في القدس المحتلة، وفي المسجد الأقصى على نحو خاص[19].

  • الخيارات الفلسطينية

وحول ماهية الخيارات الفلسطينية في ظل الموقف الدولي والإقليمي غير الداعم -فعليا- لقضيتهم، ترى الفصائل الفلسطينية المقاوِمة -وعلى رأسها حركتي المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي- رؤية مغايرة لرؤية منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح -حتى الآن.

فصائل المقاومة ترى أن الرؤية كامنة في رسم إستراتيجية متكاملة مركزها الشعب الفلسطيني، فهو -وليس غيره- العامل الأهم في مقاومة الاحتلال. عناصر هذه الإستراتيجية تتلخص في الإعلان الجدي والحقيقي عن مغادرة حقبة أوسلو والاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، والتنسيق الأمني وغيرها من الاتفاقيات التي ضربت المشروع الفلسطيني في الصميم، حسبما ذكره رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في ندوة إلكترونية أقامتها الحركة الإسلامية الأردنية مطلع شهر يونيو/ حزيران[20].

حكومة الاحتلال كذلك ترى أن رؤية فصائل المقاومة تمثل خطرا عليها حال تنفيذ مخططات الضم، حتى أن كثيرا من الإسرائيليين المناهضين لمخططات الضم يعزون رفضهم إلى التكلفة الأمنية التي سيتكبدها الاحتلال إذا ما أصر على تنفيذ مخططاته، فالعديد من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحذر من ردود الفعل الفلسطينية[21]، حتى أن بعض أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وصلها بعض التقارير عن خطط فصائل المقاومة حال تنفيذ مخططات الضم، أهمها أن المقاومة ستبدأ -لأول مرة- في ضرب مصالح إسرائيل في البحر المتوسط، حيث أفادت التقارير أن "حماس" و"الجهاد" عازمتان على استهداف منصات حقول الغاز في البحر المتوسط، القريبة من سواحل عسقلان، وذلك بعد تطويرهما لنوعيات من الصواريخ بعيدة المدى، يمكنها أن تطاول المصالح الاقتصادية الإسرائيلية في تلك المنطقة[22]، وتحاول إسرائيل توسيط مصر للحيلولة دون رد عنيف من قبل فصائل المقاومة.

بينما لا تزال السلطة الفلسطينية (ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح) -حتى الآن- معوِّلين على الإجراءات الدبلوماسية والتحركات الدولية وفقط، وإجراءاتهم على المستوى الداخلي -حتى الآن- لم ترق إلى تهديد مصالح الاحتلال بشكل كبير رغم قدرتهم على ذلك. ومما لا شك فيه أن تغير موقف السلطة سيكون من أكبر المتغيرات الطارئة التي ستقلب معادلة القوى على الأراضي المحتلة.

يمكن القول: إن الشعب الفلسطيني يواجه تحديا فاصلا في تاريخ قضيته، وأن السبيل لمواجهة ما يُحاك ضده من مؤامرات هو في قدرة الشعب الفلسطيني، وعلى رأسه الفصائل، على توحيد الصفوف والتوافق على رؤية وطنية موحدة يعمل الجميع في إطارها، تحت قيادة وطنية شعبية حقيقية تجمع أكثر مما تفرق، وترضي آمال وطموحات الشارع الفلسطيني، وتعلي من مصلحة القضية فوق أي اعتبار. ويبقى التعويل على أي جهة خارجية -مهما كانت- دون حراك حقيقي في الداخل الفلسطيني هو من ضرب الخيال والعبث الذي لم تجن منه القضية الفلسطينية سوى المماطلة والمناورة، والتي تصب في النهاية لصالح الكيان المحتل.

الحالة التونسية

  • محور الثورة المضادة يحاول العبث في تونس

رغم كون تونس البلد العربي الوحيد الذي تعيش في جو من الديمقراطية والحرية منذ انبعاث ثورات الربيع العربي في خواتيم العقد الماضي، إلا أن أياد لا تزال تحاول العبث بهذه الديمقراطية وتبذل الجهد لتفريغها من مضمونها أو الانقلاب عليها، كما فعلت في بلدان أخرى. فالهجوم المستمر، والذي يراه البعض ممنهجا، من قبل القنوات السعودية والإماراتية والمصرية (المحور المناوئ لثورات الربيع العربي) على البرلمان ورئيسه، راشد الغنوشي، يطرح تساؤلا حول الأهداف الخفية من هذا الهجوم المستمر المتكرر، والممنهج فيما يبدو.

  •   لائحة برلمانية مقترحة تنحاز إلى محور الثورة المضادة

من توابع هذه الحملة الممنهجة التلميع المستمر والمتابعة الدؤوبة لتصريحات وتحركات بعض من الشخصيات المحسوبة على نظام الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، وأبرز تلك الشخصيات هي عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر الممثَّل في البرلمان بـ 17 نائبا، والتي كانت تشغل منصب نائب الأمين العام للمرأة في التجمع الدستوري الديمقراطي[23].

أثارت النائبة العديد من الجدالات السياسية داخل البرلمان في الشهور الأخيرة، أبرز هذه الخلافات بدت خلال يونيو/ حزيران، بتقديم الحزب الدستوري الحر للائحة برلمانية بخصوص ما قيل عنه أنه "إعلان رفض البرلمان التونسي للتدخل الخارجي في الشقيقة ليبيا ومناهضته لتشكيل قاعدة لوجستية داخل التراب التونسي قصد تسهيل تنفيذ هذا التدخل"، بحسب عنوان اللائحة التي لم تستطع حصد أغلبية الأصوات في البرلمان على الرغم من الحملة الإعلامية التسويقية التي سبقت عرض اللائحة، وبالتالي أُسقطت.[24]

جاءت اللائحة بحجة رفض التدخل الأجنبي في الشقيقة ليبيا، إلا أن الحقيقة التي اعتبرها العديد من الساسة التونسيين[25] أن اللائحة جاءت للانحياز مع طرف ضد طرف آخر، حيث إن اللائحة لم تذكر من الأطراف الخارجية سوى دولتي قطر وتركيا الداعمتين بشكل مباشر لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، وتجاهلت جميع الأطراف الأخرى المتداخلة في الشأن الليبي لصالح طرف الجنرال خليفة حفتر.

وكان ذلك سبب رفض العديد من الكتل داخل البرلمان للائحة، حتى أن بعضا من القوى التي تقف موقفا مناوئا للسياسات التركية والقطرية رفضت كذلك التوقيع على اللائحة، نظرا للانحياز الواضح في اللائحة، وخشية أن يسبب ذكر اسم الدولتين بالتحديد أزمة دبلوماسية مع البلدين.

فعلى سبيل المثال، ذكر هشام العجبوني، رئيس الكتلة الديمقراطية في البرلمان، أن تركيا لها نوايا "استعمارية" وتوسعية وتهدد مصالحنا الاقتصادية مع الشقيقة ليبيا، وبالرغم من ذلك أعلن العجبوني، وكذلك الكتلة الديمقراطية، رفض التصويت على اللائحة بسبب ذكر اسم دولتي قطر وتركيا بالتحديد[26].

كانت التغطية الإعلامية كذلك من نصيب قناتي "سكاي نيوز" الإماراتية و"العربية" السعودية، بالإضافة إلى القنوات المصرية التابعة لنظام عبد الفتاح السيسي، وهو ما يلقي بظلال الشك كذلك حول الأهداف الحقيقية لمثل هذه الدعوات غير المبررة، خصوصا أن البرلمان لم يمر عليه سوى نحو عام، علاوة على أنه ممثل من جميع ألوان الطيف السياسي التونسي، فلا أغلبية مطلقة في البرلمان لأحد، ولا سيطرة لتيار من التيارات على قراراته. بل إن البرلمان يعاني أشد ما يعاني من عدم القدرة على حسم العديد من الملفات بسبب عدم قدرة أي مجموعة على حصد أصوات الأغلبية.

  • يطالبون بإسقاط الجميع.. ولا يتمسكون إلا بقيس

بيد أن هناك ملحوظة لا يجب إغفالها بأي حال من الأحوال، حيث قد يكون لها ما بعدها، فبينما طالب المحتجون بإسقاط كامل المنظومة المنتخبة، إلا أنهم فقط أكدوا اعترافهم وتمسكهم بالرئيس التونسي المنتخب، قيس سعيد.

يمكن فهم هذا المشهد في ضوء معطيات المشهد التونسي برمّته، حيث التوترات المتصاعدة بين الأحزاب السياسية المختلفة، وكذلك بين البرلمان والرئاسة. ويبدو أن هناك أطرافا تحاول اللعب بهذه التوترات بغية إذكائها وتصعيدها عن طريق تعميق الخلافات بين الأطراف المختلفة الممثلة لأركان العملية السياسية الديمقراطية الحالية. وهو بالطبع مما يسهل -حال حدوثه- مهمة الانقضاض على الديمقراطية الصاعدة أو إفسادها وتفريغها من مضمونها.

الحالة الليبية

  • مباحثات هدنة لا يُتوقع لها النجاح

على الرغم من أن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أعلنت مطلع يونيو/ حزيران 2020، اتفاق طرفي الصراع على استئناف محادثات هدنة لإطلاق نار[27]، إلا أن جل المراقبين والمحللين للأزمة الليبية كانوا على يقين أن هذه المباحثات لن تغير من واقع الصراع شيئا، ولن تصل إلى جديد، وكان أكثر المحللين تفاؤلا هو القائل إن هذه المباحثات قد تتمخض عن هدنة هشة مؤقتة سرعان ما سيتم نقضها.

سند هذه التحليلات هو أن الأزمة الليبية تضخمت وتداخلت فيها شبكة من أصحاب المصالح المتقاطعة على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وأن رؤاهم ووجهات نظرهم تتقاطع بشكل كبير، بحيث لا يُتوقع من أحدهم التنازل عن رؤيته طوعا غير مكره.

وبما أنه لا جهة قادرة على الحسم العسكري الميداني لصالح طرف من الأطراف، فإن الصراع الليبي آخذ في الاستمرار والتصاعد لحقبة زمنية أخرى قد تمتد إلى عدة سنوات ما دامت موازين القوى على حالها اليوم.

ولو مررنا بشكل سريع على الخريطة الليبية ومكوناتها، سنجد أن التراب الليبي تتقاسمه ثلاث سلطات. فالشرق يحكمه الجنرال خليفة حفتر، مستترا خلف حكومة مدنية وبقايا مجلس نواب، وكان يتخذهما واجهة مدنية له، قبل أن يتجاهلهما وينقلب عليهما في نهاية إبريل/ نيسان 2020، مُنصِّبا نفسه حاكما للبلاد قبل أن يتراجع عن ذلك. وتبلغ المساحة التي يسيطر عليها حفتر نحو ثلث مساحة الأرض الليبية.

والغرب -وتحديدا الشمال الغربي- بيد حكومة الوفاق الوطني، ومعها عشرات المجموعات المسلحة المتحالفة معها، مستمدة  شرعيتها من اعتراف الأمم المتحدة بالحكومة وبمخرجات اتفاق الصخيرات 2015.

ويتبقى الجنوب بلا حكومة أو جهة محددة، فهو تحت سيطرة مليشيات ومجموعات مسلحة لا توالي حكومة الشرق أو الغرب، وقد تقترب من الشرق أحيانا، وتبتعد أحيانا أخرى.

وبالرغم من الانتصارات المتتالية التي تحرزها حكومة الوفاق خلال الشهرين الماضيين على مليشيات الجنرال المتمرد خليفة حفتر، إلا أن هذه الخريطة الجغرافيةَ لم تتغير كثيرا للحد الذي يجعل أحد أطراف الصراع قادرا على القضاء على خصمه. بل إن التقدمات التي حققتها حكومة الوفاق الشرعية قد ساهمت في ضبط ميزان القوى مرة أخرى، بعد أن كانت الكفة مائلة باتجاه مليشيات حفتر، خلال نحو 12 شهرا هاجم فيها حفتر العاصمة الليبية، طرابلس، بغية الاستيلاء عليها وطرد الحكومة الشرعية منها وإحكام سيطرته على كامل التراب الليبي.

وعليه، فإن الوضع الميداني الآن متزن من حيث موازين القوى بين الشرق والغرب، فكلا الطرفين يملك من القوة ما يردع به الآخر دون القدرة على إلحاق الهزيمة الكاملة به، وتسمح له بإحراز انتصارات جزئية لا كلية. وهو ما يدعم فرضية طول أمد الصراع حقبة زمنية أخرى.

ومن حيث الأطراف الإقليمية والدولية المتداخلة في ليبيا، فيمكن القول: إن تركيا هي الحليف والداعم الأبرز لحكومة الوفاق الليبية، علاوة على كونها الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. ومن الناحية الأخرى، تقف روسيا ومصر والإمارات أكبر الداعمين لحفتر.

لو نظرنا الى الموقف التركي، نجد أنه من المستبعد أن يتغير ويتخلى عن دعمه لحكومة الوفاق.

العامل الأول هو "القيمي والأخلاقي"، فالحكومة التركية تقف منذ مطلع العقد الثاني في الصف الذي تتمترس فيه القوى المحسوبة على ثورات الربيع العربي، والتي تمثلها حكومة الوفاق في الحالة الليبية.

إضافة للعامل القيمي، فإن العديد من المصالح السياسية والاقتصادية تجنيها تركيا وتعزز من دوافع تدخلها في ليبيا ودعمها للوفاق. فاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس هو تعبير عن وجهة النظر التركية لقانون البحار الذي ترى أنه يمثل ضررا على مصالحها الجيوسياسية في البحر المتوسط.

كما أنه يضمن لتركيا موردا غنيا بمصادر الطاقة والغاز الطبيعي الذي تستورد منه قرابة 90% من احتياجاتها. علاوة على النفوذ الإقليمي الذي ستتمتع به أنقرة حال ثبتت أقدامها في ليبيا، التي تعد بوابة لإفريقيا، بالإضافة إلى كونها إحدى النوافذ الهامة المطلة على القارة الأوروبية.

وحين النظر إلى داعمي حفتر، فإننا قد نجد عدة مواقف متباينة في بعض القضايا، إلا أن جميعها يتفق على رفض "الوفاق".

وتجمع دولتي الإمارات ومصر على رفضهما لـ"الوفاق" كونهما ينظران إليها على أنها رافد من روافد مشروع ما يسمى بــ "الإسلام السياسي" في المنطقة.

وترى أبوظبي أن أي مشروع مرتبط بتيار الإسلام السياسي هو تهديد لإستراتيجياتها ونفوذها الإقليمي في الشرق الأوسط، وقد دأبت على محاصرة ومهاجمة أي مرتبط بهذه التيارات، وتحديدا عقب ثورات الربيع العربي. وعلى نفس النهج تسير مصر عقب الإطاحة بالرئيس المنتخب، محمد مرسي، في يوليو/ تموز 2013. علاوة على الصراع الإقليمي بين الدولتين من جهة، وتركيا من جهة أخرى.

أما تدخل روسيا في ليبيا، فقد يعد جزءا من إستراتيجيتها التوسعية "الحذرة" التي تنتهجها السياسة في السنوات الأخيرة بقيادة فلاديمير بوتين، حيث تحاول التوسع في مناطق متعددة حول العالم، وخصوصا تلك التي يتلاشى فيها النفوذ الأميركي. علاوة على أن السيطرةَ على ليبيا تساعد الروس في الضغط خصومهم الغربيين، حيث إن السيطرة على نافذة أوروبا وإقامة قواعد عسكرية يعني تطويق أوروبا من الجنوب.

  • تصاعد التدخلات الخارجية وتعقد المشهد

وبعد مرور شهر من الإعلان عن هذه المباحثات، تثبت الوقائع اليومية ومستجدات الأحداث صحة تلك المزاعم والتوقعات بعدم جدوى هذه المباحثات.

 فالخريطة الجغرافية لم تتغير كثيرا للدرجة التي تقلب المشهد برمته، بيد أن حكومة الوفاق المدعومة تركيا قد أحكمت سيطرتها بشكل كامل على الغرب الليبي، وتحديدا الشمال الغربي، بعد أن كان يحوي جيوبا تابعة لقوات الإنقلابي حفتر.

 فمنذ أن أطلقت الوفاق عمليتها العسكرية المسماة "عاصفة السلام" أواخر شهر مارس/ آذار 2020[28]، حققت مكاسب سريعة وصدت الهجوم الذي شنه حفتر على العاصمة منذ أبريل/ نيسان 2019، فاستطاعت طرد مليشياته من كامل مدن الساحل الغربي التي كانت تحوي جيوبا متمردة[29]، وبهذا أمَّنت طرابلس حدودها الغربية، ابتداء من مدينة صبراتة، وصولا إلى الحدود التونسية. وكان الانتصار الأكبر بسيطرة الشرعية على قاعدة "الوطية" الجوية في 18 مايو/ أيار.[30]

وانطلقت قوات الوفاق شرقا، فأحكمت سيطرتها على ترهونة يوم 5  يونيو/ حزيران[31]، وتكمن أهمية ترهونة في أنها كانت نقطة ارتكاز رئيسية لقوات حفتر، حيث كانت تمثل نقطة الإمداد البشرية الرئيسية لحفتر من خلال مليشيات "الكاني" الموجودة هناك، علاوة على أنها كانت النقطة الوسيطة بين الإمدادات القادمة من قاعدة الجفرة العسكرية، والمتجهة إلى جبهات القتال على تخوم العاصمة. واستمر تقدم حكومة الوفاق هذا الشهر أكثر نحو الشرق، وسيطرت على أكثر من 110 كيلو مترات غرب مدينة سرت الواقعة في الوسط بين مدينتي طرابلس (معقل حكومة الوفاق) وبنغازي (معقل قوات المتمردين).

ومن حيث القوى الخارجية المتداخلة في الشأن الليبي، فيبدو أن الوضع يؤول إلى تدخلات أكثر وتعقيدات أعمق.

ويبدو أن أطرافا متعددة بدأت في زيادة حضورها في المشهد الليبي، بشكل يجعل من الصعب التحكم في مآلات الأمور.

فالولايات المتحدة التي سحبت وجودها الفعلي من المشهد خلال السنوات الأخيرة، بدأت في محاولة العودة والتأثير بشكل فاعل في الأحداث، خصوصا مع تصاعد الدور الروسي في البلاد.

وأجرت الولايات المتحدة في يونيو/حزيران اتصالات مكثفة عن طريق الرئاسة والخارجية بجميع الأطراف الفاعلة في ليبيا، حيث تم التواصل مع تركيا وفرنسا ومصر والإمارات، وكذا حدث مع حكومة السراج وقوات حفتر. علاوة على تحركات دولية بدأ الجانب الأميركي في الحضور فيها بقوة في مجلس الأمن وغيره من الهيئات.

بجانب الإجراءات الدبلوماسية التي اتخذتها واشنطن، تتوارد الأنباء عن نية أميركية في وجود عسكري بشكل ما في بلاد المغرب العربي، وسط الوجود الروسي المتصاعد، حيث ذكر بيان الجيش الأميركي أنه "مع استمرار روسيا في تأجيج لهيب الصراع الليبي فإن القلق يزداد بشأن الأمن الإقليمي في شمال إفريقيا"[32]، وعليه تدرس الولايات المتحدة إرسال وحدات من الجيش إلى تونس لتكون موجودة في المنطقة الملتهبة.

وفرنسا بدأت تدخل الحرب فعليا بشكل واضح بعد أن كانت خلف ستار، فشهد يونيو/حزيران تراشقا كلاميا بين تركيا وفرنسا، وبدأته فرنسا، حيث انتقدت فرنسا التدخلات الأجنبية في الشأن  الليبي، ولم تذكر من جميع الأطراف المتداخلة أحدا سوى تركيا، ووصفت موقف أنقرة بأنه "تدخل عدواني"، واتهمتها بإحباط جهود التوصل لهدنة بزعمها أنها تخرق حظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا[33].

في مقابل ذلك، ردت تركيا على الهجوم الفرنسي متهمة باريس بتصعيد الأزمة الليبية عن طريق دعم "القرصان" حفتر، حسبما ذكر بيان الخارجية التركية، مؤكدة أنه "ما يجب أن يكون مدعاة للقلق في حقيقة الأمر هو علاقات فرنسا المبهمة. من غير المقبول أن يتصرف حليف في حلف شمال الأطلسي بهذا الشكل"[34].

مصر كذلك خرجت من خلف الستار، وبعد أن كان الدعم العسكري المصري لحفتر مجرد أنباء تتناقلها وكالات الأخبار، لوّح "عبد الفتاح السيسي" بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا[35]، ذاكرا أن "سرت" و "الجفرة" خط أحمر.

جاء ذلك عقب مبادرة مصرية أطلقها السيسي بجانب حفتر وعقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق،  في مؤتمر صحفي في القاهرة يوم 6 يونيو/ حزيران الجاري[36]، بيد أنه لم يأخذ أحد هذه المبادرة على محمل الجد، حيث بدت المبادرة نوعا من المناورة، وبدا السيسي خصما وليس وسيطا أو محايدا، حسبما ذكر بيان مجلس النواب الليبي (طرابلس)[37].

بلاد المغرب العربي كذلك بدأت في التحرك بعد سبات طويل وغياب فاعل عن المشهد الليبي، فالجزائر تحاول إقرار مسودة دستور تسمح لها بإرسال وحدات عسكرية من الجيش خارج البلاد بعد حظر دام ما يقارب نصف قرن[38]، وهو ما يساعدها في التأثير الفعلي في المشهد الليبي، علاوة على الاهتمام الكبير الذي توليه للصراع الليبي منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة 2019.

في يونيو/حزيران استقبل تبون فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق، ومن المتوقع أن يزور راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي، الجزائر خلال الأسابيع المقبلة للتباحث بشأن الوضع الليبي. ويبدو أن في الكواليس التونسية خلاف بدأ في الطَّفو على السطح الأيام الماضية بشأن القضية الليبية، ذُكِر جزء منه في تحليلنا للحالة التونسية، والجزء الآخر طرفاه البرلمان والرئيس التونسي، قيس سعيد.

الخلاصة هي أن الأسباب التي على إثرها أخفقت المباحثات مطلع الشهر لم تتغير بنهاية الشهر، بل إن هذه الأسباب زادت -سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وزاد معها المشهد تعقيدا. وعليه، فإنه من المتوقع أن يستمر الصراع الليبي فترة زمنية أخرى.

قد يتخلل الحربَ هدن مؤقتة، لكنها لن تستمر طويلا. وقد تشهد الأسابيع أو الشهور المعدودة القادمة هدنة ما بين الطرفين المتصارعين في الداخل الليبي، نظرا لأن توغل حكومة الوفاق نحو الشرق أبعد من سرت قد يعد خارج استطاعتها حاليا نظرا للسياقات الإقليمية والدولية الحالية.

من الممكن كذلك حدوث تغييرات تكتيكية في المشهد مثل التخلص من حفتر واستبداله بآخر، لكن ذلك لن يعني أن الأطراف الإقليمية أو الدولية ستتوافق مع طرف  ضد آخر وتنهي الأزمة.

يظل شبح التقسيم توقعا قائما لمآلات الأمور، بل قد يكون هو التوقع الأرجح -للأسف- طبقا للمعطيات الحالية في المشهد.

ما يغير المشهد الليبي بشكل فعلي ويبعده عن فرضية التقسيم حدوث أحد أمرين: الأول هو أن يمتلك أحد الأطراف القدرة على الحسم العسكري الكامل، وهو أمر مستبعد في ظل الشواهد الحالية. والثاني أن تُعلي الأطراف الليبية مجتمعة صوت العقل ومصلحة الوطن، وتعلن الوصول إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار والرجوع إلى الشعب واختياره لحسم هذا الصراع.

الحالة المصرية

  • إثيوبيا ماضية في موقفها تجاه سد النهضة

مذ وقّعت مصر على إعلان الخرطوم في 23 مارس/ آذار 2015، والذي أقرت فيه بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة، والسياستان -المصرية والإثيوبية- لم تتغيرا في أي جولة من جولات النزاع.

فالسياسة المصرية قائمة منذ ذلك الحين على غياب الشفافية الداخلية ومحاولة استجلاب التعاطف الدولي مع موقفها، والسياسة الإثيوبية لا تبرح إلا أن تدخل في المفاوضات حتى تخرج منها بـ "اللا شيء"، رغبة منها في إطالة أمد النزاع والتفاوض، وهي في ذات الوقت لم تتوقف لحظة من اللحظات عن استكمال مشروعها الوطني، بل وأعلنت كذلك أنها ستبدأ في تخزين المياه بداية من يوليو/ تموز 2020.

لم يختلف الموقف كثيرا بعد جولات التفاوض الأخيرة. فكان الإخفاق من  نصيب المفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة، فقد وقعت مصر بالأحرف الأولى نهاية فبراير/ شباط 2020 على الوثيقة النهائية التي انبثقت عن المباحثات، بيد أن إثيوبيا -كعادتها- رفضت الحضور في الجلسة الأخيرة ولم توقع على الوثيقة، وبهذا ضمنت كسب الوقت لاستكمال بناء السد دون أن يعود ذلك عليها بأي مغرم.

ثم حاولت السودان الوساطة بعد ذلك عدة مرات، حتى وصلت إلى مباحثات شبه يومية على مستوى وزراء المياه والري واللجان الفنية في البلدان الثلاثة بدءا من 9 يونيو/ حزيران الجاري ولمدة أسبوع تال[39]، إلا أن هذه المباحثات فشلت هي الأخرى ولم تحقق المرجو منها في الوصول إلى اتفاق قبيل الموعد الذي أعلنت إثيوبيا مرارا وتكرارا أنها ستبدأ فيه المرحلة الأولى من تخزين مياه النيل لملء السد.[40]

ثم أعقب ذلك دعوة من دولة جنوب إفريقيا (الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي) لجولة أخرى من التفاوض للوصول إلى اتفاق نهائي بشأن السد. حضر الاجتماع رئيس جمهورية جنوب إفريقيا والرئيس الحالي للاتحاد، وبحضور كل من رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، إضافة إلى عبد الفتاح السيسي.

بيد أن مخرجات اللقاء منها ما هو متفق على ثبوته وفهمه، ومنها ما هو مختلف عليه.

فالمتفق عليه من المخرجات أن لجنة مؤلفة من ممثلين للدول الثلاث المتنازعة وجنوب إفريقيا وفنيين من الاتحاد الإفريقي ستعمل على حل القضايا العالقة خلال الأسبوعين القادمين، وهو ما صدر عن بيان الاتحاد الإفريقي عقب الجلسة الإفريقية، وأقرته الدول الثلاث.[41]

بيد أن المختلف عليه هو ما إذا كانت سترجئ إثيوبيا خطوة ملء السد إلى ما بعد انتهاء التقارير الفنية للجنة المذكورة أم لا. فمصر من ناحيتها أعلنت أنه اتفق على الإرجاء مع "الامتناع عن القيام بأية إجراءات أحادية، بما في ذلك ملء السد، قبل التوصل إلى هذا الاتفاق"، بحسب المتحدث باسم الرئاسة المصرية[42]، وتوافق معها بيان السودان على أن إثيوبيا أجلت ملء السد وإن كان بلهجة أخف من اللهجة المصرية[43]. بيد أن إثيوبيا لم تذكر سوى أنه "تم التوصل إلى توافق لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سد النهضة الإثيوبي الكبير في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع"، ولم تذكر أي شيء بخصوص تأجيل الملء، وذكرت أن الاجتماع الإفريقي قد "أُخرج عن سياقه من قبل وسائل الإعلام".

كما أن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قد حسم هذا الجدل الإعلامي، حيث أصدر مكتبه بيانا أكد فيه عزم بلاده على البدء بملء خزان سد النهضة بالمياه خلال أسبوعين[44]، متعهدا في الوقت ذاته بمحاولة التوصل إلى اتفاق نهائي مع مصر والسودان خلال هذه الفترة، برعاية الاتحاد الإفريقي.

وتبرهن على إصرار الطرف الإثيوبي ونواياه الإجراءات العملية الميدانية التي لم تتوقف لحظة للتمهيد لعملية ملء الخزان خلال الشهر القابل، ففي مطلع يونيو/حزيران أعلنت أديس أبابا أن الأعمال الإنشائية للسد اكتملت بنسبة 74 في المائة، وأن وزارة المياه والطاقة الإثيوبية انخرطت في تنفيذ مشروعات تكميلية عدة، للاستفادة من الطاقة التي يولدها السد تجريبيا بحلول الربيع المقبل[45].

حتى أن هذه الإجراءات لم تتوقف عقب الاجتماع الإفريقي، حيث أعلنت الحكومة الإثيوبية بعد يوم واحد فقط من الاجتماع انطلاق التحضيرات العملية لملء سد النهضة بإزالة غابات على مساحة ألف هكتار لمدة أقل من شهر، وذلك استعدادا لتخزين المياه خلف السد، متجاهلة بذلك بيان القمة الإفريقية، حيث لم تورد الحكومة في بيانها أي ذكر لمخرجات الاجتماع [46].

  • تصعيد دبلوماسي مصري

الحكومة المصرية صعّدت هذا الشهر من إجراءاتها الدبلوماسية، حيث تُعقد جلسة لمجلس الأمن بداية يوليو/تموز لمناقشة قضية سد النهضة[47]، في أول خطوة مصرية فعلية لتدويل القضية، حيث إن الجانب الإثيوبي سعى مرارا وتكرارا إلى إطالة أمد المفاوضات الثنائية أو الثلاثية، أو حتى الإفريقية، دون الوصول إلى تدويل القضية حتى ينتهي السد فعليا.

بيد أنه ليس منتظرا من هذه الجلسة شيئا أكثر من بيان صحفي قد يدين إثيوبيا أو لا يدينها، وهو ما صرح به السفير محمد عرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق، لصحيفة "اليوم السابع" الموالية للنظام المصري.

أكد عرابي "أنه لن يتم التصويت على قرار؛ لأن مصر لم تتقدم بمشروع قرار حتى الآن"، مشيرا إلى أن وزير الخارجية المصري سامح شكري ألمح إلى أنه من الممكن أن يكون هناك خطوة قادمة عن طريق تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن[48].

إذن، الحكومة الإثيوبية ماضية في سياستها الساعية لكسب الوقت وإكمال المشروع دون الوصول لاتفاق نهائي حتى لا يقيدها أو تضطر لاحقا لمخالفته، وهو ما تسعى إليه مصر دبلوماسيا حتى الآن، حيث تريد الوصول إلى اتفاق ملزم قانونيا لقواعد الملء والتشغيل.

الحالة السورية

بدأ في يونيو/حزيران تنفيذ قانون أميركي أقره الكونجرس ووقع عليه الرئيس دونالد ترامب، في ديسمبر/ كانون الثاني 2019[49]. قانون "قيصر - Caesar" سُمّي بناء على الاسم الحركي لعسكري سوري عمل مصورا في خدمة النظام السوري لسنوات، حتى قرر الانشقاق عن المؤسسة العسكرية منتصف 2013. كانت المهمة الموكلة إلى "قيصر" خلال السنوات الأخيرة من خدمته للنظام، هي توثيق صور جثث المعتقلين في سجون بشار الأسد، وهو ما مكنه من تكوين أرشيف توثيقي ضخم تحت سمع وبصر النظام، وصل هذا الأرشيف إلى 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل.

انشق "قيصر" عن النظام، وبدأ يسرب بعض الصور شيئا فشيئا، حتى تلقتفها عدد من المنظمات السورية والدولية العاملة في أوروبا والولايات المتحدة، ووصل الأمر إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، والذي أقر بدوره بصحة هذه الصور بعد تحليلها وتدقيقها من قبل الخبراء.

أعقب ذلك رحلة سياسية وتشريعية في أروقة السياسة الأميركية انتهت بإقرار قانون "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019" أو ما يسمى "قيصر" نهاية عام 2019. على أن يبدأ العمل في أولى مراحله في يونيو/ حزيران 2020.[50]

يشكل "قيصر" ضغطا سياسيا على بشار الأسد، حيث يفرض القانون عقوبات اقتصادية على أركان النظام السوري -أفرادا ومؤسسات، علاوة على أي شخص أو جهة أو دولة تتعامل مع النظام بأي مستوى من مستويات التعامل الاقتصادي.

فكرة العقوبات نفسها لم تكن جديدة، فهناك العديد من العقوبات الأميركية والأوروبية على النظام السوري، بيد أن الجديد في "قيصر" أنه شمل جميع الدول والجنسيات دون استثناء، وشمل كذلك المؤسسات والشخصيات الروسية والإيرانية الداعمة للنظام. وهو ما يعني رغبة أميركية فعلية في جعل النظام "معزولا" ومحشورا في الزاوية.

يهدف الضغط الأميركي إلى إجبار بشار على القبول بعملية سياسية لحل هذا الصراع سلميا بعد عقد من حرب خلفت وراءها أكثر من 400 ألف قتيل سوري، وملايين الجرحى والنازحين والمشردين.

فالهدف هو "منع نظام الأسد من تحقيق نصر عسكري، وحرمان النظام من الإيرادات والدعم الذي استخدمه لارتكاب فظائع واسعة النطاق وانتهاكات لحقوق الإنسان تحول دون التوصل لحل سياسي وتقلل بشدة من احتمالات السلام"، بحسب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت. [51]


المحور الثالث: الاقتصاد العربي

على الرغم من إعلان معظم الدول العربية، اتخاذها لخطوات من شأنها تخفيف الحظر على الحياة العامة، والأنشطة الاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار العمل وفق إجراءات احترازية، إلا أن احتمالات التشاؤم هي المسيطرة على أداء الاقتصاديات العربية، خلال عام 2020. وكشفت أزمة كورونا عن الخلل الهيكلي في الاقتصاديات العربية، سواء تلك التي كانت تتمتع بالوفرة المالية، أو التي تعاني من نقص فيها. ويلاحظ أنه رغم مرور نحو نصف عام على جائحة كورونا، إلا أنه لم يعد هناك أي صورة من صور المواجهة العربية، لتخفيف آثار الأزمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

ويتناول محور الاقتصاد العربي هذا الشهر، عدة موضوعات برزت خلال فترة عمل التقرير، وهي الوضع الاقتصادي في لبنان وتطورات أزمته المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، وكذلك التبعات الاقتصادية لقانون "قيصر" الذي فرضت بموجبه الإدارة الأميركية عقوبات على نظام بشار، وأيضا الإشارة إلى التوقعات الخاصة بحالة الانكماش المتوقعة في منطقة الخليج. 

المشهد الاقتصادي في لبنان

لم تتوقف اعتراضات المواطنين في لبنان خلال الفترة الماضية، بسبب التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية هناك، وسط تراجع حاد في قيمة العملة الوطنية في السوق السوداء، والتي تجاوز سعر الدولار فيها حاجز الـ 8 آلاف ليرة، بينما السعر الرسمي لا يزال عند 1507 للدولار. وساعد هذا الأمر على ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، مما أدى إلى لجوء الحكومة لزيادة سعر الخبز المدعوم، بنسبة 33%، حتى لا تتوقف المخابز عن إنتاج الخبز بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج[52].

ولم يكن الخبز وحده المتأثر بالأزمة الاقتصادية في لبنان، فقطاع الكهرباء، لجأ إلى إطالة عدد ساعات الانقطاع بسبب عدم توفر المازوت لتشغيل محطات الإنتاج[53]، وأدى هذا بدوره إلى تعطل العديد من المنشآت الاقتصادية.

ومن المعلوم أن الحكومة اللبنانية تدير مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى برنامج إصلاح اقتصادي تحصل بموجبه على قرض، يمكنها من تمويل مشروعات البنية الأساسية، ويساعد على تحريك معدلات النمو بالبلاد. إلا أن هذه المفاوضات لا يزال يلفها قدر كبير من السرية، ولا تفصح الحكومة اللبنانية عما توصلت إليه حتى الآن في هذه المفاوضات، وكذلك مسؤولو صندوق النقد. وحسب تصريحات كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي، فإنها ليس لديها ما يدفعها للقول بإمكانية الوصول لاتفاق مع حكومة لبنان، للخروج من أزمتها الاقتصادية، إلا أنها تأمل في أن تتوحد القيادات اللبنانية على الاتفاق حول الإجراءات الواجب اتخاذها للوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي[54].

ولكن المواطنين ينتظرون أن تسفر هذه المفاوضات عن عدم تحميلهم أعباء اجتماعية واقتصادية جديدة، خاصة أن الحياة الاقتصادية هناك، شبه متوقفة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019.

 ومن المعلوم أن هناك أزمة بين المصرف المركزي اللبناني والحكومة، حول الإجراءات المطلوبة للوصول لاتفاق مع صندوق النقد، ويتبادل الطرفان الاتهامات حول الأسباب التي أدت للوقوع في هذه الأزمة، ولعل قضية تعويم العملة اللبنانية تمثل واحدة من القضايا البارزة في ملف الخلاف بين الطرفين.

ويرى رئيس الحكومة حسان دياب أن التعويم هو الحل المناسب، بينما يرفض حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة هذا الحل، وكذلك يختلف الطرفان حول تقييم الخسائر التي تسببت فيها الأزمة الاقتصادية للبلاد.

ومما يؤكد على وجود شرخ في علاقة الطرفين، أن اثنين من أعضاء فريق الحكومة المختص بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي قد استقالا من عضوية اللجنة، اعتراضا على الخلاف الموجود[55].

التبعات الاقتصادية لقانون قيصر على سوريا

بموجب هذا القانون تُفرض عقوبات اقتصادية لمدة 10 سنوات، على النظام السوري، والدول الداعمة لبشار الأسد، في مجالات الطاقة، والهندسة والبناء، والنقل الجوي.

وانعكست الآثار السلبية للقرار على الاقتصاد السوري بشكل سريع، حيث سادت حالة من القلق في الأوساط التجارية والمالية هناك وأغلقت العديد من المنشآت، وانخفضت قيمة العملة المحلية بشكل كبير أمام الدولار، حيث وصل سعر الدولار 3500 ليرة في السوق السوداء.

وفي ضوء حملة من نظام بشار لملاحقة المضاربين على العملة، تحسن سعر الليرة ليصل إلى 2600 ليرة للدولار، إلا أن البنك المركزي السوري في اليوم الثاني لفرض عقوبات قانون "قيصر" اتخذ قراره بخفض قيمة العملة المحلية بنحو 79%ـ ليصل سعر الدولار لنحو 1265 ليرة، لأغراض تمويل الواردات، بينما سعر الحوالات للأموال القادمة من الخارج هو 1250 ليرة[56].

ولكن هذا التحسن ليس وليد الملاحقة الأمنية فحسب، ولكن نتيجة لاتجاه أصحاب الأعمال لإغلاق أنشطتهم، مخافة التداعيات السلبية المنتظرة، وكذلك قرار نظام الأسد بقصر التمويل على 6 سلع فقط، وترك التجار يدبرون احتياطاتهم من العملة الصعبة بمعرفتهم، لجلب بضاعتهم من الخارج[57].

وبطبيعة الحال فإن تحويلات السوريين من الخارج بالعملات الصعبة، سوف تجد طريقها خارج الجهاز المصرفي، للحصول على أسعار أفضل من تلك المعلنة من قبل البنك المركزي في سوريا، وتقدر تحويلات السوريين المهاجرين في الخارج لأهلهم وذويهم بنحو مليار دولار سنويا[58].  

ومما يزيد من معاناة السوريين اقتصاديا بسبب قانون "قيصر" تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، وانهيار عملتها المحلية، لأن كثيرا من التجار ورجال الأعمال السوريين، كانوا يباشرون أعمالهم وتسوياتهم المالية عبر الجهاز المصرفي اللبناني، ولذلك فقد تضرر رجال الأعمال السوريين بشكل كبير، سواء لصعوبة حصولهم على أموالهم بالعملات الصعبة من البنوك اللبنانية، أو انخفاض قيمة مدخراتهم المحتفظ بها بالعملة اللبنانية في بنوك لبنان، بعد انهيار الليرة اللبنانية[59].

بالمقابل يحاول نظام الأسد التقليل من الآثار الاقتصادية لقانون "قيصر" على مجريات الاقتصاد السوري، وهي مزاعم غير حقيقية، فرأس المال جبان، فضلا عن أن السلوك الطبيعي للأفراد في سوريا، أنهم سوف يتجهون للتخلص مما لديهم من مدخرات أو أموال بالعملة السورية، ويتوجهون لشراء الدولار أو الذهب، للحفاظ على ما تبقى لديهم من مدخرات، وبخاصة أن معدلات التضخم مرتفعة، ولا تعرف الاستقرار بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية السلبية هناك، حيث تذهب تقديرات معدل التضخم في سوريا، بأنها ارتفعت بنسبة 1200% في نهاية 2019، مقارنة بما كانت عليه في 2011[60].

انكماش اقتصاديات الخليج في 2020

التداعيات السلبية لأزمة كورونا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي طالت كل دول العالم، ولكن منطقة الخليج، هي الأكثر تضررا، بسبب خلل هياكلها الإنتاجية، التي تعتمد على النفط بشكل رئيس، وفي تقدير حديث لصندوق النقد الدولي، ذهب جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إلى أن اقتصاديات منطقة الخليج ستشهد انكماشا بنحو 7.6% خلال عام 2020، على أن تتحسن أوضاع النمو الاقتصادي في عام 2021 بنحو 2.5%[61].

وبنى أزعور توقعه بتحسن الأوضاع في 2021 بالنسبة لاقتصاديات الخليج، على اعتبار أن تتحسن أسعار النفط في السوق الدولية، عما هي عليه الآن، وأن تصل إلى ما بين 40 دولارا – 50 دولارا للبرميل، وهو ما سيؤدي إلى تحسن الأوضاع المالية في دول الخليج.

ولكن توقعات أزعور إن صحت في 2021، واستقرت أسعار النفط ما بين 40 دولارا – 50 دولارا للبرميل، فلن يؤدي ذلك إلى معالجة الخلل المالي في تلك الدول، بسبب التقديرات السابقة الخاصة، بسعر التعادل في الميزانيات الخليجية، والتي تتفاوت من دولة إلى أخرى، إلا أن معظمها يحتاج لأن يرتفع سعر برميل النفط لأكثر من 50 دولارا.

ونجد أن حالة البحرين هي الأشد تضررا، حيث تحتاج لأن يصل سعر برميل النفط في السوق الدولية إلى 95 دولارا، لكي يتحقق التعادل في ميزانيتها العامة. وثمة ظواهر مقلقة في دول الخليج تؤكد ما ذهب إليه أزعور من أن تسود حالة الانكماش خلال الفترة القادمة، منها حركة تسريح العمالة الوافدة بأعداد كبيرة، حيث اتجهت معظم دول الخليج للتخلص منها بمعدلات ملحوظة، سواء في القطاع العام والحكومي، أو القطاع الخاص.

ومما سيعمق من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية السلبية لانكماش اقتصاديات الخليج، أن القطاعات غير النفطية، لا يمكنها الأخذ بمفاصل الاقتصاديات الخليجية للانتعاش، فهي غير قادرة على خلق فرص عمل تساعد على استيعاب العاطلين، أو الداخلين الجدد لسوق العمل، أو تحقيق قيمة مضافة في الناتج المحلي الإجمالي، أو الوصول بالصادرات السلعية غير النفطية إلى معدلات يمكن التعويل عليها، سواء خلال أزمة كورونا أو بعدها، لأن القطاع غير النفطي مرتبط بشكل كبير في دول الخليج بالإنفاق الحكومي الذي يشهد تراجعا واضحا بسبب أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية.

وتأتي توقعات صندوق النقد الدولي حول انكماش اقتصاديات دول الخليج في 2020، للتوافق مع ما توصلت إليه نتائج دراسة معهد التمويل الدولي -التابع للبنك الدولي- مطلع يونيو/حزيران 2020، إلا أن الاختلاف بينهما فقط في نسبة الانكماش، فمعهد التمويل الدولي ذهب إلى أن نسبة الانكماش ستكون بحدود 4.4%[62]، بينما صندوق النقد قدر أن تكون عند نسبة 7.6%.

واتفقت الجهتان على أسباب الانكماش، الذي يحدث وسط حزم تحفيزية تبنتها البنوك المركزية الخليجية، سواء للبنوك أو الشركات، وكذلك بعض البرامج الخاصة بالرعاية الاجتماعية. 

وثمة تفصيل تضمنته دراسة معهد التمويل الدولي، في شأن الانكماش الإجمالي لاقتصاديات دول الخليج، حيث سيبلغ في القطاع النفطي بنحو 5.3%، بينما في القطاع غير النفطي سيكون الانكماش فيه بنحو 3.8%. وأن الوضع المالي بالميزانيات الخليجية، سيحقق عجزا بقيمة 33 مليار دولار في 2020، ومن المتوقع أن تنخفض الاحتياطيات من النقد الأجنبي لتلك الدول بنحو 133 مليار دولار.

المحور الرابع: الحالة الفكرية

يتناول المحور الفكري موضوعين: الأول: في ذكرى رحيل الكواكبي .. الاستبداد وطرق التخلص منه، حيث يعد الرجل من فرسان النهضة الكبار في العصر الحديث، وكان لكتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، أثر كبير في التعريف بظاهرة الاستبداد وشخصيات المستبدين.

يظل هذا الأثر حتى يومنا الحالي، تتعلم منه الأجيال التي تريد الحرية لها ولأمتها. وعلى الرغم من أنه مر على هذا الكتاب أكثر من قرن ونيف، فإنه ينطبق في كثير مما جاء فيه على ما تعانيه الأمة اليوم من وجوه الاستبداد المنتشرة بالمنطقة. والموضوع الثاني: آفة العنصرية وكيف حاربها الإسلام وجرمتها المنظمات الدولية الحديثة، لما لها من أثر سيئ على البشرية جميعا. والموضوع ليس جديدا، ولكن الدافع إلى تناوله هو ما وقع من أحداث في الولايات الأميركية بعد مقتل جورج فلويد.

أولا: في ذكرى رحيل الكواكبي (1271-1320هـ/ 1855-1902م) [63]

يعد الكواكبي أحد رواد النهضة العربية الكبار، ويأتي كتابه: "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" في مقدمة أهم الكتب العربية التي ناقشت ظاهرة الاستبداد في العصر الحديث. وعلى الرغم من تاريخ تأليف هذا الكتاب، فإنه مازال يحتوي على معلومات في غاية الأهمية، نحن بحاجة إليها في وقتنا الحالي؛ لتعرفنا بالاستبداد، وصفات المستبد، ومضار الاستبداد، وقواعد التغلب عليه.

  • الكواكبي وتعريف الاستبداد

يعرف الكواكبي الاستبداد لغة بأنه: " غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة، أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة"[64]. وقد يطلق على صفة المستبد كلمات مثل: "جبار، وطاغية، وحاكم بأمره، وحكم مطلق".

والاستبداد في اصطلاح السياسيين:" هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تَبِعة"[65].

ويبين أفظع أشكال الاستبداد، حين يتجسد الحكم بفرد يملك السلطات السياسية، والعسكرية، والدينية، ومن ثم يستطيع أن يورِّثها[66] .

"وأشد مراتب الاستبداد التي يُتعوذ بها من الشيطان، هي: "حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية".

  • مضار الاستبداد:

ومع وباء الاستبداد، ليس غريبا أن ينتشر التخلف، فهو سبب ضعفنا الاقتصادي، والعلمي، يقضي على أي أمل في التطور، وينزع الطمأنينة من القلوب، ويسدل أستار الجهل على حياتنا، فالاستبداد لا يدمر الإنسان فحسب، بل يدمر الأمة بأكملها تدميرا يشمل أوجه الحياة، وهو قرين الدمار[67].

ويواصل الكاتب "الاستبداد أعظم بلاء يتعجل الله به الانتقام من عباده الخاملين، ولا يرفعه عنهم حتى يتوبوا. وهو وباء دائم بالفتن ، وسيل جارف للعمران، وخوف يقطع القلوب.. الاستبداد قصة سوء لا تنتهي".

  • صفات المستبد:

"المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكم بهواه لا بشريعتهم"، وهو لا يريد أن يتصرف فرد بوحي خالص من فكره المجرد، ولا أن يقتنع أحد بفكرة انشرح لها صدره، بل يريد أن يُفعل الفعل أو يترك لوجهه لا لوجه الحق.

فالاستبداد كما يراه الكواكبي يتلخص في تغليب إرادة واحدة، لا تسمح بإرادات أخرى إلى جانبها على خلاف هواها. فمن خضعوا للاستبداد طويلا، لا تعنيهم إرادة غير إرادة الحاكم المسلط عليهم، ولا يشغلهم شاغل في حياتهم غير الخوف من غضبه والسعي إلى رضاه، راغمين خوفا منه، راضين بحقيقته وانقيادا لخداعه، وخداع أذنابه ومؤيديه[68].

ثم يلجأ الكواكبي إلى الأسلوب التصويري في تجسيد تصرفات المستبد وتعريفه، فهو يتحكم في شؤون الناس فارضا إرادته، "ويعلم أنه الغاصب المعتدي، فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عند النطق بالحق والتداعي لمطالبته". وهذه الصورة تصور بشاعة المستبد، واحتقاره لرعيته، وهي تفصح في الوقت ذاته عن مدى القهر والذل الذي تتعرض له الرعية [69].

"المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلها. وهو إنسان مستعد بالطبع للشر، وبالإلجاء (يحوجك إلى أن تفعل فعلا تكرهه). يود أن تكون رعيته خلقت كالغنم درًّا وطاعة، وكالكلاب تذبُّلا وتملقا".

المستبد يود أن تكون رعيته بقرا تحلب، وكلابا تتذلل وتتملق، وعلى الرعية أن تدرك ذلك فتعرف مقامها منه: هل خلقت خادمة له، أو هي جاءت به؛ ليخدمها فاستخدمها[70]. ونلاحظ أن الكواكبي اختار حيوانات وضيعة تجسد معادلا فنيا للحالة البائسة والذليلة التي كانت عليها الرعية[71].

  • الكواكبي وركائز الاستبداد:

تطرق الكواكبي إلى أهم العوامل التي  يعتمد عليها المستبد في استدامة مجتمع القهر، وذلك عندما تحدث عن نظام حكم استبدادي رجعي يعتمد في بقائه على نظام المستعمرين الأجانب والرجعية الداخلية التي تمتلك الثروات، والفئة الضالة من رجال الدين التي تستخدم رسالات السماء لخدمة المستبد[72].

ويقول: "المستبد يتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله. ويتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله. يسعى إلى تفريق الأمم إلى مذاهب وشيع متعادية، تقاوم بعضها بعضا؛ فتتهاتر قوة الأمة ويذهب ريحها، فيخلو الجو للاستبداد ليبيض ويفرِّخ".

إن سلطة المستبد تلتمس كل طريق ليكون لها ظهير ديني ممن احترفوا أن يكونوا ضمن جوقة  "علماء السلطان"، فيتبنّى هؤلاء أفعالها ويبررون بطشها وعنفوانها، فيكونون عونا وسندا للمستبد في ظلمه وطغيانه؛ فيقدم هؤلاء طبعة خاصة من الدين والتدين ليكون ذلك كله ضمن خطة تطويعهم لمصلحة المستبد؛ ومن ثم فلا عجب أن تجد ظهيرا دينيا للمستبد واستبداده يمنع الدعاء على الظالمين ويسوغ غلاء الأسعار وعملية إفقار عموم الناس وتجويعهم؛ ويمهدون لهم حياة الذل والاستعباد، ويجعلونها قدرا مقدورا أو ابتلاء مزعوما، ويكون كل ممارساته من جَور أو ظلم مبررا مدعوما لم يكن كل ذلك[73].

  • قواعد رفع الاستبداد والتخلص منه:

أكد الكواكبي في مقدمة كتابه أن الاستبداد السياسي هو آفة الآفات والداء الوبيل الذي تعاني منه الأمم، يقول: " حيث إني تمحَّص عندي أن أصل الدَّاء هو الاستبداد السياسي، ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية. وقد استقر فكري على ذلك – كما أن لكل نبأ مستقر- بعد بحث ثلاثين عاما". فما السبيل إلى الحل؟ يحدثنا الكواكبي عن عدة قواعد يمكنها أن تخلصنا من ربقة الاستبداد.

  • فالوعي أول درجة في مرتقى التخلص من الاستبداد "فالأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية. فيلزم أولا تنبيه حس الأمة بآلام الاستبداد، ثم يلزم حملها على البحث في القواعد الأساسية السياسية المناسبة لها؛ بحيث يشغل ذلك أفكار كل طبقاتها".
  • يرى الكواكبي أن التغيير الذي يحصل بالتدرج يكون أنفع وأرسخ وأحكم مما يحصل بثورة مفاجئة. وهنا تظهر ثوريته الواقعية التي لا تريد أن تقفز قفزا عشوائيا، خشية السقوط في براثن استبداد آخر أشد مرارة من سابقه[74]. كما يرى أن الثبات والعناد هما الوسيلة الناجعة لمقاومة الاستبداد.

يقول: "الاستبداد لا يقاوم بالشدة، إنما باللين والتدرج. الاستبداد لا ينبغي أن يقاوم بالعنف؛ كي لا تكون فتنة تحصد الناس حصدا. الوسيلة الوحيدة الفعالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقي الأمة في الإدراك والإحساس. وهذا لا يتأتى إلا بالتعليم والتحميس. يلزم لمقاومة قوة المستبد من الإرهاب بالعظمة، وقوة الجند، وقوة المال، وقوة الألفة على القسوة، وقوة رجال الدين، وقوة أهل الثروة، وقوة الأنصار من الأجانب، مقابلة تلك القوات بما يفعله الثبات والعناد المصحوبان بالحزم والإقدام.

  • من الركائز المهمة في دفع الاستبداد وضوح الغاية من قلع الاستبداد، والخطوة التي تلي ذلك.  ولا بد من الاتفاق على هذه الغاية من الجماعة الوطنية المقاومة لهذا الاستبداد أو على الأقل من الأكثرية.

يقول:" يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ماذا يُستبدل به الاستبداد. فمعرفة الغاية شرط طبيعي للإقدام على كل عمل. كما أن معرفة الغاية لا تفيد شيئا إذا جُهل الطريق الموصل إليها.ثم لا بد من تعيين المطلب والخطة تعيينا واضحا، موافقا لرأي الكل، أو لرأي الأكثرية".

ثانيًا: آفة العنصرية وكيف حاربها الإسلام؟

يأتي طرح هذا الموضوع، لما تشهده الدول "المتقدمة" من نزعة عنصرية، تجلت -أخيرا-  في أبرز صورها في قتل جورج فلويد الأميركي الجنسية، الأسود البشرة.

وانطلقت مظاهرات في بعض الولايات الأميركية للاعتراض على مقتله، وحدث صدام بين المتظاهرين والسلطة هناك، مما جعلنا نتوقف مع هذه الظاهرة، لنتعرف على مفهومها، وأشكالها، وأسبابها، وموقف المؤسسات الدولية منها، ثم كيف حاربها الإسلام.

  • مفهوم العنصرية

اختلف الباحثون في تعريف التمييز العنصري، أو "العنصرية"، وذلك بناء على اختلاف وجهات نظرهم لاختلاف تخصصاتهم في علوم الحياة المختلفة، ومن هذه التعريفات، أن التمييز العنصري هو "التعميم المطلق لقيمة فروق فعلية، أو منفعة وهمية لتحقيق منفعة من يدعيها لنفسه، ويلحق الضرر بضحيته، ليسوِّغ تميزه وعدوانيته، أو هو "التفريق بين إنسان وآخر بالنظر إلى العنصر والجنس واللون". و"التمييز العنصري عقيدة تستند إلى أسطورة مناقضة للدين الحق، والعلم الصحيح حول تفوق أو نقص هذه الأجناس، أو تلك، محاولة بذلك تبرير السياسة العدوانية ضد الكائن البشري التي تقوم على الاغتصاب والإرهاب والاستعباد"[75].

وكما ورد في الإعلان الدولي لحقوق الإنسان:  "التمييز العنصري أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة"[76]  .

إذن فالأشكال المختلفة للتمييز العنصري تكون على أساس:

  • العِرق: يوحي هذا المصطلح  بدلالات ومعان عنصرية قائمة على أصول "بيولوجية" ثابتة، ويعنون به؛ تقسيم الشعوب إلى ثلاثة أعراق: الأبيض القوقازي والأسود الزنجي والأصفر المنغولي، حيث يرى التمييز العنصري أن لدى العرق الأبيض صفات متفوقة من حيث الذكاء والسمو الأخلاقي والإرادة وهذه الصفات الإرثية هي التي أدت إلى بسط المجتمعات الغربية سيطرتها على العالم[77].
  • أو اللون؛
  • أو النسب؛
  •  أو الأصل القومي؛
  •  أو الإثني: مفهوم الإثنية يحمل معنى اجتماعيا خالصا؛ فالإثنية تشير إلى مجمل الممارسات الثقافية والنظرة التي تمارسها أو تعتنقها جماعة من الناس، وتتميز بها عن الجماعات الأخرى. ومن أبرز هذه السمات المميزة: اللغة أو التاريخ أو السلالة والدين وأساليب اللباس والزينة[78].

مصادر وأسباب العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب[79]:

  1. العبودية وتجارة الرقيق.
  2. الاستعمار.
  3. الفصل العنصري والإبادة الجماعية.
  4. كره الأجانب الموجه ضد غير المواطنين،  ولاسيما المهاجرون واللاجئون وملتمسو اللجوء.
  5. الفقر والتخلف والتهميش والاستعباد الاجتماعي والتفاوتات الاقتصادية.
  6. الاسترقاق السياسي والاقتصادي، عدو البشرية الأول، وسرطان الأمم المعذبة[80]

تداعيات العنصرية والتمييز:

إن العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب، وما يتصل بذلك من تعصب هي من بين الأسباب التي أدت إلى[81]:

  1. تخلف البلدان النامية ولا سيما إفريقيا.
  2. النزاع المسلح.
  3. الافتقار إلى الحكم الديمقراطي الشامل للجميع، القائم على المشاركة.

موقف المنظمات الدولية:

أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1963 القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، كما جاء في بيانها المكون من إحدى عشرة مادة، ونكتفي هنا بالإشارة إلى المادة 1 و2:

المادة 1: يمثل التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الإثني إهانة للكرامة الإنسانية، ويجب أن يدان باعتباره إنكارا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وانتهاكا لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعقبة دون قيام علاقات ودية وسلمية بين الأمم، وواقعا من شأنه تعكير السلم والأمن بين الشعوب.

المادة 2:

1. يحظر علي أية دولة أو مؤسسة أو جماعة أو أي فرد إجراء أي تمييز كان، في ميدان حقوق الإنسان والحريات الأساسية، في معاملة الأشخاص أو جماعات الأشخاص أو المؤسسات بسبب العرق أو اللون أو الأصل الإثني.         
2. يحظر علي أية دولة أن تقوم، عن طريق التدابير الضبطية أو غيرها، بتشجيع أو تحبيذ أو تأييد أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل الذى يصدر عن أية جماعة أو أية مؤسسة أو أي فرد.    

وبناء على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، إذ ترى الجمعية العامة للأمم المتحدة أن ميثاق الأمم المتحدة يقوم على مبدأي الكرامة والتساوي الأصيلين في جميع البشر، وترى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعلن أن البشر يولدون جميعا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المقررة فيه، دون أي تمييز لا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي، وإذ تري أن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم حق متساو في حمايته لهم من أي تمييز ومن أي تحريض على التمييز[82] .

كيف حارب الإسلام العنصرية؟

إن الإنسان أخو الإنسان، مهما اختلف لونه أو جنسه أو معتقده أو لغته، فأصل البشر آدم عليه السلام وحواء عليها السلام، الذي يقول الله تعالى عنه: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا" (النساء: 1)

وعلى هذا يقوم المجتمع البشري قويا مطمئنا ويتوطد التعاطف والتعاون بين أفراده، الذين هم إخوة من أب واحد وأم واحدة. ومع أن المتبادر من روح الآية أن الخطاب موجه في الدرجة الأولى إلى المسلمين، وهم أهل الدعوة إلى تقوى الله في الحقوق التي هي قدر مشترك بين جميع الناس الذين يتألف منهم المجتمع البشري. وفي هذا تقرير بوحدة النفس الإنسانية[83].

وكان مما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته الجامعة في حجة الوداع: "يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، " إن أكرمكم عند الله أتقاكم" . ألا هل بلغت ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: فيبلغ الشاهد الغائب"[84].

إن ما يقضي على العنصرية والتمييز العنصري بين الناس جميعا، هو أن يعلم الناس أننا بشر من أصل واحد،  وليس هناك أجناس يفضل بعضها بعضا، كما زعم صاحب نظرية التمييز العنصري.

يجب على عقلاء العالم أن يحذروا من مغبة العنصرية وأثرها السلبي على الجميع، فالعنصرية أصل الفقر والتخلف والاستبداد، وتصنع الكراهية، فسياسة العنصرية والتمييز العنصري تؤدي إلى الصراعات، كما تؤدي إلى حرمان طوائف وأقليات بشرية كثيرة من حقوقها الإنسانية، كما تؤدي إلى انصراف الأفراد والشعوب والطوائف عن التفكير في البناء والتقدم والرقي بالإنسانية على تفكير سلبي مقيت جوهره التعصب ومؤداه التناحر والصراع، وهذا ما يحدث في كثير من بلدان العالم اليوم تحت مسميات أزمة الأقليات والصراعات العرقية وغيرها[85] .


خاتمة

في الوقت الذي يتهدد فيه شبح التقسيم عدة دول عربية (ليبيا، اليمن، سوريا، السودان)، تطل دولة الكيان الإسرائيلي بمساندة أميركا لضم أراض محتلة في الضفة الغربية، وذلك يعكس حالة الضعف العربي، التي لا تحتاج إلى شاهد أو دليل. وإذا ما استمرت الدول العربية في هذا الأداء السيئ لإدارة أزماتها القطرية، والإقليمية، فينتظر أن يتسع خطر تهديد تقسيم الدول العربية ليشمل دولا أخرى، كما سيشجع الكيان على الحلم، بطي ملف فلسطين المحتلة. ولعل البعض يتصور أن الواقع العربي يصعب معه استرداد الوعي، والوصول إلى حالة من الحفاظ على الهوية والحدود، بل والعمل على تحقيق وحدة العربية، ولكن تجربة الاتحاد الأوروبي، والتي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، تشير إلى أن إصلاح شأن المنطقة العربية وارد، إذا ما وجدت الإرادة السياسية.


المصادر:
[1]  رويترز، التحالف بقيادة السعودية يعلن وقف إطلاق النار في اليمن، 8 إبريل/ نيسان 2020.
https://bit.ly/3aQ7Lkl
[2]  رويترز، تصاعد العنف في اليمن مع انتهاء هدنة كورونا، 16 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2Vh1ZmY
[3]  الحساب الرسمي لوزير الصحة في حكومة الحوثيين، د. طه المتوكل، على موقع تويتر.
https://twitter.com/MinisterofH_YE
[4] رويترز، وكالة: التحالف بقيادة السعودية يقول أسقط طائرتين مسيرتين أطلقهما الحوثيون، 1 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2CzNwvT
[5] اتفاق الرياض: اتفاق عُقد في الرياض في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بين المجلس الانتقالي الجنوبي وبين الحكومة الشرعية.
[6] Middle East Monitor, UAE-backed militias stage ‘coup’ in Yemen’s Socotra, 20th June 2020.
https://bit.ly/3fUWmCN
[7] الحساب الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء اليمني (الحكومة الشرعية) على موقع تويتر، 19 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/3dyIuga
[8]  وكالة الأناضول، محافظ سقطرى: السعودية سهلت سيطرة "الانتقالي" على الجزيرة، 23 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/3i3cX9k
[9] بيان هام، الصفحة الرسمية لمحافظ سقطرى، رمزي محروس، على موقع فيس بوك، 20 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/3dBygLL
[10]  عربي 21، "الانتقالي" يسيطر على مقار رسمية بسقطرى.. وتوعد حكومي، 19 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/3hTKdzU
[11] صحيفة الشرق الأوسط السعودية، «التحالف» ينشر مراقبين لوقف إطلاق النار بعد تأكيد الحكومة اليمنية و«الانتقالي» تنفيذ اتفاق الرياض، 24 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/37YJvNn
[12]  وكالة الأناضول، اليمن.. اشتباكات بين قوات الحكومة و"الانتقالي" بأبين رغم الهدنة، 23 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2Nv8Kxm
[13]  المصدر السابق، اليمن: لا نقبل أن يكون اتفاق الرياض ذريعة "لتمرد الانتقالي"، 20 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2B8rnVf
[14]  الأناضول، نتنياهو: لن نسمح لفرصة ضم مستوطنات بالضفة أن تمر، 25 مايو/ أيار 2020 2020.
https://bit.ly/2BQa37C
[15]   Times of Israel، نتنياهو يخبر نواب الليكود أن ضم الضفة الغربية سيتم في شهر يوليو، 25 مايو/ أيار 2020 2020.
https://bit.ly/38dfKID
[16]  رويترز، ألمانيا تبدي قلقا بخصوص خطة الضم الإسرائيلية لكنها لم تتطرق بعد لفرض عقوبات، 15 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2ZeUaPW
[17]  العربي الجديد، الإمارات تواصل الترويج للتطبيع: التواصل مع إسرائيل مهم، 17 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/31qJq3S
[18] Yedioth Ahronoth News، Annexation will be a serious setback for better relations with the Arab world، 12th June 2020.
https://bit.ly/2VsubUa
[19]  العربي الجديد، إسرائيل تلوح بقضم "الوصاية الأردنية" لضبط الرد على الضم، 2 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/3896pl1
[20]  العربي الجديد، الدعوة لمشروع فلسطيني وعربي وإسلامي لمواجهة المشاريع الإسرائيلية، 5 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2CPorxk
[21] المصدر السابق، الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تجدد تحذيرها من تداعيات مخطط الضم، 21 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/3i9Jv1v
[22]  المصدر السابق، إسرائيل توسِّط مصر لمنع رد حماس والجهاد على الضم، 17 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2YIUKGN
[23] كان الحزب الحاكم في تونس والمهيمن على الحياة السياسية منذ الاستقلال 1956 إلى بداية سنة 2011، أي عندما اندلعت ثورة تونس - وهو الآن منحلّ.
https://bit.ly/2YplUlA
[24] سبوتنيك عربي، البرلمان التونسي يرفض لائحة الحزب الدستوري بشأن التدخل في ليبيا، 4 يونيو/ حزيران 2020.
https://sptnkne.ws/C94P
[25] الصفحة الرسمية للنائب عياض اللومي عن حزب "قلب تونس" على الفيس بوك، تصريح بخصوص لائحة الحزب الدستوري الحر، 4 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2VbXxpB
[26] الصفحة الرسمية للنائب هشام العجبوني ،رئيس الكتلة الديمقراطية في البرلمان التونسي، 4 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2CzpMbp
[27] رويترز، الأمم المتحدة: الطرفان المتحاربان في ليبيا يتفقان على محادثات هدنة، 2 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2NCQlyu
[28] جريدة ديلي صباح التركية، حكومة الوفاق الليبية تطلق عملية "عاصفة السلام" رداً على اعتداءات حفتر، 26 مارس/ آذار 2020.
https://bit.ly/2yKlRGX
[29] الصفحة الرسمية لعملية بركان الغضب على الفيسبوك، بيان صحفي من المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي، 13 أبريل/ نيسان 2020.
https://bit.ly/2BUijTL
[30] فرانس 24، قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية تسيطر على قاعدة "الوطية" الجوية، 18 مايو/ أيار 2020.
https://bit.ly/31vopVK
[31] الصفحة الرسمية لعملية بركان الغضب، بيان صحفي من المتحدث باسم الجيش الليبي بخصوص تحرير ترهونة، 5 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2VwGxKP
[32]  رويترز، أمريكا تدرس إرسال وحدة "تدريب" لتونس وسط توتر في شمال أفريقيا، 30 مايو/ أيار 2020.
https://bit.ly/2Vuo3uH
[33] المصدر السابق، فرنسا تريد إجراء محادثات بشأن موقف تركيا "العدواني" في ليبيا، 15 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/3eMqBMe
[34] المصدر السابق، تركيا تتهم فرنسا بتصعيد أزمة ليبيا، 16 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/3ghrjS9
[35] ، السيسي يلوح بالتدخل العسكري في ليبيا ويؤكد على "شرعيته"، 20 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2YJCPPY
[36] BBC عربي، الحرب في ليبيا: مصر تطرح مبادرة لحل الأزمة بعد هزائم حفتر المتوالية، 6 يونيو/ حزيران 2020.
https://bbc.in/2CUKO4t
[37]  الصفحة الرسمية لمجلس النواب الليبي (طرابلس) على موقع فيس بوك، 21 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2Vujal8
[38] العربي الجديد، رخصة دستورية للجيش الجزائري للقتال في الخارج: تغير جذري بالعقيدة العسكرية، 7 مايو/ أيار 2020.
https://bit.ly/2X9FXUs
[39] رويترز، مصر وإثيوبيا والسودان تستأنف المحادثات بشأن سد النهضة، 10 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/31tx3DU
[40] العربي الجديد، خلافات سد النهضة تصل إلى طريق مسدود وإحالة نقاطها إلى رؤساء الوزراء، 17 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2YMRnOM
[41] رويترز، مسؤول بالاتحاد الأفريقي: تم حل أكثر من 90 % من القضايا في مفاوضات سد النهضة، 27 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/3g4MUNs
[42] بيان صحفي، الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية على موقع فيس بوك، 27 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/38c7jNV
[43] BBC عربي، سد النهضة: مصر والسودان تعلنان عن توافق بشأن تأجيل ملء خزان السد الإثيوبي، 27 يونيو/ حزيران 2020.
https://bbc.in/2Zmb9Qt
[44] فرانس 24، إثيوبيا تعلن عزمها البدء بملء خزان سد النهضة خلال أسبوعين، 28 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2Vvs8P4
[45] العربي الجديد، مصدر إثيوبي: سدّ النهضة أُنجز بنسبة 74 في المائة، 3 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/3ie3OuN
[46] المصدر السابق، إثيوبيا تبدأ بإزالة الغابات لملء سدّ "النهضة" متجاهلةً بيان القمة الأفريقية، 27 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/38chpyg
[47] صحيفة الرأي، مجلس الأمن يعقد جلسة الإثنين بشأن سد النهضة، 26 يونيو/ حزيران 2020.
http://alrai.com/article/10542238
[48] اليوم السابع، تطور جديد فى ملف سد النهضة.. مصر تطرح رؤيتها أمام مجلس الأمن، 30 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2BPbOBZ
[49] Independent, US hits Syria with toughest sanctions yet as economic collapse looms, 17th June 2020.
https://bit.ly/38jeKCJ
[50] العربي الجديد، ما هو قانون قيصر؟، 5 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2Vxo1lu
[51] رويترز، أمريكا ستفرض عقوبات على سوريا لدفعها للعودة لمفاوضات الأمم المتحدة، 16 يونيو/ حزيران 2020.
https://bit.ly/2BQYMDU
[52] رويترز، الحكومة اللبنانية ترفع سعر الخبز المدعوم وسط انهيار العملة المحلية، 30/6/2020
[53] العربي الجديد، العتمة تهدد لبنان..مؤسسة الكهرباء تحذر من توقف عملها، 1/7/2020
[54] رويترز، مديرة صندوق النقد تقول لبنان بحاجة لمزيد من الوحدة بشأن الاصلاحات، 26/6/2020.
[55] روسيا اليوم، استقالة ثاني مسئول في محادثات صندوق النقد، 29/6/2020.
[56] العربي الجديد، "المركزي السوري" يخفض سعر الليرة 79% بعد تطبيق "قيصر" 18/6/2020
[57] العربي الجديد، سورية: الكساد يعصف بالمشروعات التجارية والصناعية، 26/6/2020.
[58] العربي الجديد عقوبات "قيصر" تطاول الأسد ونظامه..والليرة تتهاوى، 19/6/2020
[59] القبس، قانون "قيصر"..يطلق رصاصة الرحمة على الاقتصاد السوري، 12/6/2020.
[60] عربي 21، هل يلجأ نظام الأسد لطباعة فئة 5 آلاف ليرة ..ما الاتداعيات؟، 4/5/2020
[61] وكالة الأناضول للأنباء، صندوق النقد يتوقع انكماش اقتصاديات الخليج 7.6 بالمئة في 2020، 30/6/2020
[62] الشروق، معهد التمويل الدولي يتوقع اسوأ ركود اقتصادي في تاريخ دول مجلس التعاون الخليجي، 2/6/2020.
[63]  توفي الكواكبي في مثل هذا الشهر ، في 14 يونيو 1902.
[64]  طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد .ص11.
[65]  السابق.
[66]  عبد الرحمن الكواكبي فارس النهضة والأدب. د. ماجدة حمود. ص 53.
[67]  عبد الرحمن الكواكبي فارس النهضة والأدب. د. ماجدة حمود. ص 53.
[68]  حركة الإصلاح في العصر الحديث: عبد الرحمن الكواكبي نموذجا. تحرير: زكي علي العوضي وآخرون . ص 373.
[69] عبد الرحمن الكواكبي فارس النهضة والأدب. د. ماجدة حمود. ص 56.
[70] زعماء الإصلاح في العصر الحديث. أحمد أمين .
[71] عبد الرحمن الكواكبي فارس النهضة والأدب. د. ماجدة حمود. ص 56.
[72]  عبد الرحمن الكواكبي شهيد الحرية ومجدد الإسلام. د. محمد عمارة. ص 145.
[73]  الظاهرتان الدينية والاستبدادية. سيف الدين عبد الفتاح. العربي الجديد . في 22نوفمبر 2019.
[74]  القهر ومشروعية سلطة الدولة. علي صبيح التميمي. ص 54.
[75] محمد ممدوح شحاته خليل. التمييز العنصري وأحكامه في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة.ص 818. وانظر: أحمد بن عبد الله الزغبي. العنصرية اليهودية وأثرها في المجتمع الإسلامي والموقف منها.
[76] تعريف " الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"، وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، المؤرخ في 1965.                           https://www.ohchr.org/ar/ProfessionalInterest/Pages/CERD.aspx
[77] https://aljadeedmagazine.com/
[78]  https://aljadeedmagazine.com/
[79] المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب(حقوق الإنسان والأمم المتحدة) . من منشورات إدارة شؤون الإعلام بالأمم المتحدة . نيويورك 2003. www.un.org
[80] محمد الغزالي . الإسلام و الأوضاع الاقتصادية. ص141.
[81] السابق.
[82] اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965. تاريخ بدء النفاذ: 4 كانون الثاني/يناير 1969، وفقا للمادة 19.
[83]  محمد ممدوح شحاته خليل. التمييز العنصري وأحكامه في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة. المجلد الخامس من العدد الرابع والثلاثين لحولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية.ص 813.. وانظر محمد عزت دروزة. التفسير الحديث (مرتب حسب ترتيب النزول).
[84] https://www.alukah.net/sharia/0/48219/#ixzz6QrV4dMnf
[85] محمد ممدوح شحاته خليل. التمييز العنصري وأحكامه في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة. ص 845، وانظر: التنظيم الإسلامي للعلاقات الدولية . محمد نصر محمد .ص 388.