رغم الخلاف السياسي.. ما سر إقبال السعودية على شراء الأسلحة التركية؟
.jpg)
ما شهدته تركيا في السنوات الأخيرة من طفرة هائلة في الصناعات الدفاعية، والتكنولوجيا العسكرية ظهر جليا في حرص العديد من دول العالم على توقيع عقود بملايين الدولارات مع الشركات التركية للحصول على منتجها المتميز.
أصبحت شركات الصناعات الدفاعية التركية مثل "هافيلسان"، و"أسلسان" وغيرهما، محط أنظار العديد من دول العالم، وتسعى المؤسسات العسكرية في هذه الدول ومن بينها السعودية، للحصول على هذه الخدمات، وعقد صفقات تسليح كبرى مع تلك المؤسسات.
ورغم الخلافات العميقة بين أنقرة والرياض، بشأن العديد من القضايا الإقليمية، أبرزها ملفات قطر وليبيا ومصر بعد الانقلاب العسكري صيف 2013، إلا أن شركات الدفاع التركية الكبرى استحوذت على عدد من عقود التسليح داخل المملكة العربية السعودية.
عقود جديدة
في 24 يونيو/ حزيران 2020، نشرت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، أن شركات الدفاع التركية في طور التفاوض للاستحواذ على عقود جديدة بالرياض بفضل الحلفاء المتمتعين بعلاقات جيدة في مجال الأعمال.
المجلة خصت بالذكر الوكيل السعودي المعروف عمر بن علي بن عمر بابطين، الذي يترأس مجموعة من الشركات المنضوية تحت مظلة "شركة عمر علي بابطين وإخوانه"، والتي يطلق عليها أيضا اسم "Alomba Group".
ويتمتع بابطين باتصال مباشر مع كبار المسؤولين في تركيا لسنوات طويلة، حيث أظهرت رسائل البريد الإلكتروني المخترقة التي نُشرت على شبكة الإنترنت عام 2015 أنه كان على اتصال مباشر مع إرشاد هورموزلو، المستشار السابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وذكرت المجلة أن بابطين عمل بانتظام على نطاق واسع لصالح الشركات التركية في السعودية. ومن بين أهم تلك الشركات، عملاقة الدفاع التركية "هافيلسان Havelsan"، التي فازت بعقد توريد أنظمة توجيه الصواريخ للقوات الجوية الملكية السعودية (RSAF).
عملاق الدفاع
يذكر أن التعاون الأخير بين عملاق الدفاع التركي "هافيلسان"، والمملكة، لم يكن الأول من نوعه، ففي 3 ديسمبر/ كانون الأول 2016، وقعت الرياض اتفاقية مع الشركة التركية، لتطوير أنظمة البرمجيات وتوفير حلول متكاملة في قطاعي الدفاع والاتصالات داخل المملكة.
وتعمل شركة "هافيلسان" التي أسست في العاصمة التركية أنقرة عام 1982، في مجالات الاتصالات والكمبيوتر والاستخبارات وأنظمة القتال البحرية وأنظمة الدفاع الجوي وأنظمة المحاكاة والتدريب وأنظمة الأمن الوطني وأنظمة إدارة الطاقة.
كما تركز الشركة في نشاطاتها على التحليل والتصميم وتطوير الأنظمة المدمجة الواسعة النطاق وتشتمل قدراتها الهندسية على أنظمة المراقبة والاستطلاع والاستخبارات .
وفي 2 مايو/ أيار 2020، أعلن إسماعيل دمير، رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية، عن إبرام شركتي الصناعات الجوية والفضائية "توساش" والصناعات الإلكترونية الجوية "هافلسان" التركيتين، اتفاقا للتعاون في مشروع المقاتلة المحلية.
وفي بيان صدر عن دمير، حول مشروع المقاتلة المحلية، أشار إلى استمرار أعمال تطوير المقاتلة المحلية على قدم وساق، وأن "توساش" و"هافلسان" أبرمتا اتفاقا بهذا الصدد.
ويتضمن الاتفاق بين الشركتين، التعاون في نواحي تطوير البرمجيات، والمحاكاة، والتدريب، ومحاكاة الصيانة، والدعم الهندسي، وغيرها من المجالات الأخرى.
الجيل الخامس
وقال دمير في بيانه: "عند اكتمال مشروع المقاتلة الوطنية، ستكون بلادنا من بين البلدان المالكة للبنية التحتية والتكنولوجيا التي تمكنها من إنتاج الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة، بعد الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين".
وحسب مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية، فإنه من المنتظر أن تحل المقاتلة التركية في صفوف القوات الجوية محل المقاتلة الأمريكية "F-16" بشكل تدريجي اعتبارا من عام 2030.
وتهدف تركيا من خلال مشروع المقاتلة المحلية، إلى الدخول في مصاف الدول المصنعة لطائرات الجيل الخامس.
وبدأ مشروع تصنيع الطائرة، في سبتمبر/ أيلول 2018، من خلال البدء بمرحلة التصميم والنموذج الأولي، ويجري العمل على إتمام المشروع قبل أوانه المخطط له.
وسيتم في إطار المشروع، إنتاج 6 طائرات في المرحلة الأولى، ومن ثم الانتقال إلى الإنتاج التسلسلي عام 2033
ذلك التطور الهائل في الصناعات العسكرية، لفت أنظار العديد من القوى الإقليمية للتعاون العسكري، مع تركيا، منهم السعودية، التي تسعى إلى تطوير قدراتها القتالية بعد الدخول في عدد من الملفات الخارجية لا سيما ملف اليمن، وخضوعها للتهديد المستمر من قبل الحوثيين، الذين قصفوا العديد من المواقع داخل المملكة.
عصر الدرونات
وكذلك في ظل الطفرة الهائلة التي حققتها الصناعات الدفاعية التركية في تصنيع وتطوير الطائرات المسيرة، استطاعت المملكة العربية السعودية وأثناء ذروة جائحة كورونا في مطلع العام 2020، أن تستحوذ من شركة "فيستل" للصناعات الدفاعية التركية، على عقد تقدر قيمته بـحوالي 200 مليون دولار في إطار التصنيع المشترك للطائرات المسيرة "متوسطة الارتفاع عالية البقائية (MALE)" من طراز "كارايل (Karayel).
وجدير بالذكر أن شركة "فيستل" كانت في شراكة محلية مع "شركة الإلكترونيات المتقدمة (AEC)"، التي استحوذت عليها "الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي، SAMI)" المملوكة جزئيا للدولة، خلال العام 2019.
وقامت الشركة ببيع طائرات مسيرة "جاهزة" من طراز "كارايل" مزودة بحجيرات إلكترونيات من إنتاج شركة "ويسكام" إلى "القوات الجوية الملكية السعودية في عام 2017. حسب ما أوردت "إنتلجنس أونلاين".
وفي تقريرها المنشور 7 فبراير/ شباط 2019، ذكرت وكالة الأناضول، أن أنقرة احتلت المركز السادس عالميا في تصنيع الطائرات العسكرية المسيرة (بدون طيار) وذلك بعد الولايات المتحدة وإسرائيل والصين وباكستان وإيران.
وفي عام 2007 بدأت الشركة التركية للصناعات الدفاعية "بيكار" المرحلة الأولى بتطوير نموذج الطائرة المسيرة "بيرقدار TB2"، وأجرت أولى رحلاتها في يونيو/حزيران 2009، عقب ذلك أبرمت الشركة التركية، اتفاقا لتطوير المرحلة الثانية من المشروع تحت إشراف بيرقدار.
وفي 21 يونيو/ حزيران 2019، تمكنت الطائرة بدون طيار التركية "بيرقدار TB2" من تحطيم رقم قياسي في تاريخ الطيران التركي، ببلوغ ساعات طيران وصلت إلى 100 ألف ساعة، وأصبحت العمود الفقري لقوات تركيا الجوية بفضل قدراتها التقنية المرتفعة.
وفي 15 مايو/ آيار 2019، كشف موقع إنترسبت الأميركي أن "تركيا دخلت العصر الثاني لصناعة الطائرات المسيرة (الدرون)، وباتت تنافس دولا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا كأكبر منتج ومستخدم لهذا النوع من الطائرات الفتاكة".
وحسب تقرير الموقع الأميركي فإن "تركيا ولجت عصر الدرونات الأول على الطريقة القديمة حيث اشترت 6 طائرات غير مسلحة من شركة "جنرال أتومميكس" الأميركية عام 1996، واستخدمتها ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جنوبي شرقي البلاد.
وليست المملكة العربية السعودية فحسب من قام بالتوجه لتركيا لشراء الطائرات المسيرة، والتعاون الدفاعي مع الشركات التركية، فهناك العديد من الدول التي حرصت على الحصول على خدماتها، ومن أبرز هذه الدول أوكرانيا، وقطر.
خطوات كبيرة
في 11 مارس/ آذار 2020، نشر موقع "ديفينس نيوز" المتخصص في الشؤون العسكرية، تقريرا عن تقليل الدولة التركية الاعتماد على واردات الأسلحة خلال السنوات الماضية، حيث ذكر الموقع أن تركيا خطت خطوات كبيرة نحو إنتاج الأسلحة محليا، وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على الصادرات، وتقليل اعتمادها على الواردات.
ووفقا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI) للعام 2019، انخفضت واردات تركيا من الأسلحة بين عامي 2015 و2019 بنسبة 48% عن فترة الخمس سنوات السابقة. ولم تكتف أنقرة بخفض واردات السلاح، بل زادت أيضا صادرات الأسلحة بنسبة 86% بين عامي 2015 و2019.
وبحسب موقع (تي آر تي وورلد) التركي الرسمي، في مارس/ آذار 2020، فإن عمليات الجيش التركي في سوريا استعملت مجموعة واسعة من المركبات الجوية غير المأهولة ذات التكنولوجيا الفائقة والدبابات والصواريخ وأنظمة الرادار، وكان نجاح هذه العمليات دليلا على تقدم تركيا في الصناعة العسكرية.
ولفت إلى أن من بين أهداف رؤية عام 2023، في الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية تركيا التي أعلنها الرئيس رجب طيب أردوغان، أن تصبح تركيا دولة مكتفية ذاتيا من حيث التسليح.