"محور شر" جديد.. اتحاد مشبوه بين فلول ابن علي وأتباع السيسي

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ثورة غضبه، مدافعا عن رئيس مصر الراحل محمد مرسي، قال النائب التونسي سيف الدين مخلوف، في حديثه تحت قبة البرلمان: إن الثورة التي حدثت في بلاده هي امتداد لتلك التي جرت في ميدان التحرير بالقاهرة، وهو ما أثار الاتجاه المضاد في تونس.

وأضاف مخلوف في 17 يونيو/حزيران 2020: "اليوم ذكرى استشهاد الرئيس المدني المنتخب الوحيد في تاريخ مصر، الشهيد محمد مرسي، والذي انقلبوا عليه في انقلاب دموي، قتلوا فيه الآلاف في ساعتين".

وتابع: "الثورة المصرية كانت جزءا وامتدادا للثورة التونسية، تصير المجزرة التي صارت، ويغتال الرئيس الشهيد في محاكمات صورية. الانقلاب الصهيوني الفاشي في مصر، هو من اغتال الرئيس محمد مرسي".

تلك الكلمات العاصفة أثارت غضب الاتجاه المضاد من النواب المناهضين لثورات الربيع العربي، مثل النائبة عبير موسي، المعروفة بكراهيتها للإسلاميين والمحافظين، ومناصرتها للرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، والعمل المستمر على التأثير سلبا في تجربة تونس الديمقراطية. 

وهو الأمر الذي يتلاقى مع رغبة الاتجاه المضاد للثورة في مصر، والذي عبر عنه الإعلامي أحمد موسى مؤخرا حينما حرض على التظاهر في تونس، حيث ترغب مصر أن تسير هذه التجربة على خطاها، حيث جاء على رأس سلطتها عبد الفتاح السيسي، عبر انقلاب دموي.

جلسة عاصفة

وفي نفس الجلسة البرلمانية رفع سيف الدين مخلوف النائب عن "ائتلاف الكرامة"، صورة محمد مرسي، في الذكرى الأولى لوفاته داخل سجون الانقلاب العسكري في مصر، الأمر الذي أثار غضب النائبة عبير موسي، رئيسة حزب "الدستوري الحر".

وقد كتب مخلوف على الصورة "رحم الله محمد مرسي، الرئيس الشهيد، تبقى الأسود أسودا".

أما عبير موسي ومناصروها داخل البرلمان، فاعتبروا أن رفع صورة "زعيم جماعة الإخوان المسلمين"، وفق تعبيرها، أمر غير مقبول وأنه بمثابة استفزاز لمشاعر الحضور.

وتضامنت النائبة عن حزب "قلب تونس" آمال الورتتاني، مع عبير موسي، الأمر الذي جعل مخلوف يغادر القاعة غاضبا هو وزملاؤه في الائتلاف، ومرددا خلال خروجه عبارة "رغم أنوفكم"، مشيرا بصورة مرسي نحو النواب الساخطين.

وأعلن نواب "ائتلاف الكرامة" بأن عبير موسي ترفع صور الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة داخل قاعة الجلسات العامة في وقت تحوم حول فترة حكمه شبهات قتل وتعذيب لمعارضيه في مرحلة وصفوها بالديكتاتورية السوداء. 

كما اتهم القيادي في حركة النهضة عماد الخميري، كتلة عبير موسي، بأنها ليس لها مصلحة أن يكون لتونس برلمان يحظى بالاحترام من قبل الشعب، وهي كتلة لا تؤمن بالثورة، ولا بالديمقراطية وفق تعبيره. 

وأقر الخميري في تصريحات لوسائل إعلام تونسية محلية، بأن موسي تتعمد تسمية حركة النهضة بالإخوان وهو نوع من أنواع الفاشية التي تنكر على الأشخاص حق الأسماء وحق اللون والدين والجغرافيا والطائفة وغيرها .

وأوضح بأن عبير موسي جاهلة بالتاريخ وبالتحولات التي شهدتها الحركات السياسية بما في ذلك حركة النهضة، وهي ترغب بخوض خصومة ليس لها أصل.

رمزية مقلقة 

الاختلاف بشأن رفع صورة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، داخل البرلمان التونسي، باعتباره رمزا للنضال والصمود، وباعتباره أول رئيس مدني منتخب لمصر، والذي وافته المنية يوم الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2019، بالمحكمة داخل قفص زجاجي عازل للصوت، حاجب للصورة، لم يكن مستجدا، بل هو سابقة متكررة، منذ لحظات وفاته، وحتى الآن.

ففي اليوم الثاني لرحيله، قرأ نواب البرلمان التونسي، في جلسة عامة، سورة الفاتحة على روح الرئيس المصري، وقال النائب عن الكتلة الديمقراطية عماد الدائمي: إن "الترحم على مرسي، اعتراف منا جميعا بوجود تضامن إنساني مع رجل مات ظلما في السجن، ومع رئيس شرعي انقلبوا عليه، وسُجن وتم التنكيل به طيلة ثلاث سنوات، وهذا الاعتراف دليل على أن تونس دولة ديمقراطية". 

ورغم أن الواقعة مثلت حالة إنسانية بحتة، كما ذكر رئيس البرلمان (آنذاك) الشيخ عبد الفتاح مورو، لكن النائبة التونسية فاطمة المسدي، عن كتلة حزب "نداء تونس" أثارت جدلا واسعا، بعدما رفضت قراءة الفاتحة، وطالبت بعدم "أخونة البرلمان" على حد تعبيرها.

ودائما ما تصف عبير موسي حركة النهضة بأنها "جناح التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين"، كما دعت أكثر من مرة إلى "حل حركة النهضة".

وهددت موسي بإعادة الإخوان إلى المعتقلات، في خطاب متوافق مع فلول النظام السابق في تونس، والأخطر أنه متناسق مع خطاب أعداء الربيع العربي في مصر، ومتماهي مع التجربة المصرية الكارثية في وأد الديمقراطية، بالانقلابات العسكرية الدموية، خاصة وأن الإعلام المصري يحرض على إثارة الفوضى والشغب في تونس. 

تحريض وغضب

التقاطع المصري التونسي، في تحقيق آمال الديمقراطية، وتأسيس تجربة وطنية ناجحة، خلق أيضا تقاطعا في العدائية مع أطراف الثورة المضادة في كلا البلدين.، فمن البرلمانية التونسية عبير موسي، إلى الإعلامي المصري أحمد موسى، كان المسار واضحا.

ففي 10 يونيو/ حزيران 2020، أثار المذيع المصري الغضب في الأوساط التونسية، خصوصا مع تحريضه الأخير ضد حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي.

وبدا خطاب أحمد موسى في حلقات برنامجه على قناة "صدى البلد" ممتلئا بكراهية واضحة، وتحريضا ضد الحركة ورئيسها راشد الغنوشي، كما وصف الاحتجاجات التي كان يدعو لها هؤلاء بأنها "ثورة ضد حركة الإخوان المسلمين".

وهو ما دعا نقيب الصحفيين التونسيين ناجي البغوري، إلى الاعتراض، والتدوين أن "إعلامي مصري تافه، لا تعطوه أكثر من حجمه، ولا تحققوا حلمه في النجومية، فهو يعرف جيدا أن وضع بلادنا، على عِلّاته وبكل أمراضه، حلم له ولغيره في المستقبل البعيد. كل التضامن مع ضحايا القمع والاستبداد في أرض المحروسة". 

فيما كتب الأكاديمي والباحث السياسي سالم بولبابة عبر حسابه في "فيسبوك"، أن "تونس الديمقراطية والحرية مزعجة للأنظمة الفاشية التي تستبيح شعوبها، أما قط المزابل التافه أحمد موسى الذي يتطاول على بلدنا فهو ما زال يعيش مرحلة العبودية ويعلم أننا في تونس نمارس حريتنا وحتى انتقاداتنا العنيفة ضد كل المسؤولين وننام بسلام".

محور الشر

الإعلامي المصري عبد الله الماحي، تعجب "من أحمد موسى وبقية إعلام المخابرات المصرية"، مبينا أنهم "يتركون سد النهضة (تعمل إثيوبيا على بنائه ويقلص كمية المياه في مصر) وكل المشاكل والتحديات العصيبة التي تواجهها مصر في كل الملفات وينشغلون بحركة النهضة في تونس".

وقال لـ"الاستقلال": "لا يوجد بيننا وبين تونس أي حدود مشتركة ولا أرى أنها تُمثل للمصريين أي تهديد لا سياسي ولا اقتصادي ولا عسكري، ما يحدث أمر عجيب وغريب ومثير للدهشة".

ولفت إلى أن التفسير الوحيد لتصريحات أذرع السيسي الإعلامية هو أنهم "مجرد أبواق دعائية مأجورة لمحور الشر والثورات المضادة التي تُصر على وأد ثورات الربيع العربي بأكملها وعودة الفساد وتركيع الشعوب بإثارة النعرات والفتن".

وتابع: "فعلوا ذلك مع التجربة المصربة قبل الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، والآن تستخدم الثورات المضادة نفس الآليات والأدوات التي نجحت في تعطيل التجربة الديموقراطية في مصر على أمل أن تنجح أيضا في وأد التجربة الديمقراطية في تونس".

واستدرك: "لكننا هنا نعول على الوعي الجمعي للشعب التونسي الذي يرى ما وصلت إليه مصر من تردي وضياع وانحطاط في كل المجالات بداية من انهيار التجربة الديمقراطية وعودة الاستبداد وصولا إلى تكميم الأفواه والقضاء التام على حرية الرأي والتعبير وانتهاء بالفشل الذريع في التعامل الخارجي مع ملف الأمن القومي المائي حتى أصبح الشعب المصري لا حول له ولا قوة". 

وأردف الإعلامي المصري: "التجربتان المصرية والتونسية متشابهتان في الوسائل والمطالب والآليات السلمية وتواجهان نفس التحديات المتمثلة في عودة النظام السابق والانقلاب على الثورة مثلما حدث في مصر وإثارة القلاقل ومحاولات الثورات المضادة المستميتة في عودة الفساد والديكتاتورية مرة أخرى كما يحدث في تونس هذه الأيام".

وواصل أن "ما تقوم به عبير موسي في البرلمان التونسي في محاولة منها لمنع النائب البرلماني، سيف الدين مخلوف، الذي رفع صورة الرئيس المصري المنتخب ديموقراطيا في البرلمان التونسي تخليدا لذكراه خير دليل على ما سبق ذكره". 

واختتم الماحي حديثه، بأنه "معلوم للجميع أن التجربة التونسية هي الملهمة لثورات الربيع العربي، فهي شرارة الثورات ضد المستبدين في المنطقة".

وقال: "لا شك أن إصرار الشعب التونسي على إكمال تجربته بشكل ديمقراطي حضاري ضد محور الشر ودول الثورات المضادة يمثل إزعاجا وقلقا كبيرا لهذه القوى بعد الفشل المتكرر في محاولات إجهاض التجربة والقضاء عليها بضخ الأموال وتهييج الأبواق الإعلامية المأجورة للنيل من رموز وقامات تونسية وطنية معروفة".